زاد استخدام الأطباء البُدلاء أكثر، فماذا نعرف عن جودة الرعاية التي يقدمونها؟

7 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ثمّة حقيقة تتعلق بالرعاية الصحية، ويعرفها القليلون، مفادها توظيف المستشفيات في كثير من الأحيان لأطباء بُدلاء للحلول مؤقتاً مكان الأطباء الذين يقضون إجازاتهم، أو أولئك المرضى، أو الذين يرتادون مؤتمرات، بشكل عام، محل الأطباء غير الموجودين لسبب أو لآخر.

ويُطلق على هؤلاء الأطباء المؤقتين أيضاً اسم “الأطباء البُدلاء” (locum tenens physicians) (من اللاتينية، وتعني “يشغل عوضاً عن، ويستعيض عن”)، بدأ استخدام الأطباء البُدلاء في الولايات المتحدة، في سبعينات القرن الماضي، وازداد الطلب على هؤلاء الأطباء المؤقتين باضطراد لينفجر عدد الأطباء الأميركيين الذين يعملون كأطباء بُدلاء بشكل مطرد على مدار الخمسة عشر عاماً الماضية من نحو 26,000 طبيب تقريباً في عام 2002 إلى نحو 48,000 طبيب في عام 2016، أو ما يقرب من 5% من مُجمل تعداد الأطباء.

وفي الوقت نفسه، كان ثمّة قلق بشأن ما إذا كان الأطباء البُدلاء يُقدمون رعاية أقل جودة مقارنةً بأولئك الدائمين. ففي المملكة المتحدة، التي تعتمد بشكل كبير على الأطباء البُدلاء، ازدادت المخاوف بشأن جودة الرعاية التي يقدمها هؤلاء الأطباء، إذ فاق الطلب على الأطباء البدلاء عدد المتوفرين المؤهلين، مما أدى، في بعض الأحيان، إلى توظيف أطباء بُدلاء للعمل في تخصصات لم يتدربوا عليها.

وبينما تشير استطلاعات المسؤولين في مستشفيات الولايات المتحدة إلى وجود رضى عام عن جودة عمل الأطباء البُدلاء، فإن ثمّة بيانات عملية محدودة حول جودة الرعاية التي يقدمها هؤلاء الأطباء وتكلفتها.

وحاولنا سد هذه الفجوة المعرفية المهمة من خلال عملنا على تقييم جودة الرعاية التي يقدمها الأطباء البُدلاء لمرضى المستشفيات ممن لديهم التأمين الصحي الحكومي الأميركي “ميدكير” [تأمين صحي حكومي لذوي الدخل المحدود] ممن دخلوا المستشفى لسبب طبي عام (مثل الالتهاب الرئوي وفشل القلب وضيق التنفس) بين عامي 2009 و2014، وتكلفة هذه الرعاية. وقارنّا النتائج السريرية والإنفاق لمرضى المستشفيات الذين عولجوا على يد أطباء اختصاصيين بالأمراض الباطنية العامة بُدلاء أو دائمين، ونشرنا دراستنا حديثاً في “جاما” JAMA.

انتشار الأطباء البُدلاء

يوجد عدد من العوامل التي حفّزت الطلب على الأطباء البُدلاء، منها زيادة الطلب على الخدمات السريرية من المرضى المؤمَّن عليهم حديثاً، والنقص في عدد الأطباء، وتوحيد الممارسات المعيارية فيما يتعلق بما يقوم به الأطباء والأنظمة الصحية (والذي يؤدي بدوره إلى توظيف العيادات الجماعية متعددة الاختصاصات والمستشفيات لأطباء أكثر وامتلاكهم في الوقت نفسه لمعدلات استقالات ومغادرة أعلى من تلك الأصغر حجماً).

كما يُستَخدم الأطباء البُدلاء على نطاق واسع في الرعاية الصحية الأولية، والطب النفسي، وطب المستشفيات، فضلاً عن استخدامهم بانتظام ضمن تخصصات أخرى متعددة إضافية.

ويقدم مسح أجرته “ستاف كير” (Staffcare)، وهي وكالة لتوظيف الأطباء البُدلاء في الولايات المتحدة، لأداء ما يقرب من 900 طبيب بديل في عام 2017 بعض الأفكار الأساسية حول مَن هم الأطباء البُدلاء. إذ كان يبلغ عمر ثلاثة أرباع الأطباء الذين شملهم الاستطلاع 51 عاماً أو أكثر، وكان 65% منهم يمارسون المهنة لمدة 21 سنة على الأقل. وكان 90% منهم يعملون أطباءً دائمين في مرحلة ما من حياتهم المهنية، بينما أشار 8% منهم فقط إلى أنهم عملوا طوال حياتهم المهنية أطباء بُدلاء. وأفاد ما يقرب من نصف الذين شملهم الاستطلاع أنهم بدؤوا العمل أطباء بُدلاء خلال منتصف حياتهم المهنية، في حين بدأ 36% منهم تولي وظيفة الطبيب البديل بعد تقاعده من الممارسة الدائمة. وكانت العوامل الأكثر شيوعاً التي تؤثر على قرارات المجيبين حول تحديد سبب قبولهم العمل أطباء بدلاء هي: الموقع (89%)، ومستوى الأجور (67%)، وطول المهمة (60%)، وعدد المرضى الواجب الاهتمام بهم (38%).

ماذا تقول بياناتنا

ربما يتوجب على ما اكتشفناه طمأنة المرضى ومسؤولي المستشفيات والعيادات والأطباء وصانعي السياسات حول أن نوعية الرعاية التي يقدمها أخصائيو الأمراض الباطنية المؤقتين الذين يتم التعاقد معهم مماثلة لتلك التي يقدمها الأطباء الدائمين. لكن تبيّن لنا من تحليلنا في الوقت نفسه أنه كان لدى المرضى الذين عولجوا على يد أطباء بُدلاء تكاليف رعاية أعلى قليلاً، ومدة إقامة أطول، مما يزيد من المخاوف حيال تقديم أولئك الأطباء البُدلاء لرعاية أقل كفاءة.

كما وجدنا تماثلاً في معدلات الوفاة لدى المرضى الذين عولجوا من قبل الأطباء البُدلاء والأطباء الدائمين على مدار 30 يوماً (8.83% لمرضى الأطباء البُدلاء مقابل 8.70% لمرضى الأطباء الدائمين). وكانت معدلات عودة المرضى إلى المستشفى ثانية بعد المغادرة ضمن فترة 30 يوماً هي 22.80% للمرضى الذين عولجوا من قبل الأطباء البُدلاء مقابل 23.83% لمرضى الأطباء الدائمين، وهو فرق صغير من حيث القيمة المطلقة، ولكنه ذي أهمية إحصائية.

وفي المتوسط، يتكلَّف المرضى الذين عالجهم الأطباء البُدلاء 124 دولاراً أكثر من المرضى الذين عالجهم الأطباء الدائمين (1,836 دولاراً مقابل 1,712 دولاراً)، ويقضون 0.4 يوماً إضافياً في المستشفى (متوسط مدة الإقامة كان 5.6 يوماً لمرضى الأطباء البُدلاء، و5.2 يوماً لمرضى الأطباء الدائمين). ولكل نتيجة من هذه النتائج دلالة إحصائية، إلا أنها لم تكن كبيرة من الناحية العملية.

ورغم عدم استطاعتنا تقييم سبب ارتفاع تكلفة الرعاية للمرضى الذين عولجوا من قبل الأطباء البُدلاء وسبب طول مدة إقامتهم، إلا أن أحد التفسيرات المحتملة لذلك أنه نظراً لأن الأطباء البُدلاء لم يكونوا على علمٍ ببيئة العمل، فإنهم كانوا أقل كفاءة، إذ يستغرق الأمر بعض الوقت لمعرفة كيفية العمل بكفاءة في نظام جديد للتسليم السريري. ويُمكن أن تعكس تكاليف التعلم المرتفعة، وطول فترة الإقامة لمرضى العشرة الأوائل منحنى التعلم هذا. ويمكن لهذا التفسير أن يكون متوافقاً مع الأبحاث التي أجراها أستاذي “إتش بي إس” (HBS)، روب هاكمان، وغاري بيسانو، على جراحي القلب الذين يعملون في مستشفيات متعددة، مما يشير إلى أن للخبرة السريرية لدى الطبيب ضمن مستشفى معين تأثير أكبر على النتائج الخاصة بمرضاه مقارنةً بتجربة سريرية تراكمية ناتجة من العمل في مستشفيات متعددة. والاحتمال البديل هو أن تكون كفاءة الأطباء البُدلاء أقل من نُظرائهم الدائمين.

ولسوء الحظ، لم نتمكن من تحديد ما إذا كان الأطباء البُدلاء غير معتادين على مكان عملهم، نظراً لأن عملية فوترة الأطباء البُدلاء تتم مع تعمية اسم الطبيب الذي يتلقى الفاتورة، بالتالي يكون اسمه وأي تفاصيل عنه مجهولة تماماً. لذا، لم نتمكن من معرفة عدد المرات التي عمل فيها الأطباء كأطباء بُدلاء، أو ما إذا كانت المستشفيات قد عيّنت الطبيب البديل أكثر من مرة.

لكننا نعلم أن بعض المستشفيات تستخدم أيضاً الأطباء البُدلاء بتواتر أكبر من البقية. وتساءلنا عما إذا كان هذا يؤثر على نتائج مرضاها. فعلى سبيل المثال، إذا كانت المستشفيات تعتمد على الأطباء البُدلاء بشكل أقل تواتراً، والذي عرّفناه بأنه اعتماد المستشفيات على الأطباء البُدلاء لتقديم رعاية طبية بنسبة تقل عن 0.45% (1 في 220) من المرضى في المستشفيات في أجنحة طبية عامة، فقد يكون لديهم خبرة أقل في فحص هؤلاء الأطباء أو إعدادهم لتوفير تغطية مؤقتة.

ولتقصّي هذه الفرضية بشكل أكبر، قسمنا المستشفيات في بياناتنا إلى ثلاث مجموعات: المستشفيات في المجموعة الأولى كانت تعتمد على الأطباء البُدلاء لتوصيل الرعاية لنسبة تزيد عن 2.5% من جميع المرضى الذين دخلوا المستشفى بشكل عام، ومجموعة ثانية اعتمدت على الأطباء البُدلاء بنسبة تقل عن 0.45% من المرضى، في حين كانت المجموعة الثالثة هي تلك الواقعة بين تلك النسبتين. وعندما نظرنا إلى النتائج في المجموعتين الأولى والثالثة، لم نجد فروقاً ذات دلالة إحصائية في النتائج السريرية بين المرضى الذين عالجهم الأطباء البُدلاء والأطباء المقيمين.

ومع ذلك، وبالنسبة للمستشفيات في الفئة التي توظّف الأطباء البُدلاء بشكل أكبر، وجدنا زيادة في معدلات الوفيات على مدار 30 يوماً أعلى بشكل كبير (11.6% مقابل 8.5%) مقارنةً بالمرضى الذين عولجوا على يد أطباء بُدلاء مقابل أطباء دائمين. وبعبارة أخرى، في المستشفيات التي تستخدم الأطباء البُدلاء بشكل متكرر، يبدو أن معدلات وفاة المرضى الذين عولجوا من قبل هؤلاء الأطباء أعلى مقارنةً بالأطباء الدائمين.

لا يمكننا شرح سبب حدوث ذلك. لكن بعض التفسيرات المحتملة تستحق الذكر. فربما تفتقر المستشفيات التي تستخدم الأطباء البُدلاء إلى فرص الحصول على أطباء بُدلاء ذوي جودة مرتفعة، وتوظِّف بالتالي أطباء أقل جودة للعمل المؤقت لديها. أو ربما لا تستثمر في أنواع برامج الانضمام والتكامل التي تساعد في دمج الأطباء البُدلاء في مؤسساتها. فوفق أحد الجراحين الدائمين في المملكة المتحدة، والذي عمل طبيباً بديلاً في 20 مستشفى مختلفاً، فإن الأجور التي يتقاضاها الأطباء البُدلاء من المستشفيات تختلف بشكل كبير بين مستشفى وآخر، إذ لا تملك بعض المستشفيات الميزانيات اللازمة لدفع “أفضل الأجور” لقاء التعاقد مع أفضل الأطباء. كما ذكر هذا الجراح أيضاً أن 9 منشآت فقط من أصل 20 منشأة عمل فيها زودته بأي برامج انضمام أو تعريف بالمؤسسة، في حين قدمت 6 منشآت فقط تعليمات حول كيفية استخدام نظام الكمبيوتر الخاص بها.

ومن المهم أن نُقرَّ بالقيود المحتملة على عملنا. فرغم قيامنا بحساب العديد من المتغيرات التي كان من الممكن أن تؤثر على النتائج التي تثير اهتمامنا، إلا أنه ليس بإمكاننا أن نكون متأكدين من جسابنا لجميع المسائل المربكة المحتملة. وشملت دراستنا أيضاً الأطباء البُدلاء الذين استوفوا تعريف “مركز الرعاية الطبية والخدمات الطبية” (CMS) الرسمي لمصطلح “الأطباء البُدلاء”، بالتالي لا يمكننا أن نكون متأكدين من قدرتنا على تعميم نتائجنا على باقي الأطباء البُدلاء ممن يقعون خارج نطاق هذا التعريف، مثل الأطباء المعينين للمساعدة في حالات الإصابات الموسمية أو عند الاحتياج الشديد أو لملء وظائف طبية مُستحدثة حتى يتم تعيين طبيب دائم فيها. وقد لا تنطبق النتائج التي توصلنا إليها على الأطباء البُدلاء في التخصصات الطبية الأخرى مثل طب الطوارئ والجراحة والتخدير، أو للمرضى من ذوي تأمين طبي آخر بخلاف “ميدكير” ممن يتلقون العلاج من قِبل أطباء بُدلاء أيضاً. وسيكون البحث الإضافي مفيداً للغاية لفهم ما إذا كانت أنماط ممارسة الأطباء المؤقتين الآخرين متوافقة مع ملاحظاتنا.

ومع توقع استمرار نمو الطلب على الأطباء المؤقتين في الولايات المتحدة وخارجها، ومن المتوقع أن يستمر هذا في النمو، وسوف يصبح أكثر أهمية معرفة الأطباء الذين يختارون العمل أطباءً بُدلاء، وما هو تدريبهم ومؤهلاتهم، وكيف تقوم المستشفيات والعيادات بضمّهم وتقييمهم وإدارتهم.

وفي الوقت الحالي، لا توجد مبادئ توجيهية وطنية بشأن “أفضل الممارسات” فيما يتعلق بتوظيف الأطباء البُدلاء وتدريبهم ودمجهم. ويمكن أن يساعد تطوير هذه المبادئ المستشفيات والعيادات على تحديد أفضل الأطباء البُدلاء ذوي التأهيل الجيّد وضمّهم وإدارتهم. وفي نهاية المطاف، ينبغي أن يكون هدفنا هو بناء أنظمة تُمكن الأطباء البُدلاء من تقديم رعاية عالية الجودة وذات قيمة عالية بشكل مستمر لا تختلف عن زملائهم الدائمين.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .