الأميركيون بحاجة إلى التغلب على خوفهم من الرياضيات

4 دقائق

في سوق عالمية قائمة على المنافسة، ما زالت الوظائف في قطاعات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات تشهد ارتفاعاً هائلاً في أهميتها الاستراتيجية، ما يجعل رهاب الرياضيات الموثّق منذ فترة طويلة في أميركا يشكّل عائقاً أكثر من أي وقت مضى. وإذا تحاشى الطلاب المتمكنون من الرياضيات العمل في وظائف تتضمن الحساب والحوسبة، فهذا يُضعف القوة العاملة في الولايات المتحدة ويُضر بمركزها في الاقتصاد العالمي.

القلق من الرياضيات هو خوف مستمر من الرياضيات أو توجّس منها، وهو يؤثر على اختيار طلاب الكليات من الفصول، والمسارات المهنية التي يتبعونها. وكعالم معرفي، يساورني قلق من أنّ ذلك يمنع الطلاب الذين يمتلكون القدرة على النجاح في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات من تحقيق النجاح فيها. وكرئيس لكلية بارنارد (Barnard College) التي تركز على تمكين النساء الشابات، فإنني قلق أيضاً إزاء حقيقة أنّ الفتيات والنساء يمتلكن على الأرجح قلقاً أكثر من الرياضيات، كما أنهن أقل ثقة في قدراتهن في الرياضيات مقارنة بالأولاد، ما قد يساعد في تفسير استمرار ضعف تمثيلهن في الكثير من مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM).

يبدأ القلق من الرياضيات بعمر صغير لدى الجنسين. وقد وجدتُ أنا وفريقي البحثي أنه في مرحلة مبكرة كالصف الأول والثاني، يشير نصف الطلاب تقريباً إلى أنهم قلقون "بدرجة متوسطة" إلى "كبيرة جداً" إزاء الرياضيات. وفي الولايات المتحدة، يُقدَّر أنَّ ربع الطلاب الذين يتعلمون في كليات لمدة أربع سنوات يعانون من مستوى متوسط أو عال من القلق من الرياضيات. ووجدت إحدى الدارسات أنّ القلق بالغ بما يكفي لاستلزام المشورة لدى 11% من طلاب الجامعات الأميركية.

وبينما يشير مكتب إحصاءات العمل الأميركي إلى أنّ العمالة في وظائف تعتمد بشكل كبير على الرياضيات ستزيد بنسبة 28% بين عامي 2016 و2026، أي أسرع بكثير من المتوسط لكل الوظائف، يشير بحثي ودراسات أخرى إلى أننا لا نقوم بما يكفي للتعامل مع القلق من الرياضيات. ويتحدث 93% من الأميركيين عن شعورهم بمستوى ما من القلق. كما يمتلك كثيرون استجابة غريزية بنفس سوء فكرة مواجهتك بالأرقام والأعداد، وتصبح في أحوال كثيرة أكثر سوءاً بامتلاك تاريخ شخصي من الإحراج في فصول الرياضيات (ويُطلق عليها "صدمة الرياضيات" math trauma).

كيف نعكس هذا الخوف ونتأكد من قيام الشباب والشابات الأميركيين باغتنام الفرص (بدلاً من تجنبها) التي تؤهلهم للوظائف في قطاعات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في المستقبل؟

أولاً، يمكننا العمل لإحضار الرياضيات لأولئك الذين قد يتفادوها. ومن النهُج التي يمكن اتباعها لتحقيق ذلك إلزام جميع الطلاب بأخذ مساقات تدفعهم للتفكير بشكل تجريبي مع البيانات، بغض النظر عن تخصصهم. متطلبات المنطق التجريبي مدمجة في المنهاج الأساسي في كلية بارنارد، المعروفة منذ زمن طويل بالكُتاب والراقصين. وبالنسبة لمن يجدون صعوبات في تلبية متطلبات الفصول المليئة بالبيانات، فنحن نوفر وصولاً (من خلال غرف مساعدة) إلى مدربين يركزون على خفض اعتقاد الطلاب أنهم "غير جيدين في الرياضيات فحسب".

وثانياً، يتعين على جهات التوظيف تشجيع الطلاب ذوي الاهتمامات التعليمية المتنوعة وتقبلهم في برامج التدريب في قطاعات مرتبطة بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. لا تبحث عن تخصصات علوم الحاسوب فقط. وهذا يعني إمكانية أخذ طالب لا يكون ملماً بكل الأمور المتعلقة بالحوسبة ولكنه يمتلك موقفاً جيداً واستعداداً للتعلم. في العادة ستفاجئ مثل هذه الفرص المتدربين والموظفين على حد سواء. عندما يُعطى الطلاب اللامعون فرصاً لمعالجة المشاكل مباشرة وتعلم كيفية العمل مع البيانات والتلاعب بها لمعالجتها، عندها يميل حتى أولئك القلقين من الرياضيات إلى إيجاد معنى فيما يفعلونه وينجحون. تسمح برامج التدريب في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات للطلاب بالتواصل مع كبار القادة الذين ربما كان عليهم التغلب على تجربة مماثلة يتساءلون فيها عن مهاراتهم في الرياضيات أو الحوسبة.

وبينما نهيئ القوة العاملة الأميركية للنجاح في وظائف المستقبل، يتعين على الكليات وجهات التوظيف على حد سواء الاستمرار في تقديم تدريب على الرياضيات والحوسبة المتقدمة في إطار عملية التطوير الوظيفي، وخصوصاً لأولئك الذين يعلنون أنهم قلقون جداً إزاءها. بعض الشركات التي تفكر في المستقبل تطبق ذلك بالفعل. تصدّرت شركة "ديزني" عناوين الأخبار في العام الماضي مع برنامجها الذي يحمل اسم "كود: روزي" (CODE:Rosie)، والذي درّب موظفات حاليات يعملن في مناصب غير تقنية في مجال تطوير البرمجيات، وبعد إكمال البرنامج أصبحن قادرات على الانتقال إلى وظائف جديدة داخل الشركة. هذه طريقة مهمة لجهات التوظيف للاحتفاظ بأفضل مواهبها وتطويرهم، مثل الأشخاص الذين يستطيعون الكتابة بشكل جيد وبلورة فكرة ما ويفهمون جداول البيانات.

وأخيراً، نحتاج إلى رفض التقبل الاجتماعي على اعتبار الأشخاص سيئين في الرياضيات. فكّر في الأمر: لا تسمع أشخاصاً أذكياء جداً يعلنون أنهم لا يستطيعون القراءة، لكنك تسمع الكثير من هؤلاء الأفراد أنفسهم يتحدثون عن "عدم شطارتهم في الرياضيات". عندما نردد مثل هذه المشاعر السلبية لأنفسنا وللآخرين، فإننا نكرِّس وهماً يزيد من إجمالي معدلات الرهاب من الرياضيات. عندما يرفض الطلاب الرياضيات، فإنهم يصنفون أنفسهم في وظائف ومسارات مهنية معينة، ويسبقون غيرهم فقط لأنهم لا يستطيعون تخيل القيام بعمل حسابي أكثر. يعتقد الكثير من الأشخاص أنّ قدرة الرياضيات هي سمة لا تقبل التغيير، لكن الأدلة تبين بوضوح أنّ هذا موضوع نستطيع جميعاً تعلمه والنجاح فيه.

وإذا كان على الأميركيين التنافس على وظائف في قطاعات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في المستقبل، فقد بات لزاماً علينا أن نساعد أولئك القلقين من الرياضيات كي يقتربوا منها بدلاً من تفاديها. وإن لم نفعل ذلك، فإننا نخسر شريحة من الناس الذين يمتلكون الإمكانية للنجاح في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. يمكن تطبيق ذلك في الكليات من خلال إلزام كل طالب بالالتحاق بفصول تركز على الأرقام. كما يمكن فعل ذلك في مكان العمل من خلال تقديم تدريب على الرياضيات والحوسبة لمن يجيدون جوانب أخرى بالفعل. في كلية بارنارد، يبدو أنّ نهجنا ناجح، حيث كان أكثر من ثلث الخريجين في فصلنا لعام 2019 من تخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (مقارنة مع نحو 21% من الطالبات على المستوى الوطني). وهذه أرقام نشعر بقلق أقل إزاءها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي