5 مجالات من المهم تطويرها لتكون استجابة الدول للجائحة القادمة أسرع وأذكى

6 دقائق
خطط المواجهة
رسلان داشينسكي/غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: ليس بالإمكان توقع طبيعة الجائحة التي سنشهدها المرة القادمة، ولذلك يجب على الولايات المتحدة ودول العالم تطوير قدرات تمنحها المرونة اللازمة للاستجابة لأي جائحة قادمة مهما كانت شراستها. ولكي تستعد الولايات المتحدة والدول لذلك يجب أن تتوفر لديها  5 قدرات محددة لبناء خطط المواجهة وهي التصنيع القابل للتكييف، القوى العاملة التي لديها قدرة على التوسع في مجال الرعاية الصحية، والابتكار اللامركزي، والقوانين المرنة، واتباع أساليب أفضل للتواصل والتنسيق.

 

ثمة من يدعو الولايات المتحدة ودول العالم بالفعل للبدء بأخذ خطوات للاستعداد على نحو أفضل لمواجهة الجائحة التالية عن طريق تطوير خطط مواجهة مفصلة بدقة سواء على المستوى المحلي أو على مستوى الولايات أو المستوى الفيدرالي. ولكن لدي وجهة نظر أخرى بناء على خبرتي في مساعدة شركة سي آي سي هيلث” على سرعة توسيع نطاق عملها في إجراء اختبارات الإصابة بكوفيد في عدد من الولايات الأميركية ومواقعها المخصصة للتطعيم الجماعي في ولاية ماساتشوستس الأميركية، إضافة إلى عملي في وضع الاستراتيجيات والتخطيط للشركات الكبيرة على مدى عقدين تقريباً. في حين تبرز أهمية خطط المواجهة بشكل جلي، فالخطط التي تفرض إجراءات إلزامية بدرجة مبالغ بها قد تؤدي بك إلى المسار الخاطئ لأنه ليس من الممكن توقع ما سيحدث بدقة. لذا بدلاً من تحديد جميع الإجراءات الممكنة بتفصيل شديد، من الأفضل أن تعمل على تطوير القدرة على التحرك بسرعة وذكاء.

يمكننا الاستعانة بصورة من عالم استراتيجيات الأعمال لتوضيح ضرورة هذا الأمر. تعرف الشركات أن عليها مواءمة نهجها الاستراتيجي لبيئتها الاستراتيجية، ويجب عليها أخذ عاملَين مهمين في الحسبان: مدى قدرتها على التنبؤ وقدرتها على إعادة تشكيل المستقبل. في البيئات التي يمكن التنبؤ بالمستقبل فيها، تصبح الأطراف التي تستطيع تنفيذ خطة تستفيد لأقصى درجة من أصولها المميزة هي الرابحة غالباً، وفي البيئات التي يمكنك إعادة تشكيل المستقبل فيها تصبح الأطراف المبتكِرة التي تنفذ خطة بعيدة النظر تزعزع قطاعها هي الرابحة عادة، ولكن في البيئات التي تتميز بدرجة عالية من الغموض وانعدام القدرة على تشكيل المستقبل، لا تكون الأطراف الرابحة هي صاحبة خطط المواجهة الموضوعة مسبقاً، بل التي تتمتع بالقدرة على التحرك بسرعة وذكاء وهي تلك الجهات التي تخرج من مراحل البناء الأولي بسرعة، وتغير اتجاهها بناء على ما تتعلمه في كل خطوة، وتتوسع بسرعة.

توضح الاستجابة لجائحة كوفيد-19 في الولايات المتحدة ما نتحدث عنه. ففي عام 2019 وبعد عدة أعوام من الجهود المبذولة، صنف فريق دولي من الباحثين والخبراء الولايات المتحدة على أنها الأولى بين 195 دولة في التأهب لمواجهة الجوائح ومنحها درجة تامة في “تخطيط التأهب للطوارئ والاستجابة لها”. (تم تخفيض نقاطها لاحقاً ولكنها لا تزال تحتل المرتبة الأولى في مؤشر الأمن الصحي العالمي لعام 2021). لكن من الواضح أن خطط المواجهة هذه ليست كافية على الرغم من تصنيفها على أنها ممتازة، لماذا؟ أولاً، على الرغم من أن الكثير تنبؤوا بانتشار جائحة فقد كان من غير الممكن التنبؤ بكثير من خصائصها الأساسية. مثلاً، كانت قدرة المصابين على نقل العدوى قبل أن تظهر عليهم الأعراض تعني أن خطط المواجهة التي اعتمدت على تحري الأعراض لن تنجح، كما أن تنفيذ هذا النوع من الخطط منح إحساساً زائفاً بالأمان. وثانياً، كانت قدرتنا على السيطرة أقلّ بكثير من المتوقع، خذ مثلاً أنظمة الإنذار المبكر، فهي لم تعمل كما كان مفترضاً.

كما يمكن أن يصعب التنبؤ بالجائحة التالية والسيطرة عليها، فتنوع التصورات المعقولة كبير جداً، ويشمل الفيروسات حيوانية المنشأ والإرهاب البيولوجي. من جهة أخرى، تناقصت الثقة بين الدول بسبب المخاوف المستمرة حول منشأ هذا الفيروس وتزايد الغضب بسبب فرض قيود السفر واللا مساواة في توزيع اللقاحات والمستلزمات الأساسية، ومن المحتمل أن يكون ذلك قد أدى إلى زيادة صعوبة تنسيق الاستجابة العالمية نوعاً ما. إذن، في مواجهة احتمال أن تتضمن الجائحة التالية عناصر غير متوقعة وأن تكون من الصعب السيطرة عليها، يجب أن تنتقل الولايات المتحدة إلى نهج لا يعتمد على خطط شديدة التفصيل وإنما على القدرات القابلة للتكييف في 5 مجالات على الأقلّ.

1. التصنيع القابل للتكييف

يجب أن تمتلك الولايات المتحدة منشآت تصنيع قادرة على تغيير نشاطها بسرعة والانتقال إلى إنتاج المواد الأساسية، وهي تشمل المصانع المتوقفة عن العمل التي تحتاج إلى إعادة تشغيلها وبعض المصانع العاملة بالفعل ويمكن الاستعانة بها بسرعة. هذا مهم بالنسبة لكل من التكنولوجيا المتطورة مثل الأدوية، والمواد منخفضة التكلفة كالكمامات والمسحات القطنية ومعدات الحقن.

لا تقتصر الأهمية على امتلاك هذه القدرة فحسب، بل يجب أن تتبع البلاد مجموعة مبادئ لحشد هذه الموارد وتكييف طرق توزيعها في جميع أنحائها مع تطور الأحداث. لن يستفيد أحد من اتباع نهج مجزأ تتنافس فيه الولايات فيما بينها كما حدث في جائحة كوفيد.

2. توسيع قدرة القوى العاملة في مجال الرعاية الصحية

أحد أهم التحديات التي نواجهها في الجائحة هو أن الحاجة المتزايدة إلى العاملين في مجالي الصحة العامة والرعاية الصحية تتعدى الطلب في الأوقات العادية بدرجة كبيرة، ولذلك يجب أن تتوصل الولايات المتحدة إلى طرق للاستمرار بشحذ مهاراتهم اللازمة للتعامل مع الجوائح.

وبما أن الولايات المتحدة تواجه نقصاً في أعداد الأطباء والممرضين منذ فترة طويلة فمن الضروري أن تتوصل إلى طرق لمكافأة الأشخاص الراغبين في الانتقال بسرعة إلى أدوار تزيد قدرة القوة العاملة الطبية واستبقائها وزيادة أعدادها عند زيادة الطلب بسبب الجائحة. وقد يتضمن مكافأة مجموعات تشمل ممرضي المدارس والأخصائيين الصحيين المحليين وفنيي الطوارئ الطبية الذين يمكن تنظيمهم وتدريبهم وكأنهم “كتائب مظلات الجائحة”.

3. الابتكار اللامركزي

يجب على الولايات المتحدة أيضاً بذل جهد أكبر لتسخير منظومة الابتكار. قال بيل جوي المؤسس المشارك لشركة “صن مايكروسيستمز”: “بغضّ النظر عن هويتك، يعمل أذكى الناس لدى أشخاص آخرين”.

في أثناء الأشهر الأولى من جائحة كوفيد-19، حمل مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها وحده مسؤولية تطوير اختبار يكشف عن الفيروس المسبب للمرض، وقد أدت مركزية خطوة الابتكار الأولى إلى تأخير كبير دام عدة أسابيع. في المقابل، كانت كوريا الجنوبية قادرة على تطوير اختبارات عالية الجودة وتوزيعها بسرعة لأنها لجأت إلى القطاع الطبي ليقوم بعملية الابتكار.

يجب أن تكون الولايات المتحدة مستعدة للمسارعة في تبني أساليب الابتكار المفتوح التي تجذب أصحاب المواهب الابتكارية من خارج القطاع الحكومي للمشاركة في تطوير الحلول المحتملة.

4. القوانين المرنة

من الضروري أن يمر أي ابتكار (سواء كان لقاحاً أو دواء أو اختباراً أو جهازاً أو برنامجاً طبياً) يستخدم في الوقاية من المرض أو تشخيصه أو علاجه بالتدقيق اللازم لتقييم فاعليته ودرجة أمانه، ولكن يجب على الولايات المتحدة وقف القوانين التي تؤدي إلى إبطاء الأمور دون داعِِ.

على الرغم من أن ترخيص الاستخدام الطارئ الذي منحته إدارة الغذاء والدواء الأميركية أدى في نهاية المطاف إلى تسريع منح الموافقات اللازمة لإجراء اختبارات الإصابة بكوفيد في المعامل المخبرية المستقلة، فعملية ترخيص الاستخدام الطارئ كشفت عن الكثير من الإجراءات الروتينية التي تعيق التحسينات المنطقية على العملية. مثلاً، أدركت المؤسسة المسؤولة عن إجراء اختبارات الإصابة بكوفيد سريعاً أن استخدام أنابيب الاختبار التي دُوّنت عليها معلومات المريض مسبقاً (بدلاً من تدوينها بعد أخذ العينة منه) ستوفر ساعات من زمن إكمال مهام الاختبار، ولكن إجراء هذا التغيير البسيط الذي لا علاقة له بالاختبار نفسه استدعى تعديل ترخيص الاستخدام الطارئ، وهو إجراء يستهلك وقتاً طويلاً.

والقانون الآخر الذي كان ضرره أكبر من نفعه هو الذي فرض أن يمنح الأطباء الإذن بإجراء اختبار “بي سي آر” (PCR) للمرضى للكشف عن الإصابة بكوفيد-19، وهو شرط أعاق ما أسميته مع أتول غاواندي “اختبار التوكيد” المتمثل في تكرار اختبار الإصابة للعاملين والطلاب الذين تظهر عليهم أعراض المرض بهدف إبقاء المدارس وأماكن العمل مفتوحة. هذا الشرط أدى إلى إضافة تكاليف غير ضرورية واستهلاك الوقت وتعقيد الإجراءات.

أدى التعامل مع إجراء اختبار الإصابة بكوفيد على مستوى السكان بنفس طريقة التعامل مع اختبار التشخيص التقليدي إلى تحميل كامل المؤسسة المسؤولة عن إجراء الاختبارات عبء البنية التحتية المكلفة لإجراء الاختبار بناء على ظهور الأعراض (وتشمل القوانين وتكنولوجيا المعلومات الصحية، والموارد الطبية). يجب على الولايات المتحدة عند التفكير في المستقبل تحديد المجالات التي يجب إعادة صياغة قوانينها كي لا تعيق الاستجابة السريعة والذكية لأي جائحة مستقبلاً.

5. أساليب أفضل للتواصل والتنسيق

كان التواصل العام في أثناء الجائحة فاشلاً في كثير من الحالات، وتم توثيق ذلك على نطاق واسع، وكان هذا الفشل مربكاً جداً نظراً للشكوك التاريخية حول دور الحكومة الفيدرالية في قضايا الصحة العامة وتفشي المعلومات المضللة.

يكمن التحدي الأساسي في أن الجميع يبحثون عن توجيهات واضحة في أثناء جمع البيانات حول الجائحة، لذلك، فمع تطور العلم يجب على السلطات الصحية توضيح ما تعرفه وما لا تعرفه بشفافية، وستخلق بذلك بيئة تتغيّر التوجيهات فيها استناداً إلى تغيّر المعلومات وتبني بذلك الثقة الضرورية (بدلاً من تقويضها) لحشد الدعم الشامل للمبادرات العامة بناء على الدلائل العلمية المثبتة (مثل اللقاحات التي أثبتت فعاليتها).

ثمة شرط آخر للاستعداد لتقديم استجابة قابلة للتكيف للجائحة، وهو الآليات التي تمنح الإدارات والوكالات الكثيرة المعنية على المستوى الفيدرالي ومستوى الولايات والمستوى المحلي القدرة على التواصل بفعالية فيما بينها وتنسيق إجراءاتها، وهذا يشمل خلق بيئة أفضل لمشاركة المعلومات والمعرفة والمخاوف. قد يكون تكييف هذا المجال هو الأصعب بسبب درجة انعزال هذه الكيانات وارتفاع الاستقطاب السياسي نسبياً في البلاد.

النتيجة: استجابة أسرع وأكثر فعالية

في نهاية المطاف، سيؤدي الاستثمار في بناء القدرات القابلة للتكيف في مجالات التصنيع والقوة العاملة والابتكار والقوانين والتواصل إلى منح الولايات المتحدة إمكانية الاستجابة للجائحة التالية على نحو أفضل بكثير مقارنة باستجابتها لجائحة كوفيد، وستكون هذه القدرات ذات قيمة أكبر بكثير من خطط المواجهة المفصلة بدقة شديدة.

قد يتخذ البعض موقفاً معاكساً يقول إن الحلّ الأفضل يتمثل في تخطيط التصورات بهدف تطوير خطط تشمل الكثير من الاحتمالات الغامضة المختلفة. أؤيد تخطيط التصورات بشدة ولكن ليس بهدف تطوير مجموعة متنوعة من خطط المواجهة بل أؤيده هو والمشاركة في ألعاب الحرب ومحاكاتها لأن هذه الأنشطة تساعد في بناء الكفاءات التي تحتاج إليها البلاد كي تصبح قادرة على التكيف.

قال القائد الأعلى لقوات التحالف في أوروبا في أثناء الحرب العالمية الثانية والرئيس الرابع والثلاثون للولايات المتحدة، دوايت آيزنهاور، في إشارة إلى ضبابية الحرب: “الخطط لا قيمة لها، ولكن التخطيط هو كل شيء“. نظراً للغموض الحتمي الذي سيلف الجائحة التالية، يجب أن نحرص على ألا تقتصر عملية التخطيط على وضع الخطط فحسب، بل أن تؤدي إلى بناء القدرة على التحرك بسرعة وذكاء استجابة لأي أزمة مستقبلية مهما كانت شراستها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .