لماذا لا يفلح نهج قطاع التكنولوجيا في حل مشكلة عدم المساواة بين الجنسين؟

6 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هناك طريقتان غالباً ما تحاول شركات التكنولوجيا استخدامهما لتحسين ثقافتها المؤسسية نحو النساء، ألا وهما برامج التوجيه والتدريب المناهضة للتحيز اللاواعي. بيد أن هذه البرامج غالباً ما تفشل في تحقيق أهدافها. تحاول برامج التدريب المناهضة للتحيز اللاواعي التغلب على التحيزات السائدة في مكان العمل، إلا أن الأبحاث الحالية توضح أن مثل هذه البرامج التدريبية قد تكون في أحسن الأحوال غير مجدية، وفي أسوأ الأحوال قد تؤدي إلى تفاقم التحيز. أما برامج التوجيه والتطوير فتهدف إلى زيادة مهارات المرأة وثقتها بنفسها لمساعدتها على التقدم، ومع ذلك يظل هناك نقص في تمثيل المرأة في المناصب القيادية.

في بحث جديد نُشر مؤخراً في دورية “النوع الاجتماعي والمجتمع“، أمضيت عاماً في إجراء دراسة حالة متعمقة على شركة تكنولوجية كبرى في وادي السيليكون بدأت تنفيذ مبادرة لتحقيق المساواة بين الجنسين، واشتملت على برامج توجيه وتدريب ضد التحيز اللاواعي. اكتشفتُ أن هذه البرامج تميل إلى إلقاء اللوم عن عدم المساواة، وعن مسؤولية التصدي له، على الموظفين. ثمة اعتقاد راسخ أنه إذا أمكن تدريب الرجال على الحد من تحيزاتهم اللاواعية (وبخاصة عند اتخاذ القرارات المهمة مثل: التعيينات والترقيات)، وتدريب النساء على التصرف بمزيد من الحزم وعلى إظهار مهارات قيمة (من خلال برامج التوجيه)، فربما يمكن حينئذ السيطرة على عدم المساواة بين الجنسين.

لكن هذا التفكير يعجز عن فعل شيء مهم، ألا وهو تحميل الشركة مسؤولية الدور الذي تمارسه في غرس عدم المساواة.

فالأبحاث السابقة تثبت أن المؤسسات تساهم في غرس عدم المساواة بطرق شتى: من خلال التوظيف بالترشيح الذي يؤدي إلى تقليل الفرص أمام المرشحين ذوي الخلفيات المهنية المماثلة، ومن خلال معايير التقييم الذاتية التي تفتح الباب للتحيز خلال تقييمات الأداء، ومن خلال غياب الشفافية والمساءلة في قرارات الرواتب بما يؤدي إلى عدم الإنصاف في توزيع المكافآت.

تشير أبحاثي إلى أن الشركات التكنولوجية إذا أرادت استقطاب النساء واستبقاءهن، فلا ينبغي لها إلقاء اللوم على الموظفين، بل يجب أن تعترف بالدور الذي تمارسه سياساتها وثقافتها في غرس عدم المساواة، ويجب عليها أن تسعى إلى إحداث تغيير مؤسسي. إن تطبيق استراتيجيات توظيف أوسع نطاقاً، ومعايير تقييم للأداء محددة وقابلة للقياس، وإجراءات تعويض مادي تتسم بالشفافية، كل ذلك سيكون له تأثير كبير في الحد من عدم المساواة بين الجنسين في قطاع التكنولوجيا.

مشكلة التركيز على الموظفين

لدراسة كيفية تعامل الشركة مع مسألة المساواة بين الجنسين، أجريت 50 مقابلة متعمقة مع 37 مديراً تنفيذياً رفيع المستوى عبر جميع أقسام المؤسسة. وقد ركزت على إجراء مقابلات مع المدراء التنفيذيين المسؤولين بصفة أساسية عن تنفيذ مبادرة الشركة لتحقيق المساواة بين الجنسين. كما تابعت 80 اجتماعاً مرتبطاً بالمبادرة، بما في ذلك “اجتماعات اللجان الفرعية” التي تنعقد داخل الأقسام، والبرامج التدريبية المناهضة للتحيز اللاواعي، واجتماعات تنمية المرأة، واجتماعات التخطيط بين الأقسام.

اكتشفت أن المدراء التنفيذيين يميلون إلى التركيز على تعليم النساء التكيف مع القالب الحالي من أجل الترقي إلى المناصب القيادية العليا، بدلاً من تعليمهن كيفية تغيير هذا القالب.

خلال عام من المتابعة، لاحظت منشوراً يعلن عن حدث لمبادرة نسائية قادمة. كان مكتوباً في المنشور: “أنتِ البداية. هل تساءلت يوماً لماذا لا ترشحين نفسك أو لماذا تقفين عقبة في طريق تقدمك؟ انضمي إلينا لتكتشفي القواعد غير المكتوبة الموجودة داخل المؤسسات وتلك الموجودة في مخيلاتنا”.

من خلال التلميح بأن النساء “تتخيل” وجود قواعد غير مكتوبة – بدلاً من الاعتراف باحتمالية وجود ممارسات مؤسسية متحيزة تعوق تقدمهن – قامت رسالة المنشور بتحميل النساء مسؤولية خلق عقباتهن بأنفسهن.

حين سألت مريم (جميع الأسماء الواردة بالمقالة مستعارة)، المديرة التنفيذية بأحد الأقسام الفنية، عما يمكن أن يساعد في ترقي النساء، كانت إجابتها كالتالي: “عدم التصرف كالرجال، وإنما التفكير مثلهم… هذه أكبر عقبة في طريق تقدم النساء داخل المؤسسات جنباً إلى جنب الرجال”.

كما شدد المدراء التنفيذيون أيضاً على أهمية بذل الجهد لتدريب الموظفين على الاعتراف بتحيزاتهم والسيطرة عليها. على سبيل المثال: أخبرني إبراهيم، المدير التنفيذي بأحد الأقسام الفنية، أنه اعترض على تطبيق نظام حصص المرأة في التعيينات والترقيات، وفضَّل بدلاً منه الأساليب التي تعتمد على الموظفين الذين يراقبون تحيزاتهم بأنفسهم.

على الرغم من أن مثل هذه البرامج التدريبية يمكن أن تكون نقطة بداية ممتازة، لا يسع الموظفون عمل الكثير “لتصحيح” تحيزاتهم بأنفسهم. وقد كشفت الأبحاث أن التدريب غير المصحوب بالتزام مشترك نحو التغيير المؤسسي واسع النطاق يمكن أن يؤدي في الواقع إلى تفاقم التحيز. في الشركة التي عكفت على دراستها، أدى التركيز على تغيير الموظفين إلى تعزيز افتراضات المدراء التنفيذيين حول الصور النمطية للنوع الاجتماعي بدلاً من هدمها، مثل الاعتقاد أن الرجال أكثر ملاءمة في القطاع التكنولوجي عن النساء. على سبيل المثال: أخبرتني لينا، المديرة التنفيذية بأحد الأقسام الفنية، أن “الرجال مجبولون على هذه الطبيعة، وأعتقد أن النساء لم يُخلقن مثلهم”. هذا التفكير لم يساعد في تقدم المرأة.

الجدل الإشكالي حول “ندرة النساء المؤهلات”

لطالما سمعت الجدل المزعوم حول “ندرة النساء المؤهلات”: تلك الفكرة التي تدور حول افتقار الفتيات والنساء اليافعات إلى القدر نفسه من الاهتمام أو الموهبة في مجال التكنولوجيا كالذي عند الفتيان والرجال اليافعين، وهو ما يؤدي إلى غياب المساواة لاحقاً في مسيرتهن المهنية. وقد أوضح جلال، المدير التنفيذي بأحد الأقسام التشغيلية، أن ثمة نقصاً في تمثيل المرأة في المجالات الهندسية بصفة عامة، ولهذا فإن شركته “لا تختلف عن أي شركة تكنولوجية أخرى”. وأضاف قائلاً: “يستغرق التغيير وقتاً طويلاً… فهل نتحرك بالسرعة الكافية؟ أعتقد أن القطاع الصناعي بأكمله يتحرك بخطى وئيدة، ولكني أعتقد مجدداً أن السبب هو وجود عقبات هائلة في الطريق يجب علينا تخطيها”.

وبالمثل أخبرني ماجد، المدير التنفيذي بأحد أقسام المبيعات، قائلاً: “السؤال الذي يشغل بالي هو: هل نعاني حقاً من وجود مشكلة؟ هل تعاني شركتنا من وجود مشكلة؟ بناء على البيانات التي رأيتها، لا أعتقد ذلك. أعتقد أن المشكلة ربما تكمن في القطاع الصناعي نفسه وفي الدولة.

ترى هذه الطريقة في التفكير مصدر المشكلة خارج المؤسسة، في العوامل الثقافية الأكبر. صحيح أن العوامل الثقافية لها دور بالتأكيد، إلا أن التركيز عليها جعل بعض المدراء التنفيذيين انهزاميين وخانعين، فقد اعتقدوا أن المؤسسة غير قادرة على فعل الكثير لحل المشكلة، ولم يحاولوا صنع التغيير بأنفسهم. في الأقسام التي يقودها مدراء تنفيذيون صنَّفوا المشكلة باعتبارها مشكلة ثقافية وليست مؤسسية، لم يتحقق الكثير لتطبيق مبادرة المساواة بين الجنسين. قسم ماجد مثلاً لم يفعل سوى القليل لتعزيز المبادرة، وكذلك الحال في قسم جلال.

على الجانب الآخر، فإن النسبة الضئيلة من المدراء التنفيذيين الذين لم يُرجعوا مشكلة عدم المساواة إلى القوى الثقافية الأكبر، اتخذوا خطوات فعلية لتغيير الممارسات المؤسسية. على سبيل المثال: نظم مدير أحد الأقسام الفنية ملتقى توظيف للنساء، وأشاد بالنساء المتميزات في تقارير تقييم الأداء السنوية.

نهج مؤسسي لتحقيق المساواة

بلا شك يمكن أن تساهم برامج التوجيه والتدريب المناهضة للتحيز اللاواعي في مساعدة الموظفين على تحديد أوجه التحيز والعمل على تغييرها. لكن يجب ألا تتوقف المؤسسات عند ذلك الحد. فالموظفون وحدهم لا يستطيعون القضاء على أوجه عدم المساواة الهيكلية في طريقة تعيين الموظفين وتقييمهم وترقيتهم ومكافأتهم. كما يجب أن يركز صناع التغيير داخل قطاع التكنولوجيا جهودهم أيضاً على مقاومة المعايير الثقافية والمجتمعية الأوسع، مع البدء بجعل إجراءاتهم المؤسسية نفسها عادلة وخالية من التحيز.

على الرغم من أن التعامل مع التحيز المؤسسي قد لا يكون أمراً يسيراً بالنسبة لكثير من المدراء التنفيذيين، فقد حدد الباحثون بعض الطرق المهمة التي يمكن للمؤسسات أن تساهم بها في عدم المساواة أو الحد منها.

توسيع جهود التوظيف. بدلاً من الاعتماد على القنوات التقليدية التي قد تركز على مجموعة محدودة من المرشحين الأكفاء، جرّب مصادر أكثر تنوعاً. على سبيل المثال: قم بالتعيين من الكليات والجامعات التاريخية لذوي البشرة السمراء خارج قائمة ترشيحاتك المعتادة. احضر مؤتمرات تسلط الضوء على النساء وأصحاب البشرة الملونة، أو نظم ملتقيات توظيف بنفسك لجذب جمهور متنوع. ثم تخلص من التحيز في عروض ومواد التوظيف، وإعلانات الوظائف، وأسئلة المقابلات الشخصية، مثلاً عن طريق تسليط الضوء على قدوات متنوعة، وتجنب استخدام الصور النمطية للنوع الاجتماعي، والتشديد على تعريف أوسع للنجاح. جرِّب استخدام تحديات الترميز مثل شركة “غاب جمبرز” (GapJumpers) لتستبدل بها عملية فرز السير الذاتية.

توضيح معايير التوظيف والتقييم. تبين الأبحاث التي أجراها مختبر الابتكار القيادي للمرأة “في إم وير” (VMware) بجامعة “ستانفورد” أن غياب المعايير الواضحة يمكن أن يؤدي إلى التحيز في عمليات التقييم. ضع معايير شفافة وقابلة للقياس لتقييم الموظفين مسبقاً، وحمّل المدراء مسؤولية إعطاء الموظفين تقييمات محددة. تجنب استخدام المعايير الغامضة أو غير الواضحة مثل “موهبة واعدة”. غالباً ما توضع معايير عالية للنساء وأصحاب البشرة الملونة، لذا احرص على وجود معايير موحَّدة لجميع موظفيك.

تعزيز المساءلة والشفافية في القرارات المتعلقة بالرواتب والترقيات. توضح الأبحاث أن المؤسسات التي تفتقر إلى الشفافية والمساءلة في القرارات المتعلقة بالرواتب والترقيات يمكن أن تسقط في فخ “تحيز مكافأة الأداء”، حيث تُوزع المكافآت بشكل غير عادل بين الموظفين، فتحصل النساء والأقليات غير الممثلة على مكافآت أقل مما يستحقون بالنظر إلى أدائهم. لهذا يجب أن تأخذ المؤسسات خطوات لضمان ارتباط الرواتب والترقيات ارتباطاً واضحاً بأداء الموظفين.

يمكن أن يمتد هذا أيضاً إلى قرارات أخرى بخلاف قرارات الرواتب والترقيات، كتوزيع المشروعات مثلاً. هل يُكلف الموظفون بالمشروعات عشوائياً، أم أن هناك عملية رسمية تضمن توزيع المشروعات توزيعاً عادلاً؟ ماذا عن اختيار المسؤول عن نجاح الفريق؟ أو من يجب فصله خلال عمليات التسريح؟ فكِّر حتى فيمن يحصل على أطول وقت للتحدث خلال الاجتماعات. فكّر بشكل عام كيف يمكن أن تضمن توزيع المكافآت والتقدير والنفوذ توزيعاً عادلاً.

عن طريق التفكير في كيفية تحسين ممارسات العمل اليومية، يمكننا تجاوز البرامج التي تستهدف التعامل مع التحيزات الموجودة فقط في عقول الموظفين، والبدء في التعامل أيضاً مع الصور الهيكلية للتحيز.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .