بناء ثقافة تحتضن البيانات والذكاء الاصطناعي

6 دقائق
بناء ثقافة الذكاء الاصطناعي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تطمح مؤسسات كثيرة إلى بناء ثقافة الذكاء الاصطناعي لاحتضان البيانات والتحليلات، وغيرها من التكنولوجيات الجديدة، لكن عدداً قليلاً منها يقوم بمحاولات خاصة تهدف إلى إيجاد مثل هذه الثقافات. تعتبر “تي دي ويلث” (TD Wealth)، وهي وحدة إدارة الثروة بمجموعة “تي دي بنك غروب” (TD Bank Group) المصرفية ومقرها مدينة تورونتو الكندية، إحدى المؤسسات التي لا تكتفي بمجرد التوق إلى هذا النوع من التغيير الثقافي. أنشأت هذه الوحدة برنامجاً يُطلق عليه اسم “ويلث أي سي تي” (WealthACT)، اختصاراً لما يعني “دفع عجلة التغيير من خلال التكنولوجيا”، في محاولة لإثارة حماس المسؤولين التنفيذيين من المستويات العليا والوسطى في وحدة العمل إزاء ما يمكن للتكنولوجيا تحقيقه في عملهم.

كان دوري صغيراً في هذا البرنامج، حيث تحدثت مع المشاركين في أولى نسخ برنامج “ويلث أي سي تي” في صيف عام 2018. قام المشاركون بزيارة كامبريدج وبوسطن للاستماع إلى هيئة التدريس في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي)، ورواد الأعمال في شركات ناشئة، و”خبراء” متمرسين مثلي. التقيت في ذلك البرنامج بـ أتاناسكا نوفاكوفا، وهي مصرفية تراعي الدقة في التفاصيل وتولت قيادة تصميم البرنامج، وتقود في عملها اليومي العمليات والخدمات المشتركة لـ “تي دي ويلث”. عملت “نوفاكوفا”، وهي من أصول بلغارية، مع ليو سالوم رئيس الأعمال في شركة “تي دي ويلث”، وهو صانع قرارات يستند إلى التحليل والبيانات، في منصب الراعية التنفيذية للبرنامج. شعر كبار قادة الوحدة أنّ أصول البيانات التي تمتلكها الوحدة كانت جاهزة أخيراً للاستخدام، وكان العامل الأهم في استخدامها بفعالية هو الطلب من التنفيذيين. كان شغف “نوفاكوفا” إزاء التكنولوجيا والتغيير يظهر بشكل جلي حتى للغرباء مثلي، وقد سمعت الآن من الموظفين في “تي دي” أنّ شخصيتها ألهمت الكثير من المشاركين في البرنامج.

تصميم برنامج طموح

لم تكتف أول مجموعة مشاركة كانت تضم نحو مائة من المختصين في الثروة، بالالتقاء في بوسطن، حيث زارت أيضاً وادي السيليكون والمملكة المتحدة، ودرست التكنولوجيات الحديثة، إضافة إلى حركة الخدمات المصرفية المفتوحة. لم يكن الأمر عبارة عن “سياحة صناعية” فحسب، حيث طُلب من المشاركين العمل على تعيينات مختلفة طوال فترة البرنامج البالغة خمسة أشهر، كما شاركوا أيضاً في هاكاثون لتطوير تطبيقات جديدة. كانت الرحلات لا تُنسى، لكن الجزء الأكبر من البرنامج تضمن تلقي إرشادات من خبراء والمشاركة في ورشات عمل تفاعلية وعملية لبناء التعاطف لدى الزبائن، وفهم التكنولوجيات الناشئة، وممارسة تمييز الأنماط لرصد الاتجاهات والفرص المستقبلية.

وتمثلت الأهداف المحددة للبرنامج في تطوير ست مهارات أساسية:

  • تصميم مرتكز على العنصر البشري.
  • تطوير/ تصميم جدوى تجارية.
  • رشاقة العمل.
  • قرارات تستند إلى البيانات.
  • معرفة بالتقنيات الناشئة.
  • إيجاد عقلية نمو/ ابتكار.

عملت “تي دي ويلث” مع مستشارين من شركة “ديلويت كندا” (Deloitte Canada) (أشغلُ منصب كبير المستشارين في ديلويت، لكن للشركة الأميركية فقط) للمساعدة في تصميم البرنامج والعمل كمدربين للمشاركين. كان لـ أليكس موريس، وهو شريك في “ديلويت كندا” ورئيس الابتكار والتصميم، تركيز محدد على تصميم يهتم بالمستخدم. وأخبرني من لحظة تدشين برنامج “ويلث أي سي تي” أنه أراد أن يعترف المشاركون أنّ الحل لا يكمن في إلقاء التكنولوجيا على الزبائن دون وعي أو تفكير. وكان أملنا أن يثمر البرنامج ليس فقط عن تعزيز وعي عميق بالتكنولوجيا، إنما أيضاً عن إيجاد حالة من الرضا الكبير إزاءها، وفهم عميق للزبائن الذين تخدمهم “تي دي ويلث” اليوم والطريقة التي يتغيرون بها. تضمنت بعض جوانب البرنامج زيارات إلى منازل الزبائن، على سبيل المثال، وإجراء محادثات عن الموت والميراث.

قال “موريس” إنّ تصميم البرامج مستمر في التطور. وتضمنت المرحلة الأولى، وفقاً له، الكثير من التعلم في الفصول مع ثرثرة (كلمتي، وليست كلمته) من مفكّرين مثلي. وقد أصبحت النسخ التالية من البرنامج، “ويلث أي سي تي الثالث” (WealthACT 3) في طور البدء الآن، تجريبية وتفاعلية أكثر. زارت المجموعة الثانية أماكن مدهشة مثل سان فرانسيسكو (للتعلم بشكل رئيس عن تكنولوجيات الصوت) ومونتريال (التي تمتلك بيئة عمل متكاملة ومزدهرة للذكاء الاصطناعي)، لكنها تضمنت قدراً أكبر من المقابلات والمشاريع التعاونية التي قام بها المشاركون. يعتقد “موريس” أنّ البرنامج ناجح، ويقول: “لقد أشبع ذلك الفضول الفطري لهؤلاء الأشخاص. أستمع إلى المشاركين وهم يقولون إنّ هذا البرنامج نقلهم من حالة الخوف من التغيير إلى تقبل التغيير مع شعور بالمتعة إزاءه. ويمكن لبعض المبادرات الجديدة، مثل استخدام الذكاء الاصطناعي لخدمة الزبائن بشكل أفضل، أن تُعزى بشكل مباشر إلى البرنامج”.

ومن غير المفاجئ أنّ كلاً من “موريس” و”نوفاكوفا” يشيران إلى بدء وحدات عمل أخرى في “تي دي” وشركات أخرى في مجتمع الأعمال الكندي المترابط بتنفيذ برامج مشابهة.

وجهة نظر إحدى المشاركات

ولفهم أنواع التغييرات في التفكير والسلوك التي أحدثها برنامج “ويلث أي سي تي”، تحدثت مع برونوين كوري التي تقود عمليات الصناديق الاستثمارية المشتركة في شركة “تي دي ويلث”. “كوري” كانت في المرحلة الثانية لبرنامج “ويلث أي سي تي”، وكانت مهتمة على نحو خاص بأثر الأتمتة نظراً إلى اعتبار عمليات صناديق الاستثمار المشتركة مناسبة تماماً للأتمتة. وهي تعترف أنها كانت قلقة من التكنولوجيا وغير متمرسة فيها قبل البرنامج. وتقول: “أحب أن أقرأ وأن أتعلم، لكن نقاط قوتي كانت في المجال البشري. في الماضي أحببت دائماً العمل مع الناس، لكنني تفاديت التكنولوجيا حيثما أمكن لي ذلك”. وشعرت “كوري” قبل البرنامج بالقلق فيما إذا كان باستطاعتها أن تدعم فريقها في مبادرات مثل الأتمتة دون أن تتقبل التكنولوجيا الجديدة بشكل شخصي.

يعد الالتحاق ببرامج “أيه سي تي” أمراً تنافسياً، كما أن عملية التقديم دقيقة وتفصيلية. كان على “كوري” القول إنها أرادت التقديم، وما هي المهارات التي يمكن أن تضيفها إلى البرنامج، وما توقعاتها لما ستحصل عليه. وهي تعتقد أنها دخلت البرنامج لأنها أعطت الطلب قدراً كبيراً من الفكر والوقت، وكانت قادرة على إثبات حاجتها الشديدة للتغير الشخصي.

زار المشاركون في البرنامج الذي عُرض على “كوري” سان فرانسيسكو ومونتريال وغيرها، وقد اختيرت هي لرحلة مونتريال. وقابل المشاركون هناك الباحث الشهير في مجال الذكاء الاصطناعي يوشوا بنجيو في “معهد مونتريال لخوارزميات التعلم” (Montreal Institute for Learning Algorithms)، وكانت “كوري” معجبة بأفكاره ومنظوره الإنساني فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، وتضمنت زيارة مونتريال زيارة إلى “ديلويت غرين هاوس” في المدينة، حيث ركّز البرنامج على جوانب مرتبطة بعلم الأعصاب لزيارة الزبائن إلى المواقع الإلكترونية للمصرف.

وقد تغيرت وجهة نظرها عن التكنولوجيا تماماً. وهي الآن تعتبر إمكانات التكنولوجيا الجديدة مثيرة. وتدرك أنّ ما يريده البشر من التكنولوجيات هو جانب بالغ الأهمية لنجاحهم في المصرف، وأنّ توجهها الخاص للبشر يمكن أن يجعل التصميم الموجّه للمستخدمين نقطة قوة شخصية. وهي تقود التنفيذ متعدد المراحل لتكنولوجيات الأتمتة في عمليات صناديق الاستثمار المشتركة لمجموعتها. وبينما كانت قلقة في الماضي من أنّ أنظمة الأتمتة ستتخلص من العمال البشر، هي الآن متحمسة إزاء الطريقة التي يمكن فيها لهذه الأنظمة تغيير العمل البشري إلى الأفضل (وما ينسجم مع هذه الرؤية، تكنولوجيا تسمى “أتمتة الابتكار” أو IA في شركة “تي دي”). وهي تقول إنّ المشاركة في برنامج “ويلث أي سي تي” غير حياتها.

الخطوات التالية

والآن بما أنّ قرابة نصف فريق الإدارة العليا في “تي دي ويلث” تخرج من برنامج “ويلث أي سي تي”، تعرف قائدة البرنامج “أتاناسكا نوفاكوفا” أنّ البرنامج ناجح. وتقول: “لقد حولنا القلق إلى إثارة، والآن فإنّ جميع من كانوا في البرنامج يمثلون وكلاء تغيير. أستمع إلى شتى أنواع الأفكار من قادة الأعمال حول الطريقة التي يمكننا فيها استخدام الذكاء الاصطناعي وروبوتات الدردشة (تشات بوت) في العمل. كان الدفع باتجاه هذه الأمور يأتي من موظفي تكنولوجيا المعلومات لدينا، ويُلقى باللوم على قسم تكنولوجيا المعلومات إذا لم تنجح. والآن يري العمل هذه المشاريع على أنها مسؤولية مشتركة. وقد أقمنا بعض العلاقات الجيدة في أوساط أشخاص لم يسبق لهم الحصول على فرصة للعمل معاً، وكانت هذه فائدة غير متوقعة من البرنامج”.

وعلى أي حال، فهي تعمل بلا كلل ولا ملل لتحسين البرنامج. وتقول إنّ ذلك كان مكلفاً وهي لا تريد أن ينظر أي شخص إلى الأمر على أنه إجباري. وهي تعتقد أنّ مثل هذه التدابير التدخلية يتعين ألا يُنظر إليها على أنها صحيحة، بل هي فرصة، وهي ليست متأكدة فيما إذا كان من لم يقدّموا حتى الآن يمتلكون حافزاً كافياً لاكتساب أي شيء من البرنامج. كما أنها تتساءل حول الطريقة التي يمكن أن تجعل هذه البرنامج التي تقام لمرة واحدة بمثابة تجربة مستمر لفريق القيادة في وحدة العمل.

وهي تعلم أنّ الحاجة إلى المشاركة لا تقتصر على قادة “تي دي ويلث”. وهي تقوم حالياً بتصميم برنامج “ويلث أي سي إي” (WealthACE)، اختصاراً لما يعني دفع عجلة التغيير من خلال التنفيذ”. وهي تتوقع أن يتضمن البرنامج سفراً أقل، كما سيضم بعض المشاركين في “أي سي تي” بصفة مدرّبين، وسيشتمل على الكثير من مكونات التصميم نفسها. يهدف هذا البرنامج إلى 4,000 مساهم فردي وليس 400 مدير، وتتوقع “نوفاكوفا” أنه سيتواصل لفترة طويلة.

وبالطبع، من السابق لأوانه معرفة فيما إذا كانت برامج التغيير الثقافي هذه سيكون لها تأثير على المدى الطويل على “تي دي ويلث” أو “تي دي” بصفة عامة. وعلى أي حال، ليس ثمة شك أنّ إدارة الثروة والأعمال المصرفية تصبح أكثر استناداً إلى التكنولوجيا والبيانات، وأنّ قادة الصناعة في المستقبل سيكون لديهم تركيز مدمج في استراتيجياتهم ونماذج أعمالهم ومنتجاتهم. وقد ساعد برنامج “ويلث أي سي تي” شركة “تي دي” بشكل واضح على القيام بخطوات كبيرة باتجاه امتلاك جوهر يركز على التكنولوجيا. وسيكون من المذهل مشاهدة كيف يتجلى ذلك في الأعمال والمنافسة اليومية من أجل بناء ثقافة الذكاء الاصطناعي.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .