بحث: تقييد منصة “إير بي إن بي” يعطِّل مسيرة التنمية

6 دقائق
منصة "إير بي إن بي"
فريق عمل "هارفارد بزنس ريفيو" / ستوارتبور / غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: تناول الكثير من المؤلفات والمقالات أضرار منصات الإيجار القصير الأجل، وعلى رأسها منصة “إير بي إن بي” (Airbnb). فقد تؤدي هذه المنصات إلى ارتفاع الإيجارات وأسعار المنازل بسبب زيادة الطلب على الوحدات السكنية، ما قد يضر بالأهالي المقيمين لفترات زمنية طويلة. لكن القائمين على هذا البحث الجديد يستعرضون الجانب الإيجابي للإيجارات القصيرة الأجل، مشيرين إلى أثرها الإيجابي الكبير أيضاً على النمو الاقتصادي للمجتمعات على المدى البعيد. وقد لاحظ الباحثون، على وجه التحديد، أن الناس يضخون قدراً أكبر من الاستثمارات في تطوير العقارات السكنية عندما يزداد الطلب على منصة “إير بي إن بي”، وأن تحجيمها سيؤدي بشكل مباشر إلى إضعاف تطوير الوحدات السكنية وتعطيل نمو أسعار المنازل، وبالتالي انخفاض الإيرادات الضريبية للمدن (بما لا يقل عن 40 مليون دولار سنوياً في الولايات المتحدة وحدها). وفي حين أن هذا لا يعني بأي حال أن الحل يكمن في النمو غير المُقنَّن، فإن هذه النتائج تسلط الضوء على أهمية وجود منهج موجَّه لتقنين الأوضاع بطريقة تحد من أضرار الإيجارات القصيرة الأجل على المدى المنظور دون المساس بقدرتها على تحفيز النمو على المدى البعيد.

 

من المعروف أن أحد مساوئ الإيجارات القصيرة الأجل أنها قد تحد من توافر الوحدات السكنية للسكان المقيمين لفترات زمنية طويلة، ما يؤدي بدوره إلى ارتفاع أسعار الإيجارات والوحدات السكنية للأهالي. وقد لاحظنا في دراسة سابقة أن مشاركة المنازل من خلال منصة “إير بي إن بي” مسؤولة وحدها عن زيادة الإيجارات السنوية في الولايات المتحدة بنسبة 20% في المتوسط، ما دفع الكثير من صانعي السياسات إلى اتباع منهج جريء للغاية لتقنين أوضاع الإيجارات القصيرة الأجل. فعلى سبيل المثال: حظرت مدينة نيويورك استئجار الشقق لمدة تقل عن 30 يوماً حظراً تاماً في معظم المباني، واعتبرته إجراءً مخالفاً للقانون.

لكن على الرغم من وضوح أثر هذه المنصات على المدى المنظور، فإن الأثر البعيد المدى لانتعاش الإيجارات القصيرة الأجل خلال العقد الماضي أقل وضوحاً. فهل تستطيع منصة “إير بي إن بي” ومثيلاتها زيادة الطلب على المدى البعيد بنسبة تعوِّض أضرارها المباشرة على الاقتصاد المحلي أو حتى تحقق مكاسب تفوق هذه الأضرار؟

للإجابة عن هذا السؤال، أجرينا دراسة موسَّعة لتحليل قوائم منصة “إير بي إن بي” وطلبات التصاريح السكنية على مدار عقد من الزمان في الولايات المتحدة. وتعتبر التصاريح السكنية ضرورية لكلٍّ من مشاريع البناء الجديدة وأي تغييرات جوهرية على المباني القائمة، ما يجعلها طريقة فاعلة لقياس النمو الاقتصادي المحلي نتيجة استثمار مُلَّاك العقارات مبالغ مالية كبيرة في تطوير عقاراتهم. وبناءً على هذه البيانات، توصّلنا إلى وجود علاقة واضحة بين الإيجارات القصيرة الأجل والتصاريح السكنية: فقد أدت زيادة قوائم “إير بي إن بي” بنسبة 1% إلى زيادة طلبات التصاريح بنسبة 0.769%، ما يشير إلى أن منصة “إير بي إن بي” يمكن أن تلعب دوراً رئيسياً في دعم أسواق العقارات المحلية، وبالتالي تعزيز القواعد الضريبية المحلية. ويترتب على ذلك، في ضوء هذه النتائج، أن تحجيم الإيجارات القصيرة الأجل قد يكون له أثر سلبي خطِر على النشاط الاقتصادي المحلي.

وإن كان هذا لا يعني بالطبع نفي الآثار الاقتصادية السلبية التي توصلنا إليها في بحثنا السابق. وقد اتبعنا منهجاً أكثر دقة في الجزء التالي من دراستنا، في إطار محاولاتنا لقياس الأثر المباشر لمختلف قوانين الإيجار القصير الأجل والوقوف على الاستراتيجيات التي يمكن أن تساعد المجتمعات على جني الفوائد البعيدة المدى للنشاط الاقتصادي الناتج عن هذه الإيجارات مع الحد من الأضرار التي قد تلحق بالأهالي على المدى المنظور.

ولدراسة قوى السوق الأساسية المؤثرة في المشهد دراسة تفصيلية، قسّمنا تحليلنا إلى جزأين: تحليل أثر منصة “إير بي إن بي” في 15 منطقة حضرية كبرى على مستوى البلاد في الولايات المتحدة خلال الفترة من 2008 إلى 2019، وإجراء دراسة مفصلة للتعرّف على آثار مختلف أنواع القيود المحلية في مقاطعة لوس أنجلوس. وقد أكدت الدراسة على مستوى الولايات المتحدة أن النتائج التي توصلنا إليها تنطبق على كافة البيئات الجغرافية والديموغرافية بمختلف أنواعها، في حين قدمت الدراسة التفصيلية في لوس أنجلوس رؤى ثاقبة محددة حول الأثر الفعلي للسياسات المختلفة. وبالإضافة إلى ذلك، من المهم أن نشير إلى أننا قد راعينا تعميم قوانين الإيجار القصير الأجل في مختلف المدن في أوقات متفاوتة بين عامي 2012 و2019، وذلك لكي نتجنب تأثر نتائجنا بعوامل خاصة بأي مدينة أو فترة زمنية معينة.

وقد درسنا في الجزء الأول من تحليلنا 2.9 مليون طلب تصريح سكني، بالإضافة إلى 750,000 وحدة سكنية معروضة على منصة “إير بي إن بي” و4 ملايين عملية مبيعات سكنية في جميع أنحاء البلاد. كان العائق الرئيسي الذي يحول دون التوسّع في هذا التحليل خارج المدن الخمس عشرة التي تناولتها دراستنا هو الوصول إلى بيانات طلب التصاريح السكنية، لأن المناطق الحضرية الكبرى فقط في الولايات المتحدة هي التي تعلن عن بيانات التصاريح الخاصة. وعلى الرغم من ذلك، فقد استطعنا الحصول بسهولة على بيانات الضرائب العامة وسجلات المبيعات من الهيئات المختصة بجمع البيانات، على غرار بيانات الوحدات السكنية المعروضة على منصة “إير بي إن بي” التي عملنا على مراجعتها مقارنة بالعديد من المصادر ذات الصلة.

ثم استخدمنا تصميماً بحثياً شائعاً يُعرف باسم “الاختلاف في الاختلافات” (Difference-in-Differences) لقياس التأثير السببي لقوانين الإيجار القصير الأجل على النشاط الاقتصادي. وعقدنا مقارنة بين كلٍّ من الوحدات السكنية المعروضة على “إير بي إن بي” وطلبات التصاريح السكنية في السنوات الثلاث التي سبقت تمرير قيود الإيجار القصير الأجل وبعدها في حي معين، ثم حسبنا متوسط هذه الآثار على كافة الأحياء التي شملتها دراستنا. وحدد تحليلنا اتجاهاً هبوطياً واضحاً في كلٍّ من القوائم والتصاريح بعد سن القوانين: فقد انخفضت قوائم منصة “إير بي إن بي” بمتوسط 21%، وتراجعت التصاريح السكنية بمتوسط 10%.

وقد دققنا في نتائج الجزء الثاني من تحليلنا للتركيز على هذه الآثار داخل منطقة حضرية محددة. وهكذا قررنا دراسة مقاطعة لوس أنجلوس لأنها تتمتع بسوق عمل وإسكان كبيرتين ومترابطتين بشكل فريد، مع وجود الكثير من الولايات القضائية المستقلة وترسانة من القوانين التي قد تبدو متضاربة في بعض الأحيان. وهناك على وجه التحديد 18 بلدية فقط من بين 88 بلدية في لوس أنجلوس لديها قوانين تنظّم الإيجار القصير الأجل، ما يمكننا من إجراء مقارنات مباشرة بين المناطق التي لديها قوانين تنظّم الإيجار القصير الأجل والبلديات المجاورة التي لا تملك مثل هذه القوانين. وركزنا في تحليلنا على التصاريح السكنية في حدود كيلومتر واحد من الحدود بين البلديات التي تملك، والأخرى التي لا تملك، قوانين تنظّم الإيجار القصير الأجل، من أجل التأكد من أن الاتجاهات التي حددناها ترجع إلى الاختلاف في القيود المفروضة على الإيجار القصير الأجل، وليس العوامل الخارجية الأخرى التي ربما حفزت على إنشاء أبنية سكنية بطريقة أو أخرى. علاوة على ذلك، حرصنا بالإضافة إلى طلبات التصاريح السكنية العامة على تتبع نشاط التصاريح لفئة تُعرف باسم ملاحق الوحدات السكنية، أي الملاحق المضافة إلى المنازل القائمة التي يمكن تأجيرها في أغلب الأحوال.

وكانت نتائج هذا التحليل حاسمة: على صعيد البلديات التي لا تملك قوانين تنظّم الإيجار القصير الأجل، كانت طلبات التصاريح للمباني غير الملحقة بالوحدات السكنية تزيد في هذه البلديات بنسبة 9% وكانت طلبات التصاريح للمباني الملحقة بالوحدات السكنية تزيد فيها بنسبة 17% مقارنة بالبلديات التي تفرض قيوداً على الإيجار القصير الأجل. ومن الواضح أن الطلب على الإيجارات القصيرة الأجل ظل يعزز إنشاء سعة سكنية إضافية في لوس أنجلوس، وكان يحفّز بشكل خاص نمو قطاع الإسكان الملائم لمشاركة المنازل (أي ملاحق الوحدات السكنية).

واستعرضنا في الجزء الأخير من دراستنا العلاقة بين طلبات التصاريح وقيم العقارات السكنية التي ترتبط بالإيرادات الضريبية للعقارات في المدن. ودرسنا العقارات السكنية في مجموعة البيانات الوطنية الخاصة بنا التي بيعت خلال فترة العينة البحثية، ووجدنا أن تلك التي لديها طلب تصريح قبل البيع (أي تلك التي استثمر أصحابها في تحسين منازلهم قبل بيعها، ربما بغرض تلبية الطلب على الإيجار القصير الأجل) بيعت بسعر أعلى بنسبة 38% في المتوسط مقارنة بالعقارات التي ليس لديها طلب تصريح. ولأن قوانين الإيجار القصير الأجل تقلّل من عدد طلبات التصاريح التي تعيق بدورها النمو في قيمة العقارات، فإننا نقدّر أن القيود المفروضة على الإيجار القصير الأجل في المدن الخمس عشرة التي تناولتها دراستنا قد تسببت في تراجع قيمة العقارات بمقدار 2.8 مليار دولار وانخفاض الإيرادات الضريبية بمقدار 40 مليون دولار سنوياً.

ولا يعني هذا بالطبع أن الحل يكمن في النمو غير المُقنَّن. ففي حين أن ارتفاع قيمة العقارات قد يؤدي إلى زيادة الإيرادات الضريبية للمدن، وهي الزيادة التي يمكن إعادة استثمارها بعدئذٍ في المجتمعات المحلية، فإنها قد تؤدي أيضاً إلى وقوع مشاكل ترتبط بالقدرة على تحمل تكاليف الإسكان، بما في ذلك فرض أسعار تتجاوز قدرة السكان الحاليين أو منع السكان الجدد من دخول هذه الأحياء. لكن بحثنا يوضّح أن اتباع المنهج الصحيح للسياسات التنظيمية يتيح إمكانية الاستفادة من الإيجارات القصيرة الأجل كأداة لتشجيع التطوير العقاري والنمو الاقتصادي على المستوى المحلي.

وهكذا، فإننا ننصح بوضع سياسات موجَّهة تلبي الاحتياجات المحلية، بدلاً من فرض قيود شاملة تعوق النمو. فعلى سبيل المثال: أثبتت دراسة عن النشاط العقاري في شيكاغو أن تشجيع الإيجار القصير الأجل لتطوير العقارات في الأحياء الفقيرة، ثم تحويل هذه العقارات إلى وحدات إيجارية عبر منصة “إير بي إن بي” قد أسهم في تعزيز التطوير العقاري الموازي في عقارات قطاع التجزئة التي تقع بالقرب منها، وخلق فرص عمل وتحقيق قيمة مضافة للمجتمع بأكمله. ومع إسهام التطوير العقاري في تحفيز النمو، يمكن تنفيذ سياسات من شأنها تخصيص جزء من الإيرادات الضريبية المتزايدة الناتجة لتمويل الإسكان ميسور التكلفة للأهالي. وبالمثل، فإن معالجة المخاوف المرتبطة بالتطوير تقتضي تحديد إجمالي المساحة المتاحة لاستخدام الإيجار القصير الأجل كنسبة مئوية من السعة السكنية المتاحة، وبالتالي تشجيع تطوير الإسكان الطويل الأجل جنباً إلى جنب مع الإيجارات القصيرة الأجل.

ويسلط بحثنا الضوء في نهاية المطاف على أهمية اتباع منهج دقيق لتقنين الإيجار القصير الأجل. وعلى غرار الكثير من القرارات السياسية المحفوفة بالمخاطر، فإن التحدي الرئيسي الذي تواجهه الجهات الرقابية والتشريعية هو الموازنة بين احتياجات الأهالي على المدى المنظور والرفاهية الاقتصادية للمجتمع على المدى البعيد. ولا توجد حلول سهلة، ولكن أي حل فاعل يجب أن يراعي الجوانب السلبية الاقتصادية الحقيقية لتقييد حرية تصرف الأفراد في ممتلكاتهم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .