كيف يمكن لشركات السلع الفاخرة التغلب على المزورين؟

5 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يشن قطاع السلع الفاخرة حرباً على العلامات التجارية المزيفة منذ أعوام، وهو يستثمر الكثير في الحلول التقنية شديدة التعقيد التي تستخدم أحدث تقنيات النانو المتقدمة وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي من أجل المصادقة على المنتجات. كما يمارس الضغط على الحكومات، كي توسع سلطة هيئات إنفاذ القانون، من أجل مصادرة البضائع المزيفة وإتلافها، ومقاضاة المشترين والتجار، ومنع الوصول إلى المواقع الإلكترونية التي تبيع البضائع المزيفة. أضف إلى ذلك المحامين، فشركة لويس فويتون مويت هينيسي (LVMH) وحدها توظف 60 محامياً على الأقل، وتنفق 17 مليون دولار سنوياً على الإجراءات القانونية المكافحة للتزييف.

ولكن هذه الجهود كلها لا تجدي نفعاً، إذ يُقدر إجمالي تجارة البضائع المزيفة بحوالي 4.5 مليار دولار، وتبلغ قيمة البضائع الفاخرة المزيفة من هذا المبلغ نحو 60 إلى 70%، لتتفوق على المنتجات الدوائية ومنتجات الترفيه، ولربما شكلت ربع إجمالي تجارة بضائع الرفاهية التي تُقدر بنحو 1.2 مليار دولار. يُمارس الفضاء الرقمي دوره في هذه الأرقام، ولربما كانت نسبة 40% من مبيعات السلع الفاخرة المزيفة تُجرى على الإنترنت، إذ تستغل الشركات المزيفة تغلغل الإنترنت الكبير، وما تتمتع به من سرية حتى آخر قطرة. وفي مقابل كل منصة تجارية إلكترونية تقمع المزورين مثل موقع علي بابا، تدخل منصة جديدة تسمح بشحن البضائع المزيفة من المُصنعين مباشرة.

إذاً، ماذا يجب على شركات السلع الفاخرة فعله عوضاً عن ذلك؟

للإجابة على هذا السؤال، أجرينا مقابلات مع 32 مهنياً ضمن أربع فرق: المدراء التنفيذيين في شركات السلع الفاخرة، وممثلين عن اتحادات قطاع السلع الفاخرة، وخبراء في مكافحة التزوير من الأوساط الأكاديمية والقطاع العام، ومدراء تنفيذيين من قطاعي الموسيقى والصناعات الدوائية اللذين كانا أكثر نجاحاً من شركات السلع الفاخرة في مكافحة التزوير.   

ويُشير ما سمعناه منهم إلى أن فشل شركات السلع الفاخرة في السيطرة على تزايد التزوير متجذر في فجوة بعيدة عن علاماتها التجارية. فقد أصبح عدد كبير من شركات السلع الفاخرة رمزاً للمركز والامتياز وليس أكثر، إذ يركز هذا القطاع على الإشارة إلى الرفاهية لا تحقيقها، وعلى خصائص المنتج غير الملموسة لا الحقيقية، وعلى الشعار فحسب دون جميع معالم الجودة الأخرى.

وتم تطبيق هذه الفلسفة، على نحو متسق، على سلاسل التوريد والتصنيع والتسعير، فبسبب نقل الإنتاج إلى البلدان منخفضة التكاليف، فصلت شركات السلع الفاخرة جمعيتها القائمة منذ قرون طويلة عن أماكنها الأصلية التاريخية. كما أدت الاستعانة بالمصادر الخارجية إلى إضعاف السيطرة على سلسلة التوريد والتصميم والتصنيع، في حين وضع المزورون ضغطاً غير مسبوق على كل واحدة من هذه العمليات.

وفي الوقت نفسه، رغم التوفير في التكاليف، ارتفعت أسعار بيع المنتجات الفاخرة بدرجة كبيرة. في البداية، كانت الفكرة تتمثل في تخفيف أثر الحركة المتنامية للسياح الصينيين الذين يشترون البضائع من أنحاء العالم لبيعها في بلادهم. ولكن تفاقم هذا الارتفاع بسرعة كبيرة، وبحلول عام 2014 أصبحت حقيبة اليد من “شانيل” (Chanel) تكلف أكثر بنسبة 70% من كلفتها قبل خمسة أعوام فقط. ولحقت العلامات التجارية الأخرى بها تباعاً، مما رفع الأسعار في السوق العام لأكثر من الضعف. فأنهت شركات كثيرة منتجاتها الابتدائية الأقل تكلفة تدريجياً بدعم من النجاح الأولي لاستراتيجية التسعير هذه. ومثال على ذلك، أوقفت شركة “دولتشي آند غابانا” (Dolce & Gabbana)، في عام 2012 علامتها التجارية المربحة دي أند جي (D&G) التي كانت ذات سعر مقبول.

ونتيجة لهذه التطورات، أصبحت علامات السلع الفاخرة التجارية منفصلة عن منتجاتها المادية، مما يقلل مخاوف العملاء بشأن شراء سلع مزيفة. هل يبدو من الذكاء أن تنفق 2,500 دولار لشراء سلعة ذات علامة تجارية مصنوعة في الصين في حين يمكنك شراء نسخة مزيفة عنها مصنوعة في الصين أيضاً (ولربما كان مورد الشركة الأصلية هو من ينتجها)، وتبدو مطابقة لها تماماً؟ يصبح هذا القرار أسهل مع بقاء شبكات التوزيع الرقمية الجديدة للبضائع المزيفة مجهولة تماماً.

ويشير ذلك إلى أن حلّ مشكلة التزوير في قطاع السلع الفاخرة لا يكمن في مكافحة المزورين، بل في إعادة اكتشاف سبب عظمة العلامات التجارية في المقام الأول.

العودة إلى الوطن

بادئ ذي بدء، يجب على شركات السلع الفاخرة إعادة الاتصال مع جذورها، إذ يأتي جزء كبير من مصداقية العلامات التجارية من جذورها في دولة أو منطقة معينة وروابطها الوثيقة معها. ولطالما افتخرت العلامات التجارية الأصيلة بهذه الروابط وتغنت بها، ولبست عباءات حكامها وقادة مجتمعاتها المحلية. وفي الآونة الأخيرة، بدأت شركات السلع الفاخرة بالتفكير فيما تمثله كنتيجة لسعيها إلى جعل التزوير أمراً مرفوضاً اجتماعياً.

وتجيد الشركات العائلية على وجه الخصوص التعبير عن كيفية تحقيق الانسجام بين أخلاقياتها الداخلية والقيم الخارجية. خذ شركة الكشمير والألبسة الرياضية الإيطالية الفاخرة “برونيللو كوشينيللي” (Brunello Cucinelli)، التي بلغت مبيعاتها عام 2017 أكثر من 600 مليون دولار. بدأت الشركة العمل في سبعينات القرن الماضي بعمل رجل واحد، وأصبح لديها اليوم 500 موظف في موطنها التاريخي في مدينة سولوميو، بالقرب من مدينة بيروجيا. وهي تعمل بأسلوب إدارة قائم على “اللطف المطلق” مع الموظفين، كما أنها تحرص على تجديد المجتمع المحلي والحفاظ على تراثه الثقافي. وإضافة إلى تجديد البنية التحتية للمدينة وتراثها ومعالمها، أعدت الشركة مدرسة مجانية لتعليم المهارات التقليدية بما فيها الخياطة. إن التزام الشركة طويل الأمد تجاه موطنها وأهله هو ما يدعم رؤية مؤسسها المتمثلة “بالمؤسسة الإنسانية” والرأسمالية الإنسانية الحديثة.

كما أن هناك مزايا ملموسة في العودة إلى الوطن، فإذا أعادت شركات السلع الفاخرة مصانعها إلى بلدانها الأصلية؛ حيث يسهل تنفيذ الضوابط الأكثر صرامة، ستتمكن شركات “لويس فويتون” (Louis Vuitton)، و”غوتشي” (Gucci)، و”بربري” (Burberry) من التحكم على نحو أفضل بمسائل التوريد والتوزيع التي تشكل تسهيلات للمزورين. مثلاً، ستتمكن بسهولة من منع تجاوزات المصنع، إذ يُصنّع الموردون في الخارج سلعاً أكثر مما كلفتهم به الشركة الأم، ثم يوزعون الفائض للعملاء مباشرة من خلال قنوات التوزيع البديلة.

تخطي الشعار

في الوقت الذي كانت فيه أسواق عطلة نهاية الأسبوع في جميع أنحاء العالم تعج بالقمصان وحقائب التسوق الرخيصة المزينة بشعارات العلامات التجارية الفارهة، قد يصعب تصديق أن حقيبة “شانيل” الأصلية من طراز 2.55 لا تحمل أي شعار على الإطلاق. إنما اكتفت بالخياطة “المضرّبة” ونمط التطريز المتعرج أو معين الشكل للدلالة على أنها من صنع “شانيل”، ولا تزال الحقيبة، بعد 60 عاماً، تعتبر أساسية وغير مرتبطة بزمن. وكذلك الأمر بالنسبة لمعطف شركة “ماكس مارا” (Max Mara) الأيقوني من طراز “101801” المصنوع من الصوف والكشمير، فهو قطعة كلاسيكية خالية من الشعارات لم يتم تقليدها قط.

توجد رسالة هنا: من السهل تقليد الشعارات، ولكن تقليد براعة الحرفة ليس سهلاً. ومن أجل منع انجذاب المستهلكين نحو البضائع المزيفة، يجب على شركات السلع الفاخرة التركيز على الطراز والجودة اللذين يجعلان تقليد المنتج صعباً، ويبقيان منفصلين عن الشعار. والتأكيد على الحرفة التقليدية والمكونات يدوية الصنع والتقنيات الموروثة هو أسلوب قوي يمدّ العلامة التجارية بالمصداقية.

وشركة “لويس فويتون مويت هينيسي” هي إحدى العلامات التجارية التي تسير في هذا الاتجاه. إذ عقدت، في أكتوبر 2018، الدورة الرابعة من سلسلة من فعاليات الباب المفتوح المعروفة باسم Les Journées Particulières أو “الأيام الخاصة”. وتستعرض هذه المبادرة، التي أطلقت عام 2011، الإرث المعماري والثقافي للشركة إلى جانب الاحتراف والإبداع والبراعة الحرفية التي تتميز بها “دُورها”. إذ قامت المجموعة بدعوة الجمهور إلى 77 دار محلية في 14 دولة وخمس قارات. وقد شملت هذه الدور ورشات العمل وأقبية النبيذ والقصور الخاصة والمنازل العائلية والمخازن التاريخية وأماكن أخرى كان نصفها غير مخصص لاستقبال الجمهور. وبلغ مجموع الحاضرين 180 ألف زائر، حضروا الخطابات والدروس المميزة والعروض العملية والتجمعات الفجائية.

مراجعة الصلة بالعملاء

لقد آن الأوان أيضاً للعديد من شركات السلع الفاخرة لإعادة النظر في افتراضاتهم حول العملاء، لأن العملاء يتطورون. إذ يتزايد أثرياء اليوم الجدد من جيل الألفية، وتختلف أخلاقهم وأذواقهم نوعاً ما عن أخلاق آبائهم وأذواقهم. وهناك تغير في التركيز الذي أصبح يتجه نحو الخبرة والاستدامة والمشاركة، بعد أن كان موجهاً إلى المنتج والاستهلاك والتفرد.

وتقوم بعض العلامات التجارية الفاخرة بتغيير استراتيجياتها وفقاً لذلك. على سبيل المثال، يقوم كيرنغ، مالك مجموعة “غوتشي”، و”بالينسياغا” و”ستيلا مكارتني” و”إيف سان لوران” برفع نسبة المواد الخام المتجددة في منتجات شركاته على نحو ثابت، بدءاً من القطع اللامعة القابلة للتحلل الحيوي وصولاً إلى الأقمشة المصنوعة من الأعشاب البحرية وألياف البرتقال. خذ مثلاً قسم النظارات لديه، فقد تشارك مع شركة البلاستيك الحيوي الإيطالية من أجل إنشاء مجموعة من أطر النظارات القابلة للتحلل الحيوي. كما أضافت المجموعة “نظام الأرباح والخسائر البيئية” إلى نموذج عملها، مما يدل على وجود تحول فعلي على مستوى القطاع. وكان رد فعل المستهلكين مؤيداً، إذ تُجري شركة “إيف سان لوران” (Yves Saint Laurent) اليوم، على سبيل المثال، 65% من أعمالها مع جيل الألفية.

كما أنّ خدمات ما بعد البيع كالتعديلات والصيانة والإصلاح، فضلاً عن ازدهار تجارة السلع الكمالية “المستعملة”، تشكل جميعها مجالات واعدة يجب على شركات السلع الفاخرة استكشافها. وكانت شركة “أوديمار بيغيه” (Audemars Piguet) من أوائل رواد هذا المجال، إذ أعلنت عام 2018 عن خططها لإطلاق شركة للساعات المستعملة. وإذا تم تنفيذ هذه الحركة الاستراتيجية على النحو الصحيح، سيكون بإمكانها مساعدة شركات السلع الفاخرة في السيطرة على منتجاتها طوال دورات حياتها. كما يمكنها تغيير الأنظمة الاقتصادية القائمة على شراء سلع مزيفة من خلال تقديم المزيد من خيارات السلع الأصلية بأسعار معقولة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .