3 أسئلة يجب طرحُها قبل تغيير مسار الاستراتيجية

6 دقيقة
تعديل الاستراتيجية
لويس دياز ديفيسا/ غيتي إميدجيز

تشير إحدى الحقائق في مجال الإدارة إلى أن المشاريع والاستراتيجيات جميعها ستتطلب في مرحلة ما تعديل المسار أو تصحيحه؛ فالتكنولوجيات الجديدة تظهر باستمرار، والمنافسون يتخذون خطوات غير متوقعة، والخطط لن تكون مثالية يوماً. لذلك، فإن القدرة على التكيف بسرعة والمرونة من المهارات الأساسية للقيادة (بشرط ممارستهما، وفقاً لما كتبته سابقاً، مع التركيز على تغيير الوسائل لتحقيق الأهداف، ليس تغيير الأهداف نفسها).

لكن كيف تعرف أن التغيير الذي تفكر فيه هو الخطوة الصحيحة التي يجب عليك اتخاذها بالفعل وأنه سيساعدك على تحقيق الهدف بسرعة أكبر أو بفعالية أعلى؟ يجب التفكير ملياً وعدم التسرع في اتخاذ قرارات تغيير المسار، فقد تؤدي القرارات الخاطئة إلى عواقب وخيمة؛ إذ ربما توجه فريقك نحو مسار غير مثمر، ما يؤدي إلى إهدار الوقت والموارد ويقوّض اندماج أفراد الفريق والتزامهم دون تحقيق فوائد حقيقية ويؤخر تحقيق أهدافك، بالإضافة إلى احتمالية فقدان ثقة كبار أصحاب المصلحة في قدرتك على تنفيذ الخطط وتحقيق النتائج والأهداف المرجوة.

بناءً على خبرتي بصفتي مستشاراً استراتيجياً للشركات الناشئة والابتكارية، اكتشفتُ 3 أسئلة أساسية تتعلق بتعديل الاستراتيجية يمكنك طرحها على نفسك لزيادة احتمالية اتخاذ القرار الصحيح بشأن تغيير مسار الاستراتيجية. بالطبع، عليك أيضاً دراسة خياراتك بناءً على قيمتها ومزاياها، لكنّ هذه الأسئلة تركز في المقام الأول على فهم الأسباب التي تدفعك إلى التفكير في تعديل الاستراتيجية. يعود ذلك إلى أن بعض الأسباب الشائعة للتغيير قد تؤثر سلباً على قراراتك وتؤدي بك إلى إساءة الاختيار.

سأوضح هذه الأسباب الشائعة للتغيير والسؤال المناسب الذي يجب عليك طرحه، وكيف يمكن أن يسهم كل من هذه الأسئلة في اختيار خطواتك التالية بصفتك قائداً.

سوء التنفيذ

السؤال الأول: هل تعتزم تعديل استراتيجيتك لأنها بحاجة إلى تعديل أم لأن تنفيذها سيئ؟

من واقع تجربتي، وجدتُ أن نجاح أي مشروع أو مبادرة استراتيجية، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، يعتمد على قوة الخطة وفعاليتها وجودة تنفيذها. يمكن أن يؤدي سوء التنفيذ إلى فشل أفضل الخطط، ويمكن أن يعجز التنفيذ الجيد عن إنقاذ الاستراتيجيات السيئة أو تحسينها. لكن عندما تسوء الأمور، يكون من الصعب غالباً تحديد سبب الخلل، سواء كان ضعف الاستراتيجية أو سوء التنفيذ أو الاثنين معاً.

لتحديد السبب الحقيقي، خذ وقتاً كافياً لتسأل نفسك وتسأل أصحاب المصلحة الآخرين أيضاً عن نقاط الضعف والعيوب: هل وضعتَ استراتيجيتك بناءً على افتراضات أو توقعات يبدو أنها غير صحيحة؟ هل تتضمن الاستراتيجية المتبعة أي عناصر أو مكونات لم تدرسها أو تختبرها مسبّقاً، وبالتالي، قد تحتاج إلى إعادة النظر فيها؟ هل يجب عليك تعديل الاستراتيجية لتتناسب مع ثقافة مؤسستك؟ قد تدفعك أجوبة هذه الأسئلة إلى إعادة التفكير في الاستراتيجية. من ناحية أخرى، اسأل نفسك إذا كان فريقك يمتلك المهارات المناسبة والكفاءة اللازمة لتنفيذ الاستراتيجية، بالإضافة إلى مدى التزامه بتحقيق أهدافها. يمكن أن يساعدك ذلك على التأكد من أن المشكلة تكمن في طريقة تنفيذ الاستراتيجية وليس في الاستراتيجية نفسها.

قد يؤدي طرح هذه الأسئلة إلى اتخاذ قرارات صعبة؛ إذ قد يبدو تعديل الاستراتيجية أسهل من محاسبة الأفراد أو تدريبهم لتحقيق أداء أفضل، أو استبدالهم في المشروع إذا لم يظهروا كفاءة كافية. لكن في بعض الأحيان يكون اتخاذ هذه القرارات ضرورياً.

إليك مثالاً على ذلك: عملتُ سابقاً في شركة ناشئة سريعة النمو في مجال التكنولوجيا، وقد احتاج العلماء في هذه الشركة إلى دعم تكنولوجي متقدم لمساعدتهم على إجراء التحليلات وتسهيل التعاون الافتراضي وأداء مهام أخرى، وضعت رئيسة قسم تكنولوجيا المعلومات استراتيجية تجمع بين الأدوات وخدمات البيانات والخبراء، فاشترت أحدث المنتجات والخدمات ووظفت فريقاً من الخبراء الذين يحضرون شخصياً بدوام كامل في مواقع متعددة لمساعدة الموظفين على استخدامها.

لكن لا يزال العلماء يشتكون من صعوبة الوصول إلى البيانات ومشاركتها بسرعة. أدركت رئيسة قسم تكنولوجيا المعلومات ضرورة تعديل الاستراتيجية بطريقة ما. لذلك، بدأت بإضافة أدوات مختلفة وإعادة النظر في طريقة التعامل مع البيانات. لكنّ هذه الإجراءات لم تحل المشكلة بل أدت إلى زيادة شكاوى العلماء وتذمر أفراد فريقها أيضاً؛ إذ كان عليهم تعلم كيفية استخدام مزيد من الأدوات والتعامل معها.

أخيراً، توقفت رئيسة قسم تكنولوجيا المعلومات وسألت نفسها السؤال الأول المتعلق بتعديل الاستراتيجية: هل كانت استراتيجية التكنولوجيا الأصلية سيئة حقاً، أم أن المشكلة تكمن في طريقة تنفيذ هذه الاستراتيجية؟

بعد دراسة دقيقة، وجدت أن العلماء لم يفهموا طرق استخدام الأدوات التي قدمتها لهم، وأن أعضاء فريق تكنولوجيا المعلومات الذين يحضرون شخصياً كانوا يعملون تحت ضغط كبير لدرجة أنهم لم يستطيعوا تدريب العلماء أو تقديم المساعدة التي يطلبونها. وبالتالي توقفت عن محاولة إدخال أدوات جديدة، واستعانت بخدمة من مصدر خارجي لتقديم الدعم الافتراضي على مدار الساعة. ثم اختبرت الخدمة في موقع واحد قبل اعتمادها بدلاً من فريق الخبراء الذين يحضرون شخصياً. أدى هذا الإجراء إلى تقليل شكاوى الفريق العلمي إلى حد كبير وزيادة إنتاجيته.

الضغوط الخارجية

السؤال الثاني: هل تُغير مسار الاستراتيجية بسبب الضغوط الخارجية أو لأنك غير صبور ولا تتحمل المشاكل الحالية بدلاً من إجراء تقييم موضوعي ودقيق لتقييم فعالية الاستراتيجية التي تتبعها؟

تخضع المشاريع المهمة أو البرامج الاستراتيجية عادة لفحص دقيق ومراقبة مستمرة. بسبب أهمية هذه المشاريع، يتطلع أصحاب المصلحة، ولا سيما كبار المسؤولين منهم، بفارغ الصبر لرؤية النتائج وتحقيق الأهداف. يؤدي ذلك غالباً إلى توليد ضغوط لاتخاذ أي إجراء بهدف تهدئة أصحاب المصلحة، حتى إن لم يكن هذا الإجراء هو الأمثل. عندما تتكرر أسئلة مثل: "هل يمكنك تسريع العملية أكثر؟" و"لماذا لا نطبّق ما تفعله الشركة كذا؟"، فقد تبدأ بالتشكيك ببعض عناصر الخطة الحالية وفعاليتها، ما قد يؤدي إلى اتخاذ قرار بإجراء تعديل غير ضروري في الاستراتيجية. لكن يمكن أن يسبب ذلك اضطرابات كبيرة من شانها أن تؤدي إما إلى انحراف المشروع عن مساره وإما إلى إهدار الوقت والجهد من خلال إعطاء انطباع بالتغيير دون تحقيق تغييرات فعلية.

يتمثل مفتاح النجاح هنا في إجراء تقييم حقيقي لصحة المخاوف التي يطرحها أصحاب المصلحة أو في امتلاك الشجاعة للإصرار على صحة خطتك والتمسك بها ودعمها.

إليك مثالاً على ذلك: عملتُ سابقاً في شركة كبيرة للأدوية، كانت قيمة أسهمها تتراجع بسبب انتهاء صلاحية براءات الاختراع وعدم توافر ابتكارات محتملة في مسار البحث والتطوير. ضغط مجلس الإدارة على الرئيس التنفيذي من أجل اتباع نهج منافسي الشركة وتقليص الإنفاق على الأبحاث بدرجة كبيرة بهدف تحسين أسعار أسهم الشركة، ولكن الرئيس التنفيذي وضع مؤخراً استراتيجية معاكسة تماماً تهدف إلى زيادة الاستثمار في البحث والتطوير وتعيين رئيس جديد لقسم الأبحاث وتسريع عدد قليل من المشاريع الواعدة، غير أنه كان من المبكر جداً تحديد احتمالات نجاح هذه الاستراتيجية.

في هذه المرحلة، كان من الممكن بالتأكيد أن يوافق الرئيس التنفيذي على طلب مجلس الإدارة والانتقال إلى استراتيجية خفض التكاليف، لكنه فضّل في البداية التفكير ملياً في السؤال الثاني الذي يتعلق بتعديل الاستراتيجية؛ إذا قلّص الإنفاق على البحث والتطوير، وفق اقتراح مجلس الإدارة، فسيرتفع سعر السهم حتماً على المدى القصير، لكن لن تكون الشركة مستعدة لتطوير منتجات واعدة ومبتكرة في المستقبل، وقد يتطلب الأمر تخفيض الإنفاق أكثر. بعبارة أخرى، يمكن أن يؤدي تعديل الاستراتيجية بالطريقة التي يريدها مجلس الإدارة إلى تخفيف الضغط عن الرئيس التنفيذي على المدى القصير، لكنه لن يحقق نجاحاً مستداماً للشركة.

انطلاقاً من هذه القناعة، قاوم الرئيس التنفيذي رغبة مجلس الإدارة في تقليص الإنفاق على عمليات البحث والتطوير، لكنه بحث أيضاً عن سبل أخرى لخفض التكاليف وزيادة الإيرادات على المدى القصير، ما يؤدي إلى استقرار سعر السهم وتهدئة مجلس الإدارة. بعد مرور عامين، تحول أحد مشاريع البحث والتطوير الواعدة إلى منتج رائج حقق نجاحاً كبيراً، ما أثبت صحة قرار الرئيس التنفيذي بعدم تعديل الاستراتيجية بسبب الضغوط الخارجية.

الانجراف وراء فرص جديدة وجذابة

السؤال الثالث: هل تعدل استراتيجيتك لأن فرصة جديدة نظهر وليس لأنك تعتقد أن الاستراتيجية الحالية غير مناسبة؟

من الآثار المترتبة على البيئة السريعة التغير ظهور فرص جديدة باستمرار يمكن أن تؤثر على خططك. على سبيل المثال، قد يوفر ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي طريقة جديدة لإنجاز مهمة ما، أو قد تكتشف مورداً جديداً يمكنك الاستفادة منه. لكن عندما تظهر هذه الفرص الجديدة، فإنه من الضروري تقييم أثرها الفعلي في زيادة احتمالية تحقيق الهدف النهائي أو تسريعه، والتأكد من أنها ليست مجرد فرص جذابة ومثيرة للاهتمام ولن تحدث فرقاً كبيراً.

بالطبع، قد تستحق بعض الفرص المتابعة والسعي للاستفادة منها على المدى الطويل، لكن ما دمت لا تملك موارد غير محدودة فعلى الأرجح أنك لن تستطيع الاستمرار في تنفيذ استراتيجيتك الحالية بأقصى طاقة وتبنّي فرصة جديدة في آن معاً. في بعض الحالات، قد تؤدي جاذبية تنفيذ فرصة جديدة إلى تشتيت انتباهك وانتباه أفراد فريقك عن هدفكم الأساسي.

لذلك، إذا كنت تعتقد أن الخطط الحالية قادرة على تحقيق الهدف المنشود، فاسأل نفسك عن الأسباب التي تدفعك إلى تعديلها. هل ستقدم لك الفرصة الجديدة فوائد أكثر أو تحقق الأهداف بسرعة أكبر مقارنة بالاستراتيجية الحالية؟ أم أن الفرصة ستكون مثيرة للغاية لدرجة أنها تستحق المخاطرة بالتخلي عن الاستراتيجية الحالية المضمونة والموثوقة؟

على سبيل المثال، بدأ أحد الأقسام في شركة لتحليلات البيانات مؤخراً بتحقيق الأرباح من خلال التركيز على تدفقات البيانات التي يمكن توفيرها لشركات المحاسبة والمحاماة المتوسطة الحجم. خلال تنفيذ هذه الاستراتيجية، تواصلت إحدى الشركات المرموقة التي يقع مقرها في منطقة وادي السيليكون مع رئيس شركة تحليلات البيانات بشأن توفير بيانات فورية لجهاز جديد قابل للارتداء كانت هذه الشركة تعمل على تطويره. إذا نجح هذا المشروع، فسيؤدي إلى زيادة الربحية عدة أضعاف، لكنه سيتطلب أيضاً تحويل الموارد بسرعة إلى مجال الأجهزة القابلة للارتداء بدلاً من التركيز على مجالَي المحاسبة والمحاماة.

نظراً لإمكانية تحقيق أرباح كبيرة وشهرة واسعة نتيجة الانخراط في هذا النوع من المشاريع المثيرة والواعدة في وادي السيليكون، فقد قرر رئيس شركة تحليلات البيانات اغتنام هذه الفرصة، لذلك كان من الضروري أن يعيد تخصيص الموارد بحيث يقلل أعداد الموظفين الذين يعملون على تدفقات بيانات شركات المحاسبة والمحاماة، لكن بعد مرور 18 شهراً، ألغت شركة التكنولوجيا مشروع الجهاز بسبب ضعف الطلب في السوق، وأعاد رئيس شركة تحليلات البيانات تركيز فريقه على الاستراتيجية الأصلية، التي استمرت في تحقيق النتائج على الرغم من تأخرها عدة أشهر عن التوقعات والتقديرات الأولية.

لا مشكلة في تغيير مسار مشروع أو مبادرة استراتيجية؛ فالمرونة عنصر مهم لنجاح أي مشروع، لكن احرص أن تستند هذه التغييرات إلى أسباب وجيهة، وإلّا فسيؤدي تغيير المسار إلى انحرافك عن الاتجاه الصحيح.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي