لماذا يجب تجنّب وصف الموظف بأنه “ضعيف الأداء”؟

3 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يعد مستوى انخراط الموظف في عمله حجر الرحى الذي تدور حوله كثير من النظريات الإدارية. ومع أنه يمكن القول إن صورة المؤسسة التي يطلق فيها جميع الموظفين العنان لقدراتهم وطاقاتهم لتحقيق مصالح مؤسساتهم هي صورة مثيرة ومحفزة، إلا أن هذا الأمر ربما يكون بعيداً عن الواقع أو طوباوياً حتى، ولا سيما أن 87% من الموظفين حول العالم لم يصلوا بعد إلى مستوى الانخراط الحقيقي في أعمالهم. فما الذي يمكن للمدراء فعله لتحفيز الموظفين من أجل إطلاق قدراتهم على أفضل نحو؟ يأتي جواب هذا السؤال من تحول بسيط على المستوى الشخصي: أعد التفكير بالتصنيفات التي تستخدمها للحكم على موظفيك.

ربما تتعجب لو أخبرناك أن التصنيفات التي يستخدمها الناس لمعرفة طبيعة الموظفين من حولهم تنعكس سلباً أو إيجاباً على قدرتهم في تحقيق أفضل ما لديهم ضمن بيئة العمل. لكن بمجرد قبول الناس هذه التصنيفات والاعتراف بها، سيتصرفون على اعتبار أن هذه التصنيفات حقيقية بالفعل، وهذا الأمر سينعكس بالضرورة على أدائهم. ويمكن أن يحدث هذا مباشرة، على سبيل المثال، عندما يحرم المدراء موظف ما من بعض المصادر لأنه “ضعيف الأداء” حتى لا يضيّع تلك المصادر عبثاً على موظف بذلك المستوى. كما يحدث بشكل غير مباشر، حين يصدر عن المدير تعليقات أو تصرفات تنتقص من ثقة الموظف بنفسه، فيتصرف الموظف بسبب ذلك بطريقة يحول دون تحقيق ما لديه من إمكانات.

لقد لاحظت أنا وزملائي حدوث مثل هذه المواقف مراراً وتكراراً، وإليك بعض الأمثلة:

  • كُلفت مديرة بشركة ما بتشكيل فريق يضم موظفين من عدة أقسام، فأخبرها مدراء الأقسام الأخرى أنهم غير مستعدين للتنازل عن “أفضل” موظفيهم، ولذلك قررت تلك المديرة تشكيل ذلك الفريق من الموظفين ذوي الأداء “المقبول” و”الضعيف”. لكن وبفضل الإدارة المتميزة لتلك المديرة فإن هؤلاء الموظفين قدموا أداء متميزاً بشكل استثنائي.
  • أخبر أستاذ جامعي زميلاً له بأنه لن يتمكن من التدريس في إحدى المحاضرات في برنامج التعليم التنفيذي الذي كانت تعده الكلية، معتذراً عن ذلك بأنه مجرد مفكّر يمتلك “صورة واسعة” عن الموضوع، أما تلك المحاضرة، فكانت تتعلق بجوانب “تفصيلية”. وكان جميع معارف ذلك الأستاذ يستخدمون ذلك التصنيف لوصف ما يتقنه وما لم يتقنه. لكن زميله أقنعه وقال له: “لقد رأيت أنك تؤلف مقطوعات موسيقية، وبما أنك تؤلف الموسيقى فليس هنالك شخص في العالم أقدر منك على التعامل مع الأمور بتفاصيلها”. وهكذا كانت التصنيفات التي يندرج الأستاذ تحت سقفها تحدّ من الخيارات التي يمكنه المساهمة بها.
  • ربما كان أكثر مثال صادم لنا في هذه الظاهرة هي تلك القصة عن مدير أحد المصانع، إذ أُوكلت له مهمة إغلاق مصنعه ضمن خطة الشركة لتقليص حجمها وتسريح عدد من العمال. وعلى مدى شهور عديدة قضى هذا الرجل كل يوم في مكتبه محاولاً قصارى جهده ليجد وظائف لمن لديه من عمال في مصانع وشركات أخرى. وتمكن كما هو متوقع من العثور على وظائف للعمال أصحاب الأداء المتميز قبل سواهم. ثم وفي أحد الأيام، توجه هذا المدير إلى طابق المصنع لأول مرة منذ أسابيع، ورأى أمرين أثارا دهشته وحزنه في آن معاً. الأمر الأول، هو أن الذين بقوا من العمال كانوا من السود، وهذا يعني افتراضه بأن جميع العمال ذوي الأصول الأفريقية أضعف أداء من أقرانهم البيض. أما الأمر الثاني، فهو أن هؤلاء العمال، الذين كانوا أقل من نصف الكادر، نجحوا في تشغيل المصنع بأداء أفضل مما كان عليه الحال حين كان هو بنفسه يشرف على العمل اليومي هناك.

هذه الأمثلة العديدة باختلاف مستوياتها والمتعلقة بأثر التصنيفات على إمكانات الآخرين تتكرر يومياً في الشركات. فكيف يمكن للمدراء إعادة التفكير بتلك التصنيفات التي يستخدمونها في وصف الموظفين؟ يمكن بداية أن تطرح الأسئلة التالية على نفسك:

  • ما هي التصنيفات التي أميل لاستخدامها حين أفكر أو أتحدث مع موظف ما لدي؟ وأي من الأفراد أو المجموعات وصفت بأنه من ذوي الأداء المنخفض؟
  • ما هي المرات التي حقق بها هؤلاء الأشخاص أداء جيداً، حتى لو كانت في ظروف نادرة؟ (فكر جيداً واسأل الآخرين إن لزم الأمر).
  • هل هنالك أنواع من العمل غير مناسبة لهذا الموظف وفق التصنيفات التي تستخدمها؟ وهل هناك أمثلة لمواقف أدى بها هذا الموظف أداء جيداً في مثل هذا النوع من العمل؟
  • ما الذي دفع هذا الموظف إلى تحسين أدائه في تلك المواقف الاستثنائية؟ وماذا أفعل لتهيئة الظروف الملائمة التي تجعله أكثر نجاحاً؟
  • هل تعني هذه الأمثلة ضرورة مراجعة تصنيفي لهذا الموظف؟ وهل يعني ذلك أنه عليّ التعامل معه بطريقة مختلفة؟

إذا كنت صادقاً مع نفسك وعازماً على الاعتراف بخطئك في الطريقة التي صنفت بها شخصاً ما وحكمت بها عليه، وبحثت جيداً عن مواقف أُخرى تثبت عكس الفكرة التي لديك ولم تجد أياً من ذلك، فربما يجب عليك حينها دعوة الموظف المعنيّ لإجراء حوار صريح وتناقش معه إذا كان من الأنسب له متابعة العمل معك في الشركة. أما لو عثرت على أي أمثلة مهما كانت بسيطة تدل على أن هذا الموظف قادر على تقديم أداء أفضل مما يدل عليه التصنيف الذي يوسم به عادة، فلعله من الأفضل عندها بذل بعض الوقت والجهد ومحاولة استخدام تصنيف آخر، يتبعه تغيير في أسلوب التعامل، لمعرفة ما إذا كنت أنت السبب الذي حال دون تحقيق هذا الموظف لأفضل ما لديه من إمكانات. فتجربتي على هذا الصعيد تخبرني بأنك ربما تتفاجأ مما قد تكتشفه من بعض الموظفين والإمكانات المتميزة التي ستتمكن من إطلاقها بفضل هذا التغيير البسيط.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .