هل تحسّ أن سيلاً من المعلومات يجتاح عقلك؟ إليك كيفية التعامل معه

6 دقائق
الحمل الزائد للمعلومات

ملخص: من المثير أن تبدأ وظيفة جديدة. ولكن ذلك يحتاج إلى بذل جهد كبير لفهم كمية هائلة من المعلومات الجديدة وتصنيفها واستيعابها. يمكن لهذه المهمة أن تزيد الحمل المعرفي على عقلك، وإذا لم تتم إدارتها بشكلٍ صحيح، فستقلل من بريق وظيفتك الجديدة الرائعة.

  • يمكن أن يحدث الإغراق المعلوماتي بسرعة (إلى درجة تشعر أنك لا تستطيع استيعاب أي معلومة إضافية حالياً)، أو تدريجياً (ما يجعلك تشعر بالملل وعدم القدرة على استيعاب أي معلومات أخرى).
  • للتغلب على الإغراق المعلوماتي، ابدأ بإدارة نفسك. عندما تلاحظ أعراض الحمل الزائد للمعلومات (صداع، إعياء، إحباط، تقلب المزاج)، لا تتجاهلها ولا تقلق حيالها. قل لنفسك مثلاً “لقد بدأت العمل في وظيفة جديدة، وهناك الكثير لأتعلمه، فلا بأس بالشعور على هذا النحو”.  يساعد هذا الحديث الذاتي في تطبيع الموقف ويسهل عليك التعامل مع عواطفك.
  • الخطوة التالية هي مساعدة عقلك كي يساعدك. كلما زادت الطاقة التي توفرها لعقلك لمعالجة المعلومات، قلّ تعرضك لحمل المعلومات الزائد. يمكنك القيام بذلك من خلال تنظيم المعلومات التي تحتاجها وتخزينها بدلاً من محاولة تذكر كل شيء دفعة واحدة.

 

من المثير دائماً بدء وظيفة جديدة. ولكن على الرغم من أنك قد تكون متحمساً جداً للقاء زملاء جدد وبدء مشاريع جديدة وبناء مهاراتٍ جديدة، ستواجه ضغوطاً مرهقة بنفس القدر لتحقيق النجاح. في الواقع، يعتمد نجاحك إلى حد كبير على مدى قدرتك على استيعاب الكثير من المعلومات بسرعة، مثل الأسماء والعمليات والأنظمة والبرمجيات والمسؤوليات الجديدة، على سبيل المثال لا الحصر.يمكن أن يكون ذلك مرهقاً جداً ويجعل وظيفتك الرائعة الجديدة أقل متعة بكثير إذا لم تقم بإدارة هذه العملية على النحو الأمثل، عندما تكون عقولنا مثقلة بكمٍ كبير من البيانات الواردة من العالم الخارجي، قد نواجه صعوبة في استيعابها ومعالجتها وتحويلها إلى معلومات مفيدة، ما يعوق قدرتنا على اتخاذ قرارات ذكية وتقديم أفضل أداء لدينا. تعرّف مجموعة أبحاث الإغراق المعلوماتي هذا الشعور بـ “التسمم بالمعلومات” (infoxication)، ويُعرف أيضاً بضباب البيانات. يمكن أن يحدث هذا الشعور بعدة طرق:

سريعاً: عندما تقضي معظم وقتك في مشاهدة العروض التقديمية بعد عرضها أو قراءة تقارير طويلة معقدة محاولاً اكتساب أكبر قدر ممكن من المعلومات في وظيفتك الجديدة، ثم فجأة، تشعر بتخمة المعلومات. أو قد تكون في منتصف اجتماع مهم، وتشعر فجأة أن عقلك تلقى الكثير من المعلومات ولم يعد قادراً على استيعاب أي شيء جديد في تلك اللحظة.

تدريجياً: عندما تقضي أيامك القليلة الأولى في قراءة التقارير ومقابلة أشخاص جدد والقراءة عن الأهداف المؤسسية المختلفة، ولكنك لا تأخذ سوى فترات راحة قصيرة بين هذه المهام. ستشعر في نهاية كل يوم بالملل وعدم القدرة على استيعاب أي شيء آخر.

كلتا التجربتين مزعجة. ولكن إذا وضعت إحباطك جانباً وأدركت أن الشعور بالتخمة أو الملل ناجم في الواقع عن الحمل الزائد للمعلومات (وهو أمر طبيعي عند بدء وظيفة جديدة)، فيمكنك التعامل معه بشكلٍ أفضل، بل ويجب عليك القيام بذلك. لكن إذا لم تراقب هذا الشعور، فإن التسمم بالمعلومات لن يؤثر في أدائك وحسب، بل يمكن أن يسبب لك مشاكل مرتبطة بالتوتر مثل الصداع وتقلّب المزاج والأرق وضعف جهاز المناعة وعدم القدرة على التركيز والاحتراق الوظيفي

كيف تتعامل مع الحمل الزائد للمعلومات؟

ضع في اعتبارك أن كل شخص يعاني من التسمم بالمعلومات من وقت لآخر، خاصة عند بدء شيء جديد كلياً. للتغلب على الإغراق المعلوماتي، عليك التعامل مع شيئين: نفسك وعقلك.

إدارة نفسك

عندما تلاحظ أعراض الحمل الزائد للمعلومات (صداع، إعياء، إحباط، تقلب المزاج)، لا تتجاهلها ولا تقلق حيالها. تقول مؤلفة كتاب “المرونة العاطفية” (Emotional Agility)، سوزان ديفيد، في هذا الصدد: “المشاعر الشديدة ليست سيئة، ولا ينبغي قمعها أو التحكم بها. قل لنفسك مثلاً “لقد بدأت العمل في وظيفة جديدة، وهناك الكثير لأتعلمه، فلا بأس بالشعور على هذا النحو”. 

يساعد هذا الحديث الذاتي في تطبيع الموقف ويسهل عليك التعامل مع عواطفك. لا تنسَ أن العواطف تطورت كنظام إشارات، فهي بمثابة نقاط بيانات يمكن أن تساعدك على فهم نفسك وقيمك بشكل أفضل.  وبالتالي، عندما تشعر بعبء المعلومات، يمكنها مساعدتك على فهم ما يحدث من حولك وما يجعلك تشعر بالإرهاق وأفضل طريقة للتعامل معه.

تكمن الحيلة لإدارة التسمم بالمعلومات في عزل نفسك عن مشاعرك بما يكفي للتعرف عليه، لذلك أنصحك بممارسة ما يسميه علماء النفس “التصنيف العاطفي“، والذي ينطوي على تسمية المشاعر التي تختبرها بمزيد من التحديد لمساعدتك على التوقف قليلاً ومراقبة مشاعرك ببساطة بدلاً من تركها تؤثر فييك عقلياً وجسدياً. 

على سبيل المثال، في المرة التالية التي تشعر فيها بالإغراق المعلوماتي، وبدلاً من إجهاد نفسك في التفكير بشيء ضبابي مثل “أنا متوتر جداً”، فكر فيما إذا كان هذا التوتر يظهر على شكل مشاعر محددة أكثر، مثل الغضب أو الحزن أو القلق أو الإحراج. عندما تحدد هذه المشاعر، حاول أن تنأى بنفسك عنها وراقب ما يحدث لك. على سبيل المثال، قد تدرك أنك مستاء من الوقت الطويل الذي تحتاجه لتعلم نظام جديد في العمل. وإذا فحصت مشاعرك بدقة أكبر، فقد تدرك أن مشاعر السوء تلك ناجمة عن نفاد الصبر والارتباك.

يمكنك الآن أخذ استجابتك الأولية “أنا متوتر جداً” وإعادة صياغتها بالقول “ليس لدي صبر لتعلم هذا النظام، ما يجعل تعلمه صعباً أكثر، ونتيجة لذلك، أشعر بالارتباك حيال ذلك وهذا ما يجعلني أشعر بالاستياء”.  على هذا النحو، يصبح فهم المشكلة وحلها أسهل بكثير.

تنطوي الخطوة الأخيرة على التفكير بالحلول الممكنة للمشكلة التي حددتها:

  • نفاد الصبر: خذ استراحة قصيرة، أو تمشَّ قليلاً مثلاً، واستعد انتباهك وتركيزك عندما تعود. ذكّر نفسك أن جميع الأنظمة تستغرق وقتاً لتعلمها، وهذا ما تفعله تماماً؛ أي التعلم.
  • الارتباك: حدد أهم ثلاثة أشياء تجد صعوبة في تعلمها. اطلب مساعدة مديرك في العمل أو أحد زملائك في الفريق، أو ابحث عن برامج تعليمية على الإنترنت لإرشادك حول هذه الأشياء.

الأهم من ذلك، إذا لم تهتم بالتعرف على مشاعرك وكيفية التعامل معها، فمن المرجح أن يتدنى رفاهك وستعاني من الأعراض المرتبطة بالتوتر.

إدارة عقلك

الهدف هنا هو أن تبذل ما بوسعك لمساعدة عقلك كي يساعدك؛ كلما زادت الطاقة التي توفرها لعقلك لمعالجة المعلومات، قلّ تعرضك لحمل المعلومات الزائد.

حدد بعناية كيفية استخدامك لطاقتك وتجنب القيام بأشياء من شأنها إجهاد عقلك أكثر مما يحتمل. فيما يلي بعض الطرق للقيام بذلك:

نظّم معلوماتك. يقول الرئيس التنفيذي لمجموعة نيرو بزنس والطبيب النفسي، سريني بيلاي، إن عقلك أشبه بجهاز ذكي “يمتص المعلومات“. تحتفظ أدمغتنا بالمعلومات التي تحتاج إليها آنياً في الذاكرة القصيرة المدى وتعالج المعلومات التي قد نحتاجها في المستقبل وتخزنها في ذاكرتنا الطويلة الأمد. ويتعامل عقلنا مع المعلومات التي لا نحتاجها وفق آلية تشبه آلية التخلص من القمامة، حيث يقوم بفرزها أو إعادة تدويرها أو محوها نهائياً، ويمكننا هنا مساعدته على فرز المعلومات وتخزينها بشكلٍ أفضل لتجنّب الحمل الزائد للمعلومات. 

على سبيل المثال، إذا كنت تتابع عرضاً تقديمياً وسيتم توفير البيانات التي تُعرض خلاله للاطلاع عليها لاحقاً، فلا حاجة إلى تذكر كل شيء في الوقت الحالي. بدلاً من ذلك، ركز انتباهك بالكامل على العرض التقديمي حتى تتمكن من فهم ما يُقال، فعندما تحاول جاهداً فهم النقاط الرئيسية للعرض التقديمي، تستهلك قسماً كبيراً من طاقة الدماغ في فهم المعلومات وتلخيصها.

من ناحية أخرى، إذا كان زميلك يشرح التعليمات أو يقدم النصائح، فقد تكون هذه المعلومات جديرة بالاهتمام، ومن المفيد تسجيلها بوعي وتخزينها للاستفادة منها في المستقبل. لقد لخص زميلك بالفعل ما تحتاج إلى معرفته وفرزه، فلماذا تضيع وقتك وطاقتك في البحث عنه مرة أخرى لاحقاً؟

استعن بالتكنولوجيا لتخزين المعلومات التي لا تحتاج إليها على الفور. غالباً ما تمتلك المؤسسات أنظمةً لإدارة المعرفة الرقمية تخزّن المعلومات المهمة فيها لاستخدامها عند الحاجة واستخلاص البيانات منها. يمكنك القيام بنفس الشيء لتخفيف التشوّش الحاصل في الدماغ.

أقترح إنشاء مستند وورد أو جوجل لتدوين المعلومات التي لا يحتاج عقلك إلى تذكرها أو تخزينها. ستكون هذه الطريقة ذكية لتخفيف عبء المعلومات عن عقلك في الأيام الأولى من وظيفتك الجديدة.

على سبيل المثال، بدأت إحدى الزميلات عقب تعيينها بإنشاء نمط خاص بها من صفحات المعلومات حول الأشخاص والأدوار والمنتجات والرؤى التي تحتاج إلى معرفتها في وظيفتها الجديدة. وكانت تراجع هذه الصفحات كل بضعة أيام لإضافة أية معلومات جديدة، وإفراغ عقلها بشكلٍ متعمّد من المعلومات في هذا النظام المعرفي الذي أنشأته بنفسها.

كن عملياً في أثناء المضي قدماً. إذا كنت ممن يدونون الملاحظات في أثناء الاجتماعات، فاحرص على عدم كتابتها على الكمبيوتر المحمول بنفس الأسلوب التفصيلي الذي يتبعه كاتب المحكمة مثلاً.  من الأفضل تدوين ملاحظات مكتوبة تلخص ما يقوله المحاضر لأنها ستساعدك على فهم المعلومات والاحتفاظ بها وتذكرها بشكلٍ أفضل من طباعة صفحات طويلة من التفاصيل، فالمعلومات عالية الجودة التي تقوم بفرزها وتجميعها وتلخيصها ستكون أكثر فائدة ونفعاً. 

وتساعد بعض الأساليب، مثل كتابة قائمة بالنقاط الرئيسية أو كتابة عمودين من المعلومات المتباينة أو رسم خريطة ذهنية للنقاط التي يرتبط بعضها ببعض وحتى رسم بعض الرموز الدلالية بخط يدك، على تخفيف العبء الذي يتحمله عقلك. في نهاية الاجتماع، راجع ملاحظاتك وخزنها في موسوعتك المعرفية أو في نظام المعرفة الخارجي الخاص بك.

قلل من التبديل بين المهام. يضرّ القيام بعدة مهام في نفس الوقت بصحتك الجسدية والعقلية، ويقلل من إنتاجيتك وقدراتك المعرفية. إذ تُظهر الأبحاث أن المبالغة بذلك تؤدي إلى انخفاض معدل الذكاء والإصابة بالاضطرابات العصبية مثل الأرق، وهذا آخر شيء تحتاجه عندما تتولى وظيفة جديدة. 

لتحكّم أفضل وتحقيق نتائج أحسن وتقدّم أكبر، يمكنك الاعتماد على تقنية “بومودورو” الفعالة، والتي تتضمن التركيز على مهمة واحدة لمدة 25 دقيقة تقريباً ومن ثم أخذ فترة استراحة قصيرة. يمكنك العمل لفترة أطول أيضاً، ولكن عليك أخذ قسط من الراحة بعد ذلك، فعلى الرغم من أن العمل المركّز أقل إرهاقاً من القيام بمهام متعددة، لا يمكنك العمل إلى ما لا نهاية.

خذ فترات راحة قصيرة واشرب ما يكفي من الماء. تعمل فترات الراحة القصيرة أو الإلهاء المتعمد في أثناء النهار على إفراغ المعلومات الموجودة في الذاكرة القصيرة المدى، كما تسمح بترسيخ الذكريات وتخزينها للمستقبل بعد فترة من العمل أو التركيز المكثّف. اخرج من مكتبك وقم بنزهة قصيرة، أو قم بإطعام حيوانك الأليف، تحدث مع شخص آخر، أو اتجه للنافذة واستنشق بعض الهواء النقي.

سيساعد ذلك عقلك على العمل بشكلٍ أفضل مما لو واصلت الضغط عليه، ولا تنسَ أن تتناول طعاماً صحياً وتشرب كمية كافية من الماء، فدماغنا يستنزف الجلوكوز الموجود في الدم ويحتاج إلى الماء ليعمل، فإذا لم نزوده بهما، فلن يعمل بشكل جيد وسيزيد العبء عليه وستنخفض طاقته.

تعامل مع وظيفتك الجديدة بعقلية حب الاستطلاع والتعلم، ولا حاجة لتذكر كل شيء متعلق بها. فإدارة المعلومات مهارة مكتسبة وتتضمن مزيجاً من التقنيات المذكورة أعلاه. ومع وضع الملاحظة الأخيرة بالاعتبار، فقد حان الوقت لأخذ استراحة قصيرة للتخلص من العبء المعرفي الذي كنت تحمله.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .