يشغل لوكاس بي منصب الرئيس التنفيذي لشركة معروفة تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، وكان صمودها على المحك في ذروة الجائحة، وتوقع العديد من المحللين انهيارها. وضع لوكاس استراتيجية لإعادة الربحية إلى الشركة، وتلقى الدعم من مجلس إدارته لتطبيقها، لكنه عانى الكثير من أجل تنفيذها. واجه لوكاس ما كان يَعده مجموعة من العقبات الخارجية. وعندما بدأنا العمل معاً أبدى مقاومة شديدة لفكرة أن قيادته كانت جزءاً أساسياً من المشكلة.

في الحقيقة كانت قيادته هي المشكلة ولكن ليس للأسباب الاعتيادية المعروفة.

منذ عقدين وأنا أدرب الرؤساء التنفيذيين وأصحاب المناصب التنفيذية العليا. وفي عالم مليء بالتعقيدات والتحديات، توصلت إلى أن القادة بحاجة أكثر من السابق إلى فهم تأثير جوانبهم النفسية الداخلية في قراراتهم وتصرفاتهم. وعوضاً عن فهم ذلك، يتخذ قادة الشركات الذين عملت معهم الإجراءات غالباً ولا يلقون بالاً للتفكير العميق فيما يجري في تلك المساحات غير المطروقة داخلهم التي لا تحظى باهتمامهم، وهذا يشمل مشاعرهم ومصادر دوافعهم وتأثير تجاربهم السابقة في حياتهم على الخيارات التي يتخذونها في وقتهم الحاضر.

ومن القضايا القيادية التي شغلت لوكاس وتشغل القادة أكثر من غيرها تحديد الأولويات واتخاذ القرارات وتحمل المسؤولية والمواءمة بين أعضاء فرقهم وتمكينهم، لكن عملنا ركز بالتساوي على 3 أسئلة ذات أبعاد شخصية كبيرة مصممة لفهم مصادر دوافعهم على نحو أفضل:

  • ما العوامل التي تشكل شخصيتك وأسلوب قيادتك؟
  • هل تستطيع أن تصبح أفضل؟
  • ما الذي يمنعك من أن تصبح أفضل؟

مبدؤنا الأساسي مع العملاء سهل ممتنع، فلا يمكنك إحداث تغيير في أيّ شركة دون إحداثه في نفسك أولاً. ولكي تكون قائداً أفضل مما أنت عليه، عليك أولاً أن تصبح إنساناً أفضل مما أنت عليه. توصلت إلى هذا المبدأ بعد سنوات من الخبرة مع كبار القادة الذين أخفقوا في تنفيذ استراتيجيات جديدة ومبادرات للتغيير. إذ يتطلب التغلب على العقبات استعدادنا للتشكيك بمعتقداتنا الثابتة وعاداتنا الراسخة، وفهم النقاط المبهمة وإدراك تحيزاتنا ومخاوفنا ومراجعة تبريراتنا، فجميعها تؤثر فينا بعمق لكننا في الغالب لا نعيها.

يخدع القادة أنفسهم حين يفترضون أنهم يتخذون قراراتهم بملء إرادتهم وبعد دراسة وافية. والحقيقة أن العديد من الدراسات استخلصت أن 43% على الأقل من سلوكياتنا لا تحدث عن سابق قصد ووعي، بل تحدث لا شعورياً وبحكم العادة ولا تعدو عن كونها ردود أفعال، وفي بعض الحالات ترتفع هذه النسبة أعلى من ذلك بكثير.

وعلى القادة أيضاً التشكيك في ضرورة الظهور الدائم بشخصية القائد القوي الواثق بنفسه الذي لا يمكن لشيء أن يزعزعه. ففي كثير من الأحيان تغدو هذه الشخصية مجرد وسيلة أخرى للدفاع عن النفس في مواجهة القلق والألم. وعلى قادة اليوم إدراك أن الانفتاح والتواضع والرغبة في النمو عناصر ضرورية لإدارة المؤسسات الحديثة.

صارحني لوكاس منذ مدة قصيرة وقال لي: “في لحظات من جدالنا المحتدم كنت أختلف مع آرائك بشكل جذري، وغالباً كنت أفهم من هذه الأفكار أنني لست مستعداً للتغيير بعد، وكانت تحدث نقاط التحول عندما أدخل إلى أعماقي وأكون على استعداد للإصغاء ومن ثم التطور”.

بدأ التغيير عند لوكاس عندما بدأ باستكشاف أعماقه بدلاً من الخضوع للرغبة في تجنب المواجهة والتوصل إلى حلول ترضي الجميع. وكان ذلك يعني أيضاً ملاحظة ميله إلى التدخل والتفكير في التفاصيل الدقيقة. عندما بدأ يشعر بالقلق، كان يجد نفسه متردداً في اتخاذ القرارات ويسعى لتكرار نفس العمل عدة مرات مع أكثر من شخص واحد. وكلما تمكن من ملاحظة دوافعه المتناقضة وقبولها، استطاع تحقيق توازن أفضل بينها.

مع زيادة قدرة لوكاس على وضع توقعات واضحة لفريقه وتحمل مسؤوليته أمامه، ازدادت رغبته في تمكين الآخرين للوصول إلى تلك النتائج دون مشاركته المباشرة.

تضمنت مهام لوكاس أداء دور غير معلن؛ دور “المسؤول الأول عن نشر الطاقة الإيجابية” في الشركة، ويعني ذلك أن عليه إدراك التأثير الهائل للمشاعر التي يُبديها في الذين يعملون تحت قيادته إما للأفضل وإما للأسوأ. وبتواضع وشفافية بدأ يعترف بمحفزاته وكيف يتعلم تقبلها بدلاً من التصرف وفقاً لها، ما سمح للآخرين في فريقه بالشعور بالأمان عند الاعتراف بمعاناتهم.

ماذا يعني أن تكون قائداً اليوم؟

من تحديات التدريب الحديث فهم أن الإنسان لا يعمل بموجب شخصية واحدة، بل عبر عملية معقدة ومشتركة بين الشخصيات الأساسية الثلاث: شخصية الطفل وشخصية المدافع والشخصية العميقة، وهذا المنظور متأثر بشدة بأنظمة الأسرة الداخلية لريتشارد شوارتز (ولا علاقة لها بموضوعنا).

تعد شخصية الطفل التي ولدنا بها أضعف الشخصيات، وتنشأ شخصية المدافع في وقت مبكر من حياتنا لحمايتنا من مشاعر الخوف والألم والعار والضعف والعجز. كان من المفيد جداً بالنسبة إلى لوكاس أن يعرف كيف تتجاوب شخصية المدافع فيه عندما يكون تحت الضغط ويشعر أن قيمته تتعرض للتهديد، ولأنه لم يسمح لشخصية المدافع بتولي المسؤولية وكان قادراً على تغليب شخصيته العميقة الأكثر قدرة واعتدالاً، بات أهدأ وأقدر على ضبط ذاته، وأعمق تفكيراً، وأكثر قدرة على اتخاذ خيارات مدروسة.

يعتمد غالبية قادة الشركات الذين عملت معهم بشكل أساسي على مصدر واحد للحكمة والأفكار، وهو العقل. في الواقع، ثمة 4 مراكز للحكمة على الأقل، منها القلب والإحساس والروح، ويتطلب اتخاذ أكثر القرارات استنارة الاعتماد عليها جميعاً.

وجد لوكاس، على سبيل المثال، أن وجهة نظره قد تغيرت عندما ابتعد عن دوامة أفكاره المتضاربة، وأصغى من كثب إلى حكمة إحساسه. وكان يعني ذلك إيلاء المزيد من الاهتمام إلى حدسه العميق بدلاً من الاعتماد فقط على عقله الذي يمكن أن يبرر له تقريباً أي خيار يتخذه.

لماذا يعادل التواصل البشري بأهميته النتائج النهائية؟

يتمتع العديد من قادة الشركات الذين عملت معهم بإمكانية تواصل محدودة مع قلوبهم، أي الحساسية تجاه مشاعرهم واحتياجاتهم العاطفية والتعاطف مع مشاعر الآخرين وحاجاتهم. وينطبق ذلك على نحو خاص على القادة الذين تحفزهم المكافآت الخارجية بشكل رئيس مثل المال والسلطة والتقدير، التي تعد الدلالات السائدة على القيمة في معظم بيئات عمل الشركات.

فعلى سبيل المثال كان أندرو كيه، وهو أحد كبار القادة، يقيس نفسه بصافي أرباح شركته فحسب تقريباً، وكان يشعر بالأمان والراحة في عالم الأرقام الموضوعي. بدأت صحوة الحكمة في قلبه عندما استعد للتعمق في المخاوف والقلق الذين نشؤوا عندما ركّز انتباهه على مشاعره وكيف يؤثر في الآخرين.

وبمرور الوقت اكتشف أندرو أنه كان يكبت رغبته في التواصل الإنساني عن قرب، معتقداً أنه سيضعفه ويمنعه من تحقيق أهدافه الخارجية. لكن حين سمح لنفسه بإقامة المزيد من العلاقات الشخصية مع زملائه وجد أن التعاون معهم أصبح سهلاً، وأن النزاعات باتت تُحل بسرعة.

المركز الرابع للحكمة هو الروح التي تشير إلى المنظور الأوسع الذي يظهر عندما يحقق القادة التوازن الصحيح بين الاهتمام بأنفسهم والاهتمام بالآخرين.

تشغل بولينا بي منصب الرئيسة التنفيذية لمؤسسة غير ربحية كبيرة، ويشكل العملاء الذين تخدمهم مؤسستها مصدراً غزيراً لطاقتها الروحية. وعندما بدأنا العمل معاً في أثناء الجائحة، كانت تشعر بالإرهاق الشديد لدرجة أنها كانت تفكر في ترك وظيفتها.

وفي أثناء دراستنا لتجربتها، بدأت بولينا ترى أن شخصية المدافع لديها تظهر كلما شعرت بأنها عاجزة عن بلوغ الكمال، وكان ذلك الشعور يأتي على شكل نقد ذاتي لا يرحم مستغلاً رغبتها فيه، وكلما زاد ذلك الشعور زاد ضغطها على نفسها وتركيزها على التفاصيل وإحباطها.

ركزنا معاً على سؤال بسيط للغاية: ما الذي يغذي طاقتك وما الذي يستنفدها؟ وعندما سمحت لنفسها استكشاف الإجابات، اكتشفت بولينا أن التدخل في كل مشكلة في المؤسسة يغذي سعيها للكمال لكنه يمنعها غالباً من تسخير وقتها لجوانب عملها التي تغذي روحها، ومن أهمها الطاقة التي تستمدها من قضاء الوقت في الميدان مع الموظفين والعملاء والتفاعل مع قادة المؤسسات الأخرى.

والمفارقة التي استنتجتُها من العمل مع الرؤساء التنفيذيين وكبار القادة أنه كلما زادت قدرتهم على قبول أجزاء من شخصيتهم التي تخلوا عنها سابقاً وتبنيها، تضاءل ما يتعين عليهم الدفاع عنه. يتمثل جوهر عمل المدرب التنفيذي الحديث في مساعدة العملاء على فهم أنفسهم بصورة أعمق للتصالح مع المزيد من الحقائق حتى تحررهم من قيودهم. ويبدأ ذلك بأبسط الأسئلة: “ما الذي أعجز عن رؤيته؟”