بناء مسيرة مهنية أخلاقية

12 دقيقة
كيفية بناء مسيرة مهنية أخلاقية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

مقاربة ثلاثية المراحل لمواجهة التحديات أثناء محاولة معرفة كيفية بناء مسيرة مهنية أخلاقية في العمل.

نحن ننظر إلى أنفسنا بوصفنا أشخاصاً طيبين. نسعى إلى أن نكون أخلاقيين من أجل معرفة كيفية بناء مسيرة مهنية أخلاقية في العمل بطريقة صحيحة، ونأمل أن نتمكّن خلال لحظات التحوّل من أن نرقى إلى مستوى الحدث، ولكن عندما يتعلق الأمر بموضوع بناء مسيرة مهنية أخلاقية في العمل، فإن حسن النوايا وحده لا يكفي، فقد حددت أبحاث دامت على مدار عقود العمليات الاجتماعية والنفسية والتحيّزات التي تشوش قدرة الناس على إطلاق أحكام أخلاقية وتدفعهم إلى مخالفة قيمهم الذاتية، وفي غالب الأحيان إلى إيجاد مبررات ملتوية لسلوكياتهم بعد وقوع الواقعة.

فكيف بوسعك أن تضمن فعلك للشيء الصحيح في حياتك المهنية يوماً بعد يوم ومن عقد إلى عقد؟

تستدعي الخطوة الأولى الانتقال إلى ذهنية نطلق عليها اسم “التواضع الأخلاقي”، وتقوم على الاعتراف أننا جميعاً معرّضون للانحراف إذا لم نكن يقظين. يدفع التواضع الأخلاقي الناس إلى الاعتراف أن الإغراءات، والتبريرات العقلانية، والأوضاع قد تقود أفضل الناس إلى سوء السلوك، وهو يشجعهم على عدم النظر إلى الأخلاق من زاوية تجنّب السيئ فحسب، وإنما أيضاً من زاوية السعي إلى الخير. وهو يساعدهم على رؤية هذا النوع من تطور الشخصية بوصفه مسعى يمتد على مدار الحياة. أجرينا أبحاثاً تتعلق بالأخلاق في مكان العمل لأكثر من عقد من الزمن، وبناء على النتائج التي توصلنا إليها نقترح على الذين يريدون بناء مسيرات مهنية أخلاقية تبنّي مقاربة ثلاثية المراحل هي: (1) التحضير سلفاً لمواجهة التحديات الأخلاقية، (2) اتخاذ القرارات الجيدة في حينها، (3) التأمّل في النجاحات والإخفاقات الأخلاقية وتعلّم الدروس والعبر منها.

كيف تخطط لبناء مسيرة مهنية أخلاقية

من المهم جدّاً أن يهيئ الإنسان نفسه لمواجهة التحديات الأخلاقية، لأن الناس غالباً ما يعون جيداً ما يتوجب عليهم فعله عندما يفكّرون في المستقبل، لكنهم يميلون إلى التركيز على ما يريدون فعله في الحاضر. هذا الميل إلى المبالغة في نظرتنا إلى ذواتنا الفاضلة في المستقبل هو جزء مما تسميه آن تينبرونسيل من جامعة نوتردام “السراب الأخلاقي”.

تبدأ مواجهتك لهذا التحيّز بفهمك لنقاط قوتك ونقاط ضعفك الشخصية. ما هي قيمك؟ ما أكثر وقت تجد نفسك فيه أكثر ميلاً إلى مخالفة هذه القيم؟ في كتاب بعنوان “الطريق إلى تكوين الشخصية” (The Road to Character)، يميّز مؤلفه ديفيد بوركس بين فضائل السيرة الذاتية (المهارات، القدرات، الإنجازات التي بوسعك وضعها في سيرتك الذاتية مثل “زدت العائد على الاستثمار بنسبة 10% في مشروع تبلغ قيمته ملايين الدولارات”) والفضائل الشخصية (أي الأشياء التي يمتدحك الناس عليها بعد رحيلك، مثل إظهار الوفاء للأصدقاء، واللطف، والمثابرة). رغم وجود إمكانية للتداخل بين الفئتين، إلا أن فضائل السيرة الذاتية غالباً ما ترتبط بالأشياء التي فعلتها لنفسك، في حين أن الفضائل الشخصية تتعلق بطبيعتك الشخصية وما فعلته للآخرين – أي شخصيتك.

لذلك اطرح على نفسك السؤال التالي: ما هي الفضائل الشخصية التي أحاول تطويرها؟ أو كما يقول العلّامة في الإدارة بيتر دراكر: “كيف تريد للناس أن يتذكروك بعد رحيلك؟” و”ما هي الإسهامات التي تريد تقديمها؟”. إذا نظرت إلى حياتك المهنية بوصفها سعياً إلى تقديم إسهامات عوضاً عن تحقيق إنجازات، فإن هذه النظرة يمكن أن تغيّر الطريقة التي تقارب بها مسيرتك المهنية تغييراً جوهرياً. ومن المفيد التفكير في هذه الأسئلة باكراً قبل أن تطوّر ذهنيتك، وعاداتك، وسلوكياتك الروتينية التي تعتبر بطبيعتها مقاومة للتغيير.

اقرأ أيضاً: دراسة حالة: هل كان ذلك تصرفاً غير أخلاقي؟

يمكن لعملية تحديد الأهداف أن تساعد في إرساء الأساس للسلوك الأخلاقي. فالاختصاصيون والمهنيون يعملون بانتظام على تحديد أهداف في مختلف جوانب حياتهم العملية والشخصية، ومع ذلك فإن قلّة منهم فقط تقارب الجانب الأخلاقي بهذه الطريقة. وكان بنجامين فرانكلين قد تطرّق في مذكراته الشخصية إلى محاولة إتقان 13 خصلة اعتبرها أساسية لعيش حياة فاضلة (بما في ذلك الاجتهاد، والعدالة، والتواضع). لا بل ذهب أبعد من ذلك، فتَتبَّع التقدم الذي يحرزه يومياً من خلال استعمال شكل بياني. نحن لا نقترح على كل إنسان أن ينخرط في عملية توثيق صارمة مشابهة، لكننا ننصحك أن تجلس وتدوّن أهدافك للفضائل التي ترغب في أن ترد في نعوتك، ولاسيما الأهداف التي تنطوي على تحديات لكن بالإمكان تحقيقها. وهذا مشابه لما نادى به كلايتون كريستنسن من كلية هارفارد للأعمال في مقال له في هارفارد بزنس ريفيو بعنوان: “كيف ستقيس حياتك؟” فبعد أن صارع كريستنسن مرض السرطان، قرّر أن المقياس الأهم بالنسبة له كان “الأفراد الذين تركت أكبر أثر في حياتهم”.

لكن حتى الأهداف المصاغة بأكبر قدر من العناية تظل تندرج في خانة النيّات الحسنة، ويجب أن تُحمى بضوابط شخصية، أي عادات ونزعات ثبت قدرتها على الإسهام في دفع الناس إلى إظهار أفضل ما لديهم. فعلى سبيل المثال، تشير الدراسات إلى أن النوم الجيّد، والصلوات (في حالة المتدينين)، واليقظة يمكن أن تساعد الناس في إدارة ضبطهم لذواتهم وتقويته، وفي مقاومة الإغراء في مكان العمل.

كما نوصي أيضاً بالتخطيط بناء على قاعدة “إذا حصل كذا سأفعل كذا” –  من أجل معرفة كيفية بناء مسيرة مهنية أخلاقية وهو ما يسمّيه بيتر غولويتزر نوايا التنفيذ. هناك عشرات الدراسات البحثية التي أظهرت أن هذه الممارسة (“إذا حصل “س”، فإنني ساعتها سأفعل “ع”) يمكن أن تكون فاعلة في تغيير سلوك الناس، ولاسيما عندما يُعبّر عن هذه الخطط بصوت مرتفع. هي يمكن أن تكون بسيطة لكنها يجب أن تكون محددة أيضاً، بحيث تربط إشارة معيّنة في حالة معيّنة (المحفّز) بسلوك مرغوب. على سبيل المثال، إذا طلب مني مديري أن أفعل شيئاً قد لا يكون أخلاقياً، فسألجأ ساعتها إلى صديق أو مرشد خارج المؤسسة طلباً للنصح قبل أي تصرّف، وإذا عُرِضت عليّ رشوة سأتشاور مع الفريق القانوني في شركتي وسأراجع السياسات الرسمية لأرى ما تنصّ عليه في هذه الحالات. إذا شهدتُ حادثة تحرّش جنسي أو حالة تمييز عرقي، فسأقف إلى صف الضحية على الفور. يمكن لوضع الخطط الشرطية (إذا حصل كذا سأفعل كذا) المتناسبة مع نقاط قوتك وضعفك، وقيمك، وظروفك، أن تساعد في حمايتك من أي زلات في ضبط النفس، أو عدم التصرف عند الحاجة إلى اتخاذ إجراء. لكن تأكّد من وضع هذه الخطط الشرطية قبل أن تواجه الحالة، لأن التحضير شيء أساسي.

يمكن للمرشدين أيضاً أن يساعدوا في تفادي العثرات الأخلاقية، عندما توسّع شبكتك المهنية وتطوّر علاقاتك مع المستشارين، لا تبحث فقط عن الأشخاص القادرين على تسريع ارتقائك لدرجات السلّم المهني، بل خذ بحسبانك أيضاً الأشخاص الذين قد يكونون قادرين على دعمك عندما يتعلّق الأمر بالقرارات الأخلاقية. حاول بناء علاقات مع الموجودين داخل المؤسسة وخارجها، ولاسيما من تتشابه قيمهم مع قيمك، ويمكنك طلب النصح منهم في المسائل ذات الصلة بالأخلاق. نحن الاثنان تعاملنا مع مرشدين طلباً للنصح في قضايا أخلاقية، ونحن ندرّس طلاب الماجستير في إدارة الأعمال وننصحهم أن يحذوا حذونا. فامتلاك شبكة داعمة – ولاسيما المرشد الموثوق والأخلاقي – قد يمنحك فرصاً أيضاً لتحقيق أثر إيجابي في مسيرتك المهنية.

اقرأ أيضاً: ست خصال تتكهن بالسلوك الأخلاقي للأشخاص في العمل

بعد أن تلتزم بالحياة الأخلاقية، لا تخجل من إخبار الناس بذلك. لا أحد يحب من يدّعون التفوق الأخلاقي على الآخرين، لكن إرسال الإشارات الأخلاقية الضمنية يمكن أن يكون مفيداً، ولاسيما عندما تُبعث إلى الزملاء. بوسعك فعل ذلك من خلال مناقشة التحديات الأخلاقية المحتملة علناً وكيف تريد لرد فعلك أن يكون من خلال بناء سمعة بوصفك شخصاً يؤدي المطلوب بالطريقة الصحيحة. على سبيل المثال، في دراسة أنجزتها واحدة منا (هي مريم)، كان المشاركون فيها أقل ميلاً بكثير إلى الطلب من شريك على الإنترنت الانخراط في سلوك غير أخلاقي بعد تلقّي رسالة إلكترونية من ذلك الشريك مذيّلة أسفل التوقيع باقتباس لعبارة تدل على أخلاق فاضلة (من قبيل “النجاح دون شرف أسوأ من الاحتيال”).

صعوبات بناء مسيرة مهنية أخلاقية

يمكن للحوار المباشر أن يكون صعباً، نظراً إلى أن الناس غالباً ما يترددون في مناقشة المسائل المشحونة أخلاقياً، ولكن إذا كان بإمكانك إشراك زملائك في العمل في الحوار، فإننا ننصحك بالإقدام على هذه الخطوة، لأن الغموض هو أرض خصبة للتبرير للذات. اطرح أسئلة توضيحية بلباقة، وأوضح توقعاتك: على سبيل المثال بوسعك أن تقول: “أعتقد أن من المهم ألا نتجاوز أي خطوط أخلاقية حمراء هنا”.

إيجاد مكان عمل يشجع على بناء مسيرة مهنية أخلاقية

نتأثر جميعنا ببيئتنا أكثر مما نتخيل، لذلك من الضروري اختيار مكان عمل سيسمح لك بممارسة السلوك الأخلاقي إن لم يكن يشجعك عليه. ومن غير المفاجئ في الأمر أن يميل الموظفون الذين يشعرون أن احتياجاتهم وقدراتهم وقيمهم تتناسب تناسباً جيداً مع مؤسستهم إلى أن يكونوا أكثر رضا، ويشعرون بدافعية أكبر بالمقارنة مع أقرانهم الذين لا يتمتعون بهذا التواؤم، عدا عن أنهم يقدّمون أداء أفضل. بطبيعة الحال ثمة عوامل عديدة تتدخل في اختيار وظيفة ما – لكن الناس عموماً يميلون إلى التشديد الزائد على مقاييس مثل التعويضات وفرص الترقية، في حين لا يشددون بما يكفي على أهمية التواؤم الأخلاقي بينهم وبين الوظيفة. أظهر عملنا وأعمال الآخرين أن التوتر الأخلاقي هو مؤشر قوي على حالة الإنهاك لدى الموظف، وتراجع رضاه الوظيفي ودافعيته، وتزايد نسب تقلب الموظفين.

ويبدو أن هناك بعض القطاعات التي تمتلك معايير ثقافية أكثر انفتاحاً على عدم الأمانة، ففي إحدى الدراسات عندما ذُكّرَ الموظفون في بنك دولي كبير بهويتهم المهنية، كانوا أقرب إلى الغش مقارنة بزملائهم غير المصرفيين الذين تلقّوا التذكير ذاته. هذا لا يعني بطبيعة الحال أن المصرفيين أشخاص غير أخلاقيين، أو أن الأشخاص غير الأخلاقيين يجب أن يسعوا إلى العمل في مهنة الصيرفة (رغم أن ذلك يسلّط الضوء على أهمية أن تعطي البنوك الأولوية لتعيين موظفين ملتزمين أخلاقياً)، لكننا نقترح على أي شخص يعتزم البدء بالعمل في وظيفة جديدة أن يتعرّف على المؤسسة وعلى القطاع المعني لكي يهيئ نفسه لمواجهة الأوضاع التي قد تمس بالأخلاق. غالباً ما تنتهي مقابلات العمل بطرح سؤال على المرشح هو: “هل لديك أن سؤال توجهه إليّ؟” أحد الردود المحتملة على هذا السؤال هو: “ما أنواع المعضلات الأخلاقية التي قد أواجهها في هذه الوظيفة؟” أو “ما الذي تفعله هذه الشركة للترويج للممارسات التجارية الأخلاقية؟”.

كما تُظهرُ الأبحاث أيضاً أن عناصر بيئة العمل يمكن أن تعزز السيطرة على النفس أو قد تؤدي إلى تلاشيها، بغضّ النظر عن المعايير الثقافية السائدة في المؤسسة. فعدم اليقين المرتفع، والمتطلبات الذهنية الزائدة، وأيام العمل الطويلة والليالي المتأخرة، والأهداف المتتابعة المفرطة في طموحها هي كلها أمور تترافق بتزايد معدلات السلوك غير الأخلاقي. قد تتصاعد هذه الضغوط أو تتراجع مع مرور الوقت في مكان عملك، لكن خلال فترات الضغط الشديد يجب أن تكون أكثر تيقظاً.

اتخاذ قرارات جيدة من أجل معرفة كيفية بناء مسيرة مهنية أخلاقية

حتى بعد أن تكون قد خططت لمسيرة مهنية أخلاقية ووضعت ضمانات لهذا، قد يكون من الصعب مواجهة التحديات الأخلاقية عند حصولها. في بعض الأحيان، قد يتغاضى الناس عن تبعات قراراتهم، أو يعثرون على طرق مبهرجة لعقلنة السلوك غير الأخلاقي الذي يخدم مصالحهم. في حالات أخرى، يواجهون معضلات لا يكون القرار الصائب فيها واضحاً، كأن يضطر المرء – على سبيل المثال – إلى الاختيار بين الولاء لزملائه في العمل أو الولاء إلى الزبون، أو أن الحل المقترح سيؤدي إلى عواقب إيجابية وسلبية في الوقت ذاته، مثل توفير وظائف جيدة ولكن بأضرار بيئية. هناك عدة طرق للتعامل مع لحظات الحقيقة التي من هذا القبيل.

قرارات وخطوات تساعد في كيفية بناء مسيرة مهنية أخلاقية

قرارات وخطوات تساعد في معرفة كيفية بناء مسيرة مهنية أخلاقية

أولاً: ابتعد عن الحسابات التقليدية مثل تحليل التكلفة والمنفعة والعائد على الاستثمار. تعوّد على البحث عن القضايا والتبعات الأخلاقية الهامة في قرار معيّن وحللها من زوايا فلسفية متعددة. فعلى سبيل المثال، من منظور الواجبات الأخلاقية للمهنة المستندة إلى قواعد معيّنة، اسأل نفسك عن القواعد أو المبادئ ذات الصلة. هل سيقودك التصرف بطريقة معيّنة إلى خرق مبدأ الصراحة أو احترام الآخرين؟ ومن منظور النفعية المستندة إلى العوائق، حدّد النتائج المحتملة التي قد تمس جميع الأطراف المعنية أو المتأثرة مباشرة أو بطريقة غير مباشرة. ما هو أكبر نفع يحصل عليه أكبر عدد ممكن من الناس؟ ومن المنظور الأرسطي للأخلاق والفضيلة أسأل نفسك أي أسلوب تصرّف سيشكل أفضل تمثيل لشخص فاضل؟ لكل واحدة من هذه الفلسفات مزاياها وعيوبها، لكن التطرّق إلى معايير القرار الأساسية في حالة الفلسفات الثلاث – القواعد، والعواقب، والفضائل – سيجعلك أقل ميلاً إلى التغاضي عن الاعتبارات الأخلاقية الهامة.

لكن من الجدير بالملاحظة أن العقل البشري بارع في تبرير السلوك المشكوك فيه أخلاقياً عندما يتعرّض للإغراء بالمكاسب. ونحن غالباً ما نقول لأنفسنا أشياء من قبيل: “الجميع يفعل ذلك”، و”أنا أتّبع أوامر مديري فحسب”، و”هذا الشيء هو للصالح العام”، و”ما أقوم به لا يشبه سرقة بنك”، و”هذا خطؤهم ويستحقون ما حدث لهم”. يمكن للاختبارات التالية أن تساعدك في تجنّب المبررات المستندة إلى خداع الذات.

  1. اختبار العلنية: هل ستكون مرتاحاً لنشر هذا الخيار ومنطقك المبرر له في الصفحة الأولى في جريدة محلية؟
  2. اختبار إمكانية التعميم: هل ستكون مرتاحاً لتحويل قرارك إلى سابقة لجميع الناس الذين يواجهون وضعاً مشابهاً؟
  3. اختبار المرآة: هل أحببت الشخص الذي رأيته في المرآة بعد اتخاذ القرار، هل هذا هو الشخص الذين تريد أن تكونه حقاً؟

إذا كانت الإجابة عن أي من هذه الأسئلة هي لا، فإنك يجب أن تفكّر مليّاً قبل أن تمضي قدماً.

تُظهرُ الدراسات أن الناس أكثر ميلاً إلى التصرّف بطريقة غير أخلاقية إذا شعروا بالتعجّل. قلّة قليلة فقط من القرارات يجب أن تُتّخذ على الفور. لذلك فإن أخذ بعض الوقت للتأمّل يمكن أن يساعد في وضع الأمور في نصابها. في تجربة معروفة في علم النفس الاجتماعي، كانت الطلاب في تجمع برينستون أقل ميلاً بكثير إلى التوقف ومساعدة شخص غريب مستلقٍ على الأرض بلا حول ولا قوة إذا كانوا متعجلين للذهاب إلى محاضرة كان موعدها محدداً سلفاً وكان يُفترض بهم إلقاؤها عن التعاليم الدينية الخاصة بمساعدة أشخاص مستلقين على الأرض بلا حول ولا قوة. لذلك يجب عليك أن تعي الضغوط الزمنية. ولا شك في أن الحكمة القديمة التي تدعو إلى التروي في معالجة الموضوعات يمكن أن تساعدك في اتخاذ قرارات أخلاقية أفضل. كما أن تأجيل القرار قد يمنحك الوقت للتشاور مع المرشدين الأخلاقيين. فإذا كانوا غير موجودين، تمرّن على نسخة معدّلة من اختباري المرآة والعلنية: تخيّل أنك تشرح تصرّفاتك لهؤلاء المستشارين. فإذا ما جعلك هذا الشيء تشعر بعدم الارتياح، يجب عليك توخّي الحذر.

لكن تبنّي موقف أخلاقي غالباً ما يستدعي تحدّي الزملاء أو حتى الرؤساء في العمل وهذه خطوة قد تكون مؤلمة وصعبة للغاية. وقد أظهرت تجارب “ميلغرام” التي باتت ممقوتة الآن (قام فيها المشاركون في الدراسة بتعريض متطوعين أبرياء إلى صدمات قد تكون قاتلة عندما أعطاهم أحد المشرفين على إجراء التجربة تعليمات لفعل ذلك) مدى إمكانية خضوع الناس للضغوط من الآخرين، ولاسيما من يشغلون مناصب في السلطة. كيف بوسعك تفادي الوقوع فريسة للضغط الاجتماعي؟ يعرض مؤلفو “الدليل الميداني للأخلاق في قطاع الأعمال” (The Business Ethics Field Guide) بضعة أسئلة يمكن أن تطرحها على نفسك في مثل هذه الأوضاع: هل لديهم حق في أن يطلبوا مني فعل ذلك؟ هل سيشعر الآخرون في المؤسسة بذات الشعور الذي ينتابني بخصوص هذه المسألة؟ ما الذي يحاول الطالبون تحقيقه؟ هل يمكن تحقيقه بطريقة مختلفة؟ هل بوسعي أن أرفض الامتثال بطريقة تساعدني على حفظ ماء وجهي؟ بشكل عام، توخِّ الحذر من فعل أي شيء لمجرّد أن “الجميع يفعلونه” أو لأن مديرك طلب منك فعله. تحمّل مسؤولية تصرّفاتك.

اقرأ أيضاً: تعرف على الأسباب النفسية للسلوك غير الأخلاقي

لا تنسَ أن العديد من التحديات الأخلاقية التي يواجهها الناس في أماكن العمل قد واجهها الآخرون من قبل، ونتيجة لذلك فإن الشركات غالباً ما تضع مبادئ إرشادية وبروتوكولات محددة وتصدر بيانات تعلن فيها قيَمها. إذا ساورك الشك بخصوص حالة معيّنة، حاول الرجوع إلى السياسات الرسمية المطبقة في مؤسستك. هل لديها مدوّنة سلوك أخلاقي مطبّقة؟ إذا كانت الإجابة هي لا، اطلب النصح من مرشدك الأخلاقي. وإذا كنت تتعامل مع شيء تنظر إليه على أنه غير أخلاقي بكل وضوح لكنك تخشى انتقام شخص أعلى منك مرتبة وظيفية، تفقّد لتعرف ما إذا كان لدى مؤسستك برنامج للتحقيق في الشكاوى أو خط ساخن للأشخاص المُبلغين عن المخالفات.

تشير مجموعة واسعة من الأبحاث – في حقول متنوعة من علم النفس إلى علم الحواسيب والتمريض والتعليم – إلى أن التفكّر هو الخطوة الأولى الحاسمة في التعلم من التجارب الشخصية السابقة.

التفكّر بعد وقوع الواقعة  

التعلّم من التجربة السابقة حول كيفية بناء مسيرة مهنية أخلاقية هو جهد متكرر يدوم مدى الحياة، فالكثير من النمو يحدث بعد أن تكون القرارات والإجراءات قد اتخذت. ليس الأشخاص الأخلاقيون مثاليين، ولكن عندما يرتكبون الأخطاء، يراجعونها ويتأملون فيها لكي يكون أداؤهم أفضل في المستقبل. في الحقيقة تشير مجموعة واسعة من الأبحاث –في حقول متنوعة من علم النفس إلى علم الحواسيب والتمريض والتعليم– إلى أن التأمّل هو الخطوة الأولى الحاسمة في التعلم من التجارب الشخصية السابقة. فتأمّل النجاحات والإخفاقات، على حد سواء، لا يساعد الناس في تجنّب تكرار التعديات فحسب، وإنما أيضاً في “تجزئة الهوية” حيث يفصلون بين حياتيهم الشخصية والمهنية وربما يعيشون كل حياة منهما بمنطق أخلاقي مختلف تماماً.

لكن للتأمل الذاتي قيوده أيضاً حول كيفية بناء مسيرة مهنية أخلاقية بطريقة صحيحة. ففي بعض الأحيان تكون الزلات الأخلاقية واضحة، وفي أوقات أخرى، يكون الخيار غامضاً. لا بل أكثر من ذلك، يمكن للناس أن يغرقوا في بحر آرائهم إضافة إلى تواريخهم وتحيّزاتهم الشخصية. من هنا تأتي أهمية أن نطلب النصح والمشورة من أشخاص آخرين نثق بهم. بوسعك أن تتعامل مع هذا الموضوع بالطريقة ذاتها التي تتعامل بها مع الآراء التقويمية التي تحصل عليها بخصوص أدائك الوظيفي، أي من خلال طرح أسئلة محددة، وتجنّب تبنّي موقف دفاعي، والتعبير عن الامتنان.

أخيراً، بوسعك تبنّي فلسفة “صياغة الوظيفة” كما تسمّيها إيمي جشنيفسكي من جامعة ييل، من أجل معرفة كيفية بناء مسيرة مهنية أخلاقية وهي تعني أن تتحكّم بخبراتك في العمل من خلال السعي إلى تكييف المهام التي تتولاها، وعلاقاتك في مكان العمل، بل وحتى نظرتك إلى وظيفتك، بحيث يصبح العمل ذا مغزى أكبر بالنسبة لك، ويساعدك في إظهار أفضل ما لديك من قدرات كامنة. بمقدورك تطبيق فلسفة “صياغة الوظيفة” على مسيرتك المهنية الأخلاقية من خلال إدخال تغييرات من القاعدة إلى القمة على عملك والطريقة التي تقارب بها هذا العمل، وهذا سيساعدك في أن تكون شخصاً أشرف. على سبيل المثال، في الدراسات الأولى التي أجرتها ورزيسنيوسكي وزملاؤها عن موضوع “صياغة الوظيفة” توصّلوا إلى أن العديد من عمّال تنظيف المشافي نظروا إلى عملهم بطريقة جعلتهم يشعرون وكأنهم يساعدون الناس على الشفاء، وليس كمستخدمين، فهم لم يكتفوا بتنظيف الغرف، بل ساعدوا في إيجاد بيئة مسالمة تساعد على الشفاء. فإحدى المدبّرات اعتمدت على ابتسامتها وحس الدعابة الذي لديها لمساعدة مرضى السرطان على الاسترخاء والشعور بقدر أكبر من الراحة. كانت تسعى دائماً إلى البحث عن فرص للتفاعل معهم، مؤمنة أنها يمكن أن تكون بمثابة بقعة مضيئة آتية في ظلام علاجهم الكيماوي المتواصل. لقد صاغت وظيفتها بطريقة تساعدها على تطوير الفضائل التي تريد لها أن تظهر في نعوتها وتعزيز هذه الفضائل مثل الحب، والتعاطف، واللطف، والوفاء.

قد ينتابك شعور أنه ليس من الصعب أن تعمل في مهنة أخلاقية. فكما أخبرك أهلك “ما عليك إلا فعل الشيء الصائب”. لكن البراهين تشير إلى أن الالتزام بالأخلاق ومعرفة كيفية بناء مسيرة مهنية أخلاقية في عالم الواقع يزداد صعوبة. لذلك تحكّم بمقاليد مسيرتك المهنية الأخلاقية من خلال العمل على التحلي بالتواضع الأخلاقي، والتحضير للتعامل مع الأوضاع التي تتسم بالتحدي، والمحافظة على هدوئك في حينه، والتأمّل في مدى حسن التزامك بقيمك وتطلعاتك لتستطيع بناء مسيرة مهنية أخلاقية تفتخر بها.

اقرأ أيضاً: هل يجعلك القيام بالعمل نفسه مراراً وتكراراً أقل مراعاة للأخلاقيات؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .