حان الوقت لجعل الأوصاف الوظيفية مناسبة للعصر الرقمي

7 دقائق
فريق عمل هارفارد بزنس ريفيو/تيتيانا لازونوفا/ماسترزفوتويس/غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: لقد عفا الزمن على المسميات الوظيفية التقليدية في العديد من السياقات المختلفة لأماكن العمل. فمكان العمل الحديث عاد غير مناسب لمثل هذه الحدود المهنية الصارمة بين زملاء العمل ومسؤوليات كل منهم. وغالباً ما يُطلب من الموظفين اليوم العمل مع فِرق أخرى والإسهام بخبراتهم خارج نطاق أقسامهم مع الاستمرار في الاضطلاع بالمهمات المحددة الموضحة في أوصافهم الوظيفية. ومع الدعم المتزايد الذي تقدمه التكنولوجيا والتحول الرقمي، يكتسب الموظفون الأكثر اندماجاً في العمل اليوم مهارات جديدة باستمرار ويتجاوزون الحدود المحددة جيداً سلفاً لزيادة الإنتاجية وتحسين جودة العمل. لذا فإن إعادة تصور كيفية إعداد المسميات والأوصاف الوظيفية بشكل جذري أمر ضروري لإضفاء مزيد من المرونة على المهمات اليومية وتوسيع نطاقها.

 

لا تزال المسميات الوظيفية هي السائدة في عالم العمل. وهي تجسد تفويضاً صارماً للمسؤوليات الوظيفية، وتتحكم في المهمات الفردية، وتحافظ على الحدود بين الأقسام والزملاء. ولكن بروز دور التكنولوجيا والتحول الرقمي أدى إلى طمس الحدود بين المسؤوليات الوظيفية وتوقعات المدراء التي سيتسع نطاقها بمرور الوقت.

الواقع هو أنه قد عفا الزمن على المسميات الوظيفية التقليدية في العديد من السياقات المختلفة لأماكن العمل. وهذا لا يعني أنه لا لزوم لوجود مسميات أو رتب وظيفية مختلفة؛ الأمر ببساطة هو أن مكان العمل الحديث عاد غير مناسب لمثل هذه الحدود المهنية الصارمة بين زملاء العمل ومسؤوليات كل منهم. وغالباً ما يُطلب من الموظفين اليوم العمل مع فِرق أخرى والإسهام بخبراتهم خارج نطاق أقسامهم مع الاستمرار في الاضطلاع بالمهمات المحددة الموضحة في أوصافهم الوظيفية.

مع الدعم المتزايد الذي تقدمه التكنولوجيا والتحول الرقمي، يكتسب الموظفون الأكثر اندماجاً في العمل اليوم مهارات جديدة باستمرار ويتجاوزون الحدود المحددة جيداً سلفاً لزيادة الإنتاجية وتحسين جودة العمل. لذا فإن إعادة تصور كيفية إعداد المسميات والأوصاف الوظيفية بشكل جذري أمر ضروري لإضفاء مزيد من المرونة على المهمات اليومية وتوسيع نطاقها بشكل أكبر مما قد يسمح به المسمى التقليدي “مثل مدير تكنولوجيا المعلومات – المستوى الخامس”.

مع استمرار تطور التكنولوجيات وأتمتة المزيد من الوظائف، ستكون هناك حاجة إلى إجراء تغييرات في المسميات الوظيفية لتناسب مشهد الأعمال الجديد. من المتوقع ظهور المزيد من المسميات “القائمة على مشاريع” على وجه التحديد، مثل “قائد الانتقال إلى البيئة السحابية” أو “منسق مكان العمل عن بُعد”، إذ إن قوة العمل تصبح أكثر تعاوناً ومرونة. وقد تتحول هذه المسميات إلى مسميات جديدة مع تحقيق أهداف العمل وظهور احتياجات جديدة فجأة.

على سبيل المثال، قد يتم تعديل المسمى الوظيفي “موظف استقبال” ليصبح “مدير تجربة العميل”؛ إذ يعكس هذا المسمى المشاريع التي سيتعامل معها الموظف دون حصر مهاراته في مكتب الاستقبال. فخبرته ومهاراته في التعامل المباشر مع المستهلك تجعله عضواً قيِّماً في الفريق بشكل يتجاوز حدود المهمات المتكررة التي تملأ حالياً الأوصاف الوظيفية التقليدية لموظف الاستقبال.

قد تعتقد أن إعادة تصور المسميات الوظيفية أمر مهم بالنسبة إلى مدراء شؤون الموظفين فقط، لكن سيصوغ معظمنا أكثر من بضعة أوصاف وظيفية على مدار مسيراتنا المهنية. وبالنسبة إلى هؤلاء الذين يتقدمون بطلبات لشغل وظائف جديدة، ربما عليهم مراجعة الوصف الوظيفي ثم تحديث سيرهم الذاتية لإبراز مهارات وكفاءات محددة لجذب انتباه القائمين بالتوظيف أو مدراء التوظيف أو حتى الروبوتات.

وبالنسبة إلى القائمين بالتوظيف وقادة الموارد البشرية ومدراء شؤون الموظفين، فإن تطبيق مبادئ علم النفس الصناعي والتنظيمي، الذي يركز على سلوك الموظفين، يمكن أن يساعد في توجيه عملية إعادة تصور الأوصاف والمسميات الوظيفية وتصميمها وتحسينها. فصناعة القرارات بناءً على مبادئ علم النفس الصناعي والتنظيمي يمكن أن تساعد في توسيع نطاق كل وظيفة شاغرة وجذب مرشحين رائعين ومتنوعين وتسليط الضوء على توقعات الإدارة ذات الصلة.

اسأل نفسك هذه الأسئلة الثلاثة قبل حتى أن تضع القلم على الورقة لكتابة أي وصف وظيفي: ما هي احتياجات العمل الحالية والمستقبلية التي سيلبيها هذا الدور بشكل مباشر؟ ما هي الأماكن الأخرى في المؤسسة التي يمكن أن يكون لهذا الدور تأثير فيها؟ ما هي الكفاءات الأساسية التي ستجعل هذا الموظف ناجحاً (وبالتالي شركتك)؟

وبعد ذلك أوصي بإعادة النظر في الدور الوظيفي الذي حان وقت تحديثه وأتمتته ليصبح دوراً به مساحة للمرونة والنمو. على سبيل المثال:

تحوُّل دور “ممثل خدمة العملاء” إلى “قائد صوت العميل”.

إلى أين سيتجه هذا الدور؟

  • بينما ننتقل إلى أتمتة مكالمات ومحادثات خدمة العملاء بقدر أكبر، سيحلل هذا الموظف البيانات المتعلقة بتفاعل العملاء وسيستخدم التحليلات المحوسبة لتفسير القرارات المتعلقة بالمنتجات وتوجيهها.
  • سوف ينمي دور القسم المختص بصوت العميل بشركتنا وسيصبح جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية “العميل أولاً”.
  • ستتاح له أيضاً الفرصة لإيجاد طرق وقنوات إضافية للتواصل مع العملاء لتطوير منتجاتنا وتحسينها على نحو أفضل.
  • ومع توسع هذا الدور في القسم المختص بصوت العميل والشركة بشكل عام، فإن ما نبحث عنه هو استعداد واضح ممن سيشغل هذا الدور لتعلم العمليات والتكنولوجيات الجديدة من أول يوم، وهو أمر سيكون حاسماً في سعينا إلى الحفاظ على مرونتنا وقدرتنا على الابتكار.

الأدوار التي قد يؤديها شاغل هذا الدور:

  • داعم احتياجات العملاء – ميسّر – معلم – متعلم – خبير في تجربة المستخدم – حلّال مشكلات – مدير شؤون الموظفين – محلل بيانات – خبير تسويق – مدرب أو موجه – رئيس قسم – اختصاصي في وضع التوقعات.

كفاءات وأمثلة واقعية:

  • المؤثر المتعاون: إذا كنت تسعى باستمرار إلى إيجاد طرق جديدة للتعاون مع الفِرق والأفراد من مختلف أنحاء الشركة لتقديم تجارب تلبي احتياجات العميل، فهذا الدور مناسب لك.
  • البارع رقمياً: إذا كنت تسترشد بالبيانات في عملك اليومي لأداء عملك على النحو الأمثل، فهذا الدور مناسب لك.
  • ملتمس المعرفة: إذا كنت من أوائل الأشخاص الذين يظهرون في كل تدريب و/أو تقضي وقت فراغك في التعلم عبر الإنترنت، فهذا الدور مناسب لك.

سيكون مفتاح نجاحنا جميعاً هو فهم أنه يجب أن يكون لكل موظف وزميل في العمل أكثر من مجرد مسمى وظيفي صارم وقائمة بالمهارات أو المهمات المتوقعة. والزيادة الصاروخية في تبني التكنولوجيات والتحول الرقمي على مدار الثمانية عشر شهراً الماضية تدعم هذه الحقيقة.

كيف تغير التكنولوجيا طريقة عملنا؟

يُعد الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي أحد أكثر عناصر التحول الرقمي شيوعاً في مختلف القطاعات، من الفضاء الجوي إلى علم الحيوان. أظهر بحث حديث أجرته شركة “ماكنزي” (McKinsey) أن 67% من الشركات قد سرعت خطى تبنيها للذكاء الاصطناعي وتكنولوجيات الأتمتة الأخرى منذ بداية الجائحة. يكاد يكون من الحتمي أن الذكاء الاصطناعي سيغير طريقة القيام بملايين الوظائف وتنظيمها. لكن الواقع هو أن البشر سيظلون في مركز جميع الوظائف تقريباً. فأتمتة المهمات اليدوية أو القابلة للتكرار، على سبيل المثال، ستوفر جهد البشر للاضطلاع بمسؤوليات أكثر فعالية ودقة وأهمية تدفع عجلة النمو والابتكار بالشركة وترفع مستوى رضا العملاء.

لنأخذ إدارة المبيعات مثالاً على ذلك. ليس هناك أي “مهمات روتينية” في وظيفتك كمدرب مبيعات أو مدير مبيعات. إذ ينطوي هذا النوع من الوظائف على تقديم ثروة من الخبرة للعملاء المحتملين والزملاء في العمل تختلف حسب اليوم والمهمة والأشخاص المعنيين. كما أن هذه الوظائف تشتمل على تقديم رؤى عملية بشأن مهمات مثل مكالمات المبيعات ونصائح من واقع الخبرة حول سبل التحسين.

الأهم من ذلك أنه لا يمكن للذكاء الاصطناعي محاكاة الخبرة المهنية لمدير المبيعات في هذا المجال بشكل كامل وشامل. فهناك الكثير من الفروق الدقيقة والتعقيد في هذا المجال. ومع ذلك، يمكن أن تتفوق القدرات التحليلية للذكاء الاصطناعي على أفضل المدربين حتى من حيث الحجم والسرعة والدقة. وبينما سيظل مكان العمل مرتكزاً على العنصر البشري، سيتوسع دور الذكاء الاصطناعي وأتمتة العمليات الروبوتية مع استمرار تطور العمل في المستقبل.

بدأت التكنولوجيا بالفعل في تولى أجزاء مهمة من الوظائف الحالية، مثل العمل الذي يقوم به المترجمون والناسخون وموظفو الاستقبال والمتخصصون في دعم العملاء، على سبيل المثال لا الحصر. ومع استمرار التحول الرقمي في التشجيع على اعتماد التكنولوجيات المصممة لتسهيل القيام بالمهمات المتكررة، يصبح المتخصصون في المجالات التي يمكن أتمتتها بسهولة أكثر عرضة لخطر تقليل حجم أعمالهم.

تتطلب الترجمة، على سبيل المثال، أن يتمتع المترجمون بفهم مفصل للغات التي يترجمون منها وإليها ليتمكنوا من ترجمة التركيبات النحوية والأفكار المعقدة بدقة. ومع تحسن التكنولوجيات واعتماد المزيد من المؤسسات للحلول التكنولوجية، ستتمكن برامج الترجمة الآلية وتكنولوجيا تعلم الآلة من التعامل مع كميات كبيرة من الترجمات بدقة. سيظل دور البشر في هذه المعادلة كما هو، ولكن المسؤوليات المحددة والمهمات اليومية ستتطور بالتأكيد، وقد تشمل أيضاً إدارة عمليات تحقق من جودة الذكاء الاصطناعي أو تكنولوجيات الأتمتة بصورة منتظمة.

ينطبق الشيء نفسه على موظفي خدمة العملاء. هناك حاجة إلى الموظفين البشريين لتولي التعاملات المباشرة مع العملاء والموظفين الآخرين؛ فالذكاء الاصطناعي لا يزال بحاجة إلى سنوات ليصبح بديلاً مقبولاً. ومع ذلك، تتم الآن أتمتة المزيد من المهمات الأساسية مثل تحديد المواعيد والرد على رسائل البريد الإلكتروني الروتينية وحتى طلب خطط السداد والترتيب لها، ما يسمح للبشر بالتركيز على الأعمال الأكثر دقة.

لن يحل الذكاء الاصطناعي محل البشر في هذه المجالات بالضرورة، لكننا سنحتاج إلى أوصاف وظيفية مرنة للتكيف مع التطورات التكنولوجية والتأثير الذي ستحدثه على المسميات والأدوار الوظيفية التقليدية. وتجاوز حدود المسميات الوظيفية الضيقة النطاق سيكون من أهم جوانب مكان العمل الرقمي الذي ستسهل تكنولوجيات الأتمتة العمل فيه.

المسميات الوظيفية تضع حدوداً غير ضرورية

مع تسهيل القيام بالمزيد من المهمات المتكررة، مثل إدخال البيانات ونسخها، باستخدام التكنولوجيات، سيتوفر للموظفين المزيد من الوقت للتفاعل أو التعاون مع الموظفين في الأقسام الأخرى. ويمكن أن تؤدي زيادة التواصل بين الأقسام إلى زيادة إنتاجية الموظفين مع تقديم نتائج أعمال أكثر دقة وفعالية وأعلى جودة.

لنأخذ على سبيل المثال شركة للرحلات البحرية الفاخرة تريد تقديم وجبات خفيفة جديدة في رحلاتها لزيادة الإيرادات وجذب انتباه العملاء الجدد والعملاء العائدين. بدلاً من تكليف قسم المبيعات وحده أو قسم التسويق وحده بهذه المهمة، يمكن للشركة الجمع بين أفراد طواقم السفن والخبراء في تكنولوجيا المعلومات ومحللي البيانات ومتخصصي الاتصالات والتسويق. وبذلك أصبح الفريق الذي تم تجميعه أكثر قدرة على تحديد طلبات العملاء المشتركة، والتسويق بفعالية للإعلان عن الوجبات الخفيفة الجديدة، كما قدم خيار الطلب الرقمي الجذاب الذي عزز تصور العملاء لرحلات الشركة الفاخرة. لم يتمكن الفريق من التوصل إلى حل شامل لتحقيق أهداف الشركة فحسب، إنما تمكن أيضاً من تطبيق هذا الحل من خلال عملية واحدة سلسة قائمة على التعاون.

بالإضافة إلى ذلك، على الصعيد العملي ستؤثر الأتمتة على العاملين في كل مستوى تقريباً من مستويات المؤسسة. فمع أتمتة المهمات المتكررة أو تسريع العمل عليها من خلال التحول الرقمي، سيتمكن الموظفون الذين اعتادوا على أدائها من القيام بمهمات قد لا تكون متلائمة مع وصفهم الوظيفي الأصلي. والسماح للموظفين بمخالفة المسميات الوظيفية يمكن أن يؤدي إلى زيادة الإنتاجية في وقت تتغير فيه مسؤوليات الأدوار، والمهارات اللازمة للاضطلاع بها، بشكل أسرع من قدرتنا نحن مدراء شؤون الموظفين على تحديث المسميات والأوصاف الوظيفية. لم تعد الأوصاف الوظيفية الصارمة تروق للموظفين في العصر الحديث الذين يفهمون قيمة التعلم المستمر والتعاون لمستقبلهم المهني.

لا تحصر مهارات الأشخاص في دور معين

عند تطوير الوظائف المستقبلية التي ستشغلها المواهب المتاحة اليوم، نحتاج إلى التركيز على المهارات وليس المهمات. إذ سيساعد هذا في اكتشاف المواهب المناسبة التي تمتلك المهارات اللازمة لتحقيق أهداف محددة، دون حصر الأفراد في دور معين أو تقييدهم بمسميات وظيفية غير مرنة. من الناحية العملية، يجب أن يضطلع بهذا الدور مدراء التوظيف والمسؤولون التنفيذيون للموارد البشرية ومدراء شؤون الموظفين الذين يركزون على التطوير والنمو، بدلاً من تصوير المسؤوليات الوظيفية على أنها محصورة في “مسار” معين.

علاوة على ذلك، من المهم بناء هيكل للكفاءات والمسؤوليات الأساسية على المستوى الفردي. ولكن من الأفضل التعامل مع هذا النوع من تطوير الأدوار الوظيفية على أنه سقّالة لا مبنى مكتمل. بمجرد التعيين، من المهم أيضاً السماح للموظفين بتوسيع أنشطتهم والتعاون مع الأشخاص خارج نطاق عملهم اليومي مع الاستمرار في التركيز على المهمات المهمة في عملهم.

خلاصة القول هي أنه يجب أن يشعر الموظفون أن التكنولوجيات الداعمة والتحول الرقمي تمكّنهم من أداء عملهم على نحو أفضل، كما يجب تشجيعهم على التعلم والنمو خارج نطاق روتين عملهم اليومي، ويجب أيضاً أن يكونوا متحمسين إزاء فرص تطوير مساراتهم المهنية دون التعرض للضغوط التي تفرضها الأوصاف أو المسؤوليات أو المسميات الوظيفية الصارمة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .