ما الذي يميّز المراكز التجارية الطبية مقارنة بالمستشفيات “التقليدية”؟

ذا غود بريغيد/غيتي إميدجيز

شارك

استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية

ملخص: تمثّل المراكز التجارية الطبية نوعاً جديداً من مواقع تقديم الرعاية التي باتت تلقى قبولاً متزايداً. قد تكون عبارة عن مركز طبي أو مزيج من موقع تقديم خدمات الرعاية الصحية ومساحات مؤجرة لتقديم خدمات بالتجزئة. ويوجد حوالي 30 مركزاً منها في الولايات المتحدة. وتعتمد تلك المراكز على أنظمة المستشفيات لتقديم خدمات الرعاية بشكل أكثر فاعلية وكفاءة ومرونة والمساعدة في معالجة أوجه عدم المساواة في الرعاية الصحية واحتياجات الصحة العامة المتطورة باستمرار، إضافة إلى تعزيز التنمية الاقتصادية المحلية.

أصبحت مراكز التسوق بالتجزئة التي كانت تواجه صعوبات قبل الجائحة أقل حيوية في ظلها. وهو ما عزز ظهور نوع آخر من المراكز التجارية، ألا وهي المراكز التجارية الطبية؛ اكتسبت تلك المراكز بعض الاهتمام قبل الجائحة، لكنها أصبحت تتمتع بإمكانات أكبر اليوم.

قد تؤسس المراكز التجارية الطبية محل مراكز التسوق؛ وقد تكون مراكز طبية بحتة أو مزيجاً من خدمات الرعاية الصحية والمساحات المؤجرة التي تقدم خدماتها بالتجزئة. ويتمثّل التعريف الأكثر شيوعاً للمركز التجاري الطبي في المركز الذي يشتمل على 5 مستأجرين أو وحدات للرعاية الصحية على الأقل؛ ووفقاً لهذا التعريف، يوجد ما يقرب من 30 مركزاً في الولايات المتحدة، وأكثر من 22 مركزاً منها هي عبارة عن مراكز مختلطة تقدم الرعاية الصحية ومساحات تقدم خدماتها بالتجزئة.

تعتمد تلك المراكز التجارية الطبية على أنظمة المستشفيات لتقديم الرعاية بشكل أكثر فاعلية وكفاءة ومرونة والمساعدة في معالجة أوجه عدم المساواة في الرعاية الصحية واحتياجات الصحة العامة المتطورة باستمرار، إضافة إلى تعزيز التنمية الاقتصادية المحلية.

قدرات رعاية أكثر كفاءة ومرونة

قد يتسارع التحول عن الحصول على الرعاية في مباني المستشفيات (التي تم بناء العديد منها منذ عقود والتي أصبحت صيانتها مكلفة وصعبة) في أعقاب الجائحة. وتوجد عدة توجهات تعزز تلك الحركة، ألا وهي النمو الهائل في الرعاية الافتراضية (الرعاية الصحية عن بُعد)؛ وظهور مراكز الجراحة اليومية المتنقلة، حيث يمكن اليوم إجراء العديد من العمليات الجراحية التي اعتاد الأفراد إجراءها في المستشفيات؛ وانتشار كبير لمرافق الرعاية العاجلة؛ واستخدام التكنولوجيا الجديدة التي تسمح بإجراء التشخيص خارج المستشفيات (مثل المختبرات ومراكز الأشعة)؛ والاعتماد المتزايد على برامج “المستشفى من المنزل”، التي تخدم المرضى الذين يعانون من حالات مثل مرض الانسداد الرئوي المزمن والتهاب الرئة وفشل القلب الاحتقاني.

لا يزال الأفراد بحاجة إلى التوجه إلى المستشفيات بالطبع للحصول على خدمات الرعاية الحادة التي تتطلب مهارات ومعدات متخصصة، فضلاً عن المراقبة الدائمة للمرضى. وستكون المستشفيات التي تزدهر من 5 إلى 10 سنوات من الآن أكثر استراتيجية وتخصصاً ومرونة مقارنة بغيرها اليوم، وستدمج بعضها خدمات المستشفى الأكثر تكلفة بخدمات أقل تكلفة في المراكز التجارية الطبية عبر تقديم الرعاية لمرضى العيادات الخارجية.

على سبيل المثال، قد يقدم مركز تجاري طبي خدمات دعم، كتوفير مركز كبير لممارسة الرعاية الأولية، وفرع لصيدلية من سلسلة كبيرة، وإجراء العمليات الجراحية البسيطة وتوفير مراكز التصوير الطبي؛ وتقديم بعض خدمات التخصصات الفرعية لمرضى العيادات الخارجية، مثل أمراض الحساسية والأمراض المناعية وأمراض الجهاز الهضمي وأمراض القلب والصحة السلوكية ورعاية الأسنان وقياس البصر؛ إضافة إلى تقديم الخدمات التكميلية، مثل المختبرات وإعادة التأهيل الجسدي وتوفير متجر للمستلزمات الطبية وعيادة الرعاية العاجلة التي يسهل الوصول إليها ومركز للتثقيف الصحي المجتمعي.

تأمّل مركز “فاندربيلت هيلث” (Vanderbilt Health)، في المركز التجاري “وان هاندرد أوكس” (One Hundred Oaks) في مدينة ناشفيل في تينيسي، حيث تشكل الخدمات الصحية لمرضى العيادات الخارجية فيه نصف مساحة المركز التجاري البالغة 880,000 قدم مربعة. تتيح خيارات الرعاية الأولية والمتخصصة بتجربة “كل خدمات الرعاية تحت سقف واحد”، ويحتوي نظام “فاندربيلت” الصحي الأكبر على العديد من العيادات الخارجية التي تعمل مع المركز التجاري الطبي الذي يوفر خيارات الرعاية الصحية عن بُعد وخدمات التوصيل المجانية من وإلى “مستشفى مونرو كاريل جونيور للأطفال” (Monroe Carell Jr. Children’s Hospital) و”فاندربيلت ميديكال سنتر إيست” (Vanderbilt Medical Center East).

يمكن للمراكز التجارية الطبية خفض التكاليف الثابتة للمستشفيات من خلال تقليل الاعتماد على البنية التحتية غير المرنة، كما أنها تتيح للمستشفيات ومقدمي الخدمات الآخرين تقليل التكاليف المتغيرة من خلال تقديم مجموعة متنوعة من “الخدمات المشتركة” المتاحة لجميع المستأجرين في المراكز التجارية الطبية. قد تشتمل تلك الخدمات على مركز رئيسي لتكنولوجيا المعلومات للتعامل مع الاحتياجات التكنولوجية (مع مساحات للإيجار لتقديم خدمات بالتجزئة لمرضى العيادات الخارجية الذين يستخدمون الأجهزة الطبية)، ومركز للرعاية الصحية عن بُعد مجهز بتكنولوجيا متقدمة تُدفع رسومه على أساس كل استخدام أو العضوية، وإمدادات طبية تُزوّد بالجملة وصيدلية، وهو ما يقلل الحاجة إلى التخزين اللامركزي.

وبما أن أنظمة المستشفيات تعيد التفكير في نماذج أعمالها وأساليب تقديم الرعاية وتصممها من جديد، قد تكون المراكز التجارية الطبية جزءاً من ذلك التطور. تشتمل الفرص المحتملة على سبيل المثال لا الحصر:

• التأكيد على الرعاية المستمرة بدلاً من العرضية إضافة إلى الرعاية المنسقة والمتكاملة عندما يستخدم المستأجرون في المركز التجاري نظام السجل الصحي الإلكتروني نفسه.
• جعل المركز التجاري الطبي مركزاً رئيسياً لتقديم الرعاية، وجعل الرعاية الصحية عن بُعد والرعاية المنزلية والمستشفى نفسه “مراكز فرعية”.
• جني الإيرادات من الخدمات السريرية وغير السريرية بعيداً عن جدران المستشفى، ومن إيجارات المستأجرين، إذا كان المركز التجاري مملوكاً لمستشفى أو نظام صحي.
• تسريع التحول إلى حوافز الدفع المستندة إلى الكفاءة نظراً لأوجه الكفاءة في تقديم الخدمات من قبل المراكز التجارية الطبية.
• الحد من المعارضة المتزايدة من قبل الدافعين لسداد تكاليف النفقات العامة للمستشفى عندما تكون الرعاية على مستوى المستشفى غير ضرورية.

طريقة لمكافحة أوجه عدم المساواة

يمكن للمراكز التجارية الطبية بما لديها من مواقف سيارات واسعة ومواقع موزعة أن تساعد في توفير خدمات رعاية وقائية وأولية سهلة المنال وبأسعار معقولة للفئات السكانية المحرومة من الخدمات الذين سلطت الجائحة الضوء على محنتهم. ووفقاً لتقرير توجهات مستهلكي الرعاية الصحية لعام 2019 الصادر عن “مؤسسة الأبحاث الوطنية للصحة” (NRC Health)، يقول 51% من المرضى أن تيسير الحصول على الرعاية هو العامل الأكثر أهمية في تحديد المكان الذي يرغبون في تلقي خدمات الرعاية الصحية فيه.

ومن الأمثلة على ذلك مركز “جاكسون ميديكال مول ثاد كوكرن” (Jackson Medical Mall Thad Cochran)، بمدينة جاكسون في ولاية ميسيسيبي الذي يعمل مع المركز الطبي بجامعة “مسيسيبي” بصفته أحد شركائه. شهد مركز “جاكسون مول” (Jackson Mall) الأصلي، وهو مركز ضخم بُني في السبعينيات من القرن العشرين، تراجعاً في أعماله خلال الثمانينيات من القرن نفسه. لكن بحلول عام 1996، تم تحويل جزء كبير من مساحة المركز التجاري لتقديم خدمات الرعاية الصحية لسكان مدينة جاكسون المحرومين من الخدمات. اجتذبت المهمة المعلنة لمؤسسة “جاكسون ميديكال مول” والمتمثّلة في القضاء على أوجه التفاوت في الرعاية الصحية في المجتمع المحيط رأس مال كبير من خلال المنح، بما في ذلك 1.25 مليون دولار من مؤسسة “روبرت وود جونسون” (Robert Wood Johnson) للحد من استخدام التبغ بين الذكور ذوي البشرة السمراء في منطقة مسيسيبي دلتا ريفر و5 ملايين دولار من وزارة الزراعة الأميركية لتنفيذ برنامج الغذاء الصحي، “دبل أب فود باكس” (Double Up Food Bucks)، لسكان ولاية مسيسيبي المحرومين من الخدمات. وترعى مؤسسة “جاكسون ميديكال مول” أيضاً حركة “فارم تو فورك” (Farm to Fork)، وهي عبارة عن تعاون مع أسواق المزارعين المحليين لتحسين وصول المجتمعات المستهدفة إلى الطعام الصحي.

قد تُمثّل المراكز التجارية أيضاً محركات اقتصادية ومصادر للوظائف، خاصة في المجتمعات المحرومة. كما حددت هيئة تنمية مسيسيبي منطقة “جاكسون ميديكال مول” على أنها “منطقة فرص” تتيح للمستثمرين من القطاع الخاص الحصول على مزايا ضريبية من مكاسب رأس المال على الاستثمارات الطويلة الأجل في المنطقة. يوظف المستأجرون في المول أكثر من 1,500 شخص في وظائف متكافئة بدوام كامل، أي ما يعادل 25 مليون دولار من الرواتب السنوية، كما استثمرت مؤسسة “جاكسون ميديكال مول” في بناء متجر بقالة يبيع الأطعمة الطازجة، وملعباً، و30 منزلاً لـ 30 أسرة لزيادة الاستدامة الاقتصادية في المجتمع المحيط.

تشير توجهات ما قبل الجائحة، إلى جانب حقائق الصحة العامة التي برزت في ظلها إلى تزايد حاجة المستشفيات إلى إعادة تصور مستقبلها. ويعد ابتكار المراكز التجارية الطبية مثالاً على قدرة قطاع الرعاية الصحية على التصدي لبعض التحديات الأكثر إلحاحاً وتطوراً. يمكن للمركز التجاري الطبي في المساحات المتاحة للإيجار أن يخدم المجتمع المحلي بطريقة جديدة وأكثر إنصافاً، وأن يعيد تنشيط نموذج أعمال النظام الصحي المحلي أو الإقليمي المستند إلى أنظمة المستشفيات. ومع إنشاء مزيد من المراكز التجارية الطبية، ستتعلم المجتمعات والأنظمة الصحية المزيد حول ماهية الأساليب الناجحة والفاشلة وماهية المشاريع غير المتوقعة التي يجب تجربتها واختبارها.