ما هي القطاعات التي تتسم بالطابع الرقمي أكثر من غيرها (ولماذا)؟

4 دقائق
القطاعات التي تتسم بالطابع الرقمي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عندما يتحدث قادة الشركة عن القطاعات التي تتسم بالطابع الرقمي واعتماد النظام الرقمي، يساور الشك الكثيرين فيما يعنيه ذلك غير شراء أحدث أنظمة تقنية المعلومات. إذ تحتاج الشركات إلى شراء أصول مثل أجهزة الكمبيوتر والخوادم والشبكات والبرمجيات، لكن لا تمثّل هذه المشتريات سوى البداية. ويتميّز القادة الرقميون عن منافسيهم بطريقتين: أولاهما طريقة وضعهم التكنولوجيا الرقمية موضع التطبيق خصوصاً عند التفاعل مع العملاء والموردين، وثانيتهما مدى استخدام موظفيهم للأدوات الرقمية في كل أنشطتهم اليومية.

نظر بحث أجراه “معهد ماكنزي العالمي” (McKinsey Global Institute) مؤخراً في وضع الرقمنة عبر جميع قطاعات الاقتصاد الأميركي، وكشف فجوة كبيرة ومتنامية بين القطاعات وبين الشركات ضمن تلك القطاعات. تشهد معظم الشركات الرقمية نمواً هائلاً في الإنتاجية وهوامش الربح. لكن ما المميزات الرئيسية للقائد الرقمي؟ وكيف تستطيع الشركات مقارنة نفسها مع منافسيها؟ حلّلنا 27 مؤشراً يندرج ضمن ثلاث فئات عامة: الأصول الرقمية والاستخدام الرقمي والعمال الرقميون. ويُظهر البحث الذي أجريناه أن آخر فئتين تُحدثان فرقاً حاسماً.

التحول الرقمي للشركات

تضاعفت الأصول الرقمية عبر الاقتصاد بأكمله على مدار الخمس عشرة سنة الماضية، إذ لم تستثمر الشركات في تكنولوجيا المعلومات فحسب، بل في رقمنة أصولها المادية. لقد نما الاستخدام الرقمي في المعاملات التجارية وتفاعلات الزبائن والموردين وإجراءات العمل الداخلية بمقدار خمسة أضعاف تقريباً — وطوال الفترة بأكملها، حققت القطاعات الرائدة تقدّماً هائلاً على الجميع من حيث استخدام التكنولوجيا الرقمية. لكن يكمن العامل المُميِّز الأكبر على الإطلاق في وجود قوة عاملة متمكنة رقمياً. فعلى مدى العقدين الماضيين، تحسّن أداء القطاعات الرائدة في المقاييس المختلفة التي تحكم العمالة الرقمية، مثل حصة المهام التي تحتاج أدوات رقمية وعدد الوظائف الرقمية الجديدة، التي تضاعف بمقدار ثمانية أضعاف بينما بقيت سائر القطاعات الاقتصادية الأخرى تراوح في مكانها بصعوبة.

لقد بات من الواضح أن بعض القطاعات الاقتصادية تقدم أداءً أفضل بكثير من البقية. وتضمّنَ بحثنا “مؤشر رقمنة القطاع” (Industry Digitization Index)، الذي استحدثناه مؤخراً، وهو يمثّل أول محاولة رئيسية لقياس التقدم الرقمي واعتماد الرقمنة في كل قطاع. تُظهر النتائج تقدماً متفاوتاً:

تطور القطاع من الناحية الرقمية

يُعتبر قطاع التكنولوجيا الأكثر نجاحاً، وهذا ليس بالأمر المستغرب. ويليه مباشرة قطاع الإعلام والتمويل والخدمات المهنية التي تتمتع جميعها بقدرات رقمية أكثر تطوراً بكثير من بقية قطاعات الاقتصاد. وعلى رأس هذه الاختلافات على الصعيد الكلي، نرى أنه حتى في القطاعات المتأخرة عن الركب، قد نجد شركات متميزة تدفع بالحدود قدماً بالنسبة إلى الجميع.

دعونا نلقي نظرة على كل فئة من فئات المؤشرات العامة الثلاثة على حدة. أولاً، الأصول الرقمية. بهدف مقارنتها، يقيس المؤشر حجم استثمار الشركات في الأجهزة والبرمجيات والبيانات وخدمات تقنية المعلومات (إما من خلال عمليات الشراء الفورية أو من خلال التعاقد مع أطراف ثالثة لسد الثغرات). كما ننظر أيضاً في مدى رقمنة الشركات لأصولها المادية — أي ما إذا كانت تمتلك مبانٍ ذكية وأساطيل مركبات متصلة وبيانات ضخمة أو نظم إنترنت الأشياء التي تحصل على أفضل أداء من المعدات والأنظمة وسلاسل التوريد.

تدور أحداث قصة الأصول الرقمية منذ ستينيات القرن العشرين إلى حد ما. إذ كانت شركات البيع بالتجزئة والشركات المالية من بين أوائل المتحركين، في حين نشهد حالياً اعتماد شركات التعدين والتصنيع التكنولوجيا الرقمية بطريقة هادفة بوساطة أدوات تتيح استخدام الهاتف المحمول وأجهزة تعمل بوساطة إنترنت الأشياء. ومن الأمثلة على ذلك: هاتف “إس 60” (S60) الذكي الجديد من صنع شركة “كاتربيلر” (Caterpillar)، المزود بإمكانية تصوير حراري مدمج، الأمر الذي يفيد البنّائين والكهربائيين وعمال المرافق. كما انتقل التركيز أيضاً من القيام باستثمارات رأسمالية طويلة الأجل إلى نظم تشغيل مرنة قائمة على الاستخدام، ما يفسّر النمو السريع في عروض الخدمات السحابية التي أطلقتها شركات مثل “أمازون” (Amazon) و”جوجل” (Google) و”مايكروسوفت” (Microsoft).

تقيس فئتنا الثانية، أي الاستخدام الرقمي، مدى تفاعل الشركات رقمياً مع الزبائن والموردين. وتستفيد الشركات في القطاعات الرائدة بشكل مكثف من الدفعات الرقمية والتسويق الرقمي وتطوير المنتجات القائم على التصميم. وهي أكثر عرضة لاستخدام البرمجيات من أجل إدارة عمليات مكتب الإدارة الخلفية التابع لها وعلاقات الزبائن. كما أنها تستفيد من منصات التجارة الإلكترونية وقد تدير منصاتها الخاصة حتى. وتستفيد إجراءات عملها الأساسية من التقنيات الاجتماعية للتفاعل مع الزبائن والشركاء. إذ حددت شركة “بربري” (Burberry)، على سبيل المثال، سقفاً عالياً بين تجار التجزئة من خلال دمجها لوسائل التواصل الاجتماعي والتجارب الغامرة بسلاسة في متاجرها الفعلية. ومن المرجح أن يكون لهذه الابتكارات المتعلقة بالاستخدام آثار بالغة على نماذج الأعمال والاقتصاديات عبر سلسلة القيمة في السنوات القادمة.

ما الذي يميز استخدام الأدوات الرقمية؟

على الرغم من ذلك، فما يميز القادة هو الفئة الثالثة: مدى إتاحتهم الأدوات الرقمية لموظفيهم بهدف زيادة الإنتاجية. وللحصول على صورة دقيقة، قيّمنا أكثر من 12,000 وصف مفصل للمهام من أجل تحديد تلك المتصلة بالتقنيات الرقمية. كما قيّمنا حصة العمال في كل قطاع في الوظائف المتعلقة بالتكنولوجيا التي وُجدت قبل 25 عاماً وبحثنا في الإنفاق الرقمي والأصول الرقمية على أساس كل عامل.

الثغرات ضخمة: لدى الشركات في القطاعات الرائدة قوى عمل أكثر تفاعلاً من الناحية الرقمية بـ 13 مرة بالمقارنة مع سائر الاقتصاد. وقد يكون التفاعل الرقمي للقوة العاملة متقلباً في القطاعات المتأخرة عن الركب؛ حيث أحرزت بعض المؤسسات تقدماً في مجالات معينة، لكنها لم تعالج بعد المهام الأساسية التي يؤديها العاملون. فعلى سبيل المثال، تستخدم العديد من مؤسسات الرعاية الصحية تكنولوجيا متطورة في التشخيص والعلاج لكن تستخدم شرائح كبيرة من قواها العاملة تكنولوجيا بدائية فقط أو لا تستخدم التكنولوجيا إطلاقاً. كما أن نسبة تقلّ عن 20% من الدفعات المقدمة إلى مقدمي الرعاية الصحية ومورديهم تتم رقميّاً مثلاً.

تتطور الثغرات الكبيرة في العمل الرقمي على مستوى القطاع، التي كشفها مؤشر القطاع الرقمي، يومياً على مستوى الشركة أيضاً. ولم تخترق التكنولوجيا حتى الآن أغلب الأعمال اليومية التي يؤديها العديد من الأميركيين، ما يعني أن معظم الأعمال التجارية تضيّع الفرص المتاحة لتحقيق قدر أكبر من الكفاءة وتحسين تجربة العميل. ولا تزال الكثير من الشركات بحاجة إلى التخلص من عادتها القديمة المتمثلة في توفير “المواهب الرقمية” في قسم منفصل. تحتاج الشركات بشكل متزايد من كل موظف استقدام مهارات رقمية أفضل لينقضّ على كل نشاط. فتلك هي الطريقة الوحيدة لإطلاق العنان للإبداع واكتساب الكفاءات على المستوى المؤسسي. وفي بعض الحالات، قد يكون من الضروري تعيين موظفين جدد، لكن قد يعود الاستثمار في البناء المستمر لقدرات الموظفين والتغيير الثقافي بمكاسب حقيقية.

وفي نهاية الحديث عن القطاعات التي تتسم بالطابع الرقمي، تتمثل الخطوة الأولى بالنسبة للمسؤولين التنفيذيين، في تحديد الأولويات الرقمية ومراعاة التحوّل العام في الأعمال التجارية اللازم للحفاظ على ميزة تنافسية. ويتطلب هذا تركيزاً خارجياً متجدداً لفهم كيف يقوم الأقران في هذا القطاع بالرقمنة بشكل أعمق وكيفية تغيّر توقعات الزبائن وأي الشركات من داخل القطاع أو خارجه يمكنها الوفاء بهذه التوقعات على أفضل وجه. وحالما تُحدد الثغرات، تستطيع الفِرق الإدارية صياغة استراتيجيات لتحقيق تأثير مالي قريب المدى مع بدء عملية تجديد الجوهر الرقمي. ويكون تجديد كهذا ممكناً فقط عندما يتبع القادة نهجاً شمولياً في التعامل مع الأصول الرقمية لشركاتهم واستخدامها وعملها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .