القيادة في عصر مشحون بالمواقف السياسية

17 دقيقة
المواقف السياسية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ما الدروس المستفادة من علم النفس الاجتماعي وعلم العلاقات بشأن الصراعات في مكان العمل وكيفية إدارتها؟

نشر موظفان من أعضاء لجنة “التنوع والمساواة والشمول” في شركة “بيسكامب” للبرمجيات في أبريل/نيسان 2021 اعتذاراً على منصة الدردشة الداخلية للشركة.

كان هذان الموظفان قد أسهما سابقاً إلى جانب عدد من زملائهما بالشركة في وضع ما يسمى بقائمة “أفضل الأسماء”، وهي عبارة عن قائمة داخلية تضم أسماء العملاء “المضحكة”. ولكنهما يجادلان الآن بأن مثل هذا السلوك مشين للغاية لأنه يسهم في دعم أفكار التفوق العرقي والسلوكيات المتطرفة، شأنه في ذلك شأن الخطابات التي تحض على الكراهية وجرائم الإبادة الجماعية.

أشعلت كلماتهما عاصفة مدوية من الجدل في الشركة. فقد رفض موظف آخر تشبيه هذا السلوك بجرائم الإبادة الجماعية ووصفه بالسخف، ونفى وجود فكرة تفوق ذوي البشرة البيضاء في شركة “بيسكامب” (Basecamp). واعتذر الرئيس التنفيذي، جيسون فريد، عن السماح باستمرار قائمة “أفضل الأسماء”، لكنه حذر من “تهويل” الحدث. ومع تصاعد التوترات، فرض فريد حظراً على مناقشة المواضيع السياسية في العمل، وحل جميع اللجان في الشركة، بما في ذلك لجنة “التنوع والمساواة والشمول”، وعرض خطة إنهاء الخدمة على أي موظف يشعر بالامتعاض من السياسة الجديدة. تبع ذلك عقد اجتماع مشحون بالتوتر، طُلب منه خلاله التنديد علناً بفكرة تفوق ذوي البشرة البيضاء. فأبدى اعتراضه قائلاً: “لستُ هنا لأعلن عن آرائي الشخصية حول أي شيء. وأشعر بالذعر عندما تهيمن مجموعة على أخرى. وأعتقد أنه أكثر شيء مثير للاشمئزاز في العالم… لا أجسر على قول إن هذا يحدث هنا. و[لا] أعرف ماذا أقول عن مفاهيم محددة. ولا أدري كيف أصف ذلك الشعور الآن”. بعد ذلك بوقت قصير، وافق ما لا يقل عن 20 من موظفي الشركة البالغ عددهم 57 موظفاً على خطة إنهاء الخدمة.

فكرة المقالة باختصار

المشكلة

غالباً ما يختلف الموظفون في بيئة العمل المشحونة بالمواقف السياسية حول كيفية التعامل مع الأمور العملية والاستراتيجية. وإذا تُركت هذه الاختلافات دون رقابة، فقد تؤدي إلى نشوب صراعات قد تخرج عن نطاق السيطرة. ولا يعرف الكثير من القادة كيفية التعامل معها.

الأسباب الجذرية

يرى الموظفون المعلومات ويفسرونها بطرق تخدم ولاءاتهم السياسية، وهذه الميول ليست عشوائية: فنلاحظ مثلاً أن ذوي التوجُّهات اليسارية أكثر ميلاً لملاحظة التحيُّزات، ولكن ضد الفئات المحرومة اجتماعياً في المقام الأول. أمّا الأشخاص ذوو التوجُّهات اليمينية فأقل ميلاً لملاحظة التحيُّزات بشكل عام.

الحل الأمثل

يمكن لقادة الشركات اعتماد استراتيجية تتألف من جزأين لإدارة الصراعات السياسية في مكان العمل: يمكنهم باتباع الممارسات الموضحة في هذه المقالة تطوير معايير وإجراءات لتجنب النزاعات تماماً مع وضع خطط لإدارتها عند ظهورها.

وعلى الرغم من أن خسارة ثلث قوة العمل هي نتيجة نادرة الحدوث، فإن هذا النوع من الصراعات الذي عكّر صفو الحياة في شركة “بيسكامب” بات مألوفاً في عالم الأعمال. فقد نظم المئات من موظفي “فيسبوك” إضراباً افتراضياً في يونيو/حزيران 2020، حيث سجلوا استقالتهم من العمل مؤقتاً وتركوا رسالة توضح السبب اعتراضاً على قرار الشركة بعدم حذف المنشورات التحريضية للرئيس ترامب إبّان الاحتجاجات التي أعقبت مقتل جورج فلويد. وبعد شهرين، رد أكثر من 200 موظف في منصة “بنترست” بالمثل تضامناً مع 3 من زملاء العمل السابقين الذين اتهموا الشركة بالتمييز العنصري وكذلك التمييز بين الرجل والمرأة. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021، اعترض عدد من موظفي “نتفليكس” على قرار الشركة بعدم حذف المنصة للمسلسل الكوميدي، “الأقرب” (The Closer)، للكاتب والممثل الأميركي ديف شبيل، الذي اعتبروه مسيئاً للحريات الشخصية.

ويعتقد الكثير من الموظفين اليوم أن شركاتهم لا تبذل جهوداً كافية لمكافحة مظاهر الظلم الاجتماعي، حتى إن البعض يشعرون بأنهم يتلقون العقاب لانخراطهم في هذه الجهود. وقد لفتت الباحثة المرموقة في مجال الذكاء الاصطناعي بشركة “جوجل”، تيمنيت غيبرو، الانتباه إلى هذه النقطة في ديسمبر/كانون الأول 2020. حيث قالت في رسالة بريد إلكتروني لاقت انتشاراً واسعاً وسرعان ما أدت إلى رحيلها المثير للجدل: “تزداد حياتك سوءاً عندما تبدأ الدفاع عن الفئات المهمَّشة”.

ثمة حقيقة مهمة يجب على المدراء مراعاتها عند التعامل مع الصراعات في مكان العمل: نحن نلاحظ المعلومات ونفسرها بطرق تخدم ولاءاتنا السياسية.

لا يوافقها الجميع في هذا الرأي، فقد شعر بعض الموظفين منذ سنوات أن الشركات تبالغ في الأمر أكثر مما ينبغي. على سبيل المثال، كتب مهندس في “جوجل” يُدعى جيمس دامور عام 2017 مذكرة لاقت انتشاراً واسعاً اتهم فيها الشركة بإنشاء ما يشبه “غرفة الصدى” لتضخيم المعلومات أو الأحداث الأيديولوجية وممارسة التمييز العكسي. وفي العام نفسه، أجرى منظمو مائدة مستديرة بالأمم المتحدة لمناقشة ردود الفعل السلبية ضد مبادرات التنوع في قطاع التكنولوجيا استقصاءً أفاد فيه 35% من المشاركين بشعورهم بأن تركيز الشركات المتزايد على التنوع أدى إلى التحيز ضد الرجال ذوي البشرة البيضاء.

فكيف تنشأ لدى الموظفين في الشركات نفسها مثل هذه التصورات المتضاربة حول مناخ العمل في مقراتها، وكيف تتسلل إلى ثقافتها؟ ولماذا تزخر المناقشات في مكان العمل حول التنوع وغيرها من القضايا السياسية بكل هذا التوتر؟ وما الذي يمكن للمدراء فعله لضمان عدم تأثرهم بالنزاعات ذات الجذور السياسية في العمل؟

منذ وقت ليس ببعيد، كانت مثل هذه الأسئلة تمثل قضايا هامشية على صعيد الحياة المؤسسية، لكنها تمثل اليوم قضايا مركزية. فقد شهدنا في العقود الأخيرة في الكثير من دول العالم، خاصة في الولايات المتحدة، ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة الأشخاص الذين يؤمنون بأهمية “انعكاس السمات الشخصية للفرد على العمل” والذين تتشابك هوياتهم بشدة مع ولاءاتهم السياسية وانتماءاتهم ذات الصلة بالمواقف السياسية والمعتقدات الأيديولوجية.

وظهرت على السطح أشكال جديدة قابلة للانفجار من أزمة القدرات القيادية نتيجة لهذه الطفرة. فعندما يكون للموظفين في الشركات ولاءات سياسية متباينة، فإنهم غالباً ما يختلفون حول كيفية التعامل مع ممارسات معينة، مثل تعيين الموظفين وجهود “التنوع والمساواة والشمول” أو حول الاستراتيجيات التي يجب تبنيها عندما يتعلق الأمر بالاستثمارات الخارجية وحشد التأييد والتبرعات لصالح الحملات السياسية. وإذا تُركت هذه الاختلافات دون رقابة، فقد تؤدي إلى نشوب صراعات قد تخرج عن نطاق السيطرة، كما حدث في شركة “بيسكامب”.

ولأن الكثير من القادة لا يزالون حديثي العهد بهذه المشكلة التي تشهد تطورات متلاحقة، فإنهم يشعرون بأنهم غير مؤهلين للتعامل معها. ومن أبرز الأمثلة على ذلك ما حدث مع الرئيس التنفيذي المشارك لشركة “نتفليكس”، تيد ساراندوس، الذي أقر بأنه “أفسد” المناقشات الداخلية فيما يتعلق بمسلسل ديف شبيل الكوميدي، حتى عندما أبدى تمسكه بقرار استمرار عرضه على المنصة. وفي أعقاب الصراع المتفجر الذي يذكّرنا بالصراع الذي اجتاح شركة “بيسكامب”، قال الرئيس التنفيذي لشركة “كوينبيس” (Coinbase)، برايان أرمسترونغ: “لم أكن أعرف حقاً ماذا أقول عن ذلك لفترة طويلة من الزمن، وما زلت غير متأكد من معرفتي لما يجب أن أقوله في هذا الشأن”. وبعد صراع طويل من أجل التصدي للأزمة التي اندلعت في شركة “ريدفن” (Redfin) عام 2020، بعد تأييد الشركة لحركة “حياة السود مهمة” (Black Lives Matter) في الولايات المتحدة، لخص الرئيس التنفيذي للشركة، غلين كيلمان، شعور الكثير من القادة اليوم حيال إدارة الصراعات السياسية في مكان العمل، قائلاً ببساطة: ” لم أتدرب على ذلك”. ويزداد هذا التحدي صعوبة بسبب عدم تكليف القادة ببساطة بالاستجابة للاضطرابات التي تظهر فجأة داخل مؤسساتهم، حيث يشعرون بمزيد من الضغط لاتخاذ موقف علني بشأن القضايا السياسية، مثل أعمال الشغب التي اندلعت في مبنى الكونغرس “الكابيتول” يوم 6 يناير/كانون الثاني وقوانين التصويت في جورجيا، وبالتالي تزداد فرص اعتراض بعض الموظفين على تلك المواقف.

ونهدف من خلال هذه المقالة إلى توفير دليل تمهيدي للمدراء حول كيفية التعامل مع الصراعات المشحونة بالمواقف السياسية في العمل. ونحن أستاذان في كلية إدارة الأعمال تركز أبحاثهما على الصراعات التي تنشب بين المجموعات (نور) والعلاقات الحميمة (إيلي). واستناداً إلى الدروس المستفادة من هذه التقاليد البحثية، سنوفر إطار عمل لمساعدة المدراء على فهم أنماط وكيفية نشوء الصراعات المشحونة بالمواقف السياسية وأثرها المدمر. وسنشرح أيضاً كيفية إدارة مثل هذه الصراعات بشكل أكثر فاعلية، بل وتسخيرها لتعزيز مكان العمل.

تصورات مشوهة

يتسبب الولاء السياسي في كثير من الأحيان في تشويه طريقة إدراكنا للحقائق وتفسيرها. وعلى الرغم من أننا قد نعتقد أننا نأخذ الحقائق بعين الاعتبار عند اتخاذ قراراتنا، فقد أثبتت الأبحاث أننا غالباً ما ننشرها بشكل انتقائي للدفاع عن تصوراتنا أو مصالح مجموعة معينة، وهي عملية تُعرف باسم الاستدلال المدفوع. خذ على سبيل المثال نتائج دراسة أُجريت عام 2012 طُلِب فيها من عدد من الأفراد ذوي التوجُّهات اليمينية واليسارية مشاهدة مقطع فيديو لضباط الشرطة وهم يفُضُّون بحزم احتجاجاً سياسياً. وعلى الرغم من مشاهدتهم لمقطع الفيديو نفسه، فقد تباينت تفسيرات المعسكرين وفقاً لما قيل لهما قبل مشاهدته. إذ كان المشاهدون ذوو التوجُّهات اليمينية أكثر ميلاً لاستنتاج أن تصرفات الشرطة تنتهك حقوق المتظاهرين عندما اعتقدوا أن الاحتجاج كان ضد الإجهاض مقارنةً برأيهم عندما اعتقدوا أن الاحتجاج كان مناهضاً للجيش. في حين أن المشاهدين ذوي التوجُّهات اليسارية أظهروا نمطاً عكسياً.

وتتجاوز القضية فكرة التصورات حول مشروعية الاحتجاجات. فعندما يتم تقديم الأدلة نفسها حول القضايا الخلافية للموظفين ذوي الأفكار الأيديولوجية المختلفة، فغالباً ما تتباين درجة اهتمامهم بها وطريقة تفسيرهم لها، وعندئذٍ ينظرون إلى تصوراتهم كحقائق لا يتطرّق إليها الشك. يساعد هذا الاتجاه، المسمى بالواقعية الساذجة، على تفسير شعور المرء بالحيرة والإحباط والغضب عندما ينظر الآخرون إلى الأمور بطريقة مختلفة.

وقد شارك أحدنا (نور) مؤخراً في إعداد ورقة بحثية ركّزت على كيفية تشكيل المعتقدات الأيديولوجية للفرد حول الرغبة في المساواة الاجتماعية على درجة اهتمامه بالقضايا الماسة بعدم المساواة ودقته في اكتشافها. ويعتبر هذا خير شاهد على أثر الاستدلال المدفوع. وقد استعرضت الورقة البحثية نتائج 5 دراسات. حيث عُرض على المشاركين في إحداها مقطع فيديو من نسختين تظهر فيهما مجموعة من المتحدثين. تحدث الرجال أكثر من النساء في إحدى النسختين، بينما تحدثت النساء أكثر من الرجال في النسخة الأخرى. فَمنْ الذي لاحظ التوزيع غير المتكافئ لزمن الكلام؟ عندما شاهد المشاركون مقطع الفيديو الذي مُنحت فيه النساء وقتاً أقل في التحدث، كان الأشخاص ذوو التوجُّهات اليسارية أكثر قدرة على ملاحظة المعاملة غير المتكافئة وأكثر دقة في تقدير توزيع زمن التحدث. ولكن عندما شاهد المشاركون مقطع الفيديو الذي مُنح فيه الرجال زمناً أقل في التحدث، لم تكن تقديرات ذوي التوجُّهات اليسارية أفضل من تقديرات ذوي التوجُّهات اليمينية.

يجب على المدراء التأكيد على الدروس التقليدية المستفادة من التفاوض والمتمثلة في البحث عن حلول إبداعية تضع الجميع في موقف إيجابي.

وفي دراسة أخرى، تم إطلاع المشاركين على سلسلة من قرارات تعيين الموظفين في المؤسسة، وتم إطلاعهم على معلومات حول المعدل التراكمي للمتقدمين لشغل المناصب الوظيفية وأعراقهم وهواياتهم وأماكن إقامتهم. أظهرت المؤسسة في إحدى الحالات تحيُّزها المنهجي ضد مرشحي الأقليات، في حين أنها أظهرت القدر نفسه من التحيُّز ضد المرشحين ذوي البشرة البيضاء. وبعد عرض البيانات، طُلب من المشاركين أن يشيروا إلى أهم ما لفت انتباههم. عندما أظهرت المؤسسة تحيزها ضد المرشحين الذين ينتمون إلى الفئات المهمَّشة، كان ذوو التوجُّهات اليسارية أكثر قدرة على ملاحظة هذا التحيُّز مقارنة بذوي التوجُّهات اليمينية. ولكن عندما أظهرت المؤسسة القدر نفسه من التحيُّز ضد المرشحين ذوي البشرة البيضاء، لم يكن ذوو التوجُّهات اليسارية أفضل حالاً من ذوي التوجُّهات اليمينية في ملاحظة هذا التحيُّز. وكان المشاركون الذين لاحظوا التحيُّز في أي من الحالتين أكثر رغبة من غيرهم في دعم الاستعانة بشركة خارجية للتحقيق في ممارسات عملية تعيين الموظفين في الشركة. وهكذا فإن انتباهنا ينصرف إلى ما يهمنا في المقام الأول.

تشير هذه الدراسات إلى حقيقتين مهمتين يجب على المدراء مراعاتهما عند التعامل مع الصراعات في مكان العمل. تتمثّل الحقيقة الأولى في أننا نرى المعلومات ونفسرها بطرق تخدم ولاءاتنا السياسية. وعلى حد تعبير الكاتبة أناييز نين، فإننا “لا نرى الأشياء كما هي، بل كما نريد”. وتتمثّل الحقيقة الثانية في أن التحيُّز ليس عشوائياً. على سبيل المثال، تشير هذه الدراسات إلى أن الأشخاص ذوي التوجُّهات اليسارية أكثر قدرة على ملاحظة التحيُّز، ولكن عندما يكون هذا التحيُّز ضد المجموعات المحرومة اجتماعياً في المقام الأول، في حين أن ذوي التوجُّهات اليمينية أقل قدرة على ملاحظة التحيُّز بشكل عام. ومن المثير للاهتمام أن الأشخاص ذوي التوجُّهات اليمينية يميلون إلى معاملة المجموعات بشكل أكثر مساواة، حتى عندما يتغاضون عن أدلة المعاملة غير المتكافئة.

طريقة أفضل

لا عجب أن نشهد في ظل هذه الميول حالة من سوء التفاهم بين الموظفين ذوي التوجُّهات اليسارية واليمينية في الكثير من الأحيان. فلن يسير الحوار في اتجاه بنّاء إلا إذا كان المتحاورون يرون الواقع من المنظور ذاته. لكن ما الذي يفترض أن يفعله المدراء إذا كان مرؤوسوهم لا يرون الواقع بهذه الطريقة؟

ليست هذه بالمهمة السهلة. فحتى إذا كانت لوائح العمل تنص على ضرورة تجنب الخوض في الشأن السياسي، وبالتالي يمكنها القضاء على أثر الخلافات السياسية في العمل، وهو أمر مستبعد بالمناسبة نظراً لقدرة الدوافع السياسية على تشويه الأفكار والتصورات بطرق قد تبدو غير ملحوظة ولكنها عميقة الجذور، فلا يمكن تطبيق مثل هذه القواعد دون تكلفة ضخمة. على سبيل المثال، ثمة خط دقيق يفصل بين الخطاب السياسي وغير السياسي، ولكنه يتصف بالضبابية. فهل التمييز العرقي على مستوى المؤسسة مجرد موضوع مطروح للنقاش السياسي المجرد، أم أنه سلوك يؤثر بعمق على أصحاب المصالح داخل الشركة وخارجها ويتطلب اتخاذ إجراءات فورية؟ وهل القوانين الفيدرالية المُلزِمة بارتداء الكمامة الطبية مجرد مادة تغذي حالة الشد والجذب على شاشات التلفزيون، أم أنها تؤثر على سلامة أي موظف يُطلَب منه السفر للعمل أو تؤثر على حريته الشخصية؟ ومَنْ المسؤول عن اتخاذ هذه القرارات؟ بالإضافة إلى ذلك، فإن حظر الخطاب السياسي يتعارض مع ثقافة الخلاف البنّاء التي لطالما حظيت بالتقدير في الأوساط المؤسسية وشهد الجميع بمزاياها التي تعود بالنفع على التنوع المعرفي، كما أنها تعتبر بمثابة ترياق فعّال لمخاطر التفكير الجماعي. كما أن حظر الخوض في الشأن السياسي يعرّض المؤسسات لخطر تنفير قطاعات كبيرة من شبكة مرشحي الوظائف الموهوبين (ومن أبرز الأمثلة على ذلك التزام الجيل زد بالتعبير عن الذات والأصالة في العمل) ويجعل الإدارة عرضة لاتهامها بالنفاق. وقد يبدو حظر الخوض في الشأن السياسي في حد ذاته كما لو كان بياناً ضمنياً ينم عن دعم أولئك الذين يفضلون الوضع الراهن على حساب أولئك الذين يسعون لتحديه.

ولحسن الحظ، يمتلك المدراء بين أيديهم أساليب أقل قسوة يمكنهم استخدامها بسهولة ويسر بفضل نتائج الأبحاث الجديدة وإحصاءاتها، وسنناقش هذه الأدوات في القسم التالي. وننصح باستخدامها في استراتيجية تتألف من جزأين لإدارة الصراعات السياسية في مكان العمل، وهي استراتيجية استباقية وتفاعلية في آنٍ واحد.

الجزء الأول

تجنُّب الصراع

يقول المثل الدارج: “أنسب وقت لإصلاح السقف أن تبدأ العمل بمجرد شروق الشمس”. وبالمثل، فمن السهل وضع معايير وإجراءات للتعامل مع الصراع السياسي في العمل قبل ظهور الأزمة. وإليكم فيما يلي بعض الطرق لفعل ذلك:

البدء مبكراً. تعتبر عملية إعداد الموظفين الجدد فرصة رائعة لتعريفهم بالمعايير والإجراءات المؤسسية المتبعة لديكم. لماذا؟ لأن الموظفين سيكونون أكثر تقبلاً لفكرة أن معتقداتهم السياسية قد تشوّه تفكيرهم إذا واجهوها كمبدأ مجرد بدلاً من ارتباطها بكيفية تصرفهم في أثناء الجدل.

حيث تقل احتمالية ظهور النزاعات في أثناء إعداد الموظفين الجدد قبل أن يتوافر لديهم الوقت للخوض في نقاشات سياسية مع زملائهم. لذا بادر باغتنام هذه الفرصة. وعندما تظهر القضايا الحساسة في النهاية، شجّع الموظفين على التعامل معها بعقلية تنم عن حب الاستطلاع والتسامح مع تجنب توجيه الاتهامات الشخصية وتوجيه أصابع الاتهام لأية مؤسسات أو أشخاص. وأوضح الحظر التام لبعض السلوكيات، مثل الخطاب الذي يحض على الكراهية والتمييز. وشدّد على أن مؤسستك ترحب بالاختلاف في الرأي والفكر، وتعتبره من المؤشرات الصحية. وذكّر كل من ينضم إلى المؤسسة بأن الخلاف في الرأي قد يكون إيجابياً وبنّاءً، لكن تشويه الآخرين وتسفيه آرائهم أمران مدمران. وحاول في تلك الأثناء توعية الموظفين بفكرة أن تصورات الجميع قد تكون مشوهة عند الخوض في القضايا المشحونة بالمواقف السياسية.

لكن مجرد معرفة أن التحيُّز موجود لا يكفي لتحصيننا ضده. لذا يجب أن يحرص المدراء أيضاً على تزويد الموظفين في أقرب وقت ممكن وبصورة ثابتة بالأدوات التي تساعدهم أولاً على معرفة الوقت المسموح فيه بالانخراط في الاستدلال المدفوع ثم تصحيح الذات.

وتتمثل إحدى الطرق المفيدة في تعريف الموظفين بقوة وضع خطط شَرْطية بسيطة. على سبيل المثال: “إذا كنت أشعر بالسخط وأحاول التوصُّل إلى مبرر أخلاقي تجاه حقيقة واقعية يتناولها أحد الزملاء، فسأسأل نفسي عما إذا كنتُ قد وقعتُ ضحية للواقعية الساذجة”. وعلّم الموظفين كيفية تحديد التحيُّز المحتمل في مثل هذه المواقف من خلال سؤال أنفسهم: “أي جزء من هذا البيان لم أتفق معه تلقائياً؟” و”كيف يمكنني التوصُّل إلى أقوى حجة ضد وجهة نظري إذا اضطررت إلى ذلك؟”. شجّعهم على التفكير في النزاعات السياسية من منظور طرف ثالث محايد يريد الأفضل لكافة الأطراف المعنية، وهي استراتيجية تُعرف باسم النأي بالنفس. وقد أثبت أحدنا (إيلي) وزملاؤه أن الأزواج الذين يستخدمون هذه الاستراتيجية يتمتعون بقدر أكبر من الرضا عن العلاقة الزوجية. والعلاقة بين زملاء العمل ليست كالعلاقة بين الأزواج بطبيعة الحال، ولكن الفكرة الأساسية تتمثّل فيما يلي: يسهم النأي بالنفس في مساعدة الأطراف المتنازعة على تكوين منظور أكثر شمولية وموضوعية حول النزاع، وبالتالي التعامل معه بطريقة أكثر إيجابية.

يمكنك أيضاً تذكير الموظفين بأن نظراءهم في الخلافات معرَّضون مثلهم تماماً لخطر الوقوع في مزلق الواقعية الساذجة. ويتسبب إدراك هذه الحقيقة في تسهيل تجنب تشويه صورة الطرف الآخر. إذ يمكن للموظفين وضع الأشياء على مسار أكثر إنتاجية من خلال قول شيء مثل: “من الطبيعي أن يرى كلٌ منّا هذا الأمر من منظوره الخاص، فلماذا لا نتجاوز الجدال حول الطرف المحق ونحاول التوصُّل إلى استراتيجية يمكن أن تلقى تأييد كل منا؟”.

التركيز على المقاييس المشتركة. هناك طريقة أخرى لتجنب النزاعات تعتمد على اتخاذ تدابير ملموسة لتقييم التقدم المُحرَز في تحقيق أهداف معينة، مثل الحد من التحيُّز في عملية تعيين الموظفين وزيادة التنوع في مكان العمل. يسهم توضيح هذه المقاييس في مساعدة المؤسسة على التعبير عن قيمها وتحمُّلها مسؤولية تحقيقها. كما أنه يسهم في توجيه انتباه الموظفين إلى التركيز على نقاط البيانات المشتركة، وبالتالي تقليل مخاطر وقوعهم في مزلق الاستدلال المدفوع.

ولنفترض أن 3 موظفين يفكرون في نتائج عملية تعيين الموظفين في الشركة. يمكن لكل واحد منهم في غياب مقياس ذي أولوية مؤسسية الاهتمام بشكل انتقائي بالأدلة التي تتراءى له والخروج بانطباع شخصي عمّا إذا كانت عملية التعيين متحيّزة أم لا. قد يركّز أحد الموظفين الثلاثة على حقيقة أن الاختيار قد وقع على ثلث المتقدمين المقبولين للترشح لشغل الوظائف الشاغرة بسبب انتمائهم إلى الأقليات (“ينتمي 33% من موظفي شركتنا إلى الأقليات!”). وقد يركّز الموظف الثاني على حقيقة أن واحداً فقط من المرشحين العشرة في الجولة النهائية ينتمي إلى فئة مهمَّشة (“10% فقط من المرشحين النهائيين ينتمون إلى الأقليات!”). فيما قد يعتبر الشخص الثالث، بوعي أو دون وعي، أن اختيار المرشحين لا علاقة له بأصولهم، وبالتالي يفشل في ملاحظة أثره على الاختيارات. وقد لا يدرك الموظفون الثلاثة أن نظراءهم قد ركّزوا على بيانات مختلفة، ومن هنا تبدأ دوامة النزاعات.

ويمكن للمؤسسات توجيه الانتباه إلى نقاط البيانات المشتركة وتقليل فرص حدوث سوء التفاهم بين الموظفين، وذلك من خلال التأكيد الاستباقي على مقياس معين للتقييم، كتحديد عدد المرشحين الذين ينتمون إلى الأقليات والذين أُجريت معهم مقابلات شخصية في الموقف المشار إليه أعلاه. على سبيل المثال، تعيّن “كلية هارفارد للأعمال” محررين لتزويد أساتذة الكلية بتقارير منتظمة عن نوع الطلاب وأصولهم القومية قبل تسجيلهم في الفصول الدراسية، وتحرص “كلية كيلوغ للإدارة” على تتبع تركيبة المتحدثين الضيوف وإعداد تقارير عن البيانات المرتبطة بأنواعهم من حيث الذكورة والأنوثة. تعبّر هذه الجهود عن القيم المرعية وتوجه انتباه أعضاء هيئة التدريس إلى التركيز على تلك الأبعاد. صحيحٌ أنك ستدخل في نقاشات حادة على الأرجح عند الإقدام على اختيار المقاييس التي تريد استخدامها، ما قد يعرّضك لمخاطر نشوب النزاعات بطبيعة الحال. لكن السير على غير هدى أكثر خطورة بكل تأكيد.

توجيه المسار نحو الخلافات البنّاءة. بالإضافة إلى وضع القواعد والمعايير، يمكن للمدراء إنشاء بنى تنظيمية تجعل الخلاف القائم على دوافع سياسية أقل حدة وخطورة وأكثر تعقلاً وإيجابية. ولك أن تنظر مثلاً إلى كيفية تعامل شركة “هارمون براذرز” (Harmon Brothers) المتخصصة في التسويق الرقمي مع هذه المشكلة. فبدلاً من حظر النقاش السياسي على منصة “سلاك”، أرسى الرئيس التنفيذي للشركة، بنتون كرين، قاعدة جديدة تفيد ما يلي: يمكن للموظفين نشر أي محتوى سياسي يريدونه، ولكن يجب عليهم إقرانه بمقطع فيديو يشرحون فيه أفكارهم حول ما ينشرونه. ويجب على أي شخص يريد الرد أن يفعل الشيء نفسه. وتشير تقارير كرين إلى أن المحادثات التي تجري وفق هذه القاعدة تخضع للتفكير المتأني بصورة تتجاوز أية محادثات تجرى في بيئة أخرى، وذلك لأنها تستلزم تلبية معايير أكثر كلفة. وقد أدت هذه السياسة إلى الحد بشكل كبير من الخوض في النقاشات السياسية المثيرة للجدل بشركة “هارمون براذرز”، دون تقويض استقلالية الموظفين بفرض الحظر عليهم.

 الجزء الثاني

معالجة النزاعات

لن تحول التدابير الاستباقية مهما كانت قوتها دون نشوء نزاعات سياسية ضارة في مكان العمل، وعندئذٍ ستحتاج إلى خطة للتعامل معها بشكل فعّال. وقد ابتكرنا عملية تمكّنك من تحقيق هذه الغاية.

تمهيد الطريق. يجب على المدير (أو الميسّر المدرَّب) في البداية دعوة الموظفين للتحاور وإجراء محادثة حول النزاعات السياسية في مكان العمل. ويجب عليه مراجعة التدابير التي أرستها المؤسسة فعلياً، وعليه أن يشرح أيضاً مفهوميّ الاستدلال المدفوع والواقعية الساذجة، موضحاً أن أي شخص معرَّض للوقوع فريسة لها. ويجب عليه أيضاً تذكير الموظفين بأنهم جميعاً يعملون في فريق واحد حتى إذا اختلفوا في الرأي، وأن الحط من قدر زملاء العمل بسبب آرائهم أمرٌ غير مقبول بالمرة.

تبادل الآراء. يجب على المدراء في هذه المرحلة البدء في إجراء مناقشة مفتوحة وإتاحة الفرصة للمشاركين للتعبير عن آرائهم الخاصة دون مقاطعة. وعند توجيه العملية النقاشية، يجب على المدراء فرض معايير واضحة يلتزم بها كلٌّ من المتحدثين والمستمعين، بحيث لا يحق للمتحدثين توجيه انتقادات للجانب الآخر، وأن يقتصر دورهم ببساطة على شرح الأسباب التي دعتهم إلى اعتبار أن قضية ما تمثل مشكلة في غاية الأهمية وتوضيح كيفية تشكُّل آرائهم حيالها. كما لا يحق للمستمعين في هذه الأثناء إبداء اتفاقهم أو اختلافهم مع آراء المتحدثين، بل عليهم أن يستمعوا دون مقاطعة. تهدف هذه العملية إلى مساعدة الأطراف المتحزّبة على تكوين فهم واضح لوجهة نظر الطرف الآخر، ما يوفر أساساً متيناً للمناقشة البنّاءة.

وبعد أن تتاح الفرصة للجميع للتحدث، يجب على المدراء التعبير عن الامتنان لجميع المتحدثين وشكرهم على طرح آرائهم بطريقة محترمة وشكر كل المستمعين على إفساح المجال أمام المتحدثين للتعبير عن وجهة نظرهم. وإذا كان ذلك مناسباً، يجب عليهم أيضاً توضيح أية معلومات مؤسسية أو نقاط بيانات تم إغفالها فيما يتعلق بموضوع المناقشة.

البدء في حل المشكلات. يجب على المدراء بعد ذلك تمكين أطراف النزاع من العمل معاً نحو التوصل إلى الحلول الممكنة، ربما بالتعاون مع الإدارة أو غيرهم من أصحاب المصالح. وعند شرح هذه الخطوة، يجب عليهم التأكيد على الدروس التقليدية المستفادة من التفاوض والمتمثلة في التركيز على مصالح كافة الأطراف المعنية والبحث عن حلول إبداعية تضع الجميع في موقف إيجابي. ويمكنهم قياساً على ذلك مناقشة فكرة التعاون بين الخصوم، وهو ابتكار حديث نسبياً في مجال الاكتشاف العلمي، حيث يتعاون الباحثون الذين يتبنون آراءً متضاربة حول قضية ما في مشروع بحثي محدَّد للفصل بين آرائهم والتوفيق بينها بدلاً من تصيُّد الأخطاء لبعضهم ونشرها في دوريات بحثية منفصلة.

وبالمثل، إذا كان المدراء يعملون مع موظفين يتبنون آراءً متضاربة حول التحيُّز في ممارسات عملية التعيين الحالية، فيمكنهم تكليف هؤلاء الموظفين بتصميم عملية جديدة أو معدَّلة وتحديد المقاييس المرتبطة بتتبّع النجاح، بحيث يتفق الجميع على قدرتها على الإسهام في ضمان الإنصاف. ويجب عليهم في هذه الأثناء تشجيع الموظفين على البدء بتحديد مجالات التوافق التي من شأنها بناء الثقة. على سبيل المثال، إذا اختلف الموظفون على أفضل مقياس للحكم على ما إذا كانت المؤسسة تراعي التنوع بالقدر الكافي، فبمقدورهم جميعاً، بغض النظر عن آرائهم السياسية، تحديد أفضل مجموعة ممكنة من المتقدمين. قد يسفر هذا عن التوصُّل إلى أفكار حول كيفية بناء خط إمداد من المرشحين الذين يمتلكون أفضل المؤهلات الوظيفية من جميع الأطياف، بمن في ذلك المرشحون المنتمون إلى الأقليات الذين قد تتجاهلهم آليات التوظيف الحالية. ومن هذا المنطلق، عقدت شركات، مثل “غولدمان ساكس” و”مورغان ستانلي”، شراكات مع منظمة “أميركا نيدز يو” (America Needs You) التي تدعم طلاب الجامعات المؤهلين في أسر الطبقات الفقيرة خاصة أولئك الذين يذهبون إلى الكليات لأول مرة في عائلاتهم وتتواصل معهم على نحو دائم.

ولتعظيم احتمالية تحقيق نتائج بنّاءة من خلال هذه المحادثات الصعبة، يجب على المدراء التأكيد على قيمة تسخير الخلاف لتحقيق الابتكار جزئياً من خلال تقديم مكافآت ذات مغزى للحلول الفعّالة التي يتم اعتمادها بشكل مشترك من قبل الأفراد الذين كانوا يناصبون بعضهم العداء في السابق، حتى إذا كانت حلولهم تلك حلولاً جزئية.

وحتى إذا نجح المدراء في تحفيز التعاون على هذا المنوال، فليس هناك ما يضمن أن تتمخّض جهود الموظفين عن التوصُّل إلى إجماع في الرأي أو توصيات سياسية مفيدة. إذ ينطوي العمل على إيجاد حلول في واقع الأمر على بعض المخاطر التي قد تؤدي إلى تفاقم الخلافات. وعلى الرغم من ذلك، فإن تشجيع الموظفين على السعي للتوصل إلى حلول بنّاءة سيكون دائماً رهاناً أفضل من مجرد العيش على أمل تسوية النزاع من تلقاء نفسه. وعند استخدام هذا النهج، فسيقدِّر الموظفون على الأرجح إقدام مدرائهم على منحهم الفرصة للتعبير عن آرائهم وتمكينهم من العمل بشكل جماعي للتوصل إلى حلول مناسبة. وإذا أراد المدراء عدم خروج النزاعات عن السيطرة، يمكنهم تشجيع الموظفين ذوي المواقف المختلفة بشأن قضية ما على التعرُّف على أنماط خروج محادثاتهم عن المسار الصحيح، ومن ثم يتفقون على تنحية خلافاتهم جانباً في هذه المواقف بدلاً من الخوض فيها.

تنفيذ التغييرات. لحسن الحظ، غالباً ما تسفر مناقشات أطراف النزاع الذين ينخرطون في جهود تعاونية عن مقترحات ملموسة. صحيحٌ أن الشركة ليست ملزمة بتنفيذها بطبيعة الحال، ولكن يجب على المدراء استيعاب مقترحاتهم إلى أقصى حد ممكن وتوضيح أسباب تبنّيهم (أو عدم تبنّيهم) لإجراء تغييرات محددة في هذا السياق، تقديراً منهم لحسن نوايا أطراف النزاع وتعاونهم الإيجابي. يجب عليهم أيضاً الإقرار باستحالة رضا كافة الأطراف عن قراراتهم في أغلب الأحيان، ولكنها تعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح، خطوة يمكن تقييمها بمرور الوقت.

نختتم حديثنا ببعض الأفكار التي يجدر بالمدراء وضعها في الاعتبار عند تنفيذ اقتراحاتنا. أولاً: يجب أن يتذكروا أنهم أيضاً عُرضة للتفكير المشوه نتيجة قناعاتهم السياسية. ولتسهيل اتباع نهج عادل وواضح للتعامل مع الصراعات المشحونة بالمواقف السياسية في مكان العمل، يجب أن يتحلوا بالتواضع ويطبقوا الاستراتيجيات ذاتها على أنفسهم حتى يشجعوا موظفيهم على تطبيقها. تعتبر هذه الجهود على قدر كبير من الأهمية لأن المواقف غالباً ما تختلف من جيل لآخر. فالقضايا التي تستثير شغف جيل الشباب قد تعتبرها الأجيال الأكبر سناً قضايا عادية في أحسن الأحوال أو مزعجة في أسوأ الأحوال. ولا يوجد جيل يحتكر الحقيقة، ولكن يجب على المدراء الحذر من استبعاد الآراء التي لا تتوافق مع نظرتهم للعالم.

يجب عليهم أيضاً الانتباه إلى أهمية هذه العملية. فقد وجد الرئيس التنفيذي لشركة “بيسكامب”، جيسون فريد، نفسه في مأزق ليس فقط بسبب القرار السياسي الذي اتخذه ولكن أيضاً بسبب الطريقة التي أعلن بها قراره: فقد جاهر بإعلانه من جانب واحد في منشور على مدونة إلكترونية عبر الإنترنت، دون أي إخطار مسبق لموظفيه. يشير هذا ضمنياً إلى أن موظفي الشركة لم يكونوا جمهوره الأساسي، وهو القرار الذي أدى إلى نفور الكثيرين منهم، ومن المفارقات العجيبة أنه جعل التغييرات المتخّذة تبدو ذات طابع سياسي.

وأخيراً، يجب على المدير الانتباه إلى تغيُّر الأعراف الاجتماعية والتيارات السياسية باستمرار حتى يبقى في الطليعة. فقبل عقدين من الزمن، لم تكن نكات ديف شبيل حول الحريات الشخصية وقائمة “أفضل الأسماء” في شركة “بيسكامب” مثيرة للجدل كما هي اليوم. وبالمثل، قد تبدو المقاييس أو الأهداف التي بدت مناسبة في ذلك الوقت تافهة أو قاسية الآن. وحتى إذا كان بإمكان المدراء العمل مع الموظفين لإقرار سياسات محدَّدة أو اتخاذ إجراءات ترضي كافة المتطلبات المتضاربة في الوقت الحالي، فإن الصراعات المشحونة بالمواقف السياسية تمثل عنصراً دائم التغيُّر، ويجب على القادة وضعها تحت الرقابة المستمرة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .