هل تشعر بأنك عاجز عن التقدم أو متعثر؟

10 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

مرة تلو الأخرى ثمة ما يذكرنا بأنه لا وجود للنجاح الذي يتحقق بين ليلة وضحاها، لكن كم سنستغرق من الوقت لتحقيق أهدافنا المهنية؟ عندما يكون التقدم أبطأ مما نرغب فيه يطرح كثير منا السؤال التالي: هل خطتي فاشلة، أم أنها لم تنجح بعد؟

على مدى عدة أعوام مضت شهدنا فيها دورات جنون العمل والركود كما كان الحال في أثناء الجائحة، أجريت بحثاً حول مسألة الطرق التي تمكّننا من تبني التفكير الاستراتيجيّ بدرجة أكبر في حياتنا المهنية على الرغم من العيش في مجتمعات تمجّد الإنجازات السريعة في أغلب الأوقات وترغمنا على إجراء مقارنات شخصية.

قال الأديب التهكمي الذي اشتهر في بدايات القرن العشرين، آتش إل مينكن، من باب السخرية إن النجاح هو أن تجني 100 دولار على الأقل أكثر مما يجنيه شقيق زوجتك سنوياً. ولكن في أيامنا هذه وبفضل وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحنا نقارن أنفسنا بالأقارب ورفاق الكلية وزملاء العمل وحتى المؤثرين المشهورين، وعندما نرى بعض هؤلاء ينالون التقدير في وقت مبكر، سواء بإطلاق شركات يونيكورن مليارية ناشئة أو الفوز بجوائز وعروض ترويجية مرغوبة أو إنشاء قوائم “30 عملاً تنجزه قبل أن تبلغ سن 30″، ننسى أنّهم الاستثناء لا القاعدة.

يمكن أن يكون التقدم بطيئاً لدرجة محبطة أو يتعثر بصورة غير متوقعة بالنسبة لكثير من المهنيين. هذا أمر شائع، ومع ذلك في هذه اللحظات يمكن أن تضعف معنويات الكثير منا بدرجة خطيرة. خذ مثلاً بول سيزان، الذي تجاهل الجميع مواهبه وحطوا من شأنها في البداية. وفقاً لديفيد غالينسون، وهو أستاذ في جامعة شيكاغو يدرّس اقتصاديات الإبداع، كان سيزان يعاني من “شعور عميق ومظلم بالنقص” نتيجة لذلك؛ كان الرجل الذي يبلغ من العمر 45 عاماً، والذي أصبح فيما بعد مصدر إلهام للفنانين الشباب وأطلق عليه بابلو بيكاسو لقب “أبو الفن”، يشك في أنه حقق أي إنجاز أساساً.

يمكن أن يقع رجل الأعمال في نفس الدوامة إذا كان يرجو أن يبني مسيرة مهنية في قطاع تنافسي أو يوسع مشروعه أو يحصل على التقدير في مجاله. ومن دون امتلاك فهم واضح لوتيرة التقدم المعقولة أو أسباب تفوق أقرانه عليه في إنجازاتهم فسيلغي فكرة السعي في مسارات مهنية واعدة ويخفض مستوى طموحاته أو يتخلى عن السعي إلى تحقيقها أساساً، وبالتالي يستسلم في وقت مبكر جداً، على عكس سيزان الذي دأب في العمل وتحول إلى أسطورة في النهاية.

بالطبع، لا ينبغي لنا أن نتبع استراتيجيات فاشلة على نحو أعمى إلى أن تتسبب بدمارنا، لكني لاحظت أن الكثير من المهنيين يرتكبون الخطأ المعاكس إذ لا يمنحون أنفسهم وقتاً كافياً لتحقيق النجاح، ولذا يتعين عليهم تنمية قدرتهم على “الصبر الاستراتيجي”. تماماً كما يتعلم مستثمرو الأسهم على المدى الطويل التمسك بحزم بأفكارهم السليمة في أثناء فترات ركود السوق، يمكن أن نتعلّم تقييم الأدلة بهدوء ونثابر حتى عندما تكون النتيجة غير مضمونة.

لكن القيام بذلك يتطلب أكثر من اتباع النصائح السلبية المعتادة التي تقول إن علينا التحلي بالصبر فحسب، بل يجب أن نتبع عملية مدروسة واستباقية. ثمة طريقة جيدة للقيام بذلك تتمثل باتباع نهج من 5 خطوات تتضمن إعادة تقييم دورية وجداول زمنية واقعية، ما يساعدك على وضع أساس للنجاح الذي ستحققه في نهاية المطاف.

البحث عن الهدف والبيئة

وجه جيف بيزوس رسالة إلى المساهمين في شركة “أمازون” في عام 2018 روى لهم فيها قصة عن صديقة له وظفت مدرباً للوقوف على اليدين؛ أخبرها المدرب أن معظم الناس يعتقدون أنهم سيستطيعون الوقوف على أيديهم بعد تدريب مستمر على مدى أسبوعين، لكن الأمر يحتاج إلى جهد يستمر أكثر من 6 أشهر في الواقع، أي أن الحقيقة تختلف عن التصور بمقدار 12 ضعفاً! إذا كان لديك انطباع بأن تحقيق الهدف أسهل 12 مرة مما هو عليه في الواقع فمن المنطقي تماماً أن تستسلم بعد شهر من المحاولة معتقداً أنك لا تتمتع بالكفاءة اللازمة. بالطبع ، لا تكمن المشكلة فيك أو في مهاراتك بل في توقع المستحيل.

تماماً مثل من يأملون أن يتمكنوا من الوقوف على أيديهم بسرعة، يجهل معظمنا إلى حدّ ما شكل طريق النجاح في الحياة المهنية. هل سيستغرق عاماً؟ أم 5 أعوام؟ أم 15 عاماً؟ إذا كنت تريد أن تصبح معروفاً في مجالك فهل يتعين عليك حضور 10 مؤتمرات أو 100 أو 1,000 مؤتمر؟ إذا كنت ترغب في الحصول على ترقية لتصبح قائد فريق، فما هو العدد اللازم من التقييمات الممتازة التي يجب أن تحصل عليها لأدائك وما هي أدوار إدارة المشاريع التي يجب أن تشغلها؟ إذا كنت ترغب في استلام دور رئيسي في المبيعات، فمن هم العملاء الذين يجب أن تركز عليهم؟ نحن لا نعرف مثل هذه المعلومات المهمة غالباً ولا ندرك أننا نفتقر إليها، ولذلك نركز على جداول زمنية غير واقعية يمكن أن تقودنا في بعض الأحيان إلى اليأس.

لهذا السبب من المهم عندما تقوم بتطوير أهدافك المهنية وصقلها أن تجري بحثاً حول ما نجح به الآخرون في الماضي وأن تضع تقديراً قائماً على المعلومات للمدة التي ستستغرقها بصورة معقولة لتحقيق أهدافك. قد تختلف الظروف لكن من المفيد تحديد نقطة بدء تقريبية.

تواصل مع زملائك الذين أنجزوا ما تريد إنجازه واطلب منهم تحديد العلامات الفارقة على طول مساراتهم. (يمكن أن تسأل: “ما هي المدة التي استغرقتها لإجراء أول عملية مبيعات بقيمة مكونة من 6 أرقام؟” “ما عدد الاجتماعات التي عقدتها مع العملاء المحتملين؟ ما عدد المكالمات الهاتفية التي كان عليك إجراؤها للاتفاق على تلك الاجتماعات؟”) في معظم الحالات، لن يعترض زملاؤك على مشاركة هذه المعلومات معك ما لم يعتبروك منافساً مباشراً لهم. وقد تفاجئهم بمستوى التفاصيل في أسئلتك وتجبرهم على تنشيط ذاكرتهم، لكن ذلك طبيعي لأنه لا أحد غيرك يطرح هذه الأسئلة، الأمر الذي يمنحك ميزة تنافسية.

ليس الهدف هو السعي إلى تحقيق جميع طموحاتك، بل تعزيز الطموحات المناسبة وإلغاء غير المناسب منها وتفادي التخلي المبكر عن المبادرات القابلة للاستمرار.

عندما تحدد المجال ستتمكّن من إنشاء نقاط تحقق تساعدك على التفكير في التقدم الذي أحرزته أو لم تحرزه. لنفترض أنك مؤسس شركة ناشئة وتعلم من البحث الذي أجريته أن الشركات الناجحة في مجالك تحقق عادة إيرادات تصل إلى 2 مليون دولار بحلول نهاية عامها الثاني، لكنك بدأت العمل منذ 18 شهراً وتوقعاتك لم تصل إلى نصف ذلك المبلغ؛ هذا دليل على ضرورة تغيير نهجك بسرعة أو ربما الخروج من الشركة.

على كلّ حال ليس الهدف هو السعي إلى تحقيق جميع طموحاتك، بل تعزيز الطموحات المناسبة وإلغاء غير المناسب منها وتفادي التخلي المبكر عن المبادرات القابلة للاستمرار التي تستغرق بعض الوقت ببساطة لتكتسب زخماً.

إدراك أنه من المحتمل ألا يكون التقدم ملموساً

في عملية تطوير التكنولوجيا المعروفة بتقدمها المتسارع (مثل الذكاء الاصطناعي والطباعة ثلاثية الأبعاد والسيارات ذاتية القيادة)، ثمة مرحلة يكون التقدم فيها ضئيلاً جداً لدرجة أنه يبدو معدوماً على الرغم من تضاعفه بانتظام. أطلق المؤلفان بيتر ديامانديز وستيفن كوتلر على هذه الفترة اسم “مرحلة الخداع”، لأنها تدفع الكثير من المطورين إلى إلغاء العمل على التكنولوجيا قبل الأوان، لكن ما أن تصل التطورات إلى عتبة معينة يرتفع منحنى التحسن بدرجة حادة ويكون النجاح مذهلاً وسريعاً (خذ مثلاً الانتقال إلى الكاميرات الرقمية). ينطبق المبدأ نفسه على حياتنا المهنية.

قال مؤسس شركة توزيع الموسيقى “سي دي بيبي” (CD Baby)، ديريك سيفرز، في إحدى المقابلات إن شركته لم تحقق أي نجاح على مدى 4 أعوام، يقول: “في كثير من الأحيان أقابل شخصاً أنشأ شركة أحلامه وبعد مضي بضعة أشهر تجده يقول ’الأمور ليست بخير!‘ فأقول له ’لم يمض سوى بضعة أشهر! بالله عليك!‘ بعد إنشاء شركتي سي دي بيبي بثلاثة أعوام كانت لا تزال مؤلفة مني أنا ورجل آخر في منزلي”. وبحلول العام العاشر باع ديريك الشركة بمبلغ 22 مليون دولار.

رأيت الشيء ذاته يحدث مع أكثر من 600 مشارك ممن أخذوا دورتي التعليمية عبر الإنترنت بعنوان “الخبير الحائز على التقدير” التي يتعلم المهنيون فيها طرق بناء سمعتهم وعلاماتهم التجارية. وسطياً، يحتاج المهني إلى عامين أو 3 أعوام من الجهد ليظهر تقدماً بسيطاً في توسيع منصته، ويحتاج إلى قرابة 5 أعوام ليحقق نمواً حقيقياً.

ومع ذلك، في غياب التحرك الواضح نحو هدفك أو حتى الإنجازات المرحلية التي حددتها لنفسك، فمن المفترض أن تكون قادراً على ملاحظة بعض المكاسب الصغيرة المحفزة، وهي ما أسميه تقدم “قطرات المطر”؛ هي إنجازات تبدأ متقطعة وغير محسوسة، كثناء من مدير أو عميل أو طلبات على صفحة “لينكد إن” من أشخاص غرباء بدأت تسمع عنهم قليلاً في العمل أو دعوة لقيادة لجنة وما شابه، وكل إنجاز منها لا يستحقّ أن تحتفل به وحده.

لكن هذه الإنجازات مجتمعة ستشكل مؤشراً يدل على أنك تكتسب زخماً باتجاه هدفك وستحافظ على حماسك عندما يكون التقدم بطيئاً. خذ مثلاً مسؤولة تنفيذية أعرفها تعمل في شركة للسلع المعبأة الاستهلاكية، لم تحصل على الترقية في وقتها لكن مسار الترقيات بأكمله كان متوقفاً، وكان عليها الانتظار لحين شغور منصب. كان من الممكن أن تكون فترة فراغ محبطة، لكنها ركزت على الانتباه إلى تقدم “قطرات المطر”، كأن يُطلب منها تقديم خطط الابتكار لكبار العملاء وهي فرصة ظهور كبيرة جداً، وتلقي الثناء من رئيس المجموعة من دون أن تطلب منه ذلك. استغرق حصولها على الترقية وقتاً أطول مما رغبت فيه، لكنها حصلت عليها في نهاية المطاف.

من طبيعة الإنسان أن يقيس تقدمه بمقارنة نفسه بالآخرين، لكن هذه المقارنة تؤدي غالباً إلى الشعور باستياء شديد، يجب علينا التخلص من هذه العادة الخبيثة.

استفد من علاقاتك بالطريقة الصحيحة

من طبيعة الإنسان أن يقيس تقدمه بمقارنة نفسه بالآخرين، لكن هذه المقارنة تؤدي غالباً إلى الشعور باستياء شديد، ولذلك يجب أن نتخلص من هذه العادة الخبيثة ونجعل علاقاتنا الشخصية مصدراً نستمد منه القوة.

تذكر أن تضع نجاح كلّ شخص في سياقه المناسب بدلاً من توجيه نظرة حسد إلى أقرانك الذين حققوا تقدماً أكبر والتحسر على جمودك. وخير مثال على ذلك هو مقياس “عائق الغولف” (golf handicap) الذي يتيح للاعب هاو الاستمتاع بمباراة ضد خصم أفضل منه بكثير عن طريق اتباع مقياس موحد يأخذ في الاعتبار ميزة هذا اللاعب. وبدلاً من قول “هزمني تايغر وودز بـ 45 ضربة”، وهو أمر محبط، يمكنك بأخذ مقياس عائق الغولف في الحسبان أن تركز على حقيقة أنك لعبت المباراة وفقاً لمقاييسك على نحو أفضل من خصمك الذي لعب وفقاً لمقاييسه.

مثلاً، اعتاد أحد أصدقائي أن يقارن نفسه بزميل محدد إلى أن أدرك أن ذاك الشخص بدأ العمل قبله بنحو 17 عاماً، والآن أصبح يذكّر نفسه بأنه على الرغم من أن نجاحه ليس مساوياً لنجاح زميله اليوم، فهو قريب من النقطة الذي وصل إليها ذاك الزميل من 17 عاماً. إن أخذ العمر والخبرة ونقاط البيانات الأخرى ذات الصلة في الحسبان هو طريقة أكثر تعقّلاً ولطفاً للتعامل مع المنافسة.

ثمة طريقة أخرى للاستفادة من العلاقات تتمثل بإحاطة نفسك بمستشارين موثوقين يساعدونك في تقييم تقدمك وتحديد الوقت المناسب لإجراء تغيير. عندما تنشغل في السعي لتحقيق هدف معين فمن المعتاد ألا ترى المشهد بوضوح، فإما أن تتمسك بنهج فاشل وإما أن تيأس بسرعة أكبر مما يجب من هدف مناسب تتقدم في تحقيقه ببطء شديد. ولهذا السبب يتعين عليك الاستعانة بزميل موثوق به للتحقق من الواقع.

اكتشفت إيلينا أخميتوفا ذلك قبل عدة أعوام عندما استلمت منصباً جديداً في شركة تكنولوجيا عالمية؛ كانت مهمتها تتمثل في تأسيس بنية تنظيمية من الصفر لقسم مهم يضمّ 250 موظفاً، وبعد مرور ثلاثة أشهر على بدء المشروع وبعد اصطدامها بعدة حواجز متكررة تضاءل حماسها وبدأت تتساءل: هل أسير في الاتجاه الصحيح؟ هل أفعل شيئاً مفيداً؟ فلجأت إلى نائب الرئيس الأول الذي كانت تربطها به علاقة قديمة، وقدم لها بعض الإرشادات العملية حول طريقة تعديل نهجها. لكن الأهم من ذلك حسب قولها: “أخبرني أن هذا الدور بالغ الأهمية الآن ولا يمكن أن يتولاه أي قائد آخر. كان ذلك تقديراً واحتراماً ودعماً في آن معاً، وبالتأكيد تمكنت من إنهاء المشروع”.

الكفّ عن تحريك أهدافك

ثمة مصطلح في العلوم البيئية يسمى “متلازمة تغيير نقطة البداية”، وهو يشير إلى نزعة الإنسان لتغيير النقطة المرجعية أو القواعد التي يقيس الشيء بناء عليها. خذ مثلاً عالمة تدرس تناقص نوع ما من الكائنات الحية على مدى حياتها المهنية بدلاً من دراسته على مدى مئات السنين الماضية، ما قد يخلق منظوراً مشوهاً.

تؤثر ظاهرة مشابهة على طريقة تقييم العديد من المهنيين لمساراتهم المهنية. فبمرور الوقت يعتادون نجاحهم ويعتبرونه أمراً مفروغاً منه. خذ مثلاً إحدى زميلاتي التي تتحدث عن تعاونها مع شخصية هامة في مجال عملها: “عندما وجدت نفسي معه في نفس الغرفة شعرت برهبة كبيرة، لكن الآن، لم يصبح الأمر روتينياً لكنه يبدو طبيعياً. وبدأت نوعاً ما بالأمر التالي”.

هي ليست وحدها على الإطلاق. بما أننا غالباً ما نصب اهتمامنا على أهداف كبيرة (كالترقية والحصول على دعوة لتكون متحدثاً رئيساً والفوز بجائزة مجال عملك)، فإننا نشطب بعض الإنجازات ظناً منا بأنها ليست مهمة، وننسى أنها كانت تبدو إنجازاً عظيماً قبل 5 أعوام أو ربما قبل عام واحد. عندما نستمر في تغيير قواعد اللعبة، فإننا نشوه التقدم الذي أحرزناه بالفعل ونمحوه، ولا شك في أن ذلك يولد لدينا شعوراً بالإحباط ويزيد احتمالات استسلامنا بدرجة كبيرة. ولكن إذا استطعنا بدلاً من ذلك ملاحظة النقطة التي بدأنا منها وما أنجزناه حتى الآن واحترام ذلك فسوف نستمد الإلهام اللازم لمواصلة تقدمنا.

الحرص على أن يكون اتجاهك صحيحاً

من النادر أن يحقق أيّ منا كلّ أهدافه بالطريقة التي يتوقعها، فالظروف تتغير مع مرور الوقت (من الممكن أن تتلقى زوجتك عرض عمل مقنعاً في الخارج)، وبعض الاحتمالات تُمنع عنك من دون أن ترتكب أيّ خطأ (قد يتم الاستحواذ على شركتك ويلغى دورك). بدلاً من السعي وراء هدف واحد على نحو جازم، فكر في السعي إلى تحقيق تقدم في اتجاه معين.

عندما كنت في أوائل العشرينات من عمري كان هدفي أن أصبح أستاذة جامعية، لذلك عملت بجد وخضعت لاختبار تقييم الخريجين وتقدمت إلى عدة برامج للحصول على درجة الدكتوراة، وتم رفضي فيها جميعها. كانت نكسة مدمرة آنذاك، لكن في غضون عامين تمكنت من العثور على منفذ؛ أصبحت صحفية، ومع تشكل شبكات معارفي غير الرسمية في وظيفتي الجديدة تمكنت من الحصول على عمل جانبي مستقلّ في تدريس مقرر وسائل الإعلام الجماهيرية في جامعة محلية من دون الحاجة إلى قضاء أعوام في الدراسة أو تحمّل تكاليف درجة الدكتوراة. واليوم بعد قرابة 20 عاماً لا أزال أعمل بالتدريس في عدد من أبرز كليات الأعمال.

وكذلك الأمر بالنسبة لداينا ديل فال التي علمت شغفها؛ كانت تريد أن تصبح ممثلة سينمائية ناجحة. لكنها حملت بطفلها بصورة مفاجئة بعد تخرجها من الكلية وقررت البقاء بالقرب من عائلتها ورعاية ابنها. كانت تعيش في منزل في منطقة قريبة من الحدود بين ولايتي داكوتا الشمالية ومينيسوتا بعيداً عن مركز الفنون والسينما في شمال هوليوود، لكنها لم تتخل عن طموحها. حاولت أن تدخل في أعمال مستقلة في التمثيل لدى شركات إقليمية، ثم حصلت في نهاية المطاف على دور باعتبارها الوجه الذي يمثل ولاية داكوتا الشمالية في حملتها السياحية. وأدى ظهور ديل فال كممثلة إلى أمر آخر غير متوقع؛ منصب في مؤسسة غير ربحية للفنون المحلية. شغلت منصب الرئيسة التنفيذية لعقد من الزمن، حيث رفعت ميزانية المؤسسة 4 أضعاف وزادت قدرتها على دعم مجتمع الفنون الإقليمي.

لم تتحول ديل فال إلى ميريل ستريب التالية، لكنها مع ذلك نحتت مساراً مهماً لنفسها. تقول: “حظيت بمسار مهني أهم بكثير من المسارات المهنية لعديد من أصدقائي الذين انتقلوا إلى مدينة نيويورك أو لوس أنجليس”. إذ أمضى معظمهم أعواماً في مواجهة الرفض في تجارب الأداء ولم يعثروا على العمل الذي يحبونه، في حين أنها ازدهرت في بيئتها المحلية الإبداعية.

ليس بإمكان أيّ منا توقع كلّ منعطف نمرّ به في حياتنا المهنية أو حياتنا عموماً، ومن المحتمل ألا نتمكن من الحصول على كلّ وظيفة نتقدم إليها أو تحقيق كلّ نجاح نسعى إليه. لكن هذا لا يعني أنه ليس بإمكاننا صياغة نجاح مهني في الاتجاه الصحيح يرضينا بطريقة ما.

فلنواجه الحقيقة؛ الصبر مزعج. وسيكون الأمر أفضل بكثير لو لم نكن مضطرين للصبر إطلاقاً وكان بإمكاننا تحقيق كلّ ما نريده بسرعة، لكن الحقيقة في كافة الحالات تقريباً هي أنّ أهدافنا الأكثر أهمية تحتاج إلى الجهد والمثابرة والوقت.

قد تضطر لكتابة مدونة يقرؤها عدد قليل من المتابعين من باب اختبار أفكارك وبناء جمهورك ببطء، أو أخذ دورة تعليمية في فن التقديم إذا لم تلق اهتماماً بما تريد قوله لتصبح أكثر كفاءة في التقديم، أو تخصيص ساعة الغداء لدورة تعليمية عبر الإنترنت حول التطورات الجديدة في مجال عملك. قد تضطر للاستمرار في بذل الجهد حتى إذا بدا غير مجد أو مملاً أو صعباً، وستمرّ بلحظات مظلمة عندما لا يكون من الواضح أنك تحقق تقدماً.

ولكن كي تحقق النتائج وتبني مسارك المهني الذي تريده يجب أن تكون على استعداد لخوض هذه العملية، ومع الصبر الاستراتيجي والخطوات المنهجية التي تتخذها اليوم وغداً وبعد غد سيصبح بإمكانك تحقيق أي هدف تقريباً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .