تحولت المنصات الإلكترونية إلى آلات تصنع الفوضى فهل يمكن السيطرة عليها؟

6 دقائق
العواقب الفوضوية الناتجة عن المنصات الإلكترونية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يتحدث سنان آرال، الأستاذ في كلية سلون بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي)، ومؤلف كتاب “آلة الضجيج: كيف تزعزع وسائل التواصل الاجتماعي انتخاباتنا واقتصادنا وصحتنا. وكيف يجب أن نتأقلم” (How Social Media Disrupts Our Elections, Our Economy, and Our Health—and How we Must Adapt)، إلى مجلة هارفارد بزنس ريفيو حول ما يجب على العالم فعله من أجل السيطرة على العواقب الفوضوية الناتجة عن المنصات الإلكترونية.

 

في شهر يناير/كانون الثاني، تسبب منتدى على الإنترنت يسمى “آر/ وول ستريت بتس” (r/WallStreetBets)، وهو تابع لموقع “ريديت” (Reddit)، برفع سعر أسهم شركة تجارة ألعاب الفيديو “غيم ستوب” (GameStop) بدرجة كبيرة، ما كلف بعض صناديق التحوط في وول ستريت مليارات من الدولارات. قد تبدو قصة تجار التجزئة الذين تسببوا بهزة كبيرة للأسواق غريبة جداً، إلا أننا شهدنا هذا النوع من الأحداث من قبل، وهذه القصة هي أحدث العواقب الفوضوية المترتبة على إمكانية التواصل والتنسيق الجماعي على المنصات الإلكترونية. تتنوع القصص التي سبقتها بدرجة كبيرة، فهي تتراوح بين القصص الحميدة نسبياً، (كقصة آلاف المراهقين الذين اجتمعوا على منصة “تيك توك” من أجل تضخيم توقعات الحضور في التظاهرات المؤيدة لترامب، على سبيل المثال) والقصص الخبيثة (كالمتمردين الذين استخدموا منصتي “غاب” (Gab) و”بارلر” (Parler) لتخطيط هجومهم على مبنى البرلمان (الكابيتول) في الولايات المتحدة وتنفيذه). يمكن أن نشهد تكرار هذه القصة بطرق جديدة واطّراد متزايد من الآن فصاعداً.

حوار مع سنان آرال حول العواقب الفوضوية الناتجة عن المنصات الإلكترونية

والسؤال الذي يجب أن نطرحه هو كما يلي: كيف يمكننا، كمواطنين وشركات وحكومات، أن نسيطر على نحو مسؤول على القوة المتنامية للمنصات الإلكترونية، ونراقب عواقبها على أرض الواقع؟

لمحاولة الإجابة عن هذا السؤال، تحدثت مع سنان أرال، مدير مبادرة الاقتصاد الرقمي في معهد “ماساتشوستس للتكنولوجيا” (إم آي تي)، ومؤلف كتاب “آلة الضجيج: كيف تزعزع وسائل التواصل الاجتماعي انتخاباتنا واقتصادنا وصحتنا. وكيف يجب أن نتأقلم” (How Social Media Disrupts Our Elections, Our Economy, and Our Health—and How we Must Adapt)، وناقشت معه كيف تندرج هذه الحادثة الأخيرة ضمن التوجه الجديد للنشاط عميق الأثر الذي يصعب التعامل معه على المنصات الإلكترونية.

ماذا تعني استعادة السيطرة على المنصات الإلكترونية على الإنترنت؟

لقد رأينا كثيراً من المخاطر التي يمكن أن تتسبب بها وسائل التواصل الاجتماعي، لاسيما في الآونة الأخيرة. لكننا رأينا كمية هائلة من الوعود كذلك. لذا، أود التفكير في السؤال على أنه: “كيف سنحقق ما تعد به وسائل التواصل الاجتماعي ونتجنب مخاطرها؟”.

برأيي، تتوفر 4 قوى مؤثرة في أيدينا، وهي المال والشيفرة البرمجية والقواعد والقوانين.

أعني بالمال نماذج الأعمال الخاصة بالمنصات، والتي توفر محفزات لسلوك كل من المستخدم والمعلن والمستثمر.

وأعني بالشيفرة البرمجية تصميم المنصات والخوارزميات التي تقوم عليها، مثل خوارزميات الأخبار أو خوارزميات “الأصدقاء المقترحين”، وما إلى ذلك.

أما القواعد فهي السلوكيات الاجتماعية المتعلقة بالمنصات على أرض الواقع. كيف يستخدم الناس هذه المنصات بالفعل؟

ثم القوانين، التي تشمل كل شيء، بدءاً من مكافحة الاحتكار والمادة 230 وتشريعات الخصوصية وصولاً إلى تحديث المبادئ التوجيهية لهيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية.

وأعتقد أنه بإمكاننا توجيه هذه التقنية نحو الخير وإبعادها عن الشر. لذلك من الضرورة بمكان إجراء أبحاث متعمقة في علم وسائل التواصل الاجتماعي وتفعيل هذه القوى بما يلائم.

في كتابك، الذي نُشر في سبتمبر/أيلول من العام 2020، توقعت وقوع حدث مثل الهجوم على مبنى مجلس النواب (الكابيتول) في 6 يناير/كانون الثاني. كما تحدثت عن احتمال حدوث زعزعة اقتصادية لا تختلف عما شهدناه الشهر الماضي في قصة شركة “غيم ستوب”. بما أنك فكرت ملياً في الإمكانات المزعزعة التي تتمتع بها وسائل التواصل الاجتماعي على مدى فترة من الزمن، ما هي انطباعاتك عن أحداث يناير/كانون الثاني من عام 2021؟

أعتقد أننا نشهد حالياً مجتمعاً يتصارع مع بروز وسائل التواصل الاجتماعي بوصفها قوة جبارة. وكان الخبراء الذين يدرسون هذه الأمور منذ أشهر، أو بالأحرى منذ أعوام، يحذرون من إمكانية وقوع أحداث مزعزعة من هذا النوع بسبب المنصات الإلكترونية. وهذه ليست المرة الأولى التي نرى فيها نشاطاً على وسائل التواصل الاجتماعي يترجم إلى تهديد للعملية الديمقراطية أو يتسبب في زعزعة الاقتصاد على أرض الواقع. لكن هذه الأحداث الأخيرة تبدو جديدة في الولايات المتحدة، بسبب حجمها وانتشارها وحدّتها.

ما هي أخطر الإمكانات المزعزعة في المنصات الإلكترونية، التي تثير قلقك في المستقبل القريب؟

العنصر الثالث في الثلاثية التي وردت في العنوان الفرعي لكتابي هو الصحة العامة، وأعتقد أنه ذو صلة بالجائحة التي نشهدها اليوم، إذ تتسبب المعلومات المضللة بتردد الناس في قبول اللقاح. وبدأنا بالفعل في رؤية مظاهر هذا التردد الآن، خذ مثلاً المتظاهرين المناهضين للقاح “كوفيد-19” الذين أثارتهم المعلومات المضللة ودفعتهم لإغلاق موقع التطعيم في ملعب دودجرز قبل بضعة أيام، وما هذا المشهد إلا إعادة لما حدث في عامي 2018 و2019 بخصوص لقاح الحصبة. وكلي أمل ألا نشهد مزيداً من هذه الأحداث.

شهدنا في هذا الشهر توجه المنصات بدرجة كبيرة نحو التنظيم الذاتي، إذ قامت منصات مثل “تويتر” و”فيسبوك” وغيرها بحظر الرئيس السابق ترامب. كما حظرت منصة “ديسكورد” (Discord) منتدى “آر/وول ستريت بتس” لفترة وجيزة، وقيدت منصة التداول “روبن هود” تداول أسهم شركات “غيم ستوب” و”أيه إم سي” (AMC) و”بلاك بيري”. ما الذي تستنتجه من هاتين المحاولتين؟

لا شك في أن هذين الحدثين مختلفان بطرق مهمة، لكنهما يثيران سؤالاً جوهرياً حول تقييد المحتوى. فقد رأينا كيف تبدأ المنصات عملها متبعة سياسة عدم التدخل. لكن في العام الماضي تقريباً، بدأنا نشهد تنامياً في الضغط الشعبي، وشعرنا بشبح التنظيم يرفع رأسه. خذ مثلاً قضية مكافحة الاحتكار التي أقيمت ضد “فيسبوك”، فقد كثر الحديث عن تعديل المادة 230 من قانون آداب الاتصالات أو إلغائه. وفي مقابل هذا النوع من الضغوط، إلى جانب الأدلة المتزايدة على أن المنصات تؤثر في السلوكيات على أرض الواقع بطرق غير مرغوب بها في المجتمع، بدأت هذه الشركات باتخاذ خطوات جدية أكثر لتقييد المحتوى وحظر الحسابات التي تنتهك سياساتها ووضع حدود لما هو مقبول وغير مقبول على منصاتها.

كيف تضع الشركات هذه الحدود وأين؟

هذا هو السؤال المهم. يتعلق الأمر حقيقة في الاختلاف بين حرية التعبير عن الرأي والخطاب المؤذي، سواء كان متعلقاً بالسياسية أو المعلومات المالية. ثمة انتهاكات واضحة، ولا نرغب في أن نرى على هذه المنصات محاولات منسقة لاختطاف حاكم ولاية ميشيغان وقتله، أو بثاً مباشراً لعمليات قتل جماعية مثلاً، وهذا النوع من النشاطات مؤذ بصورة جلية ومن السهل تقييده. لكن النشاطات التي تبدو قانونية تقنياً، ولكن من المحتمل أن تكون مؤذية، هي التي يصعب تصنيفها وتقييدها على المنصات الإلكترونية.

إذن، من الذي يجب أن يتخذ هذه الخطوات؟ هل تندرج ضمن مسؤوليات أنظمة الرقابة الذاتية في المنصات أم مسؤوليات الجهات الرقابية الحكومية؟

من الجدير بالذكر أن جينا ريموندو التي رشحها الرئيس بايدن لوزارة التجارة قالت إنها تفضل أن تقوم إدارة المعلومات والاتصالات الدولية في وزارة التجارة بقيادة جهود تعديل المادة 230. لكن برأيي، لا أرى أن قيام الوكالات الحكومية برسم الحدود بين الخطاب المؤذي وحرية التعبير عن الرأي هي فكرة سديدة، لأن قادة هذه الوكالات يتم تعيينهم بناء على اعتبارات سياسية.

وأعتقد أن الأماكن المناسبة للقيام بذلك هي مجلس النواب، الذي يعتبر أكبر هيئة تمثيلية وتداولية في الولايات المتحدة الأميركية، والمحاكم وقانون السوابق القضائية.

رأينا الشهر الماضي على موقع “ريديت” الجهد المنسق لأحد المجتمعات على الإنترنت بهدف تعزيز قيمة أسهم شركات معينة، وهذا يثير تساؤلات حول نوع الخطاب المسموح به على المنصات. كما يثير أسئلة مهمة حول مستقبل القواعد والقوانين المالية أيضاً. ما هو رد الفعل الذي ستثيره هذه الأحداث برأيك؟

أتوقع أن تجري هيئة الأوراق المالية والبورصات تحقيقاً في التحركات التي شهدناها في السوق هذا الأسبوع، فقد حققت سابقاً مع شركتي “ليدينغو هولدنغز” ( Lidingo Holdings) و”دريم تيم” (DreamTeam) بسبب نشر منشورات تهدف للتلاعب بالسوق على وسائل التواصل الاجتماعي في عام 2014، ويمكن أن يجرى تحقيق من نفس النوع الآن بالتأكيد.

لكننا لا نملك معلومات كافية عن وضع شركة “غيم ستوب”، والحقيقة ليست واضحة تماماً. من كان في هذه المجموعة؟ هل كان الأشخاص في هذه المجموعة على صلة بمؤسسات مالية لها مصلحة فيما حدث؟ فقد تمكنت شركات صناديق تحوط مثل “بلاك روك”، وأفراد من القطاع الخاص مثل رويان كوهين، الرئيس التنفيذي الأسبق لشركة “تشيوي دوت كوم” (Chewy.com)، من جني مبالغ كبيرة. هذا ليس مخالفاً للقانون، لكنه كشف عن مسارات جديدة لحالة عدم الاستقرار الاقتصادي. مثلاً، إذا كنا نعتقد أن روسيا استفادت من زعزعة العملية الديمقراطية في الولايات المتحدة عن طريق التلاعب بوسائل التواصل الاجتماعي، فما الذي ستفكر فيه بعد حادثة شركة “غيم ستوب” فيما يخص زعزعة الاقتصاد الأميركي باتباع استراتيجية مماثلة؟ نحن بحاجة إلى معرفة المزيد.

ما هي أهم نتائج هذه القصة؟

شاهدنا توسع حادثة شركة “غيم ستوب” بسرعة كبيرة لتتعدى أسهم شركة واحدة وتصل إلى أسهم شركات أخرى، وهي “أيه إم سي” و”بلاك بيري”، لتصبح حركة اجتماعية نوعاً ما. لذا، سيعتمد استمرار هذا النوع من الحوادث أو توقفه على عاملين. الأول، من الذي يتعرض للاحتراق المالي نتيجة لها؟ والثاني، ما هو رد الفعل التنظيمي الصادر عن هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية تجاهها؟ ستحدد هذه النتائج ما سيحدث بعد ذلك.

ما هي العبر التي استهنّا بها في قصة شركة “غيم ستوب” والتي تعتقد أن الانتباه إليها ضروري؟

من المهم إدراك أن وسائل التواصل الاجتماعي ليست معزولة عن الأسواق. بالطبع، وسائل التواصل الاجتماعي هي آلية حشد تساعد كثيراً من الناس على تنسيق سلوكهم، أو نشر المعلومات المضللة، أو اتخاذ قرارات بشراء الأسهم أو بيعها، وما إلى ذلك. لكنها تقترن بأنظمة في غاية التطور تعمل على تحليل ميول المستخدمين على المنصات وتربطه بخوارزميات التداول الآلي وبالتوصيات المقدمة للمؤسسات الاستثمارية لبيع الأسهم أو شرائها. وبالتالي، تنشأ حلقة تكرار تولد المعلومات باستمرار. كما قامت المؤسسات الاستثمارية بتوصيل أنظمة الاستشعار لديها بالجمهور، وذلك يؤدي إلى تعقيد القصة، فهي لم تعد متعلقة بنظامين متضاربين، بل أصبحت نظاماً واحداً كبيراً يزداد تشابكاً وتعقيداً بسبب عدم القدرة على السيطرة على العواقب الفوضوية النانجة عن المنصات الإلكترونية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .