الخطأ الذي ترتكبه في رحلة العميل

13 دقيقة
رحلة العميل
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ليس من المفترض أن تكون رحلة العميل سهلة أو قابلة للتوقع دائماً.

يتفق أغلب خبراء التسويق على أن تقديم تجربة أولى مُرضية للعملاء مع المنتج لا يكفي، بل يجب على مدير المنتج تقديم سلسلة من التجارب المقنعة تشكل رحلة العميل من أجل ضمان عودته للحصول على المزيد من المنتجات. ولذلك أصبح تصميم رحلة العميل مجال التنافس الجديد في التسويق.

ولكن لم يتمكن خبراء التسويق بعدُ من تطوير إطار عمل يساعد المدراء في التعامل مع تحديات التصميم، وفي كثير من الأحيان ينصحون الشركات بجعل رحلة العميل روتينية، أي لا تتطلب مجهوداً وقابلة للتوقع بأكبر درجة ممكنة. ولكن بحثنا يبين أن هذه النصيحة تبسّط الأمر بدرجة مبالغ فيها، ويمكن أن يعود تطبيقها بنتائج عكسية على الشركة.

على الرغم من أن رحلة العميل في بعض الأحيان لا تتطلب مجهوداً يذكر (مثل مشاهدة فيلم على قناة نتفليكس أو طلب وجبات الطعام على تطبيق سيملس)، فهي تتطلب في أحيان أخرى مجهوداً ذهنياً أو جسدياً كبيراً (مثل تعلم لغة جديدة على تطبيق دوولينغو أو ممارسة التمارين الرياضية على دراجة بيلوتون الثابتة)، وكلا النوعين من التجارب له قيمته لدى العملاء.

وبصورة مماثلة، تكون رحلة العميل في بعض الأحيان مألوفة لدرجة مريحة، مثل استخدام مرطب ما بعد الحلاقة العريق، أولد سبايس (Old Spice)، أو تناول وجبة الغداء في المقهى الشعبي، بانيرا بريد (Panera Bread)، في حين تكون مثيرة للحماس وغير قابلة للتوقع في أحيان أخرى مثل مقابلة مشتركين آخرين في تطبيق التعارف بامبل (Bumble)، أو اللعب رفقة الأصدقاء في لعبة وورلد أوف ووركرافت (World of Warcraft)؛ في كثير من الحالات يستمتع العملاء بالتجربة غير المتوقعة حقاً.

بناء على البحث الذي أجريناه طوال 5 أعوام على تجربة العميل في مجموعة واسعة ومتنوعة من فئات المنتجات، وعلى التقييمات والآراء التي جمعناها من ورش عمل أقمناها بمشاركة أكاديميين ومسؤولين تنفيذيين في مجال التسويق، أنشأنا إطار عمل يساعد المدراء على تصميم رحلة مقنعة تضمن عودة العملاء مرة تلو المرة، وأطلقنا عليه عنوان “مصفوفة رحلات العميل” ويشمل 4 نماذج رئيسة:

  • الروتين: لا يتطلب جهداً وقابل للتوقع.
  • النزهة: لا تتطلب جهداً وغير قابلة للتوقع.
  • الرحلة الطويلة: تتطلب مجهوداً وقابلة للتوقع.
  • المغامرة: تتطلب مجهوداً وغير قابلة للتوقع.

لا يمكن اعتبار أي من هذه النماذج أفضل من النماذج الأخرى عموماً، ومن الممكن استخدامها كلها لضمان عودة الزبائن بصورة متكررة، ويمكن تطبيقها على مجموعة متنوعة من السلع والخدمات المادية والرقمية (والتي نشير إليها جميعها بكلمة “منتجات”). يمكن أن تتكشف رحلات العملاء بوتيرة تختلف باختلاف نموذجها، إذ من الممكن أن تكون يومية أو أسبوعية أو شهرية وتستمر لفترات غير محددة من الزمن تتراوح بين عدة أسابيع إلى عدة أعوام.

في هذا المقال سنصف أولاً نماذج رحلة العميل الرئيسة الأربعة ومبادئ تصميم كل منها، ثم سنقترح دليلاً توجيهياً يساعد المدراء على إنشاء رحلة العميل المثالية لكل منتج.

تناسب الرحلة الروتينية المنتجات النفعية التي تجعل أداء المهمات أسهل بكثير وأكثر قابلية للتوقع، ويزداد رضا العميل كلما تضاءلت درجة الاحتكاك التي يواجهها في رحلته.

فكرة المقالة باختصار

السياق

يتفق خبراء التسويق على أن أفضل طريقة لضمان عودة العملاء إلى الشركة طلباً لمزيد من منتجاتها وخدماتها هي تقديم سلسلة تجارب سهلة ومقنعة يمكن تسميتها رحلة العميل.

المشكلة

يروج معظم خبراء التسويق لرحلة العميل التي لا تتطلب مجهوداً ويمكن توقعها، أي الرحلة الروتينية، على اعتبار أنها الرحلة الذهبية، ولكن ذلك خطأ في كثير من الحالات.

الحل

تستطيع الشركات ضمان استمرار تفاعل عملائها مع منتجاتها عن طريق تقديم أنواع أخرى من رحلات العميل إلى جانب الرحلة الروتينية مثل رحلة النزهة والرحلة الطويلة ورحلة المغامرة. الأنواع الأربعة كلها قادرة على مساعدة الشركة في تحقيق نجاح طويل الأمد في السوق.

الروتين

الروتين هو إجراء بسيط يهدف لإنهاء مهمة متكررة، وينطوي على عامل يحفز نشاطاً تنتج عنه مكافأة (مثلاً، يحفز حلول الصباح تنظيف الأسنان الذي تتمثل مكافأته في الحصول على أنفاس منتعشة). في حين تتبع الرحلات بكل أشكالها أنماطاً محددة، فالرحلات الروتينية تتكرر بدرجة كبيرة، وهي تدعى أحياناً عادات العملاء أو طقوسهم.

تناسب الرحلة الروتينية المنتجات النفعية التي تجعل أداء المهمات أسهل بكثير وأكثر قابلية للتوقع، خذ مثلاً فرشاة الأسنان التي تعمل بالموجات فوق الصوتية، فهي تزيد كفاءة نظام العناية بالأسنان الذي يتبعه العميل وفعاليته، وتطبيقات الخدمات البنكية على الهواتف الذكية التي توفر على الأشخاص المشغولين القيام بزيارات غير ضرورية إلى البنك، وسلاسل متاجر الخدمات السريعة التي تتيح للناس شراء الأطعمة والأشربة بسرعة في أثناء تنقلهم. في أي رحلة روتينية، يزداد رضا العميل كلما تضاءلت درجة الاحتكاك التي يواجهها.

يمكن أن يساعد مدير المنتج عملاءه في بناء رحلات روتينية دائمة باستخدام مبدأين في التصميم؛ تسهيل تجربة المستخدم وضمان الاتساق في جميع مراحلها. يتمثل الهدف من التسهيل في إزالة جميع نقاط التواصل التي لا تضيف القيمة، في حين يكمن الهدف من ضمان الاتساق في مساعدة العميل على تعلم الروتين وتنفيذه من دون جهد.

من بين سلاسل متاجر الخدمات السريعة نرى أن شركة ستاربكس (Starbucks) لا تتوقف عن تسهيل عمليات الطلب عبر تطبيق الهاتف الذكي لا سيما بالنسبة للزبائن الذين يرغبون باستلام طلباتهم بسرعة في مواقع الازدحام المروري. يتذكر تطبيق ستاربكس على الهاتف الذكي المتاجر وطرق الدفع التي يفضلها الزبون ويتيح له تسجيل طلبات سريعة للمنتجات المفضلة ويحدد موقع أقرب متجر ويقدّر مدة انتظار تجهيز الطلب، ويوضح مكان استلام الطلبات ضمن المتجر. حتى أن الشركة افتتحت متاجر ستاربكس مخصصة لتسليم الطلبات الخارجية المسجلة عبر تطبيق الهاتف الذكي فقط، وأتقنت جانب الاتساق بإنشاء إجراءات موحدة لإعداد عناصر قائمة المنتجات؛ خذ مثلاً مشروب كراميل ماتشياتو الذي يتم تحضيره بنفس الطريقة في جميع المتاجر سواء في مدينة لوس أنجلوس أو في مدينة أوماها.

تقود شركة أمازون قطاع تجارة التجزئة الإلكترونية في ناحية تسهيل عمليات التسوق الروتينية، وتساعد خدمات الراحة المتمثلة في الطلب بكبسة زر واحدة وتوصيل الطلبات في اليوم التالي على تسهيل رحلة عملائها، ونادراً ما تتغير عملية طلب المنتجات على موقعها، وإن تغيرت فيكون التغيير بسيطاً غير ملحوظ وبالتالي لا يضطر الزبائن إلى تعلم القيام بها من جديد.

النزهة

النزهة هي رحلة ممتعة تساعد الإنسان في الهروب من ضجر الأعمال الروتينية اليومية، وهي لا تتطلب مجهوداً وغير قابلة للتوقع، وفيها الكثير من المتعة ومناسبة جداً للمنتجات التي تثير الحماس الفوري مثل منصات بث الموسيقى عبر الإنترنت ووسائل الإعلام الرياضي وألعاب الفيديو، كما يمكن استخدامها ضمن المتاجر التقليدية مثل متاجر الموضة السريعة للأزياء التي تشهد معدلات عالية من دوران المنتجات، ودور السينما المحلية التي تعرض أفلاماً جديدة كل أسبوع، والمطاعم التي تتبدل قوائم أصنافها بصورة دورية والمقاهي التي تقدم عروضاً ترفيهية.

وكما هو الحال في الرحلات الروتينية، تسهيل الرحلة ضروري في النزهة ولكنه ليس كافياً لإنشائها، فهو يخفف من المشكلات المستعصية التي يواجهها العميل ولكنه لا يولّد لديه الشعور بالمتعة، ومن أجل تسهيل هذا النوع من الرحلات يتعين على الشركات تطبيق مبدأ التنوع الكبير في تصميم جميع مراحل رحلة العميل بهدف توليد الكثير من لحظات السعادة. في لعبة كاندي كراش ساغا (Candy Crush Saga) مثلاً، يبدّل اللاعب قطعتي حلوى متجاورتين من أجل إكمال صف أو عمود من 3 قطع متطابقة أو أكثر، ومن أجل إضافة عنصر المتعة إلى هذا النشاط نلاحظ تنوعاً كبيراً في قطع الحلوى والألوان والمؤثرات الصوتية والتحديات والعوائق فيما يصل إلى 10 آلاف مرحلة.

كما يعمد كثير من صالات السينما إلى تسهيل نزهة العميل عن طريق تقديم العرض الأول لفيلم جديد كل أسبوع، ولكن في سلسلة صالات السينما، ألامو درافتهاوس سينما (Alamo Drafthouse Cinema)، تعمد الإدارة إلى تجديد قوائم أصناف الطعام التي تقدمها بصورة دائمة، كما يعمل الطهاة فيها في بعض المناسبات على ترتيب قوائم الطعام بحسب موضوع الفيلم المعروض، مثل تقديم وجبات من المطبخ الإفريقي عند عرض فيلم بلاك بانثر (Black Panther).

كما يعتبر المحتوى الذي يولّده المستهلكون طريقة أخرى لضمان التنوع اللا منتهي؛ خذ مثلاً تطبيق تيك توك، إذ يستغرق المستخدم الجديد على الفور في مشاهدة المحتوى الذي يقدمه له التطبيق في صفحة “لك” (For You). قد يعرض أحد مقاطع الفيديو قطة عابسة مع موسيقى حزينة، في حين يعرض المقطع الذي يليه طريقة تحضير طبق من الطعام مترافقة بموسيقى البوب. يسهم هذا التنوع الكبير في شعور المستخدم بالمتعة، ومع مرور الوقت سيبدأ بالتفاعل مع مقاطع الفيديو أو التعليق عليها ويكتشف منشئي المحتوى الذين يرغب بمتابعتهم، إذ تعمل خوارزميات تطبيق تيك توك باستمرار على معالجة بيانات التفاعل وتستخدم المعلومات في تخصيص المحتوى المعروض لكل مستخدم.

رحلة المغامرة صعبة ومثيرة للحماس وغير قابلة للتوقع، وتتطلب جهداً كبيراً وتولّد الكثير من التشويق.

الرحلة الطويلة

الرحلة الطويلة القابلة للتوقع يعمل العملاء فيها على تحقيق أهداف صعبة طويلة الأمد مثل تعلم لغة جديدة أو التعافي من عملية جراحية أو ادخار المال من أجل مرحلة التقاعد. يتطلب هذا النوع من الرحلات الطويلة عادة مزود خدمة شخصي مثل المدرّس أو المدرّب أو المستشار المالي، وأصبحت اليوم أسهل بكثير نظراً لانتشار التطبيقات والمنتجات الذكية على الهواتف النقالة ومنها التطبيقات التعليمية مثل بابل (Babbel)، والأجهزة القابلة للارتداء التي تراقب المؤشرات الصحية مثل ساعة آبل الذكية (Apple Watch)، وأدوات التخطيط المالي مثل منصة مِنت (Mint). يعود العميل باستمرار إلى المنتجات التي تقدم له رحلة طويلة لأنه يحتاج إلى قدر كبير من الدعم كي يحقق تقدماً باتجاه أهدافه.

تعمل الشركات عادة على تسهيل العمل الذي تتضمنه هذه الرحلات الطويلة باتباع مبدأ التصميم المسمى “تعيين الأهداف”؛ ينطوي هذا المبدأ على تجزيء الأهداف الكبيرة إلى أهداف أصغر فأصغر إلى أن يصبح الهدف التالي صغيراً لدرجة تدفع العميل للعمل على تحقيقه، وفي أغلب الأحيان يحصل على مكافآت تحفيزية عند تحقيق كل هدف، وقد تتمثل في كلمة تهنئة أو تشجيع بسيطة (أحسنت!) أو في تغيير اللون على لوحة المتابعة من الأحمر إلى الأخضر.

ومن الأمثلة عن المنتج الذي يتميز في تعيين الأهداف تطبيق ماي فيتنس بال (MyFitnessPal)، إذ يتضمن ميزة أساسية تتمثل في مفكرة الطعام التي تجزئ الهدف طويل الأمد الذي يحدده العميل (مثل خسارة 10 كيلوغرامات من وزنه) إلى أهداف أسبوعية ويومية وأهداف محددة لكل وجبة طعام، ويجزئ الهدف المحدد لكل وجبة بحسب فئات المغذيات الكبيرة (بروتينات ودهون وكربوهيدرات) والسعرات الحرارية وغيرها من العناصر التي يرغب العميل في تتبعها كالصوديوم مثلاً. يسهّل التطبيق عملية تسجيل الوجبات في مفكرة الطعام بواسطة أدوات مثل البحث عن الوجبات في قائمة طويلة من الأطعمة، وإمكانية نسخ معلومات الوجبات التي أدخلها الأصدقاء عند تناول الطعام معهم.

كما يساعد البرنامج المتخصص في وضع الميزانية (You Need a Budget) في تسهيل رحلة العميل الطويلة نحو تحقيق هدفه الكبير والمجرد المتمثل في ادخار المال، ويشجعه على وضع أهداف ملموسة للنفقات الكبرى، مثل شراء منزل والتسجيل في الجامعة والتقاعد، ويجزئ هذه الأهداف إلى أهداف أصغر، كما يحثّه على وضع حدود للإنفاق وأهداف لسداد الديون. يمكن ترتيب هذه الأهداف كافة في جداول متنوعة، سواء كانت أسبوعية أو شهرية أو قائمة على تواريخ محددة، وتعمل الواجهة البينية البسيطة على تقديم تقييمات إيجابية لتشجيع العميل على مواصلة التقدم.

يقول بعض خبراء التسويق إنه من الضروري أن تحظى الرحلة التي تتطلب جهداً كبيراً بميزات شبيهة بالموجودة في الألعاب والتي تثير حماس العملاء من أجل تجديد دافعيتهم باستمرار، أي أنهم ينصحون مدراء المنتجات بتحويل رحلة العميل الطويلة إلى مغامرة. هذه نصيحة جيدة حقاً، ولكن الخدمات المصممة على هيئة ألعاب على الرغم من كل مزاياها لا تحظى بإعجاب جميع العملاء، وقد تتمكن الرحلة الطويلة التي تضمّ سلسلة أهداف قابلة للتحقيق ومحددة على نحو مدروس ومكافآتها المؤكدة من إثارة حماسهم مثل المغامرة تماماً.

المغامرة

إن كان الرحلات الروتينية هي أبسط أنواع رحلات العميل، فالمغامرة هي أروعها؛ فرحلة العميل التي تتسم بالمغامرة تكون صعبة ومثيرة للحماس وغير قابلة للتوقع وتقوم على حماسة العميل وعزيمته وتمسكه بهدفه، وتتطلب جهداً كبيراً وتولّد الكثير من التشويق. في حين يمر العملاء بكثير من الرحلات الروتينية في حياتهم، فرحلات المغامرات التي يمرون بها قليلة جداً.

رحلة المغامرة مثالية للمنتجات التي تساعد على تسهيل المشاريع القائمة على الشغف التي يملك العملاء دافعاً قوياً لتنفيذها بالفعل، مثل استقطاب أعداد كبيرة من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي أو ممارسة لعبة استراتيجية أو تعلم أحد الفنون المسرحية أو تصوير فيلم وثائقي أو التدرب لأجل المشاركة في إحدى مسابقات اللياقة البدنية، وتضمن عودة العملاء إلى المنتج لأنهم يرغبون في التعلم والنمو. وخلافاً للرحلات الطويلة، لا تتطلب رحلة المغامرة تحديد نقطة النهاية؛ فالرحلة نفسها هي الهدف كما يقول عشاق الأنشطة في الهواء الطلق.

تشيع المغامرات بصورة خاصة في قطاع الترفيه، ومبدأ التصميم الأساسي فيها هو التنويع الكبير، ويتضمن تقديم مجموعة متنوعة من عناصر الإثارة والتحديات لأسباب وظيفية. خذ مثلاً تطبيق كروس فيت (CrossFit)؛ في جلسات التمرين العادية يقود المدربون المتدربين في تمارين التحمية وتطوير المهارات والتمارين الرياضية المركزة التي تشمل التمارين الهوائية (إيروبكس) والجمباز ورفع الأثقال، ويختلف كل تمرين عن التمارين الأخرى. كما تنطوي رحلة المغامرة على مبدأ أساسي آخر في تصميمها، وهو تتبّع الرحلة؛ يقوم الرياضيون الذين يستخدمون تطبيق كروس فيت بتتبع تقدمهم من دون تحديد هدف نهائي. تتطلب هذه الرحلة جهداً كبيراً وتبدو لا منتهية، إنها مغامرة حقيقية.

يشيع استخدام المغامرات في المجالات الإبداعية، خذ مثلاً الرحلة المكثفة التي تقدمها شركة أدوبي من خلال مجموعة تطبيقات أدوبي كرييتف كلاود للتصميم وتحرير الصور ومقاطع الفيديو ومواقع الويب، وكذلك برامج تعليم الفنون المسرحية في كلية جوليارد التي تساعد الممثلين والراقصين والموسيقيين في اكتشاف إمكاناتهم واستثمارها. الأمر المشترك بين مجموعة أدوبي كرييتف كلاود ومدرسة جوليارد هو أنهما تسهلان التطوير الشخصي والمهني (لمزيد من المعلومات عن التحويل الشخصي في استراتيجية التسويق، يمكنك الاطلاع على مقال “الأعمال التحويلية الجديدة: كيف تنافس على إحداث تحولات في حياة الأفراد” المنشور في مجلة هارفارد بزنس ريفيو عدد شهري يناير/كانون الثاني – فبراير/شباط لعام 2022). تولّد عناصر مثل الشغف والغاية في رحلة المغامرة إحساساً فريداً بالتفوق على التجارب الاعتيادية التي نراها في الرحلة الروتينية والنزهة والرحلة الطويلة.

تصميم رحلة العميل المثالية

يمكن أن تساعدك عملية مكونة من 5 خطوات على صياغة الرحلة المناسبة لمنتجك وعملائك.

1. حدد النموذج الأصلي الأفضل لمنتجك. هل استخدامه سهل نسبياً أم يتطلب جهداً؟ هل من الممكن توقع التجربة أم أنها غير قابلة للتوقع؟ ستكشف لك الإجابة عن هذين السؤالين البسيطين عن نوع التجربة الملائم لمنتجك.

2. ابدأ بتطبيق مبادئ التصميم المناسبة للنموذج. فلنفرض مثلاً أن نموذج الرحلة المناسب للمنتج هو الرحلة الروتينية، فسيكون عليك إذاً العمل على تقديم تجربة مُرضية على نحو متوقع عن طريق ضمان توفر نقاط التواصل المستمرة بتسلسل مألوف. خذ مثلاً العمليات التي يمر بها زبائن فندق ماريوت عند استلام الغرف وتسليمها، فهي تجعل إقامة المسافر في الفندق سهلة حتى وإن كان يزور مدينة جديدة بيئتها غير مألوفة.

وإذا كان نموذج الرحلة المناسب لمنتجك هو النزهة، فسيكون عليك توليد لحظات متعة متنوعة ولا منتهية، سواء من خلال المحتوى الذي تنشئه الفرق الداخلية أو الخوارزميات القائمة على تعلم الآلة أو المحتوى الذي ينشئه المستخدمون عن طريق التعهيد الجماعي (كما هو الحال على منصة إنستغرام).

ومن أجل إنشاء الهدف وفقاً لمبدأ تعيين الأهداف الذي يطبق على نموذج الرحلة الطويلة، احرص على تقسيم هدف العميل طويل الأمد إلى سلسلة من الأهداف قصيرة الأمد وتشجيع العميل على تحقيق كل هدف صغير على حدة. خذ مثلاً ساعة فيتبيت (Fitbit) الذكية التي تذكّر المستخدم بالمشي بضع دقائق في أثناء اليوم وتكافئه عند إنجاز الهدف بالأوسمة أو إضافة علامة أو رمز للتقدم الذي أنجزه على سجله.

وبالنسبة لتتبع الرحلة والتنويع الكبير المطلوبين في رحلة المغامرة، يمكنك إنشاء لوحة متابعة للأداء وتقديم مجموعة متنوعة من الأنشطة الفردية أو المشتركة التي تعمل بشكل جماعي على تعزيز هدف العميل.

3. رتب قرارات الشراء في الأوقات المناسبة. يعتمد تحديد أفضل وقت لتحفيز العميل على الشراء بدرجة كبيرة على درجة قابلية توقع الرحلة، ففي الرحلة الروتينية ورحلة النزهة تكون النتائج معروفة، حيث يتم تشجيع الزبائن عادة بتوضيح تفاصيل السعر منذ البداية، ولكن ما أن يطور العميل روتينه أو يبدأ نزهته فلن يرغب بأن تزعجه هذه التفاصيل مجدداً.

أما بالنسبة للرحلة الطويلة ورحلة المغامرة حيث تكون النتائج غير معروفة، فلا يكون العميل عادة متحمساً لاتخاذ قرارات مهمة في البداية بل يتوق للشعور بالحماس بأسرع وقت ممكن، ولاحقاً حين يندمج في الرحلة أكثر سيرغب في الاستثمار في عملية شراء كبيرة أو اشتراك. لذلك يتعين عليك منحه وقتاً كافياً لاستخدام المنتج قبل أن تطلب منه اتخاذ قرارات صعبة ذات أهمية مالية، وإن كان تقديم الخدمات المجانية في بداية الرحلة مكلفاً للغاية، فيمكنك تقديم خيار أولي أقل كلفة.

4. احرص على تبسيط الرحلة كلما سنحت لك الفرصة. ينطبق مبدأ التصميم هذا على نماذج رحلات العميل الأربعة كلها، إذ يتعين على مدراء المنتجات الحفاظ على قدرة علامتهم التجارية على المنافسة، ولذلك يجب عليهم التوصل إلى طرق جديدة لإزالة نقاط التواصل التي لا تضيف قيمة من رحلة العميل.

مثلاً، من أجل أن تجعل الرحلة الروتينية سهلة، تتوفر على منصة باي بال قائمة بجهات الاتصال التي يستخدمها العميل بكثرة على صفحة الهبوط كي يتمكن من إرسال المبالغ التي يود دفعها إليهم في ثواني معدودة، حيث يختار اسم جهة الاتصال ويدخل المبلغ الذي يود إرساله ويراجع تفاصيل العملية ثم يضغط على خيار “إرسال”؛ يجب أن يكون روتين العملاء واضحاً لدرجة ألا يحتاج أي جهد فكري أو جسدي.

توصلت الشركات التي تقدم أنواع الرحلات الأخرى إلى طرق لتبسيطها أيضاً، خذ مثلاً نظام الترفيه في أثناء الرحلة على متن طائرات الخطوط الجوية السنغافورية الذي يقدم رحلة من نموذج النزهة؛ إذا اضطر المسافر إلى إيقاف الفيلم الذي يشاهده في أثناء الرحلة فسيتذكر النظام المشهد الذي توقف عنده في رحلته التالية ويوفر عليه عناء تسريع الفيلم ليتابع مشاهدته حيث توقف. وكذلك الأمر بالنسبة لتطبيق ماي فيتنس بال الذي يعمل على تبسيط الرحلة الطويلة التي يخوضها العميل عن طريق توفير ميزة مسح الباركود التي يستخدمها للعميل لإدخال معلومات منتجات البقالة المعبأة وتسجيل السعرات الحرارية والمغذيات الكبيرة التي يتناولها بسرعة وسهولة. ومن أجل تبسيط رحلة المغامرة التي يعيشها العميل مع نوادي شركة إيكوينوكس (Equinox) الرياضية، يمكن لكل عضو طلب العصير الذي سيتناوله بعد التمرين عند مكتب الاستقبال لحظة دخوله إلى النادي كي لا يضطر إلى الانتظار بعد انتهاء التمرين.

5. فكر في استخدام نموذج مختلف لكل شريحة من العملاء. في كثير من الأحيان يُطرح علينا سؤال عن قدرة منتج واحد على تسهيل عدة أنواع من رحلات العملاء، وجوابنا هو نعم بكل تأكيد، فعدة علامات تجارية رائدة تقدم في الواقع نموذجين أو أكثر من رحلة العميل بالتوازي.

ومن الأمثلة على ذلك أحد أشهر تطبيقات التعارف في العالم، تندر (Tinder)، الذي يسهّل عدة أنواع من رحلات العملاء تختلف باختلاف نوع العميل؛ فبعض المستخدمين غير المنتظمين لا يهتمون سوى بتصفح ملفات المشتركين الآخرين الشخصية ويتبادلون الرسائل أحياناً مع شخص يبدو مرشحاً مناسباً، ولذلك يكون نموذج الرحلة المناسب لهم هو النزهة. أما المستخدمون المتميزون فيتصفحون ملفات الآخرين الشخصية ويراسلون عدداً ممن يبدون مرشحين مناسبين ويتنقلون من محادثة إلى أخرى ويلتقون بشركاء محتملين ثم يستمرون بهذه العلاقات أو ينهونها بعد نجاح اللقاءات أو فشلها، وبالتالي يكون نموذج الرحلة المناسب لهم هو المغامرة.

كما لاحظنا اتباع نموذج النزهة للمستخدمين غير المنتظمين ونموذج الرحلة للمستخدمين المتميزين في لعبة بوكيمون غو (Pokémon Go) القائمة على تكنولوجيا الواقع المعزز. ويتمثل الهدف من اللعبة في الإمساك بالكائنات الرقمية التي تسمى البوكيمون والتي تتكاثر في الخريطة الإلكترونية التي تنشئها اللعبة للعالم المحيط باللاعب. وبالنسبة للاعب غير المنتظم، تكون اللعبة بمثابة نزهة عارضة في أثناء ممارسة المشي أو التنقل بين المنزل والعمل؛ أما بالنسبة للاعب الشغوف فهي مغامرة تستهلك معظم أوقات فراغه. ويستطيع المستخدمون من النوع الأخير تشكيل فرق مع اللاعبين الشغوفين الآخرين لخوض حروب ومعارك داخل اللعبة وقطع مسافات طويلة جداً للعثور على أنواع نادرة من كائنات البوكيمون.

في حين تحرص شركة أمازون على تسهيل نموذجي الرحلة الروتينية والرحلات الطويلة في آن معاً؛ فقبل شراء سلعة معمرة وباهظة الثمن، مثل أجهزة المايكروويف أو التلفزيون أو قطع الأثاث، يعمد الزبون عادة إلى الاطلاع على تفاصيل السعر وتقييمات المنتج والمراجعات المفصلة كي يتمكن من اتخاذ قرار مستنير، ويمكن اعتبار هذه العملية التي تتطلب مجهوداً رحلة طويلة. بينما فيما يتعلق بالسلع الاستهلاكية منخفضة الثمن مثل البقالة والمستلزمات المنزلية، فتشجع شركة أمازون عمليات الشراء السريعة عن طريق ميزة “اشترِ مجدداً” (buy-again) وأتمتة الإجراءات الروتينية مثل ميزة الاشتراك وحفظ المعلومات.

ستتمكن الشركة من استبقاء عملائها إذا استطاعت دفعهم للاشتراك في أنواع مختلفة من الرحلات؛ فعندما تفقد إحداها بريقها تكون الأخرى قد بدأت اكتساب الزخم. وسيتمثل الأثر الصافي حينئذ في استمرار تفاعل العميل مع منتجات الشركة بغض النظر عن نوع رحلته معها.

لكي تنجح المنتجات في السوق التي تشهد تنافسية مفرطة، يجب أن تضمن تقديم رحلة سهلة ومقنعة للعميل، ولكن ليس بالإمكان اتباع نموذج واحد في تصميم هذه الرحلة. توفر مصفوفة رحلات العميل لمدراء المنتجات 4 نماذج رئيسة مثبتة من رحلات العملاء يمكنهم اختيار ما يناسب منتجاتهم منها؛ وهي الرحلة الروتينية والنزهة والرحلة الطويلة والمغامرة، وسيساعد كل نموذج منها ومبادئ التصميم الخاصة الشركات في الاحتفاظ بزبائنها وضمان عودتهم إليها مرة تلو الأخرى.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .