نصائح لتحقيق أقصى استفادة ممكنة مع الخروج من أزمة كورونا

10 دقائق
shutterstock.com/zoff
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في بعض الأحيان تصادف عبارة تظل تتردد “داخلك” لبقية حياتك: “هناك حد فاصل بين المثير الخارجي وردة الفعل، وفي هذا الفاصل تكمن قدرتنا على اختيار رد فعل مناسب. وفيه تكمن درجة نضجنا وحرية اختيارنا”. هذه العبارة مقتبسة عن فيكتور فرانكل، مؤلف كتاب “الإنسان يبحث عن المعنى” (Men search for meaning) الذي يعتبره البعض أكثر الكتب تأثيراً على الإطلاق، لذا كان “المثير” الذي واجهناه خلال “أزمة كوفيد-19” أشبه بتسونامي مدمر، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف سيكون رد فعلنا تجاهه؟ كيف يمكننا التفكير في الأمر والانتقال لمرحلة اتخاذ إجراء بدلاً من إظهار استجابة غير واعية، أو الأسوأ من ذلك، البقاء دون فعل أي شيء ودون استخلاص دروس مستفادة؟ وكيف يمكن الخروج من الأزمة بطريقة صحيحة؟

لا شك أننا نواجه ضغوطاً لم نشهد لها مثيلاً من قبل، إلا أن بعض الصخور تتحول تحت وطأة الضغط الشديد إلى ألماس ويتحول بعضها إلى تراب، وخلال الأزمة الحالية عبّر الكثيرون عن الأمر بقولهم: “تمثل هذه الأزمة فرصة هائلة يجب ألا نضيعها” وهو ما يقتضي منا التركيز على التعلم بدلاً من الاكتفاء بالرثاء، والمضي قدماً أكثر من التفكير في الماضي، والتوقف لبعض الوقت لإعادة توجيه المسار ثم البدء من جديد والتعلم.

لقد أفرزت هذه الجائحة العديد من الضغوط (كالعزلة الاجتماعية وغياب الروتين اليومي والمخاوف الصحية والتعليم المنزلي، وغيرها من الضغوط)، بالإضافة إلى ظهور العديد من التجارب الواعدة (مثل أندريا بوتشيلي وهو يغني “أمازينغ غريس” (Amazing Grace) في ميلانو، والأبطال المحليين، وتجدد العلاقات، وغيرها). ونظراً لبطء خروج الأفراد والمؤسسات من هذه الأزمة العالمية، فيجدر بنا ألا نضيع الفرصة لتحويل هذه الخبرات الصعبة إلى تجارب مهمة للتعلم والتغيير. إننا إما أن نتعامل مع الانتقال خارج الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي وكأنه أمر غير جدير بالملاحظة بمجرد الانخراط مجدداً في العادات التقليدية، وإما أن يكون نقطة تحول للاتجاه نحو إعادة الابتكار. ونقترح في هذا السياق أربع رؤى ثاقبة لتحقيق أقصى استفادة ممكنة مع خروج الأفراد والمؤسسات من هذه الأزمة:

1- مبادئ للخروج من هذه الجائحة.

2- حدود العمل.

3- تحمل مسؤولية توفير ظروف عمل جديدة.

4- مخاطر الانتكاس.

1- مبادئ للخروج من الأزمة الحالية

لا يمكننا الجزم بطبيعة الوضع الجديد أو التكهن بالممارسات الجديدة التي ستنشأ عن هذا الفيروس على وجه الدقة، ولكننا نقترح بدلاً من ذلك أربعة مبادئ عامة قيد التجريب قد تعقب جائحة فيروس كورونا الحالية مع التعبير عنها بصيغة “الاستمرارية”.

أ. زيادة التخصيص أو إضفاء الطابع الشخصي

يتباين تأثير الجائحة العالمية على الأفراد والمؤسسات تبايناً ملحوظاً، حتى في ظل الاشتراطات العالمية (كفرض التباعد الاجتماعي والإغلاق والرعاية الصحية)، والبقاء في المنزل مع الأطفال لتأدية دور المدرسة المنزلية أو المكوث في شقة صغيرة يختلف تمام الاختلاف عن البقاء في المنزل دون أطفال أو المكوث في منزل أكبر، كما تعرضت العديد من القطاعات للانهيار التام (مثل قطاعات الترفيه والنقل والاستشارات والتجزئة) بينما ازدهرت قطاعات أخرى (مثل الاتصالات الافتراضية أو الرقمية وخدمات توصيل الطلبات وقطاع الخدمات الصحية الشخصية مثل الكمامات الطبية ومحلات البقالة).

لا يمكن الادعاء أن التخصيص الشامل أو إضفاء الطابع الشخصي أمر جديد، ولكنه قد يحظى باهتمام متزايد مع لجوء المؤسسات إلى تخصيص الخدمات لتلبية متطلبات العملاء المتباينة وتخصيص بيئة العمل بحيث تتناسب مع احتياجات كل الموظفين وإن اختلفت من موظف لآخر. وربما نشهد تراجع نهج “أسلوب واحد يناسب الجميع” المتبع في العمل.

ب. اللعب على المتناقضات

يُلاحَظ أن الدعوات السطحية لتغيير الممارسات بصورة جذرية تغفل التعقيدات المؤسسية، حتى أدرك القادة خلال هذه الأزمة أهمية اللعب على المتناقضات واضطروا إليه اضطراراً، مثل:

– الاهتمام بالفرد وإنشاء مؤسسة تنافسية.

– إظهار استجابة تراعي الأهداف على المدى المنظور مع اتخاذ إجراءات جريئة حاسمة، ووضع تصور للمستقبل على المدى الطويل مع مراعاة القيم المستدامة.

– الاعتناء بنفسك وتقديم الرعاية للآخرين.

– الموازنة بين البحث عن أفكار جديدة والحرص على واقعيتها لتكون قابلة للتنفيذ.

– الالتزام بالتباعد الاجتماعي لكن دون عزلة اجتماعية.

ينجح القادة والمؤسسات في اللعب على هذه المتناقضات بالتعرف على الاستعدادات المسبقة والانحيازات اللاإرادية وتجنبها، وتشجيع اختلاف وجهات النظر دون نشوب نزاعات، والتكيف المستمر مع الظروف الحالية. قال أحد القادة العظماء ذات مرة: “اركض على مهل”، ومن هنا فإن اللعب على المتناقضات يعني المواءمة بين التناقضات الواضحة من خلال إنشاء إطار شامل من الحلول، إذ يتعين على القادة، على سبيل المثال، إبداء الاهتمام بالأفراد في أثناء سعيهم لتوفير حلول لإعادة بناء مؤسسة يمكنها الفوز في تنافس السوق.

ج. الاستفادة من حالة الغموض

تذكرنا هذه الأزمة بمدى احتياجنا إلى اليقين حتى عندما يستحيل توافره، فعلى سبيل المثال، يود الجميع لو يعرفون متى ستنتهي إجراءات الإغلاق المفروضة حالياً، ومتى سيحصلون على القروض الحكومية، وماذا سيحدث لشركاتهم، ومتى يمكنهم العودة إلى العمل. والحقيقة أن أحداً لا يعرف شيئاً من هذا على وجه اليقين.

يؤدي هذا الغموض إلى تنشيط الجهاز الحوفي في الدماغ منذراً بوجود خطر محدق وبالتالي ازدياد القلق، ويمكننا التعامل مع حالة الغموض حين نكون قادرين على تحويل هذا الخطر المُتَصوَّر في الدماغ إلى مكافآت وفرص، وذلك من خلال:

– الاعتراف بأسباب هذا الغموض وتسميتها وقبولها.

– قضاء وقت أقل في التركيز على محفزات الغموض (مثل مشاهدة تقارير لا نهاية لها حول آخر مستجدات تفشي الفيروس) وتوفير المزيد من الوقت للتركيز على الحاضر والاحتفاء بالأمور الإيجابية (مثل اكتشاف أنشطة جديدة في أثناء فترة الانعزال في المنزل).

– التفكير في الخيارات المتخذة في أوقات الغموض، ومعرفة ما يمكن تغييره في الخيارات المستقبلية.

– توقع أسوأ النتائج المحتملة الناشئة عن هذا الغموض وإدراك أن هذه النتيجة يمكن مقاومتها.

وفي نهاية المطاف، يأتي المصدر الأساسي للسلام (سواء الخاص برفاهة الأفراد أو المؤسسات) من الداخل، حيث يتحمل الأفراد والمؤسسات فترة الغموض من خلال الالتزام بالقيم المتأصلة في نفوسهم. ونحن نؤمن في الحقيقة أن الأزمة لا تبني شخصية الفرد أو المؤسسة أو المجتمع وإنما تكشف عنها. انظر على سبيل المثال إلى شركة “لوكسوتيكا” (Luxottica) التي قررت خفض التعويضات التي يتقاضاها أفراد الإدارة العليا من أجل الحفاظ على جميع الموظفين وتجنب تسريح بعضهم، أو ما فعلته شركة “فيراري” من خلال سياسة “العودة إلى الحَلَبَة” بتصميم برنامج يسمح للأشخاص بالعودة إلى العمل بصورة آمنة ومنضبطة.

د. التماس التوجيه

توضع القرارات والخيارات تحت المجهر في أي أزمة وتلقى المزيد من الاهتمام سعياً لاتخاذ القرارات الصائبة، وينبغي اتخاذ القرارات وفق تحليلات أكثر صرامة باستخدام التكنولوجيا الرقمية قي مرحلة ما بعد أزمة فيروس كورونا، فاتخاذ القرارات الصائبة يتحقق عند تقديم التوجيه الذي يصف الحلول التي يجب تنفيذها بدلاً من التركيز على وصف الوضع الحالي. اشتركت أنا وزملائي العام الماضي في العمل على إنشاء نظام توجيهي للمؤسسات يحدد الخيارات المتعلقة بالكفاءات والهياكل التنظيمية والقيادة والموارد البشرية التي لها أكبر الأثر على الموظفين والشركات والعملاء والمستثمرين. يهدف هذا النظام إلى تجاوز بطاقات قياس الأداء التي تكتفي بالإفادة بما حدث، ولوحات المتابعة التي يقتصر عملها على عرض المعلومات الحالية، والتحليلات التنبؤية التي ينحصر هدفها في عرض الأمور المحتمل حدوثها. ويجب أن يشمل هذا التوجيه الصارم القرارات والخيارات بعد انتهاء أزمة الفيروس، فالتماس التوجيه يعني الحاجة إلى التعاون بدون سلطة، وهو سلوك رئيسي للنجاح، ليس فقط عندما تكون المشاكل معقدة فحسب، بل حين يكون فهمها أيضاً أكثر تعقيداً.

2- حدود العمل

عادة، ما يتقلب الأفراد بين ثلاثة أحوال، فهم إما أنهم ذاهبون “إلى العمل”، وإما أنهم “في العمل ” فعلياً، أو أنهم “عائدون من العمل”. ومن هذا المنظور، فإن للعمل وجوداً مادياً وحدوداً مكانية، وقد أدركنا أن العمل ليس مكاناً تذهب إليه وإنما هو نشاط له تأثير ينشأ بالتعاون مع الآخرين، وربما ينشأ عن التباعد الاجتماعي الذي فرضته هذه الجائحة ظهور هذا التعريف للعمل، ففي حين ركز الكثيرون على المتطلبات الإدارية للعمل من المنزل (مثل العثور على مساحة مخصصة للعمل، واستخدام التكنولوجيا، وزي العمل، وما إلى ذلك)، فإن الفكرة التي أغفلها الكثيرون ليست مكان إنجاز العمل، وإنما ماهية العمل المنجز، فبدلاً من طرح سؤال “أين تعمل؟” على القادة أن يطرحوا سؤال: “ما هي القيمة التي يضيفها عملك لعملائنا؟”.

ربما تهمل الحدود الناشئة للعمل التركيز على الحيز والمكان لتوجيه مزيد من التركيز إلى خلق قيمة لأصحاب المصلحة الرئيسيين، حيث يمكن إنتاج قيمة مضافة للعملاء والمستثمرين والمجتمعات خارج المؤسسة في أي مكان، في المكتب أو المنزل أو على متن طائرة أو في فندق وغير ذلك، وربما تصبح إضافة قيمة للعملاء محور العمل، فلا يكفي مثلاً أن تكون لديك بيئة عمل قائمة على القيم لأن بيئة العمل “المناسبة” تعني أن القيم داخل الشركة تخلق قيمة للعملاء والمستثمرين خارجها، ومع ارتباط العمل بالقيمة المقدمة، لا تتقيد سلوكيات الموظفين بالمكان بل بالقيمة التي يقدمونها للعملاء.

أ. استعراض الخبرة المكتسبة: انظر إلى الماضي لمشاركة الخبرات والدروس

فور انتهاء الموظفين من العمل في المنزل والعودة مجدداً إلى العمل المكتبي، سيرغبون غالباً في تبادل الخبرات والقصص الشخصية، وبمقدور قادة الأعمال والفرق والموارد البشرية تنظيم الاجتماعات بغرض مشاركة أفراد الفريق لخبراتهم الشخصية وإعادة سبل التواصل من خلال تبادل القصص. قد تبدأ هذه المنتديات التي تتسم بطابع شخصي بالاعتراف باختلاف التحديات الناشئة عن الضغوط السياقية (مثل المخاوف الصحية والعزلة الاجتماعية والحجر المنزلي والروتين الجديد) التي يواجهها كل فرد، وإليك بعض الأسئلة الشخصية التي سيجيد الموظفون الإجابة عنها، مثل:

– ما الذي عرفته عن نفسك وكيف استجبت لأزمة الكورونا؟

– ما الذي أعجبك خلال فترة الانعزال في المنزل وما الأمور التي نجحت معك؟ ولماذا؟

– ما هي أصعب الظروف الشخصية التي واجهتها؟ وكيف تعاملت معها؟

– ما هي التجربة (القصة) التي ميزت ردود أفعالك تجاه التباعد الاجتماعي والعمل عن بعد؟ ما الذي تأمل تعلمه من تلك التجربة؟

– من هم “الأبطال” الذين سهروا على خدمتك؟ ما هي رسالة الشكر التي توجهها إليهم؟

يتيح هذا المنتدى الشخصي للموظفين التواصل معاً من جديد، ليس فقط من خلال “الإنصات” ولكن عبر “لمس” تجارب بعضهم البعض خلال هذه الأزمة، ما يتيح لهم الفرصة لممارسة المهارات الإنسانية الأساسية بإظهار روح الرحمة والتعاطف في مكان العمل، وتجاوز فكرة “هذا ما فعلته” والتعبير عنها بصورة أكثر عاطفية بقولهم: “هذا ما شعرت به”. توثق هذه الروابط العاطفية العلاقة بين الموظفين. انظر على سبيل المثال إلى شركة “دالارا” (Dallara) وهي شركة صغيرة يقع مقرها في “موتور فالي” بالقرب من مودينا بإيطاليا، حين “عرض” أحد الموظفين المبتدئين التخلي عن مستحقاته من الإجازة والتي تزيد على 100 يوم لإبقاء زميله بالعمل لمدة 4 أشهر إضافية، وسرعان ما تحولت فكرته إلى مجموعة للتضامن حفزت كل موظف على عرض مستحقاته في الإجازة حتى تمكنت الشركة من الاحتفاظ بجميع الموظفين لما يقرب من 3 أشهر إضافية، ثم وجدت حلولاً بديلة في نهاية الجائحة دون اللجوء إلى تخفيض عدد الموظفين. ويمكن للموظفين استكشاف أفكار حول العمل مع هذا المبحث: “ماذا عرف كل منا عن العمل الذي نريد التوقف عن القيام به أو الاستمرار في أدائه؟” بعد تبادلهم للخبرات الشخصية لكل منهم.

– التوقف عن فعل بعض الأمور: أسفرت جائحة “كوفيد -19” عن زيادة مستوى الاهتمام بالتعرف على فيروس كورونا والقضاء عليه، وخلال عملنا في “آر بي إل غروب” (RBL Group) أجرينا حصراً للفيروسات العشرين الأكثر شيوعاً داخل المؤسسات والتي تؤثر على بيئة العمل حتى يكون بإمكاننا تسميتها والقضاء عليها.

– الاستمرار في فعل بعض الأمور: لا بد من التعرف على الأمور التي افتقدها الموظفون بابتعادهم عن العمل والإجراءات الإيجابية التي ينبغي أن تستمر، وينبغي عدم الاكتفاء بإجراء المحادثات الخاصة باستعراض الخبرات الشخصية والعملية المكتسبة لمرة واحدة بل يجب الحرص على تحويلها إلى حوار مستمر.

ب. معاينة الرؤية المستقبلية: التطلع لإعادة الابتكار

تهتم المراحل الانتقالية باستعراض الماضي ولكنها توفر أيضاً فرصاً فريدة لصناعة المستقبل، وربما نتوصل للإجراءات التي يجب علينا اتخاذها اليوم بالاطلاع على الرؤى المستقبلية حين ينجح قادة الأعمال والفرق والموارد البشرية في:

– التأكيد مجدداً على بيئة العمل المناسبة: يجب مناقشة مسألة بيئة العمل الجديدة وتحديدها وتطبيقها، ليس فقط من حيث القيم والسلوكيات ولكن من حيث توفير بيئة العمل الملائمة التي تضمن تحول الوعود التي ينالها العميل إلى سلوكيات يومية للموظفين وعمليات مؤسسية.

– التشذيب: حدد الأنشطة التي لم تُمارس خلال فترة الإغلاق ولم يكن غيابها مؤثراً، وتخلص من التقارير والموافقات والاجتماعات والإجراءات والسياسات والممارسات غير الضرورية التي لم يكن غيابها مؤثراً ولم تضف أي قيمة (انظر أفكار التمرين)، وكثيراً ما نغفل هذا العنصر، ولكن حين نتذكر الأمور التي يجب أن نتوقف عن القيام بها سنصل لطاقات جديدة غير مستغلة وسنتجنب الأمور التي يكون من اللطيف فعلها ولكنها ليست ضمن الأنشطة الأساسية.

– تحديد الأولويات: يعتبر تحديد الأولويات أحد أصعب الأمور التي يجب القيام بها ويستلزم تحديد أنشطة العمل التي تقدم أكبر قيمة للموظفين ونتائج الأعمال والعملاء والمستثمرين والمجتمعات، وقد تشمل هذه الأنشطة استهداف العملاء واتخاذ الخيارات الاستراتيجية الخاصة بالمنتجات والخدمات، أو التخلص من إجراءات العمل أو إعادة هيكلتها وإعادة هيكلة إمكانات المؤسسة وكفاءاتها. ثمة فرصة نادرة تتاح في مرحلة ما بعد الوباء للتدقيق بعناية فيما يمكن أداؤه بشكل أفضل وحينئذ سيكون بإمكاننا استثمار الأموال والوقت والطاقة في الأولويات. وتكتمل معاينة الرؤية المستقبلية باستعراض الخبرات المكتسبة لإعادة ابتكار طريقة العودة إلى العمل.

3- المسؤولية عن ظروف العمل الناشئة

أحد الأسئلة المفضلة لدى ديف في الامتحان النهائي لماجستير إدارة الأعمال هو: مَنْ يتحمّل المسؤولية الأساسية لعمل الموارد البشرية (المواهب والمهارات القيادية والتنظيم) داخل المؤسسة، ومن يمكن مساءلته عنها؟

أ. المدير المباشر.

ب. مدير الموارد البشرية.

ج. مسؤولية مشتركة بين الاثنين.

د. الاستشاري.

هـ. لا أهتم: فأنا مختص بالأمور المالية.

يختار معظم الطلاب الإجابة “ج” التي تفيد بأنها مسؤولية مشتركة بين الاثنين، لكننا لا نتفق مع هذا الرأي، لأننا نعتقد أن المدراء المباشرين هم “المسؤولون” عن عمل الموارد البشرية وهم المسؤولون في النهاية عن النتائج، فمدراء الموارد البشرية هم المخططون الذين يؤطرون حلول الموارد البشرية، وعلماء الأنثروبولوجيا الذين يصوغون رؤى الموارد البشرية، والمدربون الذين يعملون مع قادة الأعمال وجهاً لوجه، والوسطاء الذين يديرون عمليات التغيير. ولا تقتضي وظيفة مسؤول الموارد البشرية حماية هوية المدراء أو التملص من تحمّل المسؤولية، فمهمته تتطلب مساعدة المدراء وليس فرض إجراءات شكلية وتطوير مؤشرات الأداء الرئيسية المستهلكة للوقت بل العمل بصفته مدرباً يتولى توجيه المدراء.

ومع خروج المؤسسات من هذا الوباء العالمي، ستبرز مجموعة أدوار فريدة يجب على كل من المدراء المباشرين وخبراء الموارد البشرية والأفراد الاضطلاع بها. فإذا كان المدراء المباشرون هم الجهة المالكة للمنزل وكان مسؤولو الموارد البشرية هم المهندسين المسؤولين عن التخطيط، فإن سكان “المنزل” هم الأفراد أنفسهم، وكل فرد يمثل نفسه بشأن اتخاذه للقرارات وعليه ألا يكتفي بتنفيذ القرارات التي يتخذها غيره ويتحمل مسؤولية الاختيارات التي يتخذها بصورة شخصية.

4- مخاطر الانتكاس

أسوأ ما في القرارات التي نتخذها في بداية السنة الجديدة أنها لا تدوم طويلاً في معظم الأحيان، فغالباً ما يعقب فقدان الوزن زيادة الوزن، ويُعد نقل الدروس المستفادة من مكان لآخر أمراً غاية في الصعوبة لأن بيئة العمل القديمة لها بواعث راسخة تعزز السلوكيات القديمة حتى في الأماكن الجديدة.

وقد سبق لي أنا ونورم سمولوود الكتابة حول استدامة القيادة وتحدي تجنب الانتكاس التي تشهد عودة الأنماط القديمة إلى الظهور من جديد، وفيما يلي بعض النصائح البسيطة التي يجب وضعها في الاعتبار عند إقدام الموظفين على تحديد الأمور التي يودون تغييرها عند عودتهم إلى العمل:

– البساطة: التركيز على اتباع بعض السلوكيات الرئيسية التي سيكون لها أكبر الأثر.

– الوقت: تخصيص الوقت الكافي لجعل السلوك مطابقاً للمقصد.

– تحمّل المسؤولية: الإعلان عن تحمل المسؤولية الذاتية والمؤسسية في سبيل تحقيق النتائج المرجوة.

– الموارد: دعم التغييرات المطلوبة مع بيئة الموارد البشرية الجديدة وغيرها من الأنظمة.

– الرصد: وضع معايير لرصد التقدم المحرز والإفادة به.

– التحسين: التعلم من الأخطاء باستمرار من أجل التحسن والتأقلم مع المتغيرات.

– العاطفة: الاعتماد على القيم المشتركة للحفاظ على الحافز.

ستساعدك هذه النصائح السبع على تعزيز العمل بعد إعادة ابتكاره.

ربما كان الضغط الناشئ عن هذه الجائحة العالمية فرصة فريدة لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من تجاربنا من خلال تفعيل التحولات الشخصية والمهنية، حيث يقوم الأفراد والمؤسسات بإعادة ابتكار بيئة العمل، لذا لا شك أن نضجنا وحريتنا يقعان ضمن الحد الفاصل بين المثير ورد الفعل، فيما يخص الخروج من الأزمة ونؤمن أيضاً بأن المساحة ذاتها تتضمن مسؤوليتنا في تحسين العالم الذي نعيش فيه والمجتمعات التي نخدمها، استناداً إلى بوصلتنا الأخلاقية.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .