دراسة حديثة: 3 خطوات تؤدي لازدهار الموظفين أثناء إدارة التغيير المؤسسي

7 دقيقة
جهود التحوّل
أولفيجين/غيتي إميدجيز

تواجه غالبية عمليات التحوّل المؤسسي تقريباً، وحتى الناجحة منها، أحداثاً تسبب انحراف البرامج عن مسارها وتتطلب تدخّل القادة لإعادة الأمور إلى مسارها الصحيح. وبصفتنا باحثين متخصصين في دراسة عمليات التحوّل، يتواصل معنا مدراء تنفيذيون بالإدارة العليا أحياناً ويطرحون علينا أسئلة مثل: ماذا أفعل عندما تحيد العملية عن مسارها الصحيح؟ كيف يمكنني تحديد العلامات المبكرة التي تشير إلى احتمال انحراف العمل عن مساره؟ هل هناك طريقة لتحويل تلك التحديات والمشكلات الحاسمة إلى فرص لصالحي؟

نطلق على هذه الإجراءات التدخلية التي يصحح بها القائد مسار برنامج التحوّل اسم "نقاط التغيير". وركزنا في بحثنا الجديد على كيفية تحديد نقاط التغيير هذه خلال عمليات التحوّل وكيفية اتخاذ الإجراءات المناسبة بالاستناد إليها.

لاحظنا بداية أن نقاط التغيير واسعة الانتشار، وكانت تلك النتيجة مفاجئة لنا. شملت الاستقصاءات التي أجريناها في بحثنا 846 شخصاً من كبار القادة و840 عضواً من قوة العمل المشاركين في برامج التحوّل، وأظهرت نتائجها أن 96% من جميع عمليات التحوّل تواجه تحديات كبيرة قد تحرف البرنامج كله عن مساره، ما يدفع المسؤولين التنفيذيين على التدخّل. قد تظهر نقاط التغيير عقب صدمات خارجية، مثل التضخم أو زعزعات سلاسل التوريد أو الأحداث السياسية؛ أو نتيجة مشكلات في نموذج التشغيل، مثل الحاجة إلى تغيير التكنولوجيا أو أساليب الحوكمة أو طرق العمل؛ أو بسبب الديناميات البشرية، مثل ثقة الموظفين في عملية التغيير أو شعورهم بالمسؤولية عنها.

في الواقع، كان من الأجدى لنا توقع مدى الانتشار الواسع لنقاط التغيير بدلاً من اعتبارها أمراً مفاجئاً. عموماً، عندما تُطلق مؤسسة ما برنامج التحوّل، تدخل مرحلة انتقالية بين نموذج التشغيل القديم والنموذج الجديد الذي لم تنفّذه بعد؛ ومن غير المحتمل أن تسير العملية بصورة تدريجية سلسة.

في الوقت نفسه، من المحتمل جداً أن تتعرض المؤسسة لصدمة خارجية أو أكثر بسبب التقلبات التي تحدث في العالم اليوم، سواء تمثلت تلك الصدمات في جائحة، أو زعزعات في سلاسل التوريد، أو تضخم مفرط، أو ارتفاع أسعار الفائدة، أو عدم اليقين الجيوسياسي. وقد وقعت كل تلك الأحداث خلال السنوات الخمس الماضية بالفعل.

هذا هو السياق الداخلي والخارجي الذي تظهر فيه نقاط التغيير، ووافق 80% من المسؤولين التنفيذيين الذين أجرينا استقصاءً عليهم أن طريقة تعاملهم مع نقاط التغيير وسرعة تدخلهم تزيدان احتمالية تعطل عملية التحوّل العامة أو تسهمان في تسريع الأداء وتحسين النتائج. وأظهرت نتائج بحثنا أن إدارة نقاط التغيير بنجاح يزيد من احتمال تحقيق أداء يتجاوز الأهداف المحددة لمؤشرات الأداء الرئيسية بمقدار 1.9 مرة.

فهم الطاقة العاطفية للفريق أمر مهم للتعامل مع نقاط التغيير

ركزنا في بحثنا على عملية التحوّل بصفتها رحلة عاطفية، واعتبرنا المشاعر، لا سيما السلبية منها، المؤشر الأول على انحراف العملية عن مسارها، فهي تقدم للقادة رؤى ثاقبة حول المشكلات التي تؤثر في نجاح البرامج؛ مثل شعور موظف في الخطوط الأمامية بالإحباط بسبب عدم فعالية النظام الجديد في خدمة العملاء.

تشير الطاقة العاطفية إلى الحالة المزاجية العامة، والأجواء العامة، وشدة الانفعالات داخل المجموعة. وتكون تقلبات الطاقة العاطفية للمجموعة جدية وتشير غالباً إلى مشكلة تتطلب التدخّل والعمل على حلها. يوضح الرسم البياني أدناه كيفية ارتباط الطاقة العاطفية مع التقدم في عملية التحوّل.

أشرنا في بحثنا إلى الإجراءات التي اتخذتها شركة أبلايد ماتيريالز (Applied Materials) في التعامل مع تقلبات الطاقة العاطفية. بدأت الشركة تنفيذ عملية التحوّل في قسم الماليات باستخدام أتمتة العمليات الآلية (RPA) بهدف تحسين كفاءة العمليات المالية وتوفير الوقت لأعضاء الفريق من أجل التركيز على أعمال أهم. واستعانت الشركة بإحدى الشركات العالمية الرائدة في مجال أتمتة العمليات الروبوتية لقيادة عملية التحوّل.

لكن العملية لم تسر كما كان مخططاً لها، وهو أمر شائع في مثل هذه البرامج، ولاحظ قائد عملية التحوّل وجود مشكلات مع المورّد في المراحل الأولى من التنفيذ. وأفاد لاحقاً بعد التفكير ملياً في التجربة:

كنت أجلس في أثناء عقد الورشات في مؤخرة القاعة أستمع إلى الحوار بين فريق الشركة والمورد وأقيّم ردود المورد على الأسئلة الصعبة التي يطرحها فريق شركة أبلايد، ولاحظت أن المورد لم يقدم أي إجابات عن تلك الأسئلة. طرح أفراد فريق شركة أبلايد ماتيريالز سؤالين ثم التزموا الصمت. كانوا يقولون في قرارة أنفسهم: "لا يمتلك هذا الشخص أي خبرة حول الموضوع".

لم يمتلك القائد في تلك الحالة بيانات موثوقة يعتمد عليها، لكن مكّنه حضوره الورشات، والتحدث إلى الزملاء خارج نطاق الاجتماعات من اكتشاف تغيير في طاقة الفريق العاطفية من شأنه التأثير سلباً في نجاح جهود التحوّل؛ حيث لاحظ أن موظفيه فقدوا الثقة في المورّد. فسارع إلى اتخاذ إجراءات قبل تفاقم المشكلة، واستعان بفريق خارجي جديد كان أكثر قدرة على التواصل بفعالية مع موظفي شركة أبلايد.

كيف يتعامل القادة الناجحون مع نقاط التغيير؟

ما هي النتائج التي توصلنا إليها في بياناتنا والتي تتيح للمؤسسات التعامل مع نقاط التغيير الواسعة الانتشار بنجاح؟ يصف نموذجنا عملية ديناميكية مؤلفة من 3 خطوات يتيح اتباعها زيادة احتمال أن تؤدي نقاط التغيير إلى تحسين أداء عملية التحوّل بمقدار 12 مرة: من 6% وحتى 72%.

1. مراقبة تقلبات الطاقة العاطفية للفريق

تتمثل الخطوة الأولى في أن يراقب القادة أي علامات تشير إلى وجود مشكلة ما، أو إلى تغيّر في مستوى الطاقة بين أفراد قوة العمل. تبدأ عمليات التحوّل بمشاعر إيجابية عادة، مثل التفاؤل والحماس، لكن ما إن تتوضح صعوبة هذا العمل، يزداد احتمال أن تفتر هذه الطاقة أو أن تتحول إلى طاقة سلبية في أسوأ الحالات، لدرجة أن يبدأ الموظفون مقاومة جهود التحوّل بدلاً من دعمها.

تستخدم غالبية المؤسسات مقاييس لوحات المتابعة لتتبع التقدم وتقصي المشكلات، ولكن هذه المقاييس هي في الواقع مؤشرات متأخرة تعكس الأداء السابق وليست مؤشرات استباقية توجه العمل المستقبلي، ويمثل سلوك الفرق المسؤولة عن عملية التحوّل وطاقتها العاطفية نظام الإنذار المبكر.

يجب على القادة مراقبة تقلبات الطاقة العاطفية في موضعين: الأول في أنفسهم؛ أي رد فعلهم الغريزي تجاه التغييرات التي يرونها في المجموعة، مثل التوتر أو أي إحساس يشبهه، لكنه رد فعل شخصي وغريزي يمثل الإشارات الأولى التي يمكن لأي شخص ملاحظتها. الثاني، يمكن للقادة مراقبة الإشارات التي يتلقونها من خلال تفاعلاتهم مع الآخرين. كيف يتصرفون؟ هل هناك أي تقلب في طاقتهم العاطفية؟ إذا كان هناك تقلب بالفعل، فتلك إشارة إلى وجود خلل ما يستدعي التدخل.

كشفت بحوثنا عن 6 إشارات عاطفية وسلوكية محددة يجب على القادة مراقبتها في فِرقهم:

  • عدم توضيح طرق التقدم بالعمل، وغالباً ما يكون ذلك مصحوباً بزيادة في مستويات القلق أو فتور في مستويات الطاقة لأن الفِرق تواجه صعوبة في تحقيق تقدم.
  • التأخيرات أو التقدم البطيء أو عدم تحقيق الإنجازات الرئيسية، ما قد يثير مشاعر الإحباط والتوتر والقلق، ويدفع الفرق إلى التوقف عن العمل أو الانسحاب من البرنامج.
  • العمل التعاوني العديم الفعالية، أو عمل المجموعات في صوامع منعزلة بدلاً من التعاون لحل المشكلات المعقدة، قد تتحول اللغة في هذه الحالة من "نحن" إلى "أنتم" ويتبنّى الفريق عقلية "المواجهة".
  • زيادة في المشاعر السلبية، مثل الغضب أو الإحباط، ولا سيما عندما تبقى المشكلات دون حل أو عند شعور الموظفين بالاحتراق الوظيفي.
  • الأخطاء وسوء الفهم الذي يحدث عندما يبدأ الموظفون التشكيك في أنفسهم أو شعورهم بانعدام الأمان النفسي.
  • انخفاض في مستوى المشاركة أو التواصل، ولا سيما عندما يلتزم الموظفون الصمت، كما حدث في مثال شركة أبلايد ماتيريالز أعلاه.

2. تقصّي أسباب المشكلة الأساسية

تشكل أي إشارة يتلقاها القائد تهديداً لبرنامج التحوّل، ويجب عليه فهم سبب المشكلة حينها؛ وهي خطوة مهمة لأنه لم يحدد سوى السلوكيات والمشاعر؛ أي أنه لم يتعمق في السبب الجذري بعد.

ومن المهم في هذه المرحلة إشراك جميع الأطراف لتحديد مسار العمل، سواء قوة العمل أو القادة. أظهرت بحوثنا أن القادة الذين ينجحون في إدارة نقاط التغيير يلجؤون إلى إشراك أعضاء الفريق كلهم في تحديد الخطوات التالية أكثر من غيرهم بمقدار 1.4 مرة. وننصح بجمع أعضاء الفريق لتوضيح ماهية التحديات التي تواجههم وتعزيز إحساسهم بالمسؤولية تجاه تحقيق النتائج الموجوة.

على سبيل المثال، عمدت إحدى الشركات التي أجرينا دراسة حالة عليها، وهي شركة فولفو، إلى تحويل قسم الشاحنات من خلال تقديم موديلات جديدة من الشاحنات الكهربائية. حيث قررت التركيز على نظام تجميع مشترك لإنتاج الشاحنات الكهربائية من الخط نفسه المخصص لإنتاج الشاحنات التقليدية ذات محركات الاحتراق الداخلي، ما أدى إلى تعارض الطرق القديمة والجديدة في العمل، وعدم فهم المهندسين والمدراء ماهية المنجزات المطلوبة منهم وسط التغييرات السريعة في مساحة العمل.

ومن أجل التعامل مع حالة القلق والإحباط المتزايدة بين العمال، نظم قائد التحوّل اجتماعات وجهاً لوجه مع أعضاء فريق التجميع المختلط، وأطلق على هذه الاجتماعات اسم اجتماعات كايزن (Kaizens)، تيمناً بمفهوم التحسين المستمر في اليابان؛ ومثّلت فرصة للموظفين لمناقشة التحديات التي واجهتهم وابتكار حلول مشتركة وتأكيد أهداف البرنامج. وأدرك قائد التحوّل في النهاية حاجة الموظفين العاملين على الشاحنات الكهربائية إلى تركيز كامل انتباههم على هذا المنتج المحدد.

3. اتخاذ إجراءات سريعة

ترتبط الخطوتان الثانية والثالثة؛ أي مراقبة التغييرات وتقصي أسباب المشكلة، إحداهما بالأخرى ارتباطاً وثيقاً. وكشف بحثنا عن عدد من الإجراءات المحددة التي يمكن أن تساعد القادة على التعامل مع نقاط التغيير خلال عمليات التحوّل.

  • ضمان التوافق بين أعضاء الفريق، وتحديد الأهداف القصيرة والطويلة الأجل، وتوظيف الأشخاص المناسبين لحل المشكلات، وتصميم العمليات التي تعزز العمل التعاوني. يزيد احتمال أن تنفذ المؤسسات التي تنجح في إدارة نقاط التغيير هذا الإجراء بمقدار 1.6 مرة.
  • إعادة تحفيز أعضاء الفريق من خلال تقديم رؤية مقنعة عن عملية التحول تثبت أن القادة استمعوا إليهم وفهموا التحديات التي تواجههم على أرض الواقع. يزيد احتمال أن تنفذ المؤسسات التي تنجح في إدارة نقاط التغيير هذا الإجراء بمقدار مرة واحدة.
  • تعديل الأولويات المؤسسية بإيقاف مشاريع أو إنهائها لتوفير القدرة على تنفيذ التحوّل. يزيد احتمال أن تنفذ المؤسسات التي تنجح في إدارة نقاط التغيير هذا الإجراء بمقدار مرة واحدة.
  • توفير بيئة عمل تشغيلية تدعم التجربة والاستقلالية، من خلال التشجيع على التجربة والخطأ وتعزيز ثقافة التعلم من الأخطاء. يزيد احتمال أن تنفذ المؤسسات التي تنجح في إدارة نقاط التغيير هذا الإجراء بمقدار 9 مرات.
  • الاستثمار في تعزيز المهارات والعقلية اللازمة للشركة بعد التحوّل، وسد الفجوات في القدرات. يزيد احتمال أن تنفذ المؤسسات التي تنجح في إدارة نقاط التغيير هذا الإجراء بمقدار مرتين.

تهدف هذه الإجراءات إلى خلق الظروف التي تتيح للموظفين الازدهار، لكن المهم هو أن يواصل القادة تحليل المعطيات في أثناء محاولتهم اتخاذ إجراءات مختلفة، وذلك لتتبع الإجراءات التي تُحدث أثراً إيجابياً وتلك التي لا تُحدث أي أثر. قال لنا أحد القادة من شركة ريو تينتو (Rio Tinto) التي نفّذت تحوّلاً في سلسلة توريدها العالمية:

"الحل من تجربتي الشخصية هو أن تستمع إلى الموظفين أولاً ومن ثم تتفق معهم على ماهية التغييرات اللازمة؛ بمعنى أن تلتزم وتنفذ، وتكرر ذلك عدة مرات؛ وعندما يدرك الموظفون وجود اهتمام حقيقي، سيشعرون حينها بالتمكين لاختيار حلول لمشكلاتهم، وسيتلقون الدعم الذي يحتاجون إليه والذي يصبح متوقعاً ومستمراً بعد ذلك. ثم تعمل على بناء الثقة التي تساعد بدورها على خلق بيئة عمل أفضل توفر درجة أعلى من الأمان النفسي.

يرتكز نجاح عملية التحوّل على فهم المشاعر والتعامل معها والاعتراف بأثرها. ويُسهم القادة الذين ينفّذون عمليات تحوّل ناجحة في خلق بيئة عمل تتيح للموظفين اختبار أفكار جديدة والتعلم من تجاربهم وتحمل مسؤولية أعمالهم، ما يعزز شعورهم بالرضا عن جهودهم في النهاية. قال أحد الموظفين العاملين في الخطوط الأمامية في شركة أبلايد ماتيريالز عن تجربته: "أعتقد أن الدعم هو العامل الأساسي".

باختصار، التحوّل هو عملية إنسانية، ولن ينجح إلا من خلال تركيز البرنامج على احتياجات الموظفين.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي