كيف تتغلب على خوفك من المجهول؟

10 دقائق
الخوف من المجهول
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

البشر مجبولون على الخوف من المجهول. ولهذا السبب فإن عدم اليقين، سواء على المستوى الكلي لأزمة اقتصادية أو صحية أو جيوسياسية عالمية أو على المستوى الجزئي (هل سأحصل على هذه الوظيفة؟ هل سينجح هذا المشروع؟ هل أنا على المسار المهني الصحيح؟)، يمكن أن يكون مرهقاً للأعصاب ومنهِكاً بل ويمكن أيضاً أن يوهن العزيمة. ولكن رد الفعل الغريزي هذا يجعل الأشخاص يغفلون عن حقيقة مهمة: عدم اليقين والفرص وجهان لعملة واحدة.

تذكر الإنجازات التي تفتخر بها، واللحظات التي غيرت حياتك، والعلاقات التي تجعل لحياتك قيمة. نراهن أن جميعها حدثت بعد فترة من عدم اليقين؛ فترة ربما كانت مثيرة للقلق ولكنك تجاوزتها وحققت شيئاً عظيماً. على سبيل المثال، عندما انتقلنا إلى الخارج مررنا بحالة من عدم اليقين بشأن جني أموال أقل ودفع ضرائب أعلى والقيام بعمل ينطوي على تحديات أكبر وإدخال أطفالنا إلى مدارس جديدة وتعلمهم لغة جديدة وتعرضهم إلى ثقافة جديدة. لكن بعد 7 سنوات، نحن ممتنون للغاية لجميع الفرص التي أتاحتها لنا هذه الخطوة.

هناك أبطال في عصرنا الحالي لديهم قصة مماثلة. شعرت روزا باركس بقدر كبير من عدم اليقين عندما رفضت التخلي عن مقعدها في الحافلة، ما أدى إلى إطلاق حملة لمقاطعة حافلات مدينة مونتغمري الأميركية ومهد الطريق لإلغاء الفصل العنصري. اعتقد الجميع تقريباً في البداية أن إيلون ماسك وفريقه سيفشلون إذا أقدموا على إحداث ثورة في عالم السيارات الكهربائية ودفع العالم نحو مستقبل أكثر مراعاة للبيئة. ما كانوا سيتمكنون من تحقيق ابتكاراتهم الثورية إن كانوا خائفين من عدم اليقين.

توقف عن النظر إلى قواعد “اللعبة” التي تلعبها وحدودها والغرض منها (أي الوظيفة التي تسعى إلى الحصول عليها والمشروع الذي كُلفت به والمسار الوظيفي الذي تتبعه) على أنها ثابتة.

لا ينبغي أن يصيبنا عدم اليقين بالعجز. درسنا على مدار العقد الماضي المبتكرين وصناع التغيير الذين تعلموا كيفية التعامل معه جيداً، واستعرضنا البحوث التي أُجريت حول موضوعات مثل القدرة على الصمود وتقبُّل الغموض. وكانت النتائج واضحة: يمكننا جميعاً أن نصبح بارعين في التعامل مع عدم اليقين وتشجيع أنفسنا على أن نخطو بثقة تجاه المجهول وأن نغتنم الفرصة التي يتيحها. سيساعدك تطبيق المبادئ الأربعة التالية على القيام بذلك.

أعد تقييم وضعك

يكره معظم الناس الخسارة. وقد أظهرت دراسات متعددة أن الطريقة التي تصف بها الأشياء تؤثر على كيفية صناعتك للقرارات. على سبيل المثال، تُظهر البحوث أنه إذا تم وصف علاج لمرض جديد بأنه فعال بنسبة 95% وتم وصف علاج آخر بأنه غير فعال بنسبة 5%، فإن الناس سيفضلون العلاج الأول على الرغم من أن العلاجين متماثلان إحصائياً. كل ابتكار أو تغيير أو تحول، سواء على الصعيد الشخصي أو المهني، يقترن بعيوب وسلبيات محتملة. وعلى الرغم من أن معظمنا يركز غريزياً على السلبيات، فمن الممكن تغيير هذه العقلية وتقليل خوفنا.

من الطرق التي نفضلها للقيام بذلك هي اتباع نهج “اللعبة اللانهائية” الذي وضعه الأستاذ بجامعة نيويورك جيمس كارس. فقد نصح بالتوقف عن النظر إلى قواعد “اللعبة” التي تلعبها وحدودها والغرض منها (أي الوظيفة التي تسعى إلى الحصول عليها والمشروع الذي كُلفت به والمسار الوظيفي الذي تتبعه) على أنها ثابتة، لأن هذا يجعلك تفكر بعقلية إما الفوز أو الخسارة، ما يجعل عدم اليقين يزيد من قلقك. في المقابل، ينظر مَن يلعبون اللعبة اللانهائية إلى عدم اليقين على أنه جزء أساسي من اللعبة ويضيف عنصر مفاجأة ويتيح فرصاً ويمكّنهم من تحدي أدوارهم وحدود اللعبة.

يتبع المؤسس المشارك لشركة باتاغونيا (Patagonia)، إيفون شوينارد، نهج اللعبة اللانهائية. عندما كان طفلاً، كان يكافح للاندماج وهرب من إحدى المدارس وكاد يرسب في أخرى، وكرس حياته بأكملها لتسلق الصخور (ديرتباغ) بعد تخرجه. ولكن بدلاً من النظر إلى نفسه على أنه فاشل، يقول في كتابه “دع الموظفين يركبون الأمواج” (Let My People Go Surfing) إنه “تعلم منذ الصغر أنه من الأفضل اختراع لعبتك، وعندها يمكن أن تكون أنت الفائز على الدوام”.

لم يؤسس شوينارد واحدة من أنجح العلامات التجارية لملابس الخروج في العالم فحسب، بل غيَّر أيضاً معايير الإنتاج من خلال اعتماد مواد أكثر استدامة، وعدّل نموذج البيع بالتجزئة من خلال تجديد المباني القديمة للمتاجر الجديدة، وتحدى سياسات الموارد البشرية التقليدية من خلال تطبيق ممارسات مثل رعاية الأطفال في مكان العمل. أفضت بعض هذه الابتكارات إلى مواجهة الشركة حالة من عدم اليقين. على سبيل المثال، قبل أن يصبح استخدام القطن العضوي شائعاً، اعتمدته باتاغونيا عندما كان باهظ الثمن ويصعب الحصول عليه. وعند مواجهة أزمة مالية، شجعت جهات خارجية الشركة على شراء مواد أقل تكلفة. لكن استخدام القطن العضوي كان يتسق مع قيم باتاغونيا، ولذلك واصلت الشركة استخدامه على الرغم من التكلفة والمخاطر المتعلقة بالتوريد، وفي النهاية زادت مبيعاتها بينما شهد منافسوها انخفاضاً في مبيعاتهم.

تعلم شوينارد أن يواجه عدم اليقين بشجاعة، بل وأن يستمد منه الطاقة في الواقع، لأنه يرى أن دوره يتمثل في تحسين “اللعبة” وليس ممارستها فقط. وينصح في كتابه: “من الأفضل لمدراء الشركات التي ترغب في أن تظل قائمة لمدة 100 عام قادمة أن يحبوا التغيير. وإن لم تكن هناك أزمة، فإن القائد الحكيم هو مَن سيختلق واحدة”.

عندما يُفرَض عدم اليقين علينا، غالباً ما نحتاج إلى مساعدة في إعادة وصف وضعنا. لنأخذ مثالاً مما حدث مع إيمي ومايكل، وهما زوجان عاملان لديهما 4 أطفال انتقلا من الولايات المتحدة إلى فرنسا في عام 2017 بسبب وظيفة مايكل. عندما بدأت الجائحة، أُلغي منصبه ثم بدأت الشركات التي كانت قد وعدته بعروض عمل في المماطلة. وفي يوليو/تموز عام 2020، كان من المقرر أن يسافرا إلى الولايات المتحدة، ولكن قبل مغادرتهما بثلاثة أيام لم يكن لديهما وظائف أو حتى مسكن. كان الأهل والأصدقاء يسألون عن آخر المستجدات، وكان أبناؤهما المراهقون ينتقدونهما قائلين: “أنتما أسوأ والدين! كيف يمكن ألا يكون لديكما أدنى فكرة عن خطوتنا القادمة؟”.

قبل يومين من رحلتهما، اعترفت لنا إيمي في أثناء الغداء أن مايكل عُرضت عليه وظيفة، لكن لم يرغب كلاهما في قبولها. وتساءلت بصوت عال: “هل يجب أن نأخذ العصفور الذي في أيدينا فحسب؟ أشعر أننا فاشلان”. شجعناها على إعادة تقييم الوضع. كانت هي ومايكل يُظهران قدرتهما على الصمود وشجاعتهما من خلال استكشاف جميع الخطوات التالية الممكنة واتخاذ الخطوات الصحيحة. كم كان أطفالهما محظوظين لأن والديهما يمتلكان الشجاعة الكافية لمعرفة ما يريدانه حقاً وانتظاره! عاد الزوجان إلى الولايات المتحدة يتملكهما فضول وشجاعة، وبحلول نهاية الصيف عمل كلاهما في وظائف أحباها ووجدا منزلاً يحتاج إلى بعض التعديلات في منطقة مبهجة.

جهِّز نفسك لتحمُّل مخاطر جديدة

على الرغم من أن المبتكرين غالباً ما يتحدثون عن التغلب على عدم اليقين، فإنك إذا بحثت في الأمر بشكل أعمق ستكتشف بعض العادات الغريبة. على سبيل المثال، عندما يسافر بول سميث، وهو مصمم مشهور باستخدام تركيبات ألوان جريئة، فإنه دائماً ما يقيم في الفندق نفسه وغالباً في الغرفة نفسها. ووجدنا أن أشخاصاً آخرين ممن درسناهم يحجزون في مقعد الطائرة نفسه في كل رحلة أو يتبعون الروتين الصباحي نفسه أو يرتدون الملابس نفسها. وكان لدى ستيف جوبز مخزون يكفيه مدى الحياة من القمصان السوداء ذات الياقة المدورة.

تحقق جميع هذه العادات التوازن، ومن خلال تقليل الشعور بعدم اليقين في جزء واحد من حياتك، فإنها تجعلك تتحمل المزيد منه في أجزاء أخرى. على سبيل المثال، يستمد بعض الأشخاص الشعور بالاستقرار من علاقاتهم المستقرة والطويلة الأجل. وكما يوضح رائد الأعمال لسلسلة من المشاريع وواحد من أكثر 100 شخصية مؤثرة حسب تصنيف مجلة تايم والرئيس التنفيذي السابق لموقع ماتش (Match.com)، سام ياغن: “أعز أصدقائي هم مَن تعرفت عليهم في أثناء دراستي في مرحلتي التعليم الإعدادي والثانوي. وتزوجت زميلتي التي تعرفت عليها في المدرسة الثانوية. بالنظر إلى مقدار الغموض الذي أواجهه في العمل، فأنا أسعى إلى تقليله في الجوانب الأخرى من حياتي”.

يمكنك أيضاً تهيئة نفسك لعدم اليقين من خلال التعرف على أنواع المخاطر التي لديك نفور طبيعي منها أو التي تنجذب نحوها. إليك مثالاً: عندما كان ناثان يسعي إلى الحصول على درجة الدكتوراة من جامعة وادي السيليكون وكانت سوزانا قد بدأت خط إنتاج ملابس لم يكن يحقق أرباحاً بعد، كان علينا إعالة 4 أطفال وما زلنا نسدد القروض الطلابية ونعيش في مسكن تبلغ مساحته بضع مئات من الأقدام المربعة بالحرم الجامعي. ذات يوم في أثناء تناول الغداء قال ناثان لموجهته تينا سيليغ: “لنواجه الأمر، إذا كنت أتحلى بالشجاعة فعلاً سأصبح رائد أعمال، لكنني لا أحب المخاطرة”. خالفته تينا الرأي، وأوضحت أن هناك أنواعاً عديدة من المخاطر: مالية وفكرية واجتماعية وعاطفية ومادية، وما إلى ذلك. في حالة ناثان، كان قراره بتجنب المخاطر المالية من خلال العمل في وظيفة مستقرة كأكاديمي، مع الاستمرار في تحمل المخاطر الفكرية، حكيماً. الدرس المهم المستخلص هنا هو أن معرفة المخاطر التي يمكنك تحملها جيداً يمكن أن تساعدك على تحديد ما يمكنك استكشافه بجرأة أكبر، بينما ستساعدك معرفة المخاطر التي لا يمكنك تحملها على الاستعداد حتى تتمكن من مواجهتها بثقة أكبر.

يمكن أن يكون البدء بخطوات بسيطة أكثر فعالية وأقل إثارة للقلق من محاولة القيام بكل شيء دفعة واحدة.

وما لا يقل عن ذلك أهمية هو أنه يمكنك زيادة قدرتك على تحمل المخاطر عن طريق تحمل مخاطر صغيرة، حتى إن كانت في مجالات غير ذات صلة. لنأخذ على سبيل المثال أحد كبار المسؤولين التنفيذيين السابقين في شركتي أمازون وفيليبس (Philips)، بييت كوليفاي. عندما كان يفكر في ترك مسار العمل في الشركات لقيادة عملية توسع شركة سونوس (Sonos)، التي كانت في ذلك الحين شركة ناشئة في أوروبا، قرر أن يبدأ ممارسة الملاكمة. يصف كوليفاي نفسه قائلاً إنه “شخص يخاف بطبيعته من المواجهة الجسدية”، لكن تجربة الملاكمة ساعدته على بناء عضلاته للتعامل مع عدم اليقين، ما جعله “أكثر راحة تجاه اتخاذ القرارات العالية المخاطر في سياقات أخرى لا تتوفر فيها معلومات وافية”. وأضاف: “بمجرد أن تبدأ في تقليل شعورك بالخوف وتنمية شجاعتك، ستخلق حلقة إيجابية تسمح لك بالتحسن باستمرار”.

اتخذ خطوة

يُعد اتخاذ إجراء من أهم مراحل مواجهة عدم اليقين لأنك تتعلم شيئاً مع كل خطوة تأخذها. أظهر بحث أجراه تيموثي أوت وكاثلين آيزنهارت أن معظم الابتكارات الثورية الناجحة تتحقق من خلال اتخاذ سلسلة من الخطوات الصغيرة، وليس بذل جهود ضخمة. إذ يمكن أن يكون البدء بخطوات بسيطة أكثر فعالية وأقل إثارة للقلق من محاولة القيام بكل شيء دفعة واحدة.

عندما كانت مؤسِستا شركة رينت ذا رن واي (Rent the Runway)، جين هايمان وجيني فلايس، طالبتين في كلية هارفارد للأعمال، كانت لديهما فكرة تتمثل في تأجير فساتين من تصميم مصممين مشهورين عبر الإنترنت. لكنهما لم تبدآ بكتابة خطة العمل وجمع الأموال والتوسع في أسرع وقت ممكن. وبدلاً من ذلك اتخذتا خطوة صغيرة واحدة: جهزتا بعض الفساتين وأعدتا غرفة لتغيير الملابس في حرم جامعة هارفارد قبل حفل كبير راقص، ولاحظتا ما إذا كانت النساء ستستأجر الفساتين. ومن خلال إجراء تجربة تلو الأخرى واتخاذ خطوة واحدة في كل مرة، أسستا شركة عامة كبيرة وناجحة.

تحتاج أحياناً إلى التعلم بشكل مكثف وسريع لكي ينقشع الضباب الذي يحول دون معرفة الخطوة التي يجب اتخاذها لاحقاً. يواجه رواد الأعمال هذا التحدي طوال الوقت. إذ تُظهر بحوث أُجريت حول مسرعات أعمال الشركات الناشئة الأكثر فعالية أن أفضل طريقة لمساعدة المؤسسين في النمو والانطلاق هي جعلهم يتحدثون مع أكبر عدد من الأشخاص الذين ينتمون إلى خلفيات مختلفة في أسرع وقت ممكن (بدلاً من الاحتفاظ بأفكارهم لأنفسهم خشية أن يسرقها أحدهم). غالباً ما تجبر مسرعات الأعمال الرائدة رواد الأعمال على مقابلة أكثر من 200 شخص، بعضهم من خلفيات تبدو غير ذات صلة، في غضون شهر واحد فقط.

ليس غريباً أن تأتي الإسهامات القيمة من جوانب غير متوقعة. على سبيل المثال، اعترض مؤسس منصة جديدة مخصصة لمساعدة المؤسسات الخيرية، بما في ذلك المؤسسات الدينية، في البداية على جلسة التقييم التي نظمتها مسرعة الأعمال مع نائب رئيس قسم التسويق في مجلة بلاي بوي (Playboy). وما صدمه هو أن النائب لم يكن من رواد دور العبادة فقط، بل أنه قدم له أيضاً بعض النصائح الأكثر فائدة التي تلقاها حتى ذلك الوقت.

أخيراً، بينما تمضي قدماً، ركز على القيم لا الأهداف. مبتكِر إطار “روبي أون ريلز” (Ruby on Rails) والشريك المؤسس للعديد من الشركات الناشئة منها بيسكامب (Basecamp) وهاي (Hey)، ديفيد هاينيماير هانسون، يرى أن الأهداف “مثبِّطة” ويجادل بأن حتى وضعها لا يجدي نفعاً. يوضح قائلاً: “سواء كنت تحقق 10 ملايين دولار أم لا، فهذا لا يحدث لأنك حددته كهدف”. أما إذا كنت تهدف إلى الامتثال لقيمك (التي تشمل بالنسبة إليه ترميز برمجيات رائعة ومعاملة الموظفين بطريقة جيدة والتصرف بشكل أخلاقي في السوق)، فستكون لديك الثقة لاتخاذ الخطوات التي تحتاج إليها، بغض النظر عن كيفية استجابة العالم لها، لأنك أعدت تحديد معنى النجاح بالنسبة إليك. وحتى إذا فشل مشروع كبير، يقول: “سأظل راضياً عن المسار الذي سلكته، المتمثل في العامين الذين قضيناهما في تطوير هذا الشيء والملايين من الدولارات التي أنفقناها على تطويره”.

اتبع ديفيد هذا النهج عندما بدأت شركة آبل في فرض رسوم باهظة في متجر التطبيقات على أحدث مشاريعه، تطبيق “هاي” (Hey.com)، مهدِّداً بإيقاف خدمة البريد الإلكتروني الجديدة بعد إطلاقها مباشرة. وقد اعترف أنه شعر بالقلق بسبب عدم اليقين، مثلما قد يشعر أي شخص آخر. لكن تركيزه على القيم بدلاً من الأهداف، وبصفة خاصة على الإنصاف في قطاع التكنولوجيا، “أعطانا الحرية للمقاومة والرهان بكل ما نملك”، على حد قوله. وقد دعم رواد الأعمال موقفه، وبفضل الصحافة الحرة كانت هذه “أكبر حملة يمكن أن نتخيلها لإطلاق خدمة”.

ادعم نفسك

وفقاً لبين فيرينغا الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء لعمله على الآلات الجزيئية التي يمكنها يوماً ما تشغيل الروبوتات النانوية التي يمكن أن تصلح المواسير في منزلك أو تُبقي الأمراض بعيدة عن دمك، فإن الاكتشاف العلمي لا يحدث إلا بعد مواجهة حالة من عدم اليقين. وكما يقول، هذا يعني أنه يتعين عليك “زيادة قدرتك على التحمل للتعامل مع الشعور بالإحباط الذي يصاحب ذلك”. يتضمن نهجه كلاً من العناية بالصحة النفسية (الانتباه إلى المشاعر، مثلما تفعل مع الجروح الجسدية، حتى لا تتحول إلى شكوك ذاتية معرقلة أو اجترار للأفكار) واختبار الواقع (الذي تدرك من خلاله أن الفشل هو مجرد جزء من العملية).

يقر فيرينغا أن الفشل مؤلم وأنه يسمح لنفسه بالشعور بالإحباط، حتى لبضعة أيام. لكنه يتوقف بعد ذلك ويسأل نفسه: ما هي الدروس التي يمكنني تعلمها؟ وما هي الخطوة التالية التي يمكنني اتخاذها؟ وسواء كان يدرك ذلك أم لا، فهو يتبنى منظوراً من المنظورات العديدة التي يمكن أن تساعد الناس على رؤية الإخفاقات بشكل مختلف، مثل منظور التعلم (التركيز على ما يمكنك تعلمه منها) ومنظور الامتنان (التركيز على ما لا يزال لديك وليس ما فقدته) ومنظور التوقيت (كل ما في الأمر أن الوقت غير مناسب الآن، لكن هذا لا يعني أن الوقت المناسب لن يأتي على الإطلاق) وهناك منظورنا المفضل: منظور التحدي (لن تصبح بطلاً إلا إذا واجهت عقبات).

هناك ممارسة أخرى يتبعها العلماء والمبدعون ورواد الأعمال الذين درسناهم لدعم أنفسهم، وهي التركيز على الأشخاص والأشياء المهمة بالنسبة إليهم. إذ يمكنك تجاوز أي شيء، ليس فقط الخوف من الخسائر المحتملة ولكن أيضاً الألم الناتج عن الخسائر الفعلية، من خلال التمسك بما هو مهم حقاً.

لنأخذ على سبيل المثال جوس وأليسون سكيتس، وهما زوجان بريطانيان أطلقا سلسلة صغيرة من متاجر المجوهرات التي تضم تصميمات لمصممين جدد. افتتحا متاجر في 3 أحياء بلندن (كليركينويل ونوتينغ هيل وتشيزيك) كل ذلك في أثناء تربية ابنتيهما الصغيرتين، ثم وقعت سلسلة من الكوارث. أولاً، أثرت أعمال البناء حول المتجر في منطقة نوتينغ هيل على حركة الزبائن سلباً. ثم أدت الأزمة المالية في عام 2008 إلى انهيار المبيعات، والأسوأ من ذلك أنه تَبين إصابة أليسون بنوع خبيث من السرطان. اضطرا إلى إغلاق متجرين وإعلان الإفلاس. لكنهما اجتازا تلك المآسي من خلال تذكر أن حبهما وعائلاتهما أهم من عملهما.

تحسنت صحة أليسون ببطء ودخل السرطان في مرحلة الشفاء. وفي النهاية، أعادا إطلاق المتجر في منطقة كليركينويل وسددا ديونهما لجميع الدائنين السابقين، بل وفازا أيضاً بجائزة أفضل متجر مجوهرات في المملكة المتحدة لهذا العام. اكتشفا أيضاً مسعى جديداً أكثر جدوى: أن تصبح شركتهما من أولى ورش المجوهرات المعتمدة الحائزة على شهادة “الشركة بي” (B-corp) في المملكة المتحدة، ما يجعلها رائدة في الممارسات المستدامة.

أخيراً، أدى تحولهما إلى المجوهرات المستدامة إلى تعزيز وضعهما ووضع شركتهما. وعاد جوس في الآونة الأخيرة إلى الجامعة للحصول على درجة الماجستير في مجال الاستدامة. ونظراً إلى تخرجه في الجامعة منذ أكثر من 30 عاماً، فقد كان يشك جدياً فيما إذا كان سيتمكن من الوفاء بمتطلبات القراءة والكتابة الصارمة في البرنامج بينما يدير المتجر. فما هو الجانب الإيجابي لهذا الشعور بعدم اليقين؟ يقول جوس: “ما تعلمته كان مثيراً للاهتمام وملهماً، وقد زادت مبيعاتنا”. وعلى الرغم من أنه هو وأليسون لم يبنيا إمبراطورية المجوهرات الأنيقة التي تخيلاها، فإن حياتهما أكثر سعادة وثراءً في هذا الجانب وسط العديد من التحديات.

من المهم أن تمتلك القدرة على الصمود؛ أي أن تظل واقفاً بعد تلقي أي ضربة. لكننا ندعو إلى ما هو أكثر من ذلك: تعلُّم تحويل عدم اليقين إلى فرصة. والطريقة الوحيدة التي يمكن لأي منا اغتنام الفرص الجديدة بها هي خوض غمار المجهول. ولا يلزم أن تكون هذه العملية مؤلمة طالما أنك تؤمن بقدرتك على إدارتها. نأمل أن تستفيد من نصيحتنا لإحداث تحول في علاقتك بالتغيير وإلهام الآخرين لفعل الشيء نفسه.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .