تقرير خاص

4 استراتيجيات للتعامل مع أزمة فجوة المهارات: السعودية نموذجاً

4 دقائق
أزمة فجوة المهارات
shutterstock.com/Cast Of Thousands
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يخوض الاقتصاد العالمي اليوم معركة حامية ضد أزمة فجوة المهارات بسبب تسارع وتيرة التحول الرقمي، إذ ستكلّف فجوة المهارات الرقمية الشركات نحو 8.5 تريليون دولار من الإيرادات السنوية غير المحققة بحلول 2030، كما يُتوقع أن تصبح 85 مليون وظيفة شاغرة على مستوى العالم بحلول نفس العام تبعاً لنقص المهارات، وفقاً لتقرير شركة الاستشارات الأميركية كورن فيري (Korn Ferry). لذلك سعت دول كثيرة للبحث عن حلول فعالة لتطوير مهارات موظفيها، خاصة وأن إحصائية صادرة عام 2022 من شركة سيلز فورس (Salesforce) وجدت أن ثلاثة من كل أربعة موظفين لا يملكون المهارات الرقمية التي تحتاجها الشركات.

وإذا أردنا التركيز على نطاق محلي معين، فلن نجد الوضع مختلفاً كثيراً، إذ واجهت المملكة العربية السعودية -على سبيل المثال- تحدي فجوة المهارات إلى جانب تحديات أخرى خاصة بوضع العمالة السعودية خلال السنوات الماضية، حيث تبلغ نسبة القوى العاملة السعودية بالوظائف التي تتطلب مهارات عالية فقط 38% وفقاً لدراسة قامت بها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودية، ما جعل تطوير المهارات والقدرات البشرية مرتكزاً محورياً ضمن أهداف رؤية 2030 التي تسعى إلى تحقيق التنويع الاقتصادي وخلق قطاعات جديدة.

تحديات سوق العمل في السعودية

بلغ معدل مشاركة القوى العاملة السعودية في سوق العمل 51.8% في الربع الثاني من عام 2022 مقارنة بـ 40% في عام2017، وعلى الرغم من ذلك لا يزال هناك تردد من قبل أصحاب العمل في تطوير مهارات العمالة بسبب معدل التسرب الوظيفي المكلّف لهم. هذه التحديات وغيرها كفيلة بتأخير أي مسيرة طموحة للتنمية والابتكار، لذلك، تبنّت السعودية، ممثلة في وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية استراتيجيات فعّالة، أثبتت كفاءتها في كثير من الدول، لمواجهة هذه التحديات، لا سيما أن خفض فجوة المهارات يمكنه إضافة 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي إلى اقتصاد المملكة، وفقاً لتقرير من بوسطن كونسلتنغ غروب (BCG).

استراتيجيات وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية لمواجهة التحديات

رسمت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية خطة متكاملة -من خلال عدد من المبادرات في استراتيجية سوق العمل وبرنامج تنمية القدرات البشرية- يمكنها أن تكون بمثابة خارطة طريق لكل مؤسسة تسعى لتطوير مهارات موظفيها وزيادة إنتاجيتهم. وتهدف الخطة إلى تعزيز كفاءة سوق العمل السعودي وفاعليته، وزيادة مساهمة القطاع غير الربحي في الاقتصاد الوطني، ورفع مشاركة السعوديين والسعوديات في سوق العمل، وتعزيز ثقافة الابتكار، وهي كالتالي:

1. مواءمة البرامج التدريبية مع احتياجات سوق العمل

تخصص الشركات نحو 16% من ميزانيتها لتدريب موظفيها، وفقاً لتقرير منشور في مجلة التدريب ترينينغ (Training)، وهي ميزانية ضخمة مقارنةً بالأثر الضعيف التي تحدثه هذه التدريبات، ففي تقرير أصدرته شركة فورستر (Forrester)، عبّر 40% من الموظفين والمدراء عن عدم رضاهم عن برامج التدريب المقدمة لهم في العمل. وتعود هذه الفجوة إلى أن الكثير من البرامج التي تقدمها مؤسسات التعليم والتدريب التقني والمهني غير متوائمة مع احتياجات سوق العمل. وفي سبيل مواءمة البرامج التدريبية مع احتياجات سوق العمل اتخذت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية عدة خطوات، أهمها:

  • وضع مشروع بناء معايير مهنية وطنية؛ بهدف إنشاء منظومة استشارية تُعنى بالتخطيط المهني، بالإضافة إلى وضع مؤشرات للمهن من خلال إقرار معايير مهنية معتمدة -توضّح جميع ما يتعلق بالمعايير المطلوبة في كل وظيفة- وفق منهج علمي واضح ومتفق عليه، عبر نظام إلكتروني عالي الجودة، ما يسهم في توفير فرص عمل أفضل تتوافق مع الأجندة الاقتصادية.
  • إنشاء “المجالس القطاعية للمهارات”، التي تشمل 12 قطاعاً من القطاعات الاقتصادية الرئيسة، بهدف تحفيز مشاركة جهات العمل الخاصة في عمليات تطوير سوق العمل، لا سيما المنشآت الصغيرة والمتوسطة والتي لا تشارك بشكل كافٍ في تشكيل منظومة صقل المهارات، ومن المقرر أن تعمل المجالس كنقطة اتصال وجهة تنسيق لجهود الحكومة والقطاع الخاص في تخطيط المهارات وتنميتها.
  • دعم (هيئة تقويم التعليم والتدريب) في تحديث “الإطار الوطني للمهارات”، الذي يحدد المهارات الأساسية التي يحتاجها سوق العمل، إذ يحدّث باستمرار المهارات المستهدفة المرتبطة بالقطاعات المحلية ذات الصلة.

2. مبادرات تدريبية سريعة الاستجابة

لا يحتمل سوق العمل الانتظار أكثر في مواجهة أزمة فجوة المهارات، وإنما تحتاج الحكومات والمؤسسات إلى تأهيل القوى العاملة بوتيرة تتناسب مع احتياجات سوق العمل، لضمان تعزيز الإنتاجية، واستبقاء الموظفين.

وفي السعودية، تتركز غالبية القوى العاملة في القطاع الخاص في قطاع التشييد وقطاع التجارة والتجزئة، وهما أقل القطاعات إنتاجية إلى حدّ كبير، بينما يشارك 15% فقط في أنشطة عالية الإنتاجية. لذا، أطلقت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية المبادرات التالية:

  • مبادرة “مسرعة المهارات” (Skill Accelerator) لتنمية مهارات أكثر من 160 ألف موظف وموظفة في الوظائف والمهن التي تتطلب مهارات عالية. وتهدف المبادرة إلى تقديم برامج تدريبية تركز على التغيرات الرئيسية والاحتياجات الناشئة والملحة في سوق العمل في القطاعات ذات التأثير الأكبر والمباشر على الناتج المحلي كالقدرات الرقمية والفنية، ما يسهم –علاوة على ما سبق- في دعم توطين وظائف تلك القطاعات.
  • مبادرة “قسائم التدريب” (Training Vouchers) لتنمية مهارات الموظفين السعوديين من ذوي المهارات المنخفضة أو المتوسطة في القطاع الخاص في القطاعات ذات الأولوية مثل السياحة والضيافة والترفيه، وتجارة الجملة والتجزئة، والصناعة والخدمات اللوجستية، والرعاية الصحية، من خلال تصميم وتقديم دورات تدريبية في مهارات محددة تغطي 52 مجالاً من مجالات التدريب لمواكبة مستجدات الوظائف والارتقاء بأدائهم إلى مستويات أفضل في وظائفهم الحالية أو الحصول على فرص وظيفية أفضل، علاوة على استمرار التقييم الدوري لاحتياجات سوق العمل في أثناء المشروع لتحديث القطاعات ومجالات التدريب.

3. تحفيز القطاع الخاص لتدريب موظفيه

كما ذُكِر أعلاه، يفتقر أصحاب الأعمال إلى دوافع التدريب المهني للموظفين؛ بسبب ارتفاع التكاليف بسبب التسرب الوظيفي للسعوديين، وعليه؛ جاء “البرنامج الوطني لتحفيز القطاع الخاص للتدريب”، الهادف إلى تحفيز منشآت القطاع الخاص -خاصة الصغيرة والمتوسطة- لتدريب موظفيها باستحداث سياسات ملزمة لتدريب نسب محددة من الموظفين وتقديم حوافز مالية وغير مالية للمنشآت التي تقوم بتدريب موظفيها، من خلال تسهيل خصومات التدريب من مقدمي التدريب الوطنيين والدوليين.

4. تحسين مشاركة المعلومات بين جميع أصحاب المصلحة الرئيسيين

وفقاً لمقال “4 طرق لسد فجوة المهارات العالمية” المنشور في هارفارد بزنس ريفيو يتطلب سد الفجوة بين العرض والطلب في سوق العمل تكاتف أصحاب العمل والمدربين والمسؤولين الحكوميين والجمعيات المهنية؛ لمعالجة أحدث الاتجاهات في سوق العمل وتحديد فجوات المهارات ودعم البرامج التي يحتاج إليها الشباب للنمو. لذا، تعمل وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية على مبادرة تستهدف تبادل معارف التدريب ومناقشة أفضل الممارسات وتبادل الدعم عبر مجتمع من قادة الموارد البشرية في الشركات، وسيعقد ملتقى تفاعلي سنوي للشركات المتميزة لعرض أبرز الإنجازات التدريبية وضمان تبادل الخبرات التدريبية.

وأخيراً، تعمل الوزارة على تطوير استراتيجية المهارات بالشراكة مع الأطراف ذات العلاقة وهي استراتيجية مبنية على جانب الطلب في سوق العمل وتهدف إلى زيادة إنتاجية القوى العاملة في المملكة العربية السعودية بنسبة 1% سنوياً بحلول عام 2030، وذلك عن طريق تقليص فجوة المهارات إلى ما يقارب المعدلات العالمية (مستهدف 28%) ورفع نسبة السعوديين في الوظائف العالية والمتوسطة المهارة إلى 48%.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .