لماذا يعد التشبيه بين ميدانَي الرياضة والأعمال مضللاً؟

4 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يترقب المشجعون في الولايات الأميركية يوم الأحد الأول من شهر فبراير/شباط من كل عام لمشاهدة مباراة نهائي بطولة كرة القدم الأميركية “سوبر بول” (Super Bowl). وكما جرت العادة، فإن الضجة الإعلامية المُثارة حول أهم مقابلة في الرياضة الأكثر شعبية في أميركا يفوق مجرد الاهتمام بكرة القدم، إنه يتعلق أيضاً بالقيادة والأعمال. فهل يمنحنا التفوق المستمر لفريق “باتريوتس” (Patriots) على مدار الخمسة عشر عاماً الماضية نظرات ثاقبة حول طبيعة العمل الجماعي خارج ميدان كرة القدم؟ هل تعكس المسيرة الاستثنائية لبيل بيليكيك مهاراته بصفته مدرباً فحسب، أم تتعدى ذلك لإبرازه قائداً يمكن للآخرين التعلم منه؟ حتى إن مجلات مرموقة مثل “ذي إيكونومست” (The Economist) تطرقت في كثير من الأحيان إلى الروابط القائمة بين ميدانَي الرياضة والأعمال. فقبل بضع سنوات، وخلال تغطية هذه المجلة لموضوع عن نادي “إف سي برشلونة” (FC Barcelona)، ذلك الفريق الشهير الذي كان يهيمن على البطولات في نوع آخر من لعبة كرة القدم، ذكرت أنه “قدم حلاً مبتكراً لبعض المسائل الأكثر إثارة للخلاف في النظرية الإدارية”. يا للروعة!

إذاً، يصبح السؤال على النحو التالي: ما الذي يمكن أن نتعلمه من الرياضة عموماً ومن كرة القدم خصوصاً عن المنافسة والنجاح، وكذلك عن إدارة المواهب والعمل الجماعي والقيم المؤسسية وتحقيق القيمة البارزة؟ للأسف ستكون إجابتي “ليس الكثير”. لقد تبيّن أن تشبيه الأعمال بالرياضة هو تشبيه سيئ، والقادة الذين يبحثون عن أفكار لأعمالهم في ملعب كرة القدم الأميركية أو كرة القدم بصفة عامة سيخيب أملهم كثيراً.

وفيما يلي، سنتطرق إلى الأخطاء التي تظهر عند التشبيه بين ميدانَي الرياضة والأعمال.

وجود اختلاف كلي في منطق المنافسة والنجاح. ما يجعل من كرة القدم أو كرة السلة منافسة شيقة جداً هو أن فريقاً واحداً يفوز في نهاية الموسم. في حالة بطولة “سوبر بول”، يُتوج بطل عالمي واحد وتتحطم أحلام واحد وثلاثين فريقاً من “الدوري الوطني الأميركي لكرة القدم”، وينتاب الشعور بالإحباط مشجعي هذه الفرق، ذلك أن فوز فريق واحد يتطلب خسارة بقية الفرق. في حين أن المنافسة في ميدان الأعمال مختلفة كلياً، لأن المؤسسات الأكثر نجاحاً في السوق – تلك التي تحقق أرباحاً كبيرة وتخلق أكبر قيمة اقتصادية – تهتم أكثر بإقناع عملائها وإرضائهم أكثر من اهتمامها بالتغلب على المنافسين. تبدو فكرة المجموع الصفري للمنافسة (يجب أن يخسر منافسي كي أفوز أنا) فكرة بالية من حقبة إدارة الأعمال القديمة. ففي الواقع، كل صناعة لديها متسع للعديد من الفائزين المختلفين، وكل منها متميز في خدمة جزء معين من السوق أو مجموعة محددة من المستهلكين.

قبل بضع سنوات، وخلال إعدادنا لكتاب “منشقّون ناجحون في أعمالهم” (Mavericks at Work)، قضينا أنا وبولي لابار بعض الوقت مع أحد أنجح رواد الأعمال في وادي السيليكون، وهو مايك ماكيو، حيث أوضح لنا نهجه في الاستراتيجية والنجاح قائلاً: “حتى في ظل المنافسة المحتدمة، لا تفكر في المنافسة، وبالتحديد لا تفكر في المنافسين مطلقاً، عندما تكون في اجتماع وترغب في الحديث عن منافس ما، بدلاً من هذه الفكرة اتخذ فكرة أخرى حول تقييمات المستفيدين أو حول استطلاعات آرائهم”.

وجود اختلاف كلي في ديناميكيات إدارة المواهب والعمل الجماعي. يمكن أن تعتقدوا أن منظمات الأعمال لديها الكثير لتتعلمه من الفِرق الرياضية ذات الأداء العالي مثل فريق “نيو إنغلاند باتريوتس”، لكن هذه المقارنات تتخللها عيوب كبيرة، ما يجعل التشبيه في الواقع عديم الفائدة. الأهم من ذلك، أن العمل الجماعي لفرق “الدوري الوطني لكرة القدم الأميركية”، هو العمل ضمن مجموعة من اللاعبين الذين تكون مسيرتهم المهنية قصيرة جداً، وولاؤهم للفريق لا يدوم أطول من مدة عقودهم. ووفقاً لصحيفة “صحيفة وول ستريت جورنال” (The Wall Street Journal)، فإن متوسط مدة المسيرة المهنية للاعب في “الدوري الوطني لكرة القدم الأميركية” هو 2.66 سنة.

لذلك، فإن مهمة المدرب هي التعامل بحزم مع الصراخ والتحذير، أو اتباع طريقة أخرى بالمدح والتشجيع من أجل استخراج أقصى جهود اللاعبين الذين لا يُتوقع منهم البقاء طويلاً مع الفريق. فأي قائد مؤسسة عاقل يمكنه تبني هذا النهج؟! تأمل المؤسسات التي تُبنى على المدى الطويل في استقطاب أفضل الموارد البشرية في مجالها ثم تنميتها والحفاظ عليها، وتأمل أيضاً في خلق بيئة يُخرِج فيه الأفراد المتميزون أفضل ما عندهم على مر السنين، لذلك، ليس لدى هذه المؤسسات الكثير لتتعلمه من العقلية قصيرة الأجل، تلك التي تميّز طبيعة “الدوري الوطني لكرة القدم الأميركية” تماماً. بصراحة، معظم فرق كرة القدم الأميركية عبارة عن مجموعة من المأجورين الذين يحكمهم مستبد، وهذه ليست الطريقة التي تعمل وفقها مؤسسات الأعمال المتميزة.

وجود اختلاف كلي في خلق القيمة الاقتصادية. حتى أكثر المشجعين حماساً يوافقون دون تردد على أن الرياضة تجارة لتحقيق الأرباح. لقد تبيّن أن الأعمال الرياضية ربما تقدم دروساً أقل لقادة الأعمال مما هو موجود في الواقع. بخلاف معظم المشاريع التجارية التي تقدّر قيمتها بمليارات الدولارات وتعود ملكيتها للمساهمين، وتُدار من خلال مجلس إدارة، فإن كل فرق “الدوري الوطني لكرة القدم الأميركية” تقريباً يملكها أفراد، وليست مسؤولة أمام أي جهة، كما هي الحال مع غيرهم من المالكين أصحاب المليارات. ولكن الاستثناء البارز الوحيد هو فريق “غرين باي بايكرز” (Green Bay Packers)، الذي تمت هيكلته على شكل مؤسسة غير ربحية ويعمل لصالح المنفعة العامة.

لقد حقق مالكو فرق “الدوري الوطني لكرة القدم الأميركية” ثروات هائلة على مدار العشرين سنة الماضية، بالتفاوض على عقود بث تلفزيوني ضخمة، والمطالبة بإعانات كبيرة لدافعي الضرائب، وتطوير طرق جديدة لتحقيق الأرباح عن طريق الإنترنت. لقد جعلتهم أساليب كرة القدم الأميركية أثرياء لكنهم لم يحظوا بأي شعبية بين المشجعين. فلنتذكر تلك المقولة القديمة “لا تكره اللاعب، بل اكره اللعبة”؟ حسناً، يحب مشجعو كرة القدم الأميركية اللاعبين (وفي الحقيقة، يفعل ذلك مشجعو معظم الرياضات)، لكنهم يكرهون مالكي الأندية. بالتأكيد، يوجد العديد من الرؤساء التنفيذيين غير المحبوبين، لكن هل ستدعم أي شركة تطرح أسهمها للتداول العام أي رئيس تنفيذي غير محبوب لدى عملائها (المشجعين)، مثل أليكس سبانوس مالك فريق “لوس أنغليس تشارجرز” (Los Angeles Chargers)، مع أهالي سان دييغو، أو ستان كرونكي مالك فريق “لوس أنغليس رامز” (Los Angeles Rams)، مع أهالي سانت لويس؟

بل ستجد الأمر نفسه مع رودغر غودل، مسؤول “الدوري الوطني لكرة القدم الأميركية”، الذي قد يكون الإداري صاحب الشعبية الأقل من بين كل الرياضات. فمن الصعب أن تجد انسجاماً بين الشعبية غير المسبوقة لكرة القدم الأميركية وانعدام شعبية مالكي فرق الدوري الوطني لكرة القدم الأميركية، لكنها طبيعة الأعمال الرياضية، وهو ما يمثل سبباً آخر لاعتبار تشبيه الأعمال بالرياضة غير صحيح. من الصعب تعلم دروس في القيادة من ميدان يتم فيه الاستهانة بقادته وعمل دُمى مجسّمة لهم وحرقها، أو يتلقى هؤلاء القادة صيحات الاستهجان خلال التجمعات العامة الكبيرة.

لذلك، أتمنى أن يحظى الجميع بوقت ممتع خلال مشاهدة مباريات بطولة “سوبر بول”، لكن فكرة أن ما يحدث في الملعب (أو في مكاتب المسؤولين التنفيذيين للفرق الرياضية) تعلّمنا شيئاً حول ما يجب أن يحدث في مؤسسات الأعمال الأخرى تُعدّ فكرة مضللة. من الممتع أيضاً أن تكون تلميذاً تتعلم دروساً من الألعاب، لكن دعنا لا نخدع أنفسنا ونعتبر كل درس نتعلمه من الرياضة قابلاً للتطبيق على أدوارنا بصفتنا قادة للأعمال أو مؤسسين للشركات.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .