تعرف إلى السبب الكامن وراء عودة خبراء التسويق للإعلانات التقليدية

5 دقائق
الإعلان التقليدي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هيمنت تكنولوجيا التسويق الرقمي ومنظوماتها على النمو في ميزانيات التسويق لأكثر من عقد من الزمان. ومع تحول انتباه المستهلكين من وسائل الدعاية والإعلان الثابتة نحو وسائل الدعاية والإعلان الحديثة والرقمية التي نراها باستمرار وحيثما ذهبنا، خسر الإعلان التقليدي شيئاً من جاذبيته. وفي المقابل، نقل خبراء التسويق الاستثمارات من التلفاز والراديو والصحف والفعاليات والإعلان الخارجي إلى القنوات الرقمية بدءاً من منصة تيك توك وصولاً إلى شركة تيك تارغت (TechTarget).

كان خبراء التسويق في العقد الأخير يتوقعون باستمرار أن ينخفض إنفاقهم على الإعلان التقليدي، ووفقاً للبيانات التي تقدمها النسخة 28 من “الدراسة الاستقصائية الخاصة بالرؤساء التنفيذيين للتسويق” (The CMO Survey)، أبلغ المسوقون عن انخفاض سنوي في الإنفاق على الإعلان التقليدي يبلغ وسطياً نسبة -1.4% بين شهر فبراير/شباط من عام 2012 وعام 2022، مقارنة بزيادة سنوية تبلغ نسبة 7.8% في ميزانيات التسويق الكلية خلال الفترة المماثلة.

ولكن الأدلة الجديدة تنبئ بتغيير وشيك؛ على عكس التوجه السابق، تنبأ خبراء التسويق بأن الإنفاق على الإعلان التقليدي سيزداد بنسبة 1.4% في شهر أغسطس/آب من عام 2021 و2.9% في شهر فبراير/شباط من عام 2022.

تقود الشركات التي تتعامل مع الزبائن مباشرة هذا التغيير، إذ تتنبأ شركات الخدمات التجارية الموجهة للمستهلك بأكبر زيادة في الإنفاق على الإعلان التقليدي (أكثر من 10.2%)، لتتبعها شركات المنتجات التجارية الموجهة للمستهلك (أكثر من 4.9%). ومن باب المفارقة، نرى أن الشركات التي تجني ربحاً بنسبة 100% من مبيعاتها عبر الإنترنت تقود هذا الانقلاب، إذ تتنبأ بزيادة تصل إلى 11.7% في الإنفاق على الإعلان التقليدي على مدى العام التالي.

إذاً، ما سبب نهضة الإعلان التقليدي؟ وهل سيستمر هذا التوجه؟ نعتقد أن هذا التغيير يتأثر بعدة عوامل.

1. تجاوز الفوضى الرقمية

مع إنفاق المستهلكين غالبية ساعات يقظتهم على الإنترنت، يبدو أنهم يصبحون أقل حساسية تجاه الإعلانات الرقمية التقليدية والتفاعل الرقمي. ويبلغون عن استيائهم من فوضى الإعلانات الرقمية وربطها سلباً بالعلامات التجارية، ما يعيقهم عن قراءة مقال ما أو مشاهدة مقطع فيديو أو تصفح موقع إلكتروني. مثلاً، توصلت دراسة استقصائية أجرتها منصة هبسبوت (HubSpot) إلى أن 57% من المشاركين لا يحبون الإعلانات التي تظهر قبل مقطع الفيديو، و43% لا يشاهدونها أساساً. وبالنتيجة، يبحث خبراء التسويق عن طريقة لشق طريقهم وسط كل هذا الضجيج.

وفي المقابل تشهد الإعلانات التقليدية تفاعلاً متزايداً. تبين منصة ماركتنغ شيربا (MarketingSherpa) أن أكثر من نصف المستهلكين يقومون غالباً أو دائماً بمشاهدة الإعلانات المتلفزة التقليدية وقراءة الإعلانات المطبوعة التي ترسلها الشركات التي يشعرون بالرضا عنها عبر البريد. وبالفعل، تبين أبحاث شركة إبيكويتي (Ebiquity) أن قنوات الإعلام التقليدية، وأهمها التلفاز والراديو والمطبوعات، تتفوق بأدائها على القنوات الرقمية فيما يتعلق بمعدلات الوصول والانتباه والتفاعل نسبة للتكاليف. تضخم هذا الاختلاف في الأداء بعد الزيادة التي طرأت على تكاليف الإعلان عبر الإنترنت، لا سيما عند احتساب عمليات الاحتيال فيما يخص نسب المشاهدة وعدد النقرات ومعدلات التحويل، في حين انخفضت تكاليف الإعلام التقليدي. هذا ببساطة يشكل حجة اقتصادية منطقية لإعادة موازنة الإنفاق بعيداً عن الفوضى الرقمية.

2. الاستفادة من ثقة المستهلكين بالإعلان التقليدي

توصلت نفس دراسة منصة ماركتنغ شيربا إلى أن أبرز 5 صيغ للإعلانات الموثوقة كلها تقليدية، إذ يتخذ المستهلكون قرارات الشراء بناء على ثقتهم بالإعلانات المطبوعة في المرتبة الأولى (82%) تليها الإعلانات المتلفزة (80%) ثم الإعلانات عبر الرسائل البريدية المباشرة (76%) ثم إعلانات الراديو (71%). وتوصلت كذلك إلى أن المستهلكين البريطانيين والأميركيين يثقون بالإعلانات التقليدية التي تذاع عبر التلفاز والراديو وفي المطبوعات أكثر من ثقتهم بالإعلانات التي تنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وبالنتيجة، يمكن لخبراء التسويق الاستفادة من الإعلان التقليدي من أجل بناء مصداقية العلامة التجارية لدى المشترين المنهكين واكتساب ثقتهم بها.

3. الاستعداد لتراجع استخدام ملفات تعريف ارتباط الطرف الثالث

اعتمد خبراء التسويق لأعوام طويلة على ملفات تعريف ارتباط الطرف الثالث (third-party cookies) من أجل تتبع زوار المواقع الإلكترونية، إذ يستخدمون البيانات المفصلة حول تفضيلات البحث الذي يقوم به الزوار لتحسين تجربة المستخدم واستهداف المستهلك بتجربة الإعلانات المخصصة. ولكن مع سعي شركة جوجل لإلغاء ملفات تعريف ارتباط الطرف الثالث في متصفحات “كروم” تدريجياً حتى نهاية عام 2023، وتطبيق شركة آبل تغييرات على نظام التشغيل “آي أو إس 14″، فإن اختفاء ملفات تعريف ارتباط الطرف الثالث أصبح وشيكاً. توصلت “الدراسة الاستقصائية الخاصة بالرؤساء التنفيذيين للتسويق” إلى أن ذلك أدى إلى زيادة 19.8% من الشركات لاستثماراتها في الإعلان التقليدي (بعيداً عن الأساليب المتبعة على الإنترنت).

وبسبب هذا التغيير الحتمي في مشهد قطاع الإعلان سيكون خبراء التسويق مضطرين إلى الاعتماد على أساليب تجزئة السوق التي تقترب من نماذج الإعلانات التقليدية أكثر. من دون استهداف المستهلكين بناء على البيانات سيتعين على خبراء التسويق إعادة توجيه تركيزهم نحو توسيع نطاق الوصول.

4. الدخول إلى عالم المدونات الصوتية المتنامي

المدونات الصوتية هي أحد أصناف الإعلام الرقمي، ولكن على خلاف الشريط الإعلاني والعروض الإعلانية وغيرها من الإعلانات الاجتماعية التي تظهر للمستهلك يومياً في أثناء تصفحه للإنترنت، تستخدم المدونة الصوتية نهجاً قائماً على الطلب أشبه بالراديو التقليدي، وهذا أحد أسباب نجاح الإعلان؛ فوفقاً لمنصة آدز ويز (Ads Wizz)، “شهدت المدونات الصوتية زيادة بنسبة 51% في المخزون المتاح وزيادة بنسبة 53% في المدونات الجديدة وزيادة بنسبة 81% في نسب مشاهدة الإعلانات”.

بالإضافة إلى الوصول إلى ما يزيد على 100 مليون مستمع شهرياً، تتمتع إعلانات المدونات الصوتية بالفعالية نتيجة لثقة المستمعين بمقدّم المدونة وتأثرهم الحقيقي بتأييده للمنتج. في الحقيقة، توصلت دراسة بعنوان “المستمعون الخارقون” أجرتها مؤسسة إديسون ريسيرتش (Edison Research) في عام 2020 إلى أن 45% من مستمعي المدونات الصوتية يؤمنون بأن مقدمي مدوناتهم المفضلة يستخدمون العلامات التجارية التي يذكرونها في برامجهم. ووفقاً لنفس الدراسة، يولي نصف مستمعي المدونات تقريباً انتباهاً أكبر لإعلانات المدونات الصوتية مقارنة بأشكال الإعلانات الأخرى. ونظراً إلى التلاؤم بين السوق المستهدف ومحتوى المدونة الصوتية، أثبتت المدونات الصوتية فعاليتها في إبراز العلامة التجارية لشركة ما أمام الجمهور المناسب والمهتم.

5. اغتنام التكنولوجيا الرقمية في نهضة الإعلام التقليدي

يمكن أن تكون التكنولوجيا الرقمية مفيدة للأدوات التقليدية بدرجة قوية ومفاجئة، من كان يفكر مثلاً أن البريد المباشر سيعود بعد أن انتهى تماماً؟ هذا ما حدث تماماً عندما أرفقت النشرات البريدية برموز الاستجابة السريعة (QR code) التي يمكن للمستهلكين مسحها بهواتفهم من أجل الحصول على مزيد من المعلومات. ووفقاً لما تقوله شركة ماديسون تايلور ماركتنغ (Madison Taylor Marketing)، تتيح العناوين الإلكترونية الفريدة (unique URL) ورموز الاستجابة السريعة (QR codes) لخبراء التسويق جمع بيانات دقيقة للغاية وبالتالي تطوير تحليلات تسويقية قوية حول العائد على الاستثمار والإسناد وتقويض ميزة القنوات الرقمية.

6. الضبط الدقيق للعلامة التجارية وملاءمتها للسوق

التسويق فن وعلم في الاحتمالات والسياق، هذا يعني أن الإعلان التقليدي يكون في بعض الأحيان ملائماً تماماً لبعض العلامات التجارية والأسواق والرسائل. مثلاً، ما زال البث التلفزيوني يمثل منصة مثالية للإعلانات التي تعتمد على رواية القصص العاطفية، مثل إعلان “مرحباً بعودتك” الذكي الذي صنعته شركة المشروبات غينيس بمناسبة إعادة فتح المقاهي والمطاعم أبوابها بعد الإغلاق العام الذي فرضته جائحة “كوفيد-19”. تتيح حلول التلفاز المستهدف الجديدة مثل الحلّ الذي قدمته شركة فاينكاست (Finecast) للمعلنين اليوم تحديد شرائح المشاهدين المستهدفة بدقة في برامج التلفاز التي تذاع حسب الطلب وفي البث المباشر، وبالتالي تقويض ميزة الاستهداف التي تتمتع بها قنوات الإنترنت.

7. إعادة النظر في فعالية التكنولوجيا الرقمية

تبين “الدراسة الاستقصائية الخاصة بالرؤساء التنفيذيين للتسويق” أن 54.8% من المسوقين يتتبعون أداء التسويق الرقمي بصورة آنيّة، بالإضافة إلى 35.2% ممن يتتبعونه كل 3 أشهر أو كل أسبوع. وفي نفس الوقت، يشكك خبراء التسويق في عائدات الإعلام الرقمي التي تثير ضجة كبيرة، لأن المنصات تتحكم في المخزون الإعلاني ومقاييس فعاليته. أثار ذلك مخاوف بشأن المصداقية فيما يتعلق بالاحتيال الإعلاني والقلق من أن يكون الإعلان الرقمي أقل فعالية مما يقال.

كما يخضع الوعد الرقمي بالاستهداف والتخصيص المفرطيْن للتدقيق أيضاً. مثلاً، أجرت الباحثة جينغ لي مع زملائها بحثاً أكاديمياً نُشر في مجلة جورنال أوف ماركتينغ ويبين أن استراتيجية الاستهداف تعود بآثار عكسية إذا تم تنفيذها في وقت مبكر، وبين بحث في علوم الكمبيوتر أن التخصيص يؤدي إلى مقاومة المستهلكين لا سيما إذا كانت العلامة التجارية غريبة عنهم. باختصار، يتعلم خبراء التسويق أن ميزة الإعلام الرقمي سيف ذو حدين، ويزدادون حذراً في التعامل معه بصورة عشوائية.

توقع النقاد منذ فترة طويلة زوال الإعلان التقليدي، ولكنه ما زال مستخدماً بكثرة ومتجهاً نحو النمو للمرة الأولى منذ عقد كامل. واستخدام الإعلان التقليدي والرقمي معاً سيحقق الوصول إلى جمهور أكبر من المستهلكين الذين يحتمل أن يرفضوا الرسائل التسويقية الأخرى، وسيؤدي إلى اكتساب ثقتهم والحفاظ عليها وتحفيزهم على الشراء.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .