البيع عبر تيك توك وتاوباو

13 دقيقة
تجارة البث المباشر
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عندما يتعلق الأمر بعروض الأزياء، كان ثمة عرض فريد من نوعه جرى عبر خدمة البث المباشر على فيسبوك في أبريل/ نيسان 2021. كانت عارضة الأزياء الأولى التي تتهادى على الممشى هي سيندي، الجروة الصغيرة التي لا يتجاوز عمرها سبعة أشهر والتي كانت ترتدي سترة عوم خضراء وزرقاء خاصة بالكلاب. ثم صعدت إلى المنصة الجروة ماندالاي التي ترتدي سترة بقبعة تلتصق بها حقيبة ظهر مدمجة. كان فريق المبيعات عبر القنوات المتعددة في شركة “بيتكو” (Petco)، والذي تترأسه الرئيسة التنفيذية للتسويق كاتي ناومان هو من نظّم بث هذا الحدث مباشرة بغرض تسليط الضوء على ملابس الكلاب التي تصنعها شركتان تندرجان تحت علامتها التجارية. كانت كل قطعة أزياء معروضة تظهر في مكان بارز في أسفل الشاشة. “إذا رأيتم شيئاً يعجبكم، بمقدوركم النقر فوراً عليه فقط لإتمام عملية الشراء”، كما شرحت مُقدمة الحفل. “جهّزوا محافظكم!” وقد تجاوب المستهلكون. استقطب هذا الحدث المباشر الذي لم يدم أكثر من 22 دقيقة 200 ألف مشاهد وقت بثه؛ وبعد مرور ستة أشهر، كان ما يقرب من مليون شخص قد شاهدوا مقاطع من العرض. بلغ حجم مبيعات هذا الحدث ضعفي تكلفة إنتاجه، وبلغت نسبة التفاعل 2.6 أضعاف ما توقّعه المنظمون، فيما تقدّم الناس لتبنّي جميع الجراء السبعة التي شاركت في العرض والتي كان قد قدّمها مأوى لإنقاذ الكلاب المشردة. كان عرض أزياء الكلاب هذا تجربة “بيتكو” الأولى مع تجارة البث المباشر عبر الإنترنت لكنه لم يكن الأخير. فبعد مرور ثلاثة أشهر، استقطب بث مباشر لمسابقة رياضية للكلاب حملت اسم “السباق الميداني لبيتكو” 2.4 مليون مشاهد، وحقق ضعفي العوائد على الاستثمار مقارنة بما حققه عرض الأزياء.

في ثمانينيات القرن الماضي، كانت قناتا “كيو في سي” (QVC) و”آتش إس إن” (HSN) اللتان تبثان عبر خدمة التلفزيون المدفوع قد أظهرتا هما وعدد من المنتجين الذين يستعملون الإعلانات التجارية العامة أهمية البيع عن طريق التلفزيون. وخلال العقد الماضي، انتقلت هذه الصيغة الإعلانية إلى عالم الإنترنت، وسرعان ما أصبح بث الفيديو عن طريق الإنترنت والذي يتيح القدرة على الشراء الآني – أو تجارة البث المباشر عبر الإنترنت – هو الأسلوب المفضل. أما اليوم، فقد بات بوسع العلامات التجارية البيع بواسطة الفيديو عبر مجموعة مختلفة من المنصات، مثل خدمات البث المباشر في كل من يوتيوب، وإنستغرام، وفيسبوك، وعبر تويتش، وتويتر، وتيك توك.

وفي الصين، حيث توفّر منصة “تاوباو” (Taobao) التابعة لشركة علي بابا تطبيقاً يجمع بين استعراض المنتج والقدرة على شرائه فوراً، بلغ حجم سوق تجارة البث المباشر 1.2 ترليون يوان صيني (ما يقرب من 200 مليار دولار) في 2020، أي ما مثّل 10% من سوق التسوق عبر الإنترنت. ومن المتوقع أن يمثّل ما يقرب من 20% إلى 25% من المبيعات عبر الإنترنت في 2023، وفقاً لشركة “آي ريسيرتش تشاينا” (iResearch China). وفي الولايات المتحدة الأميركية، بلغ حجم تجارة البث المباشر 6 مليارات دولار في 2020 و11 مليار دولار في 2021، وثمة تسارع هائل في وتيرة النمو، إذ من المتوقع أن يصل الرقم إلى 26 مليار دولار في 2023 وفقاً لتقديرات “ستاتيستا” (Statista).

في الولايات المتحدة الأميركية، أثبتت تجارة البث المباشر جاذبيتها وتحديداً بالنسبة للعلامات التجارية في مجالي التجميل والأزياء. ففي “نوردستروم” (Nordstrom)، على سبيل المثال، ركّزت 50% من مناسبات البث المباشر على التجميل في 2011. لكن ثمة طيفاً متنامياً من الشركات التي بدأت توفّر منتجاتها وخدماتها عبر البث المباشر، بما في ذلك شركتا “فيراغامو” (Ferragamo) و”كارتييه” (Cartier) في قطاع السلع الفاخرة، و”لوز” (Lowe’s) في مجال تجديد المنازل، و”وول مارت” (Walmart) في عدة فئات من المنتجات. ويوضح دخول “وول مارت” تحديداً كيف باتت العلامات التجارية الراسخة تتبنى تجارة البث المباشر كطريقة لزيادة تفاعل المستهلكين وإبراز صورة حديثة ومبتكرة أمام الزبائن. وإحدى الإشارات الواعدة على القدرة الكامنة لهذا الشكل هي التالية: فرغم أن “وول مارت” تمتلك 4700 متجر في الولايات المتحدة وأكثر من 10 آلاف متجر في العالم، إلا أن الرئيس التنفيذي للتسويق فيها ويليام وايت يقول: “مستقبل تجارة التجزئة يكمن في التجارة على شبكات التواصل الاجتماعي”. ومن المتوقع أن تبث أكثر من 100 فعالية مباشرة في 2022، بعد أن كان الرقم لا يتعدى 30 فعالية في 2021. وفي هذه المقالة، أستكشف القوى التي تقود إلى صعود تجارة البث المباشر، وأشرح دوافع العلامات التجارية لتجريب هذا الشكل، وأقدّم المشورة للشركات التي تدرس الطرق الذكية للاستثمار في هذه القناة الناشئة.

ما الدافع وراء تجارة البث المباشر؟

في مناسبة نموذجية لتجارة البث المباشر، يشاهد المستهلك عروضاً توضيحية للمنتجات التي يقدّمها مؤثرون (يطلق عليهم اسم المضيفين أو صانعي المحتوى، ويشار إليهم في الصين باسم “قادة الرأي الأساسيين”). يُنتقى المضيفون بسبب شخصيتهم، أو نفوذهم، أو معارفهم (أو بسبب مزيج من هذه العوامل)، وهم يساعدون في إضفاء جو من الترفيه على تجربة المشاركين.

ينبع جزء من الإثارة المرتبطة بأسلوب البث المباشر بتبنّيه تقنية الفيديو. فقد أظهرت الأبحاث أن الفيديو يحقق مستويات أعلى من تفاعل المتلقين مقارنة بالنصوص أو الصور الثابتة. وبما أن عمر التجارة الإلكترونية التقليدية بات يزيد على ربع قرن، فإن المستهلكين يعتبرونها مضجرة. وباتت المواقع الإلكترونية الأكثر ثباتاً تجد صعوبة في إثارة الكثير من الحماس، وتحديداً بين المستهلكين من أبناء الجيل زد وجيل الألفية الأحدث سناً. صحيح أن الشباب ما يزالون يشترون من أمازون، لكن آباءهم وأجدادهم يشترون منها أيضاً. ومن غير المفاجئ أنهم يفضلون بديلاً أحدث عهداً. كما أن انتشار الهواتف الذكية على نطاق واسع وهيمنة شبكات التواصل الاجتماعي محفّزان أساسيان. وفي دراسة تلو الأخرى، تبيّن أن شبكات التواصل الاجتماعي لها التأثير الأكبر على أنماط الشراء لدى المستهلكين من أبناء الجيل زد، في حين يأتي جيل الألفية خلفهم مباشرة. وشبكات التواصل الاجتماعي مصممة بطريقة تجعلها تعلق في أذهان الناس، والكثير منها مصمم بما يتوافق مع تجارة البث المباشر أو قادر على دعمها بسهولة. وفي الصين، مثلاً، تضمن الهيمنة الواسعة لخدمة البث المباشر في موقع “تاوباو” إمكانية وجود جمهور عريض عندما تستضيف أي شركة فعالية بث مباشر. ورغم أن معظم منصات التواصل الاجتماعي الأميركية الكبيرة تتبنى تجارة البث المباشر، إلا أن الشكل المفضل على ما يبدو هو “تيك توك”، منصة مقاطع الفيديو القصيرة التي يصنعها المستخدمون، وهي منصة تمتلكها شركة “بايت دانس” (ByteDance) الصينية. وتمتلك منصة “تيك توك” ميزة وهي أنها مصممة خصيصاً في الأساس لمقاطع الفيديو، في حين أن المنصات الأخرى تعرّضت لعملية إعادة تصميم لكي تستوعب مقاطع الفيديو. ويعبّر الناس عن أنفسهم على “تيك توك” من خلال الرقص، والكوميديا، والبرامج التعليمية، وأي شيء آخر يقودهم خيالهم إليه. وتتركز شعبية هذه المنصة في أوساط الشباب، حيث إن 41% من مستخدميه تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عاماً، في حين يستخدم 90% من هؤلاء التطبيق يومياً. وهذا يعني أن هناك جمهوراً دائماً للعلامات التجارية لكي تبيع على “تيك توك”.

تولّد تجارة البث المباشر شعوراً بالانتماء إلى مجتمع، ما يساعد المشترين أيضاً على تبرير مشترياتهم بطريقة عقلانية. والتقليد الاجتماعي قوة عاتية.

كما تعطي تجارة البث المباشر إحساساً بالانتماء إلى مجتمع معيّن. ففي حين أن التسوق التقليدي عبر الإنترنت فعل فردي، إلا أن تجارة البث المباشر تعطي إحساساً مجتمعياً مشابهاً للإحساس الناشئ عند مشاهدة نهائي بطولة كرة القدم الأميركية (سوبر بول). والمستهلكون قادرون على أن يَروا ويُروا فيما يُعتقد أنها لحظة اجتماعية هادفة. وعلاوة على ما سبق، فإن بمقدورهم اكتساب نفوذ اجتماعي أكبر في أوساط الأصدقاء بسبب حضورهم لحدث مستجد. أو قد يكوّنون صداقات من خلال المشاركة في فعاليات منقولة عبر البث المباشر. تستعمل “تيك توك”، على سبيل المثال، خوارزمية للربط بين الناس ذوي الاهتمامات المتشابهة. وقد طرأ تحوّل على “كيو في سي” التي تطورت إلى أكثر من مجرد قناة تلفزيونية مدفوعة بحيث باتت تشمل تجارة البث المباشر، وأصبحت لديها الآن قنوات على يوتيوب مخصصة للربط بين الأشخاص ذوي الاهتمامات المتقاطعة، سواء في مجال التجميل، أو المجوهرات، أو الطعام، أو المفروشات المنزلية. وعندما يشعر المستهلكون أنهم بين “أصدقائهم”، فإنهم يستمتعون بتجربة التسوق أكثر. كما أن الشعور بالانتماء إلى مجتمع يساعد المشترين أيضاً على تبرير مشترياتهم بطريقة عقلانية، لأن التأييد يصبح مُتصوراً أو مؤكداً عندما يشترون الأشياء ذاتها التي يشتريها الآخرون. والتقليد الاجتماعي قوة عاتية.

هذا هو السبب الذي يجعل المؤثرين عنصراً أساسياً جداً بالنسبة لتجارة البث المباشر. فلطالما كان المسوقون يعرفون قيمة النفوذ الشخصي. وغالباً ما يذكره المستهلكون بوصفه السبب الأهم لإنجاز عملية شراء معيّنة. وقد يكون لدى قادة الرأي اليوم ملايين المتابعين. ففي فعالية “العطلة الأميركية لعام 2020” التي نفّذتها “وول مارت” كمناسبة لتجارة البث المباشر على “تيك توك” ظهر مايكل لي، وهو مؤثر يمتلك 50 مليون متابع تقريباً، وكانت هذه المناسبة عرضاً منوعاً تضمّن بيع أزياء علامات تجارية وطنية وخاصة.

ما المكاسب التي يمكن أن تجنيها الشركات؟

أحد الأسباب الواضحة التي تدفع الشركات إلى تبنّي تجارة البث المباشر هو زيادة الإيرادات على المدى القصير، لكنه ليس السبب الوحيد. فوفقاً لمقابلات مع تنفيذيين في مجموعة واسعة من الشركات التي تُجري تجارب لاستعمال هذا الأسلوب، فإن ثمة خمسة أهداف أساسية هي: تحقيق مبيعات فورية، والوصول إلى شرائح جديدة من المستهلكين، وطرح منتجات جديدة، وتثقيف المستهلكين، وإثارة حالة من الحماس.

تحقيق مبيعات فورية. الهدف عادة هو تعزيز المبيعات على المدى القصير للمنتجات والخدمات التي لا تتطلب التزاماً كبيراً، أي تلك التي لا تعتبر باهظة جداً أو شديدة التعقيد. في الحقيقة، معظم نجاح خدمة البث المباشر في منصة “تاوباو” في الصين ناجم عن البث المباشر في فئات المنتجات هذه. ويمكن للفعاليات والمناسبات أن تكون غير رسمية ومرتجلة إلى حد كبير، فأكثر من 60% تقريباً من جلسات البث المباشر على “تاوباو” تُنقَل من متاجر وتستعمل مندوبي مبيعات كعارضين وكقادة رأي أساسيين. ويحبّذ التنفيذيون في “تاوباو” القول إن كل ما تحتاجون إليه للبيع على منصتهم هو آلة تصوير وهاتف متنقل. وبالمثل، حققت “نوردستروم” في الولايات المتحدة نجاحاً في مناسبات التسوق عبر البث المباشر التي استضافها موظفو المتاجر. وتمثّل هذه الجهود التكامل الحقيقي بين الإنترنت والعالم الفعلي خارجها، وشكلاً جديداً من أشكال مقاربة التسويق متعدد القنوات.

الوصول إلى شرائح جديدة من المستهلكين. البث المباشر هو الشكل الأكثر شعبية بين صفوف الجيل زد وأبناء الألفية الأحدث سناً اللذين يُعتبرون أسواقاً مستهدفة جاذبة للعديد من العلامات التجارية. وكما تشير دانييلا فيتالي، الرئيسة التنفيذية لشركة “فيراغامو” في أميركا الشمالية، فإن الفئات العمرية المهتمة بمعظم السلع الفاخرة هي الأشخاص الأكبر عمراً، ومع ذلك فعلى العلامات التجارية الوصول إلى المستهلكين الأصغر سناً لبناء نجاحها المستقبلي. ولكي ينجح فريق فيتالي في إنجاز هذه المهمة، فإنه يختار المشاهير والمؤثرين وينظّم مناسبات على “تيك توك” تبث من خلال قنوات المؤثرين، بما أن هذه المواقع تُعدّ “أكثر أصالة” من القناة التي تمتلكها العلامة التجارية.

طرح منتجات جديدة. حققت تجارة البث المباشر بعض النتائج المذهلة للشركات التي تطلق منتجات جديدة. فقد نجحت شركة “جيمي تشو” (Jimmy Choo)، على سبيل المثال، نجاحاً باهراً في آسيا عندما أطلقت أحذية رياضية غالية الثمن. وتتحدث هيلين فيليبس، النائبة الأولى للرئيس في “جيمي تشو” عن النجاح الذي حققته الشركة عندما استعانت بقادة رأي أساسيين في مناسبة لتجارة البث المباشر شاهدها 16 مليون إنسان وباعت 300 زوج من الأحذية الرياضية في غضون دقائق على “تيمول” (Tmall). قد لا يبدو هذا الطلب عالياً، ولكن كما تشرح فيليبس فإن عنصر الندرة مهم في حالة المنتجات الفاخرة: “أنت بحاجة إلى بيع كل بضاعتك بسرعة، ولا يجب أن تكون بضاعتك متوفرة زيادة عن اللزوم”.

تثقيف المستهلكين. ليس البث المباشر طريقة قوية لتعريف المستهلكين على المنتجات البديلة أو فئاتها فحسب، وإنما أيضاً لتعريف المستهلكين على طريقة استعمال المنتج. تقيم “لوز” مناسبات لتجارة البث المباشر بهدف توعية المشاهدين بكيفية استعمال المنتج وزيادة المبيعات عن طريق الإنترنت. كما تعرّف عروض الأزياء التي تنقل عبر البث المباشر المستهلكين على الموضات الجديدة، وتشجّع على المبيعات خلال العرض. وتمنح عروض الطهي وإعداد الطعام التي تنقل عبر البث المباشر المشاركين القدرة على شراء المكونات وأدوات المطبخ. وكانت سلسلة متاجر التسوق الضخمة “ألبيرتسونز” (Albertsons) قد أدارت مناسباتها الناجحة لتجارة البث المباشر باستعمال منصة “فاير ورك” (Firework). وثمة شكل أكثر مباشرة للتثقيف يحصل عندما يكون بوسع المستهلكين إجراء بث مباشر مع مندوب مبيعات في المتجر. وباستعمال تطبيق مثل “هيرو” (Hero)، بإمكان مستهلك الدردشة مع مندوب مبيعات يستطيع شرح منتج معيّن وإرسال صور.

إثارة حالة من الحماس. إذا ما نُفّذت فعاليات تجارة البث المباشر بنجاح، فإنها قادرة على إثارة الحماس بفضل أسلوبها المستجد، والإحساس بالانتماء المجتمعي الذي تستطيع توليده، والسعادة التي يمكن للمضيفين تحقيقها. يشرح مارك يوان، المؤسس المشارك لمنصة تجارة البث المباشر “وندر لايف شوبينغ” (Wonder Live Shopping) التي ما تزال في طور التجربة، أنه عندما يعتاد المستهلكون الدخول إلى ذات قناة الشخص المؤثر على موقع التطبيق، يصبح لديهم ولاء للمضيف ولذلك المجتمع. ويمكن لمناسبة ناجحة لتجارة البث المباشر أن تقود إلى المزيد من المبيعات بعد الحدث، وذلك بفضل التسويق الشفهي من الناس إلى حد كبير. ويعتمد هذا التأثير التتابعي على فئة المنتج: فالعلامات التجارية للأزياء والسلع الفاخرة، على سبيل المثال، قد تعطي قيمة اجتماعية عالية للمستهلكين الذين يتحدثون عنها إلى أصدقائهم ومعارفهم. وبما أن لهذه العلامات التجارية قيمة إمتاع أعلى فإنها تتسبب بنشوء مشاعر إيجابية إضافية ما يقود إلى ضجيج وحماس. أو عوضاً عن ذلك، قد تكون الضجة المثارة هي نتيجة طبيعية لمجتمع من المتحمسين الشغوفين. فالشركة الناشئة “واتنوت” (Whatnot) تركز على جماهير جامعي القطع والمتحمسين، ووفقاً للرئيس التنفيذي غرانت لافونتين، عندما يستمتع المشاهدون بتجربة عظيمة، فإنهم يتحدثون عنها لأنها تصبح جزءاً من هويتهم.

دليل للشركات

في الولايات المتحدة الأميركية على وجه التحديد، ما تزال تجارة البث المباشر قناة تجريبية، وليس ثمة شركة واحدة تمكنت حتى الآن من اكتشاف أسرارها. وعندما تبدأ شركتكم بتجريبها، فيما يلي العوامل الأساسية التي يجب أخذها بالحسبان.

أدمجوها ضمن استراتيجيتكم التسويقية. ستّتبع الشركات مسارات مختلفة لبلوغ النجاح في تجارة البث المباشر. لكن المبدأ الأساسي الذي ينطبق عليها جميعها هو أن البث المباشر يجب أن يكون جزءاً من الاستراتيجية التسويقية الإجمالية. فالبث المباشر ليس أداة تسويقية مستقلة، بل هو قناة جديدة فحسب. فما يُعرض على البث المباشر يجب أن يكون متوافقاً مع الخطط الخاصة بخطوط المنتجات، وتموضع العلامة التجارية، والأهداف الإجمالية للتواصل.

بالنسبة للعديد من الشركات، أثبتت تجارة البث المباشر فاعليتها كطريقة للتوعية السريعة، وتجريب منتجات جديدة أو اختبار أسواق جديدة. وبما أن التركيز ينصبّ على عمليات الشراء الفورية، فإن الزبائن بحاجة إلى أن يشتروا وهم يشاهدون المناسبة التي تبث مباشرة بسرعة أكبر مقارنة بالحالة التي يستعرضون فيها المنتجات في المتجر. تقول أماندا بولدوين، الرئيسة التنفيذية لشركة “سوبر غوب!” (!Supergoop) إنها عندما أطلقت تجارة البث المباشر في الصين، فإن ذلك أدى إلى بروز العلامة التجارية على الفور، وهو أمر غير معتاد في حالة علامة تجارية بحجمها لا تزال في طور الانطلاق.

بعد المناسبة أو الفعالية، يأتي دور عناصر أخرى للاستراتيجية التسويقية لكي تولّد مشتريات متكررة ولكي تبني شعوراً بالولاء على المدى البعيد. فشبكات التواصل الاجتماعي، والرسائل الإلكترونية المباشرة، والإعلانات تبني حالة التفاعل لدى الزبائن، وتزيد من هذا التفاعل بهدف توليد (المزيد من) الحماس والوصول إلى زبائن إضافيين.

انتبهوا إلى منحنى التعلم. كما هو الحال مع أي آلية جديدة لطرح المنتجات في السوق، فإن النجاح لن يحصل على الفور، ويجب على المدراء طرح الأسئلة بهدف إدخال التعديلات التدريجية على مقاربتهم. هل نصل إلى الجمهور الصحيح؟ هل نستعمل التكنولوجيا الصحيحة؟ هل المحتوى مناسب للجمهور؟ يقول التنفيذيون الذين يطبّقون مناسبات تجارة البث المباشر عموماً إن جهودهم الأولى لم تكن مثالية، لكنهم تعلموا منها وبنوا عمليات ناجحة للمناسبات والفعالية المستقبلية. تقول فيتالي من شركة “فيراغامو”: “لا يمكن أن يقتصر الأمر على آلة تصوير في متجر. فقيم الإنتاج أساسية لكي تعكس مكانة العلامات التجارية الفاخرة”. وستتعلم العلامات التجارية في فئات المنتجات المتنوعة دروساً مختلفة من تجاربها الأولية.

نفّذوا مناسبات البث المباشر عندما تكون هناك أخبار. ثمة ارتباط شديد بين الأسلوب المستجد أو الجِدّة ونجاح المبيعات. وبالتالي فإن طرح منتج خاص لا يكون متاحاً إلا أثناء البث المباشر هو إحدى الطرق التي تُعتبر من الأساليب المستجدة. أما الجِدّة فيمكن إضفاؤها من خلال الموسمية – مثل الاحتفال بعطلات معيّنة أو أوقات خاصة من العام مثل العودة إلى المدارس. تحدد علامات تجارية كثيرة الجدول الزمني لمناسباتها الخاصة بتجارة البث المباشر بحيث تتزامن مع العطلات المتوافقة مع فئات منتجاتها. وهذا النوع من التخطيط للترويج مألوف بالنسبة لمعظم العلامات التجارية. تقترح فانيا تشاندلر نائبة الرئيس الأولى في “نوردستروم” على العلامات التجارية تحديد إيقاع منتظم لمناسبات تجارة البث المباشر بحيث يخطط المستهلكون متى سيحضرون.

اختاروا منصات مثالية. تتسابق جهات عديدة لبناء حلول لتجارة البث المباشر. وثمة مجموعة واسعة من الخيارات المتاحة لتجار التجزئة لكي يختاروا من بينها.

“منصات التواصل الاجتماعي التي تتيح نشر المحتوى”، مثل تيك توك، وإنستغرام، وفيسبوك، ويوتيوب التي أخذت تُدخِل وظائف جديدة خاصة بتجارة البث المباشر ضمن منصاتها الحالية على أمل الاستفادة من جماهيرها الهائلة.

“منصات أسواق التجارة الإلكترونية”، مثل أمازون التي تبني قدرات في مجال البث المباشر (مثل خدمة البث المباشر في أمازون) ضمن بنيتها التحتية الحالية للتجارة الإلكترونية لتوفير طريقة جديدة للتفاعل للمشترين والبائعين. وإضافة إلى ما سبق، تبني شركات ناشئة مثل “واتنوت” و”نتورك” (NTWRK) منصات لأسواق التجارة الإلكترونية بهدف توفير تجربة سلسة للمشترين والبائعين لإجراء عمليات شراء أثناء البث المباشر للفيديو بما يشبه حالة “تاوباو” في الصين.

“مقدّمو خدمات البرمجيات المرخصة”، مثل “كومنت سولد” (CommentSold)، و”بامبوزر” (Bambuser)، و”فاير وورك” التي تمكّن الشركات من إقامة فعاليات تجارة البث المباشر على مواقعها على الإنترنت أو تطبيقاتها ما يعطي الشركات المزيد من السيطرة على تجارب زبائنها وبياناتهم.

رغم أن هذه المقاربات الثلاث جميعها واعدة، إلا أن المنافسة محتدمة، وكل واحدة منها تتصف بتحدياتها الخاصة. فمنصات شبكات التواصل الاجتماعي تتمتع بميزتي الانتشار والنطاق الواسع، لكن نماذجها التجارية المعتمدة على الإعلانات وتصميم التكنولوجيا الاجتماعية الخاص بها يحدان من الوصول إلى درجة مثالية في تجربة البث المباشر بالنسبة للمستهلكين. عوضاً عن ذلك، تُعدّ أسواق التجارة الإلكترونية ذات تصميم أنسب للبيع، ولذلك قد تكون في موقع أفضل يسمح لها بإدماج تجارة البث المباشر. لكن أمازون، على الأقل، اشتهرت بإعطاء الأولوية للكفاءة على حساب تجربة المستخدم على موقعها. أما الشركات الناشئة المتخصصة بالأسواق الإلكترونية فهي تركز تركيزاً حاداً على التجربة واستقطاب مجتمعات المتحمسين لكي تنمو، لكنها مضطرة إلى توسيع أسواقها الإلكترونية ذات الوجهين (العلامات التجارية والمستهلكين) بسرعة للفوز بحصة سوقية كافية. أخيراً، تسمح البرمجيات المرخصة للشركات بتبنّي تجارة البث المباشر مع ضبط التجربة والبيانات التي تنتج عنها ضبطاً وثيقاً، لكن هذه المقاربة تقصر إمكانية الوصول على الجماهير المتفاعلة أصلاً مع مواقعها الإلكترونية.

بالنسبة للشركات، يتوقف اختيار المنصة إلى حد كبير على الشرائح السوقية التي تحظى بالأولوية، لأن المنصات المختلفة تمكّن من الوصول إلى فئات سكانية مختلفة. كما يجب إيلاء الاعتبار للمحتوى النموذجي المعروض على المنصات. تشتهر “نتورك”، مثلاً، بالأزياء الشبابية والألعاب الإلكترونية، وقد تكون الخيار المناسب للعلامات التجارية التي تعمل في هذا المجال.

انتقوا مؤثريكم بحكمة. يجب أن يكون ثمة توافق بين شخصية العلامة التجارية وشخصية المؤثر. وقد تحتاج العلامات التجارية التي تستخدم أكثر من منصة إلى اختيار مجموعة متنوعة من المؤثرين. ويُعتبر عدد متابعي الشخص المؤثر، بطبيعة الحال، من العناصر الهامة في المعادلة. ويجب على العلامات التجارية أن تطرح السؤال التالي: ما عدد المستهلكين الذي سيستقطبهم المؤثر على الأغلب إلى فعالية البث المباشر؟ ثمة نقاش دائر ضمن الشركات بخصوص قيمة المؤثرين أصحاب النفوذ الواسع في مقابل المؤثرين أصحاب النفوذ الضيق. فالفئة الثانية قد تستقطب أعداداً أقل، لكن الزبائن قد يعتبرونها أكثر أصالة. وتحظى الجودة بأهمية خاصة في فئات المنتجات التي تتمتع التجربة الأصيلة فيها بقيمة عالية.

قيسوا نجاح بثكم المباشر. عندما تلتزم الشركات بالدخول في تجارة البث المباشر، يجب عليها تتبّع أربعة مقاييس هي: حجم الجمهور، وتفاعل الجمهور، والمبيعات على المدى القصير، والأثر على المدى البعيد.

عندما يتعلق الأمر بمقياس “حجم الجمهور”، فإن الحجم الأكبر أفضل عادة، لكن الأمر يتوقف على عرض الشريحة السوقية التي تحاولون الوصول إليها، وما إذا كان المنتج يحظى بشعبية واسعة النطاق. وتنحاز معظم الشركات إلى فكرة الوصول إلى أعداد أكبر من الجماهير عبر البث المباشر. ثم تُستعمل أشكال تقليدية من التسويق للتوعية بفعاليات البث المباشر المستقبلية من أجل استقطاب الناس ليحضروا مستقبلاً.

يمكن قياس “تفاعل الجمهور” أثناء الحدث بكمية ونوعية التفاعل بين أفراد الجمهور والمضيف. ففي معظم منصات البث المباشر، يتمتع المشاهدون بالقدرة على التعليق، وطرح الأسئلة عن المنتج، وتسجيل “الإعجابات”. وبعد الحدث، قد تتتبّع الشركات أيضاً صافي نقاط الترويج. ويفترض أن تشير مستويات التفاعل الأعلى إلى معنويات إيجابية أعلى لدى الزبائن تجاه المنتج والمضيف، ويمكن للعلامات التجارية جمع بيانات ذات مغزى من ردود الأفعال الآنية هذه.

تكمن المنفعة الأساسية من تجارة البث المباشر في قدرة المستهلك على شراء السلع آنياً دون مغادرة البث المباشر. وبالتالي، فإن “المبيعات” أثناء الحدث مقياس واضح للأداء. وتتنبأ الشركات بالمبيعات التي ستنتج عن بث مباشر عبر تحديد معدل تحويل مستهدف استناداً إلى حجم الجمهور وتجارب التحويل من المناسبات السابقة.

تُعتبر مهمة تحديد “الأثر بعيد المدى” للبث المباشر أصعب. ولكن كما هو حال حملات التسويق الأخرى، فإنه يخلق نوعاً من الضجة الحماسية التي يمكن تتبّعها جزئياً من التعليقات على شبكات التواصل الاجتماعي والتغطية في وسائل الإعلام الجماهيرية. ورغم أن تجارة البث المباشر لا تقصّر رحلة الزبون عادة بالمقارنة مع بيئات البيع الأخرى، إلا أن الشركات يجب أن تدرك أن المشاهدين الذين لم يشتروا اليوم قد يظلون مهتمين بمنتجاتها. لذلك، عندما تقيس العلامات التجارية الأثر بعيد المدى، يجب أن تفهم أن مشاهدي مناسبات البث المباشر قد يتحولون إلى زبائن في تاريخ لاحق. وبناء عليه، سيحتاج المسوقون إلى العثور على طرق لإيجاد حالة من التفاعل المستمر مع مشاهدي البث المباشر.

وصلت تجارة البث المباشر في الولايات المتحدة الأميركية إلى نقطة انعطاف مهمة حالياً. وقد كان التنفيذيون المتخصصون بالتسويق يضعون خرائط الطرق الخاصة بهم، ويُجرون التجارب في مجال تجارة البث المباشر، ويستثمرون فيه بوصفه جزءاً من استراتيجياتهم التسويقية المتكاملة. وإذا ما أرادت الشركات كسب المزايا المترافقة مع التحرك المبكر، وحصد ثمار الآثار المترتبة على وجود الشبكات، فإنها بحاجة إلى البدء في وقت مبكر، والتعلم بسرعة، وبناء جماهير حاشدة قبل أن يتمكن المنافسون من تحقيق اختراقات مهمة. وعندها ستذهب الغنائم إلى خزائن الشركات التي تنُجز الخطوات الصائبة بسرعة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .