عقد اجتماعي جديد لفرق العمل

12 دقيقة
الالتزام بعقد اجتماعي جديد
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ضرورة التزام الأعضاء بسلوكيات جديدة لتسريع الابتكار والنمو.

إيريك ستاركلوف كان عازماً على إعادة ابتكار شركته. وبصفته الرئيس التنفيذي الجديد لشركة “إن آي” (NI) المعروفة سابقاً باسم “ناشيونال إنسترومنتس” (National Instruments)، وهي شركة هندسية للاختبارات الآلية وأنظمة المقاييس مقرها تكساس، حيث سعى إلى تسريع عملية اتخاذ القرار وزيادة وتيرة النمو، وأراد من فريق قيادة شركته معارضته وتقديم حلول بديلة لكنهم فضلوا تجنب المواجهة. يتذكر أحد أعضاء الفريق تلك الأحداث قائلاً: “لقد كنا مهذبين بشكل مفرط ولكن ليس بالضرورة لطفاء، ولم يطرح أحد رأيه”.

كان ذلك في أوائل عام 2020، حيث أراد ستاركلوف أن تصبح الشركة التي تبلغ قيمتها 1.2 مليار دولار أكثر مرونة في التشغيل مثل شركات التكنولوجيا. وكان يعتقد بضرورة تغيير ثقافة العمل في شركته، وطلب من كبار القادة هناك ألا يعتمدوا عليه في اتخاذ القرارات المهمة. حيث أراد خلق حالة من الصراحة و التعاون، ورغب أن يطبق ذلك افتراضياً لأن جائحة كوفيد-19 أجبرت فريقه على العمل عن بعد.

غالباً ما تغفل الشركات مواصفات الفريق الرائع من خلال التركيز الشديد على مواصفات القائد الرائع.

لكن الوضع اختلف بعد عدة أشهر، فقد بنى فريق القيادة الثقة ونشر ثقافة الابتكار وسرّع عملية اتخاذ القرار. يقول ستاركلوف: كانت أكثر التغيرات وضوحاً القدرة على تسريع عملية اتخاذ القرار، وكانت مبنية على التعاون، لذا فإن المشاركة فيها كانت أكبر. لقد اعتقدنا في ما مضى بضرورة تعارض القرار الجماعي مع سرعة اتخاذه، لكن ثمة تقنيات للوصول لقرار جماعي وسريع في آن واحد.

ولم تكن شركة ستاركلوف وحيدةً في هذا المأزق، فلطالما ركزت الشركات على الكفاءة القيادية، وليس على قدرات الفريق، فغالباً ما تغفل الشركات مواصفات الفريق الرائع من خلال التركيز الشديد على مواصفات القائد الرائع. لقد حان الوقت لإعادة التوازن وإدراك أن تحول أي المؤسسة يجب أن يبدأ من تحول فرق عملها، ويجب على القادة وأعضاء الفريق الالتزام بعقد اجتماعي جديد للتخلص من الأداء المتوسط والمقبول، وتسريع الابتكار وإطلاق العنان للنمو.

فكرة المقالة باختصار

المشكلة

لطالما اهتمت الشركات بالكفاءة القيادية على حساب قدرات الفريق، وبذلك يعيقون الابتكار والنمو.

الحل

أخبرنا المسؤولون التنفيذيون بالفعل لتحقيق أداء مذهل، يجب على الفرق الالتزام بعقد اجتماعي جديد يؤكد على الصراحة والتعاون وتحمّل المسؤولية والتحسن المستمر.

كيف يتحقق ذلك؟

مشاركة أعضاء الفريق في حل المشكلات على نحو تعاوني؛ مبادرات الأداء المنيع. استخدام استراحات الصراحة وإعادة إلقاء الراية الحمراء وكلمات الأمان لتسهيل النقد البناء؛ وطريقة تقييم 360 درجة المفتوحة حيث يتحمل أعضاء الفريق مسؤولية تدريب بعضهم البعض وتطوير أنفسهم.

فعلى مدى عقدين من الزمن قمنا بإجراء أكثر من ألف تقييم تشخيصي لفرق العمل وذلك في معهد غرينلايت للأبحاث (Greenlight Research). حينها قمنا بالتدريب والبحث في شركات قائمة سلفاً مثل “يونيليفر” و”هيتاشي” و”فيرايزون” و”جنرال موتورز” مع عدد من الشركات الناشئة وشركات اليوني كورن. ومن بين نتائج البحث خلصنا إلى أن 71% من أعضاء فرق العمل لم يلتزموا بالارتقاء ببعضهم البعض من خلال تقديم ملاحظات حول القدرات المهنية وممارسات العمل والأداء. ولم تر نفس النسبة من الموظفين أن فريقهم يشارك بشكل تعاوني في أهم مشاكل العمل في المؤسسة، بينما لم يوافق 74% على تحمل فريقهم مسؤولية الأهداف المشتركة. كما أقر 81% منهم بأن أفراد فريق عملهم لم يحاولوا أن يستثمروا كامل إمكانياتهم.

سأقدم في هذا المقال تشخيصاً بسيطاً لتقييم الفريق مركزاً على التفاصيل الحساسة التي يمكن أن تدفع أو الأداء المتفوق أو تمنعه. ثم سأصف العديد من الممارسات المصممة لإبعاد أعضاء الفريق عن السلوكيات القديمة التي لا تواكب التطور وتسهيل التغيير الإيجابي المستدام. وعلى الرغم من شمول الأمثلة على فرق قيادية، يمكن استخدام هذه الممارسات على أي مستوى وتنفيذها في أي سياق، أي بوجود الموظفين في مكان العمل أو بالعمل عن بعد أو مزيجاً من هذا وذاك، ولكنها ذات فعالية خاصةً في بيئات العمل عن بعد التي تسمح بمجموعة أوسع من الممارسات التعاونية أكثر مما تسمح به البيئات التي يتواجد فيها الموظفون في مكان العمل. وفي نفس السياق، سأظهر كيف استطاع ستاركلوف أن يحول قادة شركة “إن آي” وقادة الفرق الأخرى في مؤسسته”. (إفصاح: عملت “فيرازي غرينلايت” مع “إن آي” لتحقيق عملية التحول).

وغالباً ما يكون لدى أعضاء الفريق اتفاق غير معلن لتجنب النزاعات، والالتزام بمجالات مسؤوليتهم الفردية، والامتناع عن النقد بحضور المدير.

سلوكيات الفريق الأساسية

قبل أن تتمكن من تغيير الطرق التي يتفاعل أعضاء فريقك ويعملون بها، أنت بحاجة أن يكون لديك رؤية واضحة لطريقة عملهم الحالية. وغالباً ما يكون لدى أعضاء الفريق اتفاقاً غير معلن لتجنب النزاعات، والالتزام بمجالات مسؤولياتهم الفردية، والامتناع عن النقد بحضور المدير، حيث لن تجد مانعاً لديهم من تلقي المشورة لكن من رؤسائهم فقط، دون إدراك الدور الحيوي لآراء زملائهم. كل ذلك بحاجة للتغيير.

ويمكن أن تكون النقاط التالية بمثابة أداة تشخيص وأساس لعقد اجتماعي يهدف للتحول. ابدأ بالتفكير إلى أي درجة تعكس كل من العبارات التالية سلوك فريقك الحالي. (للحصول على نسخة رقمية من التقييم، بما فيها النتائج والإجراءات المقترحة، راجع ReContractYourTeam.com).

فريقنا لا يتجنب النزاعات. يتحدى أعضاء الفريق بعضهم البعض بشكل علني ويتحدثون بصراحة بهدف تحقيق المهمة، حتى عندما يكون التحدي محفوفاً بالمخاطر أو خارج نطاق خبرتهم.

لا يعمل أعضاء فريقنا في جزر معزولة يتعاون أعضاء الفريق ويخلقون قيمة ملموسة عبر تكاتفهم.

نلتزم برسالة مشتركة تكون بمثابة بوصلة عمل للفريق. يتكيف الفريق ويرتب أولوياته بشكل متكرر ويعالج المتطلبات التنافسية للوصول إلى أهدافه.

فريقنا غير مقيد بالتراتبية الهرمية أو السلطة. يقوم جميع الأعضاء بشكل استراتيجي ببناء علاقات حقيقية وعميقة مع أصحاب المصالح الخارجيين الذين يلعبون دوراً حاسماً في نجاح المؤسسة.

يحقق أعضاء الفريق أهدافهم ويوفون بالتزاماتهم. يحاسب أعضاء الفريق بعضهم البعض ويكرسون جهودهم للأخذ بأسباب النجاح الجماعي.

يبحث أعضاء الفريق في كل المجالات التي يحتاجون التطور فيها بإدراك وانفتاح كاملين، ويقومون بتدريب بعضهم البعض على نحو استباقي.

يحافظ أعضاء الفريق على الترابط بينهم ويتحملون مسؤولية رفع معنويات بعضهم البعض والاحتفال بنجاحاتهم والتعبير عن الامتنان.

يفي أعضاء الفريق بالتزاماتهم تجاه ببعضهم البعض. يعمل الفريق على توطيد العلاقات المبنية على الثقة والدعم والرعاية والكرم.

يكرس الفريق كامل إمكاناته لتحقيق الابتكار والتحول.

وبعد ذلك ناقش ما توصلت له مع فريقك. اسأل: “هل هذا أفضل أداء يمكننا تقديمه؟ هل لدينا الرغبة والإرادة للتخلي عن طرق العمل التي لا تخدمنا بشكل جيد والاتفاق مع بعضنا البعض على بناء طرق جديدة مستمدة من هذه النقاط؟” ثم قسم الفريق إلى مجموعات صغيرة لدراسة السلوكيات واسألهم عن السلوكيات التي يمكن أن تحدث أكبر فرق في أداء الفريق، وهي السلوكيات التي يجب التركيز عليها أولاً. وفي النهاية، أعد بناء التوافق بين أعضاء الفريق والتزموا كمجموعة بالسلوكيات التي قررتم إعطاءها الأولوية. ابدأ بعدد محدود وتوسع بمجرد أن تبدأ الممارسات في التحول.

تقول آنا فيليغاس الرئيسة التنفيذية للتسويق: “لقد كنا بحاجة حقيقية لهذه الطريقة في التفكير إن كان التغيير يعنينا، وعلى القادة أن يتمتعوا بالحيوية بحيث يقدرون على التمحور والتكيف مع المشهد المتطور باستمرار.” يلتزم أعضاء الفريق ذوي الأداء المتفوق بأهداف وحدات عملهم المنفصلة وبتحول المؤسسة على حد سواء. فقد تحولوا من التفكير بعقلية “ابق في مسارك” إلى التصميم على عبور خط النهاية معاً. وتوضح فيليغاس: “وفي حال كانت قيمنا “كن جريئاً، ولطيفاً، وتواصل مع الآخرين”، فمن المنطقي أن نتبنى هذا النوع من التواصل” “يمكننا أن نكون صادقين ولطيفين، وسنرى انعكاس ذلك في تسريع النمو”.

ممارسات ذات فائدة عظيمة لعملية التحول

الوقت المناسب لتفعيل السلوكيات المتفق عليها هو لحظة التزام فريقك بالعقد الاجتماعي الجديد. ولقد حددنا في “فيرازي غرينلايت” مجموعة من الممارسات ذات الفائدة العظيمة والتي ستساعدك في عملية التحول. ويتطلب تبني تلك الممارسات عملاً شاقاً وجهداً موجهاً في بداية الأمر، لكنها ستكتسب قوة دفع وتصبح مجرد عادات بمرور الوقت. ومن المجدي تعيين ميسّر ومدرب للفريق؛ ففي شركة “إن آي” تولّت كيت بريسكوت، رئيسة قسم شؤون الموظفين ونائبة الرئيس الأول هذا الدور.

حل المشكلات بالتعاون. وهي مناقشة منهجية يبرز فيها سؤال واحد بخصوص العمل ويكون محور اجتماع لمدة تتراوح من 60 إلى 90 دقيقة. قد يناقش الفريق تحديد أولويات بنود جدول الأعمال للعام المقبل، أو الابتكارات الخاصة باستراتيجية البيع بالتجزئة للشركة، أو النظر في المخاطر التي قد تعرقل الأعمال في الأشهر الستة المقبلة. ومهما كان الموضوع، يجب على الأعضاء جمع البيانات والرؤى من فرقهم الأوسع، فالهدف هو إقامة حوار حقيقي وليس إجماعاً. كن واضحاً منذ البداية بشأن من سيتخذ القرار النهائي. فمع هذا الوضوح، ستتجنب الاستياء بخصوص من تم اختيار تنفيذ أفكاره.

ومع انتقال الفرق للعمل عن بُعد أثناء الجائحة، أصبحت الجلسات الفرعية الرقمية أداة شائعة لدفع المناقشات إلى الأمام. ووجدنا أن مثل هذه الجلسات أداة مهمة في حل المشكلات على نحو تعاوني، والتي تستمد الكثير من فعاليتها مما نسميه قوة الثلاثة.

وفي منتصف الجلسة ينقسم الفريق إلى مجموعات مكونة من ثلاثة أشخاص لتبادل الأفكار، ثم يجتمع الجميع مرة أخرى ضمن المجموعات الرئيسية. يتمتع الناس بشجاعة أكبر في مجموعات صغيرة، ويكونون أقل إحراجاً تجاه انتقاد الأفكار واستبعاد الأفكار الضعيفة.

وأثناء تدريب الفرق على حل المشكلات على نحو تعاوني، اكتشفنا أن الشجاعة والصراحة تستمران عندما تجتمع المجموعات الرئيسية مرة أخرى. وعادةً ما تترابط المجموعات المؤقتة التي تشكلت خلال الجلسات الجانبية في وقت قصير معاً، وسيفقد أعضائها ماء الوجه إن خففوا تعليقاتهم. ويقدم عضو الفريق الذي يتمتع بسلطة اتخاذ القرار ملاحظات فورية: “نعم، سنفعل ذلك”، أو “لا، وهنا لماذا لا” ، أو “دعونا نلقي نظرة أخرى بعد إجراء بحث إضافي”. وتعد خطوة الملاحظات ذات أهمية كبيرة، ويجب أن يثمر التعاون عملاً ملموساً في النهاية.

يقول سكوت روست، نائب الرئيس التنفيذي للمنصة والمنتج في شركة “إن آي”: “إن مفهوم الصراحة الذي يبدأ في مجموعات صغيرة وينمو عبر المجموعات الأكبر حجماً مفهوم بالغ التأثير”. ويضيف: “إن تدوين الميسّر للأفكار في وثيقة مشتركة كان له قيمة خاصة، حيث يضمن وجود نسخة واحدة ودقيقة للحوار. ويقول روست: “لقد بعثنا المزيد من الثقة عبر المؤسسة”، “وقد منحنا ذلك الثقة لتكرار العملية. لقد كانت طريقتنا بالعمل تعتمد على الخطط المعدة سلفاً. ولكن عندما توقن أن فريقك يفهم مغزى الخطة، فسيقوم بتعديلها حسب الحاجة”.

يقول جيسون جرين، الرئيس التنفيذي للإيرادات ونائب الرئيس التنفيذي للمحفظة الاستثمارية، “النتيجة الواضحة هي زيادة المبيعات وزيادة التعاون بين وحدات العمل، حيث ترى كل وحدة الآخرين كحلفاء متشاركين”.

الأداء المنيع. في بعض أنجح الشركات التي درستها وعملت معها “فيرازي غرينلايت”، يحافظ أعضاء الفريق التنفيذي على تركيز جزئي ولكن مستمر على المؤسسة ككل، بغض النظر عن مناصبهم ومسؤولياتهم المحددة. لكن هذا السلوك يعد نادراً، فغالباً ما نرى المسؤولين التنفيذيين أصحاب عقلية “ابق في مسارك” يعطون الأولوية لنجاح مهمتهم أو قسمهم على حساب أهداف ونجاح المؤسسة التي يعملون فيها.

ويمكن للممارسة المعروفة باسم الأداء المنيع (bulletproofing)، في حال تم استخدامها بانتظام، أن تساعد في ضمان تعاون الفرق التنفيذية أو غيرها عبر وحدات العمل المنفصلة والحفاظ على شعور قوي بالمسؤولية الجماعية والالتزام بالنجاح على مستوى المؤسسة. وهذه هي آلية عمل هذه الممارسة: يقدم أحد أعضاء الفريق مشروعاً ذا أولوية عالية في مستند مشترك مكون من ثلاثة أعمدة يوضح بالتفصيل ما تم تحقيقه، وأين يعاني المشروع، وما هو مخطط له في مرحلة العمل التالية. ثم يطلب تزويده بملاحظات غير مقيدة وبنقد بنّاء.

ومن السهل إدارة هذه الممارسة خصوصاً في سياق افتراضي: فبضغطة زر يمكن تقسيم الأعضاء إلى مجموعات من ثلاثة أفراد وإرسالهم إلى غرف جانبية لمدة 10 إلى 30 دقيقة، وذلك اعتماداً على مدى تعقيد المشكلة.

تنتقد المجموعات المكونة من ثلاثة أشخاص مشروع زميلهم، متناولة أي شيء قد ينطوي على مستويات عالية من المخاطر غير المقبولة أو غير الضرورية، وتناقش أفكاراً للتخفيف من هذه المخاطر، مع الحفاظ على نبرة محترمة وجماعية.

فكّر في الأمر على أنه شكل لطيف ورقيق من أشكال ممارسات الفريق الأحمر (الفريق الأحمر هو مجموعة مستقلة تتحدى مؤسسة لتحسين فعاليتها). حيث يقومون بإدخال ملاحظاتهم في مستند مشترك مقسم إلى ثلاثة أعمدة: التحديات والابتكارات وعروض المساعدة. يضمن ذلك أن يكون لدى الشخص المسؤول عن المشروع مساهمات واضحة وموثقة وتشمل مجموعة متنوعة من وجهات النظر إلى جانب عروض الدعم الجدية. وبحلول الوقت الذي يؤتي فيه المشروع ثماره، يكون قد خضع لفحص صارم وتمت الاستفادة القصوى من حكمة الفريق.

ويمكن تكييف الأداء المنيع بسهولة للفرق غير المتزامنة، والتي تواجه تحديات فريدة والتي قد تتساءل كيف يمكنهم التعاون بفعالية نظراً للقيود المفروضة على قدرتهم على الاجتماع. إن دعوة أعضاء الفريق الموزعين جغرافياً لتقديم أفكار الأداء المنيع عبر المستندات المشتركة يمكن أن تثير الصراحة والتعاون حتى من أكثر الأشخاص انطوائية، فقد خلصت “فيرازي غرينلايت” إلى نتيجة مفادها أن السياق اللاتزامني يؤدي غالباً إلى تعاون أكثر جرأة وشمولية واتخاذ قرارات أسرع.

ويقول ستاركلوف: “في الماضي كان قادة “إن آي” يشعرون أحياناً بأن عليهم أن يتولوا زمام الأمور وحدهم وأن يفكروا بكل شيء بأنفسهم”. ويردف: “في المقابل تسمح لهم هذه الممارسة بإشراك زملائهم في تطوير الحلول دون الحد من سلطتهم أو مسؤوليتهم. فهي مجرد عقلية وطريقة تفكير، فلا يتوجب عليك إيجاد الحلول بمفردك”.

استراحات الصراحة، إعادة إلقاء الراية الحمراء، وكلمات الأمان. لا يمكننا أن نوفي أهمية الصراحة حقها. قد يكون تجنب النزاع فعلاً مدمراً بل وقاضياً، وسيقود الفريق لإضاعة الفرص والتعرض لمخاطر يمكن تجنبها. فقد يدرك أعضاء الفريق المخاطر ولكنهم يرفضون التحدث عنها، ربما خوفاً من أن يُنظر إليهم كخونة لزملائهم. وبدلاً من ذلك يفضلون طرح الانتقادات والشكوك في المناقشات الخاصة. يجب أن يوضح كبار القادة أن المناقشات الخاصة ليس لها مكان في الفريق وأن يأذنوا بكل وضوح للنقاش العلني حول أي رأي مهما كانت طبيعته. وبغض النظر عن مدى حساسية القضية أو مدى جدية النقد، يجب أن يشعر الأعضاء بالحرية في التعبير عن أفكارهم بصراحة ولكن بشكل بناء، والاستجابة للمساهمات النقدية باهتمام مع إدراك أنها خطوة حاسمة نحو حل أفضل.

يركز راي داليو، مؤسس صندوق التحوط “بريدج ووتر أسوشيتس” بشكل خاص على توظيف الأشخاص الذين يشعرون بالراحة حيال تقديم النقد وتلقيه. “نحن نبحث عن الأشخاص الذين يفكرون باستقلالية، ويناقشون بعقلية منفتحة وحازمة، وقبل كل شيء نقدر السعي المكثف للحقيقة والتميز، لأنها نحقق من خلاله التحسن السريع لهم وللمؤسسة،” “والأهم من ذلك، يجب أن يكونوا قادرين على تنحية غرورهم جانباً وتقييم أنفسهم بصراحة”. مقتبس من كتابه “المبادئ” (Principles) الصادر في عام 2017.

وماذا عن الفرق التي يعم الخوف والسلبية بين أعضائها؟ من واقع خبرتنا، تكافح معظم الشركات بشدة لمساعدة هؤلاء الموظفين على اكتساب العقلية اللازمة. وهنا تكمن فائدة استراحات الصراحة. أثناء الاجتماع، قم بالإعلان عن استراحة صراحة واسأل الفريق، “ما الذي لم يُقل؟” قسّم الفريق إلى مجموعات من ثلاثة أشخاص (وفي غرف جانبية مستقلة في حال كان الاجتماع افتراضياً) لبحث هذا السؤال. اجعل كل مجموعة تكتب أفكارها وانتقاداتها الصادقة. انشر النتائج في مستند مشترك ثم انشرها شفهياً بعد إعادة جمع الفريق بالكامل. ويمكن أن تكون فترات استراحة الصراحة بمثابة آلية تدريب. وفي الوقت المحدد، سيبدأ أعضاء الفريق في مشاركة ملاحظاتهم تلقائياً.

يمكنك أيضاً استخدام ما نسميه إعادة إلقاء الراية الحمراء. مثلما يلقي مدربو كرة القدم رايةً لطلب مراجعة قرارات ضربة الجزاء، يمكن لأي عضو في الفريق وليس القائد فقط، التوقف مؤقتاً في أي وقت ومطالبة الفريق بإعادة النظر في تفاعل جديد بالقول: “دعونا نعيد إلقاء الراية الحمراء على تلك المناقشة”. كما يمكن طلب الإعادة إذا بدا أن انتهاكاً للعقد الاجتماعي قد حدث، مثل المحادثات الخاصة أو المواجهات العدوانية. ويمكن للمجموعات الصغيرة مناقشة متى وكيف حدث الانتهاك، وجهاً لوجه أو افتراضياً في غرف اجتماع جانبية، ومن ثم تقديم رؤاهم إلى الفريق الأكبر. ما الذي كان يمكن فعله بشكل مختلف، وما المطلوب لمنع الانتهاك ومن ثم إعادة الفريق إلى المسار الصحيح؟

ويعتبر الاتفاق على كلمات أمان طريقة أخرى لتعزيز الصراحة. وهنا أي كلمة أو عبارة متفق عليها سلفاً (يمكن أن تكون أي شيء، مثل “لحظة صمت” أو عبارة “الحكمة مطلوبة”) تعطي إشارة إلى الجميع لالتقاط أنفاسهم والاستماع باهتمام ودون مقاطعة للشخص الذي أطلق كلمة الأمان. (أود أن أسأل: “هل يمكنني الحصول على لحظة صمت، من فضلكم؟” لأنني أعتقد أن الحكمة مطلوبة وموجودة في كل فريق، ولكن فقط عندما تتم مشاركة مساهمات الجميع بشكل علني). قد يستخدم أي عضو في الفريق كلمة أمان في أي وقت يشعر فيه أن المناقشة قد خرجت عن مسارها أو حين يكون لديه شيء بالغ الأهمية (وربما مثيراً للجدل) ليقدمه. إن وجود هذا الخيار يوفر الأمان النفسي اللازم للأعضاء للتحدث بصراحة ودون الخوف من إشعال نزاعات هدامة.

كانت الاجتماعات سابقاً في “إن آي” تتميز بتجنب النزاعات، لكن الصراحة أصبحت سمتها الآن. يقول بريسكوت: “كان مستوى الصراحة في الفريق يمثل غالباً التغيير الأبرز”. “ازدادت ثقتنا بإجراء حوارات عميقة حول القضايا الشائكة والموضوعات التي تحمل بعض الخلاف لأننا واضحون في أن هدفنا الوحيد وهو خدمة الصالح العام. لا ينبغي لأحد أن ينقص أو يزيد من قدر أحد، فالهدف حل المشكلات معاً”.

من واقع خبرتنا، معظم الشركات تكافح بشدة لمساعدة الموظفين المسكونين بالخوف والسلبية على اكتساب العقلية اللازمة.

طريقة تقييم 360 درجة المفتوحة. أبرمت الفرق التي عملنا معها وكانت الأعلى أداءً في إبرام عقود اجتماعية تسمح لأعضائها بتبادل الآراء بشفافية حول الأداء والكفاءات في سبيل النمو. لكن بناءً على مجموعة البيانات المتوفرة لدينا أشار 61% من أعضاء الفرق إلى أن زملاءهم لا يبدو أنهم يبحثون في مجالات النمو أو عن أي فرص تطوير على الإطلاق، ربما لأنهم غارقين في أعباء العمل الثقيلة ويعتقدون أنهم يفتقرون إلى الوقت. وهذا الاعتقاد يخلق معضلة، فبدون التدريب والتطوير الخاص بالفريق، يكون العمل أصعب، ويكون التعاون أقل فاعلية، لذا تصبح أعباء العمل أكبر، ما يزيد من الإرهاق ويجعل الفريق أقل قدرة على طلب التطور والنمو.

وما يزيد الطين بلة هو اعتقاد الكثيرين أنه بمجرد وصولهم إلى المناصب التنفيذية، فستتراجع حاجتهم للتطوير مقارنة بالمراحل السابقة من حياتهم المهنية، وفي الواقع كلما صعد الموظفون في السلم المؤسسي قلّت رغبتهم في تقبل الملاحظات. لكن كبار القادة يحتاجون إلى التدريب أيضاً، لا سيما فيما يتعلق بسلوكيات الفريق. وفي بيئة الأعمال المتقلبة اليوم، يتعين على كل الأفراد من كل المستويات أن يسعوا للتطوير والنمو الدائم.

وهنا يأتي دور طريقة تقييم 360 درجة المفتوحة. يرتفع مستوى الأداء المتميز عندما يتحمل أعضاء الفريق مسؤولية تدريب بعضهم البعض بدلاً من الاعتماد فقط على ملاحظات القائد. قد نكون على دراية بطريقة تقييم 360 درجة التقليدية لتقييم الأداء، وهي تقييمات الأداء التي تطلب الآراء من جميع الاتجاهات، وعادةً ما تكون مكتوبة ومجهولة المصدر. لكن في طريقة تقييم 360 درجة المفتوحة يحصل كل عضو على آراء وملاحظات زملائه شفهياً وفي جو يتسم بالشفافية على مستوى الفريق. نوصي بالبدء مع القائد ومطالبة الزملاء في الفريق بتقديم الملاحظات بالتناوب وعبر جولتين. في الجولة الأولى، وللتحصين ضد السلوك الدفاعي، على الأعضاء الإشادة ببعض جوانب أداء زملائهم في الفريق على غرار: “أكثر ما يعجبني فيك هو…” وفي الجولة الثانية يجب أن يقدموا انتقادات بنّاءة وإيجابية. على سبيل المثال، يمكن أن تستهل التوصية كالتالي: “لأن نجاحك هو نجاحنا، أقترح…” تقول فيليغاس: “دفعتنا هذه الممارسة إلى الخروج من مناطق الراحة، وهنا يحدث التغيير الحقيقي، لقد وطّد الفريق الثقة المتبادلة”.

وأدى التغيير في ثقافة العمل والسلوكيات بين أعضاء فريق قيادة شركة “إن آي” إلى تحسين الأداء. وصلت إيرادات الشركة إلى 1,47 مليار دولار في عام 2021 بزيادة قدرها 9% عن عام 2019 حيث سجلت أعلى الإيرادات والطلبات في تاريخ الشركة في الربع الأخير من عام 2021. فقد تحولت عملية اتخاذ القرارات الاستراتيجية جذرياً على الرغم من كل تحديات العمل عن بعد.

يقول ستاركلوف: “أتذكر ذلك الاجتماع عبر زووم والذي استمر طوال اليوم وكنا جميعاً خائفين منه نوعاً ما”. “اجتماع عبر زووم مدته ثماني ساعات، يا للهول! وكان العنوان ضخماً: التخطيط لكيفية العمل في أثناء كوفيد. كنا نعلم أننا سنحتاج إلى اتخاذ قرارات صعبة وتنازلات، لكن في نهاية الاجتماع قال الجميع: “رائع، عند مغادرتي هذا الاجتماع كان لدي طاقة أكبر مما كانت عليه عندما بدأناه”. لقد كان رائعاً ذاك الشعور بأنه يمكنك إدارة اجتماع بطريقة تبعث الطاقة وتحفز الإنجاز”.

ويضيف ستاركلوف: كانت “إن آي” تكرر نفس الاستراتيجية على مدى عدة أشهر وكانت القرارات تأتي بصرامة من القمة، دون موافقة الجميع. ويتذكر قائلاً: “وكان هذا التوتر يؤدي إلى جميع أنواع السلوك العدواني والسلبي، ولم يلتزم الناس بروح القرارات”. “هناك فرق شاسع بين قول “سنشارك جميعاً” والإيمان بها بصدق وبين الامتثال بها على مضض. ونحن بالتأكيد من الفئة التي تؤمن بها اليوم”.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .