علم الاقتصاد السلوكي أفضل وقاية من الأنفلونزا

3 دقائق
الاقتصاد السلوكي والأنفلونزا
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في ظل انتشار العديد من المفاهيم الخاطئة والشائعة التي تقول إن الأشخاص الأصحاء لا يحتاجون إلى لقاح الأنفلونزا، وإلى جانب الخرافات حول الآثار الجانبية الضارة للقاح. أظهر العديد من الدراسات أن أحد أكبر الأسباب التي تجعل الناس يمتنعون عن التطعيم هو أن الطبيب لا ينصحهم بذلك أبداً. (يقول 80% من المرضى أنه من المرجح أن يأخذوا اللقاح إذا نصحهم مقدم الرعاية الصحية بذلك). فماذا عن تطبيقات الاقتصاد السلوكي والأنفلونزا حول العالم؟

كيف يمكننا الحصول على المزيد من مقدمي الرعاية الذين ينصحون بأخذ هذه اللقاحات؟ لحسن الحظ، هناك طريقة فعّالة وغير مكلفة وهي: “دفعهم” للقيام بذلك عن طريق إجراء تغييرات ماكرة على السياق الذي يتخذون القرارات من خلاله. وتُعد لقاحات الأنفلونزا مثالاً على ذلك.

اقرأ أيضاً: كيف تتحدد اختياراتنا وفقاً لعلم الاقتصاد السلوكي؟

بالنتيجة، قد ينتهي بنا الأمر بإصابة أكثر من 30 مليون أميركي بالأنفلونزا في هذا الموسم (أكتوبر/تشرين الأول 2017 حتى أبريل/نيسان 2018)، ما يؤدي إلى وفاة أكثر من 50 ألف شخص من جميع الفئات العمرية، وإلى إنفاق 11.6 مليار دولار على تكاليف الرعاية الصحية، و111 مليون يوم عمل ضائع.

الاقتصاد السلوكي والأنفلونزا

وعلى الرغم من أن فعالية اللقاح تبدو أقل من المعتاد في هذا الموسم، لا يزال أكثر طريقة آمنة لنا لإنقاذ الأرواح. للأسف، لن يهم مدى جودة اللقاح الذي نعمل عليه إذا كان معظم الناس لا يتلقونه. خلال العقد الماضي، بقيت معدلات تلقيح سكان الولايات المتحدة دون الـ 50%. ولا يبدو أن هذا الموسم سيكون مختلفاً. لُقّح أقل من 40% من الأطفال والبالغين في بداية موسم الأنفلونزا هذا، وذلك وفقاً لمراكز الولايات المتحدة الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها (Centers for Disease Control and Prevention). والمفجع في الأمر، أنه من بين أكثر من 150 حالة وفاة من بين الأطفال 20% فقط كانوا قد تلقوا التلقيح.

قد يلعب دفع الناس لأخذ اللقاحات دوراً رئيسياً في معالجة هذه المشكلة. وتُعتبر أحد أفضل الأمثلة على الدفع الناجح هو ما فعله باحثو جامعة “بنسلفانيا” العام الماضي. من خلال إجراء تعديل بسيط في السجل الطبي الإلكتروني، رفعوا معدلات التطعيم بنسبة 40% تقريباً مقارنة بالعيادات التي لم تحصل على التغيير التقني. كان التدخل بسيطاً للغاية: عندما سجل الأطباء الدخول إلى مخطط المريض لأول مرة، تم حثهم إما على “قبول” أو “إلغاء” طلب لقاح الأنفلونزا.

يتمثل النهج التكميلي لدفع الأطباء على تطعيم مرضاهم في إشراك غرائز هؤلاء الأطباء التنافسية في الأمر. على سبيل المثال، أدت دراسة حديثة شارك فيها أحدنا (كريغ) إلى خفض كبير في معدل وصف الأطباء للمضادات الحيوية دون الحاجة إلى ذلك، من خلال إرسال رسائل إلكترونية شهرية لهم. كانت هذه الرسائل الإلكترونية تخبر الأطباء عن عدد المرات التي وصفوا فيها مضادات حيوية دون داعٍ، مقارنة بأطباء ذوي أداء أفضل في منطقتهم.

اقرأ أيضاً: كيف تبني مهارات العلوم السلوكية في شركتك؟

نتج عن هذا التدخل البسيط تراجع مذهل في نسبة وصفات المضادات الحيوية غير الملائمة وصل إلى 71% (أكبر بكثير من الانخفاض الملحوظ في العيادات التي لم تستخدم هذا التدخل) واستمر هذا التأثير حتى بعد مرور عام على توقف رسائل البريد الإلكتروني تلك. الآن، ماذا لو أظهرنا للأطباء كيف أن معدلات لقاحات الأنفلونزا التي وصفوها تختلف عن معدلات زملائهم؟ ربما قد نلاحظ تحسناً مفاجئاً في معدلات التلقيح.

وبالطبع، إن إقناع الأطباء بنصح المرضى في أخذ لقاح الأنفلونزا لا ينفع إلا إذا جاء المرضى إلى العيادة. لحسن الحظ، لدينا إجراءات يمكنها دفعهم إلى فعل ذلك. في دراسة حديثة، تم إرسال رسالة بريد إلكتروني تلقائياً إلى أعضاء هيئة التدريس والموظفين في جامعة “راتغرز”، تحدد لهم الزمان والمكان لأخذ لقاح الأنفلونزا، مع ترك الخيار لهم بالانسحاب. لقد زادت إجراءات التسجيل التلقائي هذه من معدلات التلقيح بنسبة 36%، مقارنة مع أعضاء هيئة التدريس والموظفين الذين تلقوا بريداً إلكترونياً يتيح لهم فرصة أخذ اللقاح من خلال اختيار مواعيدهم الخاصة عبر الإنترنت.

واتخذت دراسة أخرى نهجاً أكثر لطفاً، يقتضي بمساعدة الناس على تذكر متابعة رغبتهم في الحصول على لقاح الأنفلونزا. أُرسل إلى موظفين في شركة مرافق كبرى في وسط غرب الولايات المتحدة بريد إلكتروني معلوماتي يتضمن التواريخ والأوقات المتاحة لعيادات التطعيم في مكان العمل. ولكن، تلقت مجموعة واحدة منهم رسالة إلكترونية مختلفة تحثهم على اختيار تاريخ ووقت للحصول على اللقاح. وبشكل مثير للإعجاب، أدت هذه الخطوة الإضافية الدقيقة إلى زيادة بنسبة 12% في لقاحات الأنفلونزا، مقارنة بالرسائل التي كانت تحتوي على معلومات فقط.

اقرأ أيضاً: صعود نجم الاقتصاد السلوكي وتأثيره على الشركات

تعمل هذه “الدفعات”، مثل الاختيار الفعلي والمقارنة بين النظراء وجدولة المواعيد والتسجيل التلقائي، على زيادة البصيرة السلوكية التي ترتبط بها مواردنا المعرفية. وبالتالي، قد يؤدي جعل لقاحات الأنفلونزا ملحوظة ومطلوبة اجتماعياً وتلقائية، ومخططاً لها بشكل ملموس، إلى زيادة كبيرة في عدد الأشخاص الذين يتلقون هذه اللقاحات. أثبتت هذه “الدفعات” فعاليتها في التجارب ضمن العيادات، فلماذا لا نختبرها وننفذها على نطاق أوسع لخدمة الصحة العامة؟

في الواقع، تقدّر مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها أنه إذا تحسنت معدلات التطعيم في الولايات المتحدة بنسبة 5% فقط، فسنتمكن من تجنب 483 ألف حالة مرض أنفلونزا، و232 ألف زيارة طبية، و6,950 حالة دخول إلى المستشفى، ويعد هذا أمراً مذهلاً، في ظل استثمارات منخفضة التكلفة لإجراءات تدفع الموظفين على أخذ اللقاح.

وفي نهاية الحديث عن الاقتصاد السلوكي والأنفلونزا حول العالم، لقد حان الوقت لتطبيق هذه الدفعات على نطاق أوسع. قد تكون في نهاية المطاف أحد أفضل الطرق التي نتبعها لمنع موسم الأنفلونزا القادم من أن يكون مميتاً مثل هذا الموسم.

اقرأ أيضاً: دروس وإرشادات لوحدات الترغيب والتوجيه السلوكي في الشرق الأوسط

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .