الإعلانات الموجهة لا تزيد من فرص الشراء فحسب، بل تغير نظرتك لذاتك أيضاً

4 دقائق
الإعلانات الموجهة وزيادة فرص الشراء
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لا يحتاج خبراء التسويق اليوم بفضل تقنية التتبع عبر الإنترنت إلى الاعتماد على سلوك المستهلك، بل يمكنهم تقديم الإعلانات الموجهة خصيصاً إلى الأفراد بناءً على سلوكهم عبر شبكة الإنترنت. لقد أدرك خبراء التسويق منذ فترة طويلة، أن هذا النوع من الإعلانات ذات الطابع الشخصي أكثر فعالية في توليد كل من عدد النقرات ومعدلات التحويل على حد سواء، لكنهم لم يفهموا تماماً الدوافع السيكولوجية للمستهلك التي تجعل هذه الإعلانات الموجهة سلوكياً فعالة لهذه الدرجة. فماذا عن الإعلانات الموجهة وزيادة فرص الشراء؟

الإعلانات الموجهة

نعم، إن هذه الإعلانات هي الأكثر ارتباطاً وإثارةً لاهتمام المستهلكين، ولكن هذا جزء يسير من الصورة الكاملة فقط. ففي بحثنا، الذي نُشِر مؤخراً في مجلة “أبحاث المستهلك” (Journal of Consumer Research)، درسنا احتمالية ارتباط الإعلانات الموجهة سلوكياً بالعواقب النفسية المتفردة التي تلعب الدور الإيجابي في زيادة فعاليتها، مقارنةً بالإعلانات التي تعتمد على الاستهداف الديموغرافي أو النفسي التقليدي.

وفي إحدى الدراسات التي أُجريَت على 188 طالباً جامعياً، وجدنا أن المشاركين أبدوا اهتماماً أكبر بشراء الكوبون الجماعي “غروبون” (Groupon) لمطعم تم الترويج له على أنه مطعم راقٍ، عندما اعتقدوا أن الإعلان عن هذا المطعم قد وجه لهم استناداً إلى زيارتهم لمواقع إلكترونية محددة خلال مهمة سابقة (كتصفح الإنترنت لإنشاء برنامج لرحلة سياحية)، مقارنة باهتمامهم عندما اعتقدوا أن الإعلان وجه لهم بناءً على بعض الخصائص الديموغرافية (السن والنوع) أو أن الإعلان غير موجه على الإطلاق. وقد أشارت تلك النتيجة إلى أن الاستهداف السلوكي على وجه التحديد يزيد من اهتمام المستهلكين بالمنتج، وهنا لا نتحدث عن استهداف السمات المشتركة على مستوى المجموعة كلها.

ولكن لماذا نشعر بالاهتمام المتزايد لشراء أحد المنتجات، بمجرد الاعتقاد أن الإعلان قد وجه إلينا استناداً إلى سجلات التصفح على شبكة الإنترنت؟

وللإجابة عن هذا السؤال، أجرينا دراسة ثانية. لقد عرضنا على الطلاب إعلاناً لعلامة تجارية متخصصة بساعات اليد الفاخرة، وجعلناهم يعتقدون تارةً أنه إعلان موجه سلوكياً وتارةً بأنه غير موجه. ثم طلبنا منهم تقييم درجة إحساسهم بالرقي. وهنا أظهرت البيانات أن المشاركين قيّموا أنفسهم على أنهم أكثر رقياً بعد تلقي الإعلان الذي اعتقدوا أنه وجه لهم شخصياً، مقارنةً بنتائج التقييم التي قدموها عند اعتقادهم أن ذلك الإعلان لم يكن موجهاً لهم شخصياً. بعبارة أخرى، رأى المشاركون أن الإعلان الموجه يعكس سماتهم الخاصة. لقد أوحى لهم الإعلان، بناء على سجلات تصفحهم على شبكة الإنترنت، أن لديهم أذواقاً راقيةً. وبدورهم تقبلوا هذه المعلومات، واعتبروا أنفسهم مستهلكين على درجة رفيعة من الرقي، وكان هذا التحول في تقييمهم لأنفسهم السبب وراء اهتمامهم المتنامي بذلك المنتج الراقي.

كما أظهرت دراسة ثالثة، أن هذه التغيرات في تقدير الذات الناتجة عن الإعلانات الموجهة سلوكياً يمكن أن تؤثر في سلوكيات الأفراد لدرجة تمتد فيها إلى ما وراء نوايا الشراء. فبعد تلقي أحد الإعلانات الموجهة سلوكياً لمنتج مصنف صديقاً للبيئة، اعتبر المشاركون الجامعيون أنفسهم “أصدقاء للبيئة”، حتى إنهم كانوا أكثر استعداداً لشراء ذلك المنتج المعلن عنه (على الأقل في الأمد القريب)، علاوةً على استعدادهم للتبرع إلى تلك المؤسسة الخيرية المناصرة للبيئة، التي تم الترويج لها في نهاية تلك الجلسة العملية.

التأثير السلوكي للإعلانات الموجهة

لكن على أي حال، فإن التأثير القوي للإعلانات الموجهة سلوكياً على تقدير الذات لا يقتصر على هذه الحدود فقط. لقد اختبرت دراستنا الأخيرة دور دقة الاستهداف. ووجدنا أن الاستهداف السلوكي لا بد أن يكون على قدر من الدقة على أقل تقدير (أي أن يرتبط بشكل معقول بسلوك المستهلكين السابق)، وإلا فسيتم رفضه. حيث تلقت عيّنة من المستهلكين البالغين عبر شبكة الإنترنت، مجموعة من الإعلانات الموجهة بعناية وفي أحيان أخرى كانت موجهة على نحو غير دقيق، عن منتج شوكولاتة ساخنة والمصنف على أنه ملائم للنشاطات الخارجية. فإذا كان لدى هؤلاء المشاركين بعض الاهتمام بالنشاطات الخارجية (وقد تم قياس ذلك من خلال تكليفهم بالتسوق في بداية الجلسة الدراسية)، فسيعزز هذا الإعلان الموجه سلوكياً من حبهم لهذا النوع من النشاطات، وبذلك سيصبحون أكثر ميلاً إلى شراء هذا المنتج. وإذا لم يكن لديهم أي اهتمام بالنشاطات الخارجية وكان الاستهداف غير دقيق، فإن هذا الاستهداف السلوكي لن يؤدي إلى أي تغييرات في تقدير الذات أو إلى زيادة في فرص شراء المنتج.

ومن المهم ملاحظة أن الآثار الواقعة على تقدير الذات التي تمت ملاحظتها سابقاً، تتوقف على مدى إدراك المستهلكين لحقيقة أن الإعلان المقدم مرتبط بسلوكهم السابق أم لا. وخلال دراساتنا السابقة جميعها، قمنا بتفسير الاستهداف السلوكي للمشاركين، وبذلك أصبح لدى المشاركين المُدرَجين تحت شرط الإعلان الموجه سلوكياً الاعتقاد بأنهم تلقوا الإعلان نتيجة لسلوكهم الخاص على شبكة الإنترنت.

وبسبب عدم مطابقة الإعلانات في دراساتنا السابقة لسلوك المشاركين تماماً، اكتفينا بتصور أن تلك الإعلانات كانت مطابقة لسلوكهم. لذلك، من المتوقع أن تكون تلك الآثار أقوى في العالم الحقيقي عندما تكون الإعلانات موجهة سلوكياً بدقة أكبر. وإذا لم يدرك المستهلكون أن الإعلان موجه سلوكياً، فمن المرجح ألا ينظروا إليه على أنه انعكاس لذواتهم، حتى لو كان ذلك الإعلان مطابقاً بالفعل لنشاطاتهم على شبكة الإنترنت.

ولكن ماذا يعني كل ذلك لخبراء التسويق؟

أولاً، عند تقييم الحاجة لتنفيذ الحملة الإعلانية وفقاً للاستهداف السلوكي، على المدراء التفكير في أن التأثير الذي سيتركه الإعلان قد يمتد إلى ما هو أبعد من عدد النقرات ومعدلات التحويل. فقد يغير هذا الاستهداف رؤية المستهلكين لأنفسهم كما سيمنحهم الشعور بأنهم يملكون تلك الصفات المنطوية في هذه الإعلانات بالفعل. وهذا يشير إلى أن العلامات التجارية التي تتبنى السمات الشخصية البارزة قد تستفيد بشكل خاص من الاستهداف السلوكي.

ثانياً، ينبغي على المدراء إدراك أن الاستهداف السلوكي قد يكون سيفاً ذا حدين. فمن ناحية، قد يفيد العلامة التجارية من خلال زيادة الاهتمام بمجموعة متنوعة من المنتجات التي تربطها العلامة التجارية بسمة معينة. ومن ناحية أخرى، قد ينعكس هذا الاستهداف السلوكي إيجابياً على المنافسين من خلال ترسيخ أحد السمات التي قد يتم التعبير عنها عبر الشراء من العلامات التجارية المشابهة.

وأخيراً، ربما تكون هذه النقطة الأكثر أهمية، فقد تبين لنا من نتائج دراساتنا أن الشفافية ترجع بالفائدة على المستهلكين والشركات على حد سواء. إذ لا تقع آثار الإعلانات الموجهة سلوكياً إلا عندما يعلم المستهلكون أن الإعلان قد تم توجيهه سلوكياً، لذلك يجب على المعلنين تضمين رمز برنامج “أدتشويسز” (AdChoices) لتمييز الإعلانات الموجهة سلوكياً على هذا النحو. إضافةً إلى ذلك، فإن تعريف الإعلانات تحت بند الإعلانات الموجهة سلوكياً، يُمَكّن المستهلكين من التحكم في استخدام بياناتهم بدقة أكبر مما يساعد على تخفيف حدة المخاوف المتعلقة بالخصوصية التي ذكرتها “لجنة التجارة الفيدرالية” (FTC)، فيما يتعلق بالإفصاح عن استخدام بيانات المستهلك في تقديم الإعلانات عبر شبكة الإنترنت.

وباختصار، تشير أبحاثنا حول الإعلانات الموجهة وزيادة فرص الشراء إلى وجود الكثير من الجوانب التي تدفع الشركات إلى استخدام الاستهداف السلوكي، طالما كان هذا الاستهداف دقيقاً والسمات التي ينطوي عليها الإعلان من شأنها دفع المستهلك إلى شراء العلامة التجارية المعلن عنها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .