كيف يتعامل الآباء والأمهات العاملون مع الإرهاق الناجم عن الجائحة؟

5 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: نمرّ اليوم بأوقات عصيبة، ومنذ سنة تقريباً يستمر الآباء والأمهات العاملون بالتنقل ما بين مسؤوليات العمل والعائلة في لحظات، إذ إنهم يعملون من المنزل ويعيشون في العمل. وبالنتيجة باتوا يعيشون حياة عالقة في وضع مرهق لا تتوافق مع قيمهم وباتوا يعانون من الإرهاق الناجم عن الجائحة. يقترح المؤلفان أن يأخذ الآباء والأمهات العاملون بعض الوقت لإعادة النظر في قيمهم التي ربما تكون قد تغيرت في أثناء الجائحة. خذ بعض الوقت لتوضيح ما يهمك الآن، وفكر في تغيير عاداتك والأمور الروتينية التي تقوم بها كي تتوافق مع هذه القيم، وتحدث إلى أصدقائك وعائلتك وزملائك عن إحساسك الجديد بذاتك.

 

قد تكون مثل كثير من الآباء والأمهات العاملين الذين يتساءلون عما يجب عليهم فعله لأن قيمهم وأولوياتهم تغيرت على مدى السنة الماضية، على الرغم من أنهم يعيشون حياة عالقة في حلقة لا منتهية من الأعمال الروتينية القديمة والإرهاق والشعور بالذنب، إلى جانب أن هذه الحياة لا تتوافق مع أهم الأمور بالنسبة لهم. إذا كنت تشعر بذلك فلست وحدك.

على مدى الأشهر الماضية، وبعد نشر كتابنا “الآباء القادة” (Parents Who Lead)، عملنا عن قرب مع آباء وأمهات عاملين في سعيهم إلى تنمية إحساس جديد بذواتهم. وتوصلنا إلى أنه على الرغم من القيود الهائلة التي تترافق مع طبيعة حياتهم في أثناء الجائحة العالمية، فبإمكانهم اكتساب إحساس أكبر بالسيطرة والاقتراب أكثر من الصورة التي يرغبون في تجسيدها كآباء وأمهات.

لكن بالطبع ليس لدينا حل موحد يصلح لجميع الحالات، إذ تختلف كل عائلة عن الأخرى، وتشكلت شخصية كل منا بتأثير من عائلته ونشأته ومسارات حياته إلى جانب تنوع درجات الأمان والدعم الذي يحظى به في وضعه الحالي. لكنك ستتمكن من اتخاذ قرارات سليمة الآن في ضوء كل ما تغير إذا تعمقت في ذاتك وتمكنت من تحديد القيم الأهم بالنسبة لك، وهذا يتطلب التعاطف وشجاعة كبيرة.

نقترح في هذا المقال بعض الخطوات العملية التي يمكنك اتباعها في ظروف الجائحة، مستندين إلى عقود من الأبحاث والعمل في مساعدة الموظفين على إنشاء حياة تتوافق مع قيمهم. ندرك أن ثمة قيود هائلة على حياتنا خارجة عن سيطرتنا (مثلاً، قد لا تملك خياراً بشأن دراسة أطفالك عن بعد)، ومع ذلك هناك فرص لتحقيق تناغم أكبر بين قيمك الجديدة وما تركّز عليه كلّ يوم.

حدد قيمك

قد ينتابك شعور بأنك تغيرت منذ بدأت الجائحة، لكن يصعب التصرف بذكاء بناء على شعور مجرد. لذا خذ بعض الوقت لتوضيح ما تهتم به الآن. نرى أن كتابة هذه الأفكار على الورق هو عامل قوي لتحفيز اتخاذ خطوات بنّاءة، ابدأ بتدوين ملاحظات عن التغيرات التي مررت بها، واترك ما كتبته لفترة ثم عد وألق نظرة عليه، وليكن هدفك هو جمع قائمة تتألف من قرابة 5 قيم أساسية.

سألنا مئات من الآباء والأمهات عن القيم التي يودون تجسيدها الآن في هذه الفترة المحورية المهمة، ولاحظنا أن كثيراً من قيمهم كانت مماثلة للقيم التي كنا نسمع عنها منذ أعوام، لكن بعضها انتقل إلى رأس القائمة.

الحضور: في فترة انتشار الجائحة لم تعد الحدود واضحة بين الأدوار المختلفة التي نمارسها. فبالنسبة لكثير منا لم يعد العمل منفصلاً مادياً وزمنياً عن المنزل وتربية الأبناء، بل نتنقل ما بين مهام رعاية الأبناء ومهام العمل في لحظات، فنحن نعمل من المنزل ونعيش في العمل. وليس مفاجئاً أن نواجه صعوبة في الشعور بأننا حاضرون ومنخرطون تماماً في أي دور مع تنافس بقية الأدوار على انتباهنا في نفس الوقت. وقد سلط هذا الأمر الضوء على أهمية الحضور في العلاقات الشخصية والعمل وصعوبته بالنسبة لكثير من الآباء والأمهات العاملين.

التعاطف: كشفت سنة 2020 عن درجة اتصالنا بالمنظومة العالمية وحالات عدم المساواة المنهجية التي لا تزال قائمة في مجتمعاتنا، لذلك أصبح التعاطف في مقدمة القيم الجوهرية. ليس الأمر وكأن الآباء والأمهات الذين تحدثنا إليهم لم يولوا التعاطف أي قيمة من قبل، وإنما أدركوا الآن أن التعاطف مع أنفسهم وأفراد أسرهم وزملائهم ومجتمعاتهم هو جزء أساسي من الحياة الهادفة.

القدرة على التحمل: أدت حالة الغموض وعدم القدرة على التنبؤ بما يحمله لنا كل يوم أو كل أسبوع أو كل شهر أو كل عام إلى مساعدة كثير منا على إدراك قوة منح الأولوية للقدرة على التحمل. والعمل المدروس على تطوير القدرة على التعامل مع الغموض واستعادة التركيز بعد التعرض للمقاطعة والإحباط والخوف والحزن أصبح يتمتع بالأولوية بالنسبة لكثير من الآباء والأمهات الذين نعمل معهم، لاسيما مع سعيهم إلى قيادة أبنائهم في هذه الفترة العصيبة.

اتخذ منظوراً رباعي الأبعاد

مع توضح القيم التي تود تجسيدها الآن سيكون مجدياً أن تكتسب رؤية معمقة لطرق استثمارك لانتباهك الذي قد يكون الآن أهم أصولك.

فكر بالجوانب الأربع الأهم في حياتك، وهي مسيرتك المهنية أو عملك، ومنزلك أو عائلتك، ومجتمعك (كأصدقائك مثلاً أو جيرانك أو مزودي رعاية الأطفال) ونفسك (ذهنك وجسدك وروحك). ما أهمية كل منها بالنسبة لك؟ وما هو مقدار الانتباه الذي تخصصه لكل جانب؟ هل ترى مجالات لا يتحقق فيها التوافق بين استثمارك لانتباهك وأكثر ما يهمك ويهم الآخرين من حولك؟ هل يساهم ما تفعله في كل جانب من حياتك في إثرائك أنت وعائلتك ومؤسستك والآخرين من حولك؟

فكر في العادات والأعمال الروتينية التي لم تعد تخدم أولوياتك الحالية. قد لا تكون قادراً على تغييرها كلها، لكن ذلك سيساعدك في إلقاء نظرة عن قرب أكثر. فقد بين بحثنا أن التغييرات التي تهدف إلى زيادة التناغم قادرة على إيقاع أثر قوي مهما كانت صغيرة.

تحدث مع أهم الأشخاص بالنسبة لك

قد تشعر أن التغييرات داخلك كبيرة لكن لن يلاحظها من حولك على الأرجح. إذ إن الآخرين يفترضون أن الوضع الراهن لا يزال قائماً إلى أن تخبرهم بغير ذلك، وهذا يشمل زملاءك.

في حين أنه من غير المحبذ أن تتوجه إلى مديرك وتعلن له أنك لم تعد تهتم بوظيفتك، إلا أنه بإمكانك مناقشة الأجزاء التي تحبها الآن من عملك، أو الفرص المتاحة لتفويض بعض العمل الذي فقد أهميته بالنسبة لك. احرص على أن تفكر ملياً وبأسلوب ابتكاري مدركاً أن عليك التوصل إلى طرق لتوضيح كيف ستؤدي هذه التغييرات إلى جعل الأمور أفضل بالنسبة لمديرك ومن يحيطون بك. هذا الأمر صعب ولكنه ممكن.

وبالمثل، تحدث إلى أفراد عائلتك وأصدقائك والآخرين عن إحساسك الجديد بذاتك. وعن طريق بدء النقاش حول أكثر ما يهمك الآن، ستتيح فرصة ليتحقق الآخرون من افتراضاتهم عنك وتدعوهم للتحدث أكثر عن قيمهم واحتياجاتهم وأهدافهم الحالية. خذ مثلاً أبناءك، فلربما يواجهون صعوبة في وصف مخاوفهم وآمالهم واهتماماتهم التي تشغل أذهانهم. عن طريق أخذ دور القائد في هذه النقاشات ستدعو الآخرين للمشاركة في رحلة نموك المستمر.

جرب طريقة جديدة

بعد كلّ هذا الوقت من الطبيعي أن تشعر بالتعب والرغبة في العودة إلى الطرق القديمة التي اعتدت عليها قبل الجائحة، ومع إدراك أنك مصاب بالإرهاق الناتج عن الجائحة فمن المفيد أن تستكشف فرص اتباع طرق جديدة للمضي قدماً. جرب طرقاً جديدة لتوزيع انتباهك مع الحرص على أن تشعر بإحساس أكبر بالهدف. ومع اتخاذ قيمك دليلاً مرشداً يمكنك التمعن في طريقة تقسيم الأعمال المنزلية أو تخصيص وقت للاعتناء بنفسك أو تقديم الدعم لمن يحتاج إليه من أصدقائك أو الاستثمار في القضايا الاجتماعية أو التواصل مع بعض الأقارب. ولا تنس من يحيطون بك أيضاً، احرص على أن تكون التغييرات التي تفكر في إجرائها تلبي احتياجاتهم وقيمهم أيضاً.

لا تستهن بقوة الإنجازات الصغيرة، ليس عليك أن تصحح مسار حياتك بأكملها كي تحقق تناغماً أكبر أو كي تتجاوز الإرهاق الناجم عن الجائحة. مع اكتشافك لذاتك الجديدة التي تعيش في واقعك الجديد، من المهم أن تكون متعاطفاً، وابدأ بالتعاطف مع نفسك. لم تكن التغييرات الشخصية سهلة قطّ، لاسيما عندما تحدث في سياق التغيير الاجتماعي العميق المسبب للقلق. امنح نفسك مجالاً للتفكير والتجريب والفشل مرة تلو الأخرى، وعندما تعثر أخيراً على الطريق إلى “الوضع الطبيعي الجديد”، احتفل بالعمل الذي أنجزته كي تنمو وتتكيف.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .