كيف تنفذ أعمالاً إبداعية أثناء الاستغراق في هاتفك الجوال؟

3 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تتسبب الهجمة الشرسة لوسائل التسلية الرقمية في خسائر فادحة للشركات. ففي استبانة رأي جديدة أجرتها شركة “يوديمي” (Udemy) تَبين أن هذا الأمر يمثل تحدياً من نوع خاص بالنسبة إلى العاملين من جيل الألفية والجيل “زد” (جيل ما بعد الألفية)، فقد ذكر 36% منهم أنهم يقضون ساعتين أو أكثر في كل يوم عمل “يتطلعون في هواتفهم بحثاً عن الأنشطة الشخصية”.

كما أظهرت الاستبانة أن الموظفين يشعرون “بالتوتر والخمول، وينتابهم الأسى حيال أنفسهم ووظائفهم ومهنهم”، لأنهم يبدّدون أوقاتهم في وسائل التسلية الرقمية المحيطة بهم. ويقول ثلاثة أرباع من الذين تعلموا تقليص مدة انشغالهم بوسائل التسلية المحيطة إنهم قد أصبحوا أكثر إنتاجية.

هناك عدد هائل من البحوث التي تحذر من هذه المشكلة، وهذه هي أحدث الإضافات: أوضحنا في مقالات سابقة لـ”هارفارد بزنس ريفيو” (HBR) أنه “ربما يكون الإغراق المعلوماتي على وجه التحديد هو المشكلة التي تعاني منها أماكن العمل اليوم”، بل إن مجرد وجود الهاتف على مقربة من العاملين يضرّ بأدائهم.

لذا، ليس ثمة شكٌّ في ضرورة اتخاذ بعض الإجراءات للحد من وسائل التسلية الرقمية داخل مقرات العمل، كالإشعارات المستمرة التي تقفز فجأة على الشاشات. ولكنّ الشركات أيضاً تواجه وضعاً معجزاً لا تُحسد عليه في سبيل معالجة تلك المشكلة. فالميل إلى التسلية يمكن أن يكون أمراً جيداً أيضاً. فقد ثبت أنه يساعد في زيادة الإبداع. كما أوجزت جامعة “نورث وسترن” (North Western) الأمر في عنوان رئيس: “التسلية هي وقود العبقرية المبدعة”.

كما استنتجت دراسة أن “التسرب الانتباهي (وهو تسرب معلومة أخرى، غير ذات صلة، إلى ذهنك عندما تكون منشغلاً بالتركيز على أمر آخر) قد يكمن وراء كلٍّ من تكاليف وفوائد الإدراك الإبداعي، ويمكن أن تعمل الضوضاء والمثيرات البيئية الأخرى على تشتيت انتباه المبدعين، ومن ثم تؤدي بهم إلى اقتراف الأخطاء في بعض المهمات. وفي الوقت ذاته، قد يُعين التسرب الانتباهي الناس على دمج الأفكار التي تقع خارج بؤرة التركيز مع معالجتهم الحالية للمعلومات، ما يساعد في التفكير الإبداعي”. اكتشفتُ أنا نفسي، بعد صراع مع هذا التحدي، أن ثمة طريقة لمضاعفة كلٍّ من التركيز والإبداع – ولكنّ الأمر يحتاج إلى العمل.

منذ عدة سنوات، وجدت نفسي في أزمة مهنية. إذ لم أكن أحرز تقدماً يذكر في أي من مشاريعي. فقد انخفضت إنتاجيتي وضعُف إبداعي. وأدركت أنني قد أصبحت مدمناً على وسائل التسلية. وكنت أستخدم الإنترنت أو هاتفي الشخصي طيلة الوقت تقريباً، وأستهلك محتوى غير ضروري وليس له تأثير حقيقي في حياتي الشخصية أو المهنية.

ولم تفتني المفارقة الساخرة التي كانت في ذلك الموقف. ذلك أنني أمضيت حياتي المهنية محلِّلاً رقمياً، ولذلك فأنا على دراية كاملة بأن كثيراً من التطبيقات ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي صُمّمت خصيصاً للإدمان. وتوجد طريقتان للتأثير في السلوك بسهولة: إما التلاعب به أو إلهامه. اختارت شركات التكنولوجيا، في أغلبها، طريق التلاعب بالسلوك. وقد وجد كثير من تلك الشركات أن اقتصاد جذب الانتباه مربح إلى أبعد الحدود.

لم أكن أدرك أنني سأصبح شديد الحساسية.

ولذلك شرعت الآن في استنباط حلٍّ يمكن أن يصلح لي وللشركات التي أقدم لها الاستشارات.

التسلية المثمرة

اكتشفتُ أنّ السرّ يكمن في قبول، بل واحتواء، الرغبة في مراجعة الإشعارات أو في الاطلاع على وسائل الإعلام المختلفة أو حتى في مشاهدة مقاطع الفيديو – ولكنْ عليَّ أن أدرب نفسي على الصبر عند فعل ذلك.

فبدأتُ التنسيق بتخصيص فترات راحة متكررة خلال ساعات عملي لأجل ممارسة “التسلية المثمرة”. ثم حرصتُ على استغلال هذه الراحات المنظمة في السماح لتلك النزوات بالتحرر والانطلاق. كما أنني حاولت أن تحتوي فترات الراحة على شيء حسيّ، كبعض الدقائق الوجيزة من التأمل البسيط، الذي يساعد في استعادة قدراتي العقلية، ويمنحني رؤية جديدة عند استئناف العمل.

إن تنظيم هذا الأمر يصنع فارقاً كبيراً. فقد اكتشفت البحوث أن تنظيم فترات التوقف يعزز الإبداع.

كما وجدت أن توقفي عن الاستسلام لأي شكل من أشكال التسلية من أسهل ما يكون، لأنني أعلم أن فترات الراحة قد أوشكت. فأستطيع، ببساطة، أن أقول لنفسي سأنال الفرصة لاتباع هواي عندما يحين موعد فترة الراحة.

واستغرق الأمر شهوراً، ولكنني حصلت على فترات تصل تقريباً إلى 22 دقيقة من الانكباب على العمل المتواصل، مستخدماً رؤيتي الخاصة حول “تقنية بومودورو أو تقنية البندورة” (Pomodoro Technique) لإدارة الوقت (تقنية خاصة لتنظيم الوقت بتخصيص 25 دقيقة للتركيز على مهمة معينة ثم تتلوها 5 دقائق للراحة).

فنتج عن ذلك أنني وجدت نفسي، مماثلاً تماماً لأولئك الذين شملتهم الدراسة الاستطلاعية لشركة يوديمي، ليس أكثر إبداعاً فحسب بل أكثر سعادة كذلك. (وفي الاستطلاع ذاته، أفاد ثلاثة أرباع من الأشخاص الذين تعلموا التقليل من وسائل التسلية أيضاً أنهم أصبحوا أكثر إنتاجية، في حين ذكر 56% منهم أنهم أشد سعادةً في العمل).

السيطرة

ربما يبدو كل ما قلناه أيسر قولاً منه عملاً بالنسبة إلى الملايين من العاملين المحاطين بمجموعة متطورة من وسائل التسلية الرقمية.

إن الأمر يحتاج إلى العزم. فنحن جميعاً نملك، في كل يوم، خيار الالتزام بتغيير سلوكنا. وهذا يشمل الإقلاع عن العادات السيئة مثل المراجعة المتكررة لمنصات التواصل الاجتماعي (التي “استولت” على ميلنا النفسي للمبدأ الاجتماعي المعاملة بالمثل). وخلاصة القول في هذا الأمر تكمن في إعادة تعريف ظاهرة “الفومو” (FOMO) (ظاهرة جديدة قد تنتاب المتابعين لوسائل التواصل الاجتماعي بالخوف من فوات أو فقدان شيء) واتخاذ مفهوم “انتهاء الخوف من فوات الفرصة” بدلاً من “الخوف من فوات الفرصة”.

نبذ أحد الباحثين في كلية كوبنهاغن لإدارة الأعمال (Copenhagen Business School)، في إحدى كتاباته لمجلة الإدارة “إم آي تي سلون مانجمنت ريفيو” (MIT Sloan Management Review)، فكرة التسلية المثمرة كوسيلة لتحقيق التوازن بين الفضول والتركيز، ما يُعظِّم إلى أقصى حدّ المدى الذي تريد أنت بلوغه في “سعيك الحثيث نحو المعلومات المتنوعة” والتركيز على المهمات التي بين يديك.

أما أنا فخير دليل على إمكانية فعل هذا الأمر.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .