اتباع نهج الأنظمة في اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي

6 دقائق
كيفية تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

قامت حوالي 80% من الشركات الكبيرة حالياً باعتماد تعلم الآلة وأشكال أخرى من الذكاء الاصطناعي في أعمالها الأساسية. ولم يكن هذا الرقم يتجاوز 10% قبل خمسة أعوام. ومع ذلك، لا تزال أغلب الشركات تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي كحلول جزئية، أي تطبيقات منفصلة بمعزل عن الهيكلية الأوسع لتكنولوجيا المعلومات في تلك الشركات. كان ذلك ما وجدناه في تحليل لكيفية تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي أُجري مؤخراً في أكثر من 8,300 شركة عالمية كبيرة فيما نعتقد أنها إحدى الدراسات الأوسع نطاقاً حول أنظمة تكنولوجيا المعلومات بالشركات حتى الآن.

يتحتّم على هذه الشركات أن تتوقف عن اعتبار أدوات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، مثل معالجة اللغات الطبيعية أو الرؤية الحاسوبية، حلولاً قائمة بذاتها، كي تتمكن من تحقيق استفادة أكبر من الابتكارات في مجال الذكاء الاصطناعي. وإلا فقد يصل حجم تكلفة الفرصة الضائعة إلى 41% من الإيرادات بحلول عام 2023. وفي مقابل ذلك، فإنّ الشركات الرائدة في بحثنا التي ترى الذكاء الاصطناعي على أنه أحد مكونات الجيل القادم من أنظمة تكنولوجيا المعلومات بالشركات، التي نسميها بـ “أنظمة المستقبل”، تمتلك فرصة لزيادة إيراداتها بنسبة قد تصل إلى الثلث على مدار السنوات الخمس القادمة.

كيفية تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في الشركات

تستخدم الشركات التي تبني أنظمة مستقبلية كميات هائلة من البيانات، وقوة حوسبة شاملة، وتكنولوجيات تكميلية مثل التخزين السحابي، والطباعة ثلاثية الأبعاد، وإنترنت الأشياء، ومنصات متقدمة لصقل مهارات القوة العاملة. كما أنها تقوم بتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي بطريقة منتظمة تحقق لها النمو حالياً، وتتوقع أيضاً التغيرات التي ستطرأ على هذا النمو في المستقبل. وفيما يلي كيف يمكن لشركتك القيام بذلك:

أعِد تصور “رزمة تكنولوجيا المعلومات” لعصر الذكاء الاصطناعي

لقد وصلت رزمة تكنولوجيا المعلومات التقليدية، التي تشمل التطبيقات والبيانات والبنية التحتية، إلى حدودها العملية. إذ لم يتم بناؤها من أجل عالم اليوم المعقد والمتغير الذي يحتوي على مليارات الأجهزة وملايين مليارات البيانات، وتطبيقات ذكاء اصطناعي لامركزية تتزايد ليستفيد منها ملايين المستخدمين. علاوة على ذلك، استنزفت رقاقة معالجة الحاسوب التقليدية قدرتها الآن نظراً للنمو الكبير في تقنيات الذكاء الاصطناعي.

تبدأ الشركات الرائدة في إعادة تصور رزمة تكنولوجيا المعلومات الخاصة بها كأنظمة لا حدود لترابطها البيني المعقد الذي يجمع بين الآلات والموظفين والمستهلكين والشركاء والمنافسين، بدلاً من التطبيقات القائمة بذاتها. فمثلاً، على الرغم من أنّ التطبيقات في الأنظمة السحابية قد تبدو كأمور أصبحت من الماضي، فإنّ الذكاء الاصطناعي القائم على الأنظمة السحابية بقوته ومرونته التي تكاد تكون غير محدودة يمثل أساساً لأنظمة غير محدودة. وفيما يخص معظم الشركات، ثمة الكثير لتفعله حتى تتمكن فعلاً من استغلال التركيبات التحويلية للذكاء الاصطناعي والخدمات السحابية.

خذ على سبيل المثال كيف يستخدم الفرع المالي لمجموعة علي بابا (Alibaba Group)، الذي يسمى “آنت فايننشال” (Ant Financial)، الأنظمة السحابية والذكاء الاصطناعي في تقديم مجموعة واسعة من الخدمات في مجالات الدفع عن طريق الهاتف، والأعمال المصرفية والتأمين وإدارة الثروة. تستخدم سحابة “آنت” منصة مفتوحة المصدر لأتمتة النشر، والتوسع، وإدارة تطبيقات تعمل مثل إعداد الحاويات في توزيعها ونشرها containerized). ومن ثم، فهي قادرة على التمدد إلى نطاق أوسع من الابتكارات القائمة على الأنظمة السحابية التي يقودها الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، طورت الشركة نظام ذكاء اصطناعي يقيِّم المخاطر الائتمانية في غضون ثوانٍ معدودة، مستهدفاً القروض التي يحصل عليها الأشخاص الذين يفتقرون إلى الخدمات الجيدة ولا يمتلكون حسابات بنكية. وثمة إمكانية أخرى لهذا النظام تسمح للمستخدمين بالتقاط صورة بعد وقوع حادثة ما، وتستخدم الرؤية الحاسوبية والخوارزميات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي لتقييم الأضرار، وتقديم مطالبة تلقائية لشركة التأمين، وإدراج قائمة بورشات الصيانة القريبة، وتقدير تكاليف الصيانة. وقد وسّعت “آنت فايننشال” خدماتها، حيث تمتلك خدمة آلية لدعم الزبائن، للمساعدة في تطوير الدعم. كما أطلقت “مساعداً ذكياً”، وهو نظام تعرف على الصوت يسمح للمستخدمين بشراء تذاكر الطيران وحجز الفنادق عبر استخدام صوتهم. ووقعت الشركة مؤخراً اتفاقيات لتقديم أنظمة تحديد الهوية بالاستعانة بالسمات البيولوجية وأنظمة إدارة المخاطر القائمة على الذكاء الاصطناعي إلى العديد من البنوك الصينية، ودشّنت خدمة خاصة لشركات إدارة الأصول يُشغلها الذكاء الاصطناعي.

وتحطم حوسبة الحافة الحواجز من خلال نقل الكثير من عملية المعالجة إلى حافة الشبكات، حيث ترتبط مع العالم المادي، مثل الهواتف الذكية والروبوتات والطائرات المسيّرة وكاميرات المراقبة وإنترنت الأشياء. فمثلاً، تستخدم شركة “فيلمنت” (Filament) المتخصصة في البلوك تشين ذكاءً اصطناعياً يتميز بالكفاءة في استعمال البيانات وتقنيات بلوك تشين وإنترنت الأشياء، من أجل السماح بإتمام معاملات آمنة ومستقلة لحوسبة الحافة من خلال رزمة شبكات لامركزية، ومستقلة عن البنية التحتية الأساسية.

صمِّم من أجل هيكلية تكنولوجيا معلومات قابلة للتكيف

مع نمو محفظة الأنظمة والشراكات لكل شركة، لا تستطيع الهيكليات التقليدية مجاراة الحجم الهائل للعلاقات بين الأعمال والتكنولوجيا. وبدلاً من ذلك، تقوم هيكليات ديناميكية قابلة للتكيف، بما فيها الخدمات المصغرة – وهي خدمات بسيطة ومنفصلة تفعّل قابلية تقسيم تكنولوجيا المعلومات – وهيكليات دون خوادم، بتعزيز مستويات جديدة من الرشاقة التنظيمية والتوسع.

خذ على سبيل المثال “نوردستروم” (Nordstrom)، وهي شركة قائمة تمتلك كمية كبيرة من البيانات القيّمة في سوق تجزئة سريع التغير. قامت الشركة باعتماد أساليب هيكلية دون خادم في وقت مبكر، ما حسّن كثيراً من قدرتها على تقديم تجارب تسوق مخصّصة وفورية، وجعلها تتفوق على المنافسين الناشئين. وتسمح لها هيكليتها دون خادم على التمدد والانكماش بفعالية خلال استجابتها لعمليات فورية من البيع بالتجزئة مرتبطة بمنتج أو زبون أو موظف مبيعات معين. وهذا ما يسمح في المقابل باستخدامٍ أكثر فعالية لرأس المال الاستثماري، الذي سيكون مرتبطاً بأصول مهملة وقليلة الاستخدام إن لم يكن الأمر كذلك.

تعتبر تقنيات الذكاء الاصطناعي جزءاً بالغ الأهمية من الأنظمة المتكيفة. وسواء أكانت هذه التقنيات عناصر افتراضية أم معالجة للغات الطبيعية أم تعلم الآلة أم تحليلات متقدمة أم أشكالاً أخرى من الذكاء الاصطناعي، تمتلك الشركات مجموعة من الفرص لتغيير الطريقة التي تجري بها أعمالها بمجرد أن تجعل هيكلياتها من الذكاء الاصطناعي جزءاً لا يتجزأ من تدفق المعاملات. ويمكن للأنظمة المتكيفة خلق القيمة بطرق كانت تعتبر في السابق مستحيلة، من خلال إيجاد توازن مسؤول وشفاف بين البشر والذكاء الاصطناعي، وجمعه مع أشكال أكثر بساطة من أتمتة العمليات الروبوتية.

ويجب أن يكسب الذكاء الاصطناعي ثقة البشر الذين يعمل معهم ليكون فعالاً. وفي المقام الأول، يعني ذلك أن تكون شفافاً في توضيح القرارات والإجراءات التي يتخذها الذكاء الاصطناعي. ولكنه يعني أيضاً السماح للبشر بالتدخل واستعادة زمام السيطرة عند الحاجة. وهذا ضروري لتجنب أي آثار عكسية على أداء الأعمال وسمعة العلامة والامتثال التنظيمي، وقبل هذا كله، على الأشخاص أنفسهم.

كما تحتاج الأنظمة التي يمكنها التكيف والتطور من تلقاء نفسها، مثل الواجهات البينية الخاصة بالمحادثة التي تتعلم أنماط كلام جديدة باستمرار، إلى كميات هائلة من البيانات الموثوقة. وتساعد أدوات علم البيانات مثل “جوبيتر نوتبوك” (Jupyter Notebook)، وهي واجهة بينية أمامية لمستخدمي الأنظمة السحابية، في التأكد من سلامة البيانات التي تعتمد عليها الأنظمة المتكيفة.

صمِّم الأنظمة للبشر، بأيدٍ بشرية

في بحثنا، تعترف الشركات الرائدة بأنّ الذكاء الاصطناعي يسمح لها الآن ببناء أنظمة تتحدث وتستمع وترى وتفهم تماماً كما هو الحال معنا. وتعلم هذه الشركات أنّ الفائدة في المستقبل ستكون من نصيب أولئك الذين يصممون أنظمة تتكيف مع الأشخاص، وليس من يستمرون في توقع أن يتكيف الأشخاص مع الأنظمة.بهاسكار غوش

إنّ المحادثة الطبيعية واللمسات البسيطة تجعل تدريجياً من لوحة المفاتيح والفأرة أشياء عفا عليها الزمن. ويسمح لنا التفاعل الصوتي الموجود الآن في كل مكان، من تطبيق “آتش إس بي سي” (HSBC) البنكي للهاتف المحمول إلى “آبل إيربودز”، بإجراء عملياتنا المصرفية أو كتابة المستندات أو إجراء مهمات أخرى بسهولة دون مقاطعة ما نفعله. وتتاح إمكانات أكثر عند دمج الصوت مع السمات البيولوجية. فعلى سبيل المثال، يعمل بنك “ميزوهو” (Mizuho Bank) مع “سينسوري” (Sensory) و”فوجيتسو” (Fujitsu) لدمج تقنيات التعرف على الصوت والوجه للتحقق من مستخدمي تطبيقه البنكي على الهاتف المحمول. وعلاوة على ذلك، عندما تُستخدم خوارزميات التعرف على الصوت والمشاعر معاً في خدمة الزبائن، يمكن للشركات التعرف على شعور الزبون بالإرباك تجاه أنظمة آلية، وتوجيه المتصل بدلاً من ذلك إلى وكيل بشري.

يترسخ الواقع الممتد، وهو طيف من التجارب التي تطمس الخط الفاصل بين العالم الحقيقي والعالم الافتراضي، على نحو سريع. حيث تستخدم شركة “دي آتش إل” (DHL) نظارات الواقع المعزز لعرض استلام الطلبات وتعليمات الوضع للمشغلين، ما يطلق أيديهم ويسمح لهم بالعمل بكفاءة أكبر. وقد ساعد الواقع الممتد الشركة على تعزيز متوسط الإنتاج بنحو 15%، مع تحسين الدقة. والآن بدلاً من الإشارة إلى الشاشات لإخبار المشغلين بكيفية تنظيم عملهم، تقوم شركات مثل “دي آتش إل” بوضعها في واجهة مجال رؤية المشغلين، ما يجعلهم أكثر كفاءة وأقل ميلاً لارتكاب الأخطاء، ويعزز الأمان أيضاً.

يعتبر التخصيص الذي يدعمه الذكاء الاصطناعي في جوهر هذه الأنظمة. فمثلاً، يستخدم متجر بقالة عضوية كبير لديه فهم لتفضيلات الحمية الغذائية للزبون (نباتي، خالي من الغلوتين، باليو، وغيرها) البيانات والذكاء الاصطناعي والصوت والواقع المعزز لإبراز أشياء ذات صلة موجودة على الرف لكي يراها المتسوقون الأفراد.

كما تتطلب هذه الأنظمة البشرية الأساسية شراكات جديدة داخل المؤسسات وفيما بينها لدعم شبكة معقدة من احتياجات المستخدمين. فمثلاً، أنشأت مؤسسة رعاية الشيوخة في المنازل “إلدر كير هوم كير” (Eldercare HomeCare) نظاماً يدمج بيئة دعم متكاملة من شركاء الصحة والطب والمال والغذاء والمجتمع والخدمات المنزلية والأمن في منصة واحدة سهلة الاستخدام، وتساعد المسنين على العيش باستقلالية فترة أطول.

* * *

مع تطور الأنظمة، يجب أن تتطور القوة العاملة في مجال تكنولوجيا المعلومات وتنظر إلى كيفية تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي. ستحتاج الشركات إلى مواهب متعددة التخصصات يمكنها سد الثغرات في البنية التحتية وأدوات التطوير ولغات البرمجة والذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة. كما ستحتاج إلى الجمع بين المواهب البشرية وعددٍ متزايد من الآلات الذكية، من أجل إنشاء أنواع جديدة كلياً من وظائف تكنولوجيا المعلومات الهجينة. وستحتاج أيضاً إلى إيجاد طرق جديدة لتطوير قوتها العاملة على نحو مستمر، باستخدام التعلم المتواصل والتحول التنظيمي إلى التأقلم مع وتيرة متسارعة من التقدم الشامل في الذكاء الاصطناعي.

*يعرب كاتبو المقالة عن شكرهم لكل من: براشانت شوكلا، وسوريا مخيرجي، وديفيد لافيري، لمساهماتهم الكبيرة في البحث الذي جرى الحديث عنه في هذه المقالة.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .