الأصالة التي سيدفع الزبائن أكثر من أجلها

4 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يبدو أن اهتمامنا بالأصالة يتزايد في الآونة الأخيرة، وعندما يتعلق الأمر بعملنا، وقادتنا، وخبراتنا، وحتى منتجاتنا، نجد أننا نُثمن الحقيقي منها والأصلي والصادق أكثر.

ولكن، كيف يكون رد فعل الأفراد تجاه الأصالة عندما يرونها؟ هل يدفعون مبالغ إضافية لأجلها؟ هل يقدمون تقييمات إيجابية عنها؟ يُبين بحث جديد أن رد فعل الناس يعتمد على نوع الأصالة التي تُظهرها المؤسسات.

للأصالة معنيان مختلفان.

يمكن أن يختلف المعنى الذي يحمله مصطلح الأصالة بالنسبة للمؤسسات ومنتجاتها اختلافاً جوهرياً رغم تزايد شعبيته. ولنأخذ المطاعم وما تقدمه من مأكولات مثالاً على هذا.

فلننظر إلى المطاعم في نيويورك، إذ يُثني النقاد والمستهلكون على مؤسستين بارزتين منها، ويقولون عنهما إنهما “أصيلتان”، وهما “بيتزا ديفارا” ( DiFara’s Pizza) في بروكلين ومطعم “بلو هيل” (Blue Hill) في غرينويتش فيلاج. ولكن ما تعنيه “الأصالة” بالنسبة لمطعم “ديفارا” مختلف عما تعنيه بالنسبة لمطعم “بلو هيل”.

يمكن للزوار الذين يبحثون عن أكثر أنواع البيتزا أصالة في نيويورك الاطلاع، عبر الإنترنت، على مئات التقييمات التي تقول عن بيتزا “ديفارا” في بروكلين أنها “أصيلة للغاية”. والأصالة هنا تعني أنها تمثل نوعاً أو فئة اجتماعية معينة، وفي هذه الحالة هي تمثل مطعم بيتزا نيويوركي. فصانع البيتزا فيه هو دومينيكو ديماركو، وهو مهاجر قادم من مدينة صغيرة قرب نابولي الإيطالية، وهو يصنع البيتزا التقليدية ذات العجينة الرقيقة منذ عام 1964.

وفي الجهة الأخرى، هناك مطعم “بلو هيل” في ستون بارن. ويقول دليل “فوربس” (Forbes) للرحلات إنه “مطبخ أصيل من هادسون فالي”، فهو يركز على المكونات الطازجة التي يُحضرها من المزرعة مباشرة، مع التركيز في الوقت نفسه على بناء “نظام غذائي مستدام أكثر”. ومعنى الأصالة هنا يأتي من القيم، ويُمكن العثور على جذوره في الفلسفة الوجودية، إضافة إلى علم النفس الاجتماعي، إذ ترتبط الأصالة القائمة على القيمة بمدى تعبير الشخص أو الشيء عن المعتقدات الجوهرية.

لقد حُدد الفارق بين هذين المعنيين للأصالة منذ زمن طويل، ولكن ليست هناك أبحاث كثيرة تدرس ما إذا كان هناك اختلاف في ردود فعل الزبائن تجاههما. لكن نتائج أبحاثنا الأربعة تشير إلى وجود اختلاف فعلي.

كيف يُقيّم الزبائن الأصالة؟

بدأنا أولاً بقياس ما يعنيه الناس بقولهم عن مؤسسة ما إنها أصيلة. فوضعنا مقياسين للأصالة، وطرحنا على الزبائن مجموعتين من الأسئلة، إحداهما تتعلق بمدى ملاءمة مؤسسة ما مع فئة اجتماعية معينة، والأخرى تتعلق بمدى تمثيل المؤسسة لمعتقداتها الجوهرية. ثم أجرينا استبانة عن 24 مطعماً مشاركاً في فعالية أسبوع المطاعم في تشارلوتسفيل، وطلبنا من مئات الزبائن تقييم تجاربهم في هذه المطاعم فيما يتعلق بالمعنيين للأصالة، ومن ثم إخبارنا ما إذا كانوا سيعودون لزيارة المطعم نفسه خارج الفعالية أم لا. ثم قسنا مدى تثمينهم للتجربة من خلال تقييماتهم على الإنترنت، (مثلاً، “ما هو انطباعك الكلي عن المطعم؟”. كان المقياس يبدأ من نجمة واحدة، وهي تعني ضعيف، ويصل إلى 5 نجوم وتعني ممتاز)، وكذلك قسنا رغبتهم في دفع المال (مثلاً، ما هو المبلغ الذي ستدفعه ثمناً للوجبة ذاتها إذا كانت خارج فعالية أسبوع المطاعم؟). وبالمجمل، حللنا إجابات 172 من زبائن المطاعم الذين شاركوا في الاستبانة حتى آخرها.

وأشار المعنيون إلى شكل فريد من القيمة للمطعم. عندما قال الزبائن عن المطعم إنه أكثر أصالة لأنه متلائم مع فئة معينة (مثلاً، نكهة “إيطالية” أو نكهة “الشواء”)، منحوه في الوقت نفسه تقييماً أعلى على مقياس النجوم، ولكن لم يكونوا بالضرورة يعتزمون دفع مبلغ أكبر للوجبة فيه. ومن الجهة الأخرى، عندما قيّم الزبائن مطعماً وقالوا إنه أصيل لأنه كان مخلصاً لقيمه، عبّروا عن رغبة متنامية في دفع مبلغ أكبر للوجبة فيه. إلا أن المثير للاهتمام أنهم لم يكونوا بالضرورة راغبين بمنحه تقييماً أعلى على مقياس النجوم. وفي جميع هذه التحليلات، راقبنا عدة عوامل من الناحية الإحصائية، بما فيها السعر، ونظرة الزبون لجودة المطعم، وحجم الفعالية، والتجارب السابقة في المطعم، والعمر، والجنس، ومتوسط عدد المرات التي يتناول فيها الزبون الطعام خارج المنزل شهرياً، والسعر النمطي للوجبة التي يتناولها).

وتكررت لدينا هذه النتائج في ثلاث تجارب إضافية شارك فيها 631 شخصاً، بما فيها دراسة للقيمة والأصالة في مجال الموسيقى. وكانت نتائجها متسقة مع نتائج البحث السابق، إذ وجدنا أن الناس يمنحون نجوماً أكثر للفرق والموسيقيين الذين يتلاءمون مع نوع محدد من الموسيقى، وللفرق أو الموسيقيين الذين يعبرون عن معتقداتهم الحقيقية أو قيمهم الجوهرية، مع رغبة في دفع مبالغ أكبر ثمناً لألبوم موسيقي أو حفلة موسيقية، ولكن ليس العكس.

وفي أبحاثنا جميعها، أشارت الدلائل إلى أن الزبائن يدركون المعاني المختلفة للأصالة في المؤسسات ويميزون بينها، وأنهم ينسبون أنواعاً فريدة من القيمة لكل معنى منها. وربما تؤدي الأصالة، التي تعني التلاؤم مع فئة ما، إلى تقييمات اجتماعية أعلى، كتقييم النجوم، ولكنها لا تؤدي إلى زيادة في رغبة المستهلك في دفع مبالغ أكبر. في حين يمكن للأصالة التي تعني الالتزام بالمعتقدات الجوهرية للمرء إقناع الزبائن بدفع مبالغ أكبر لهذه المنتجات، ولكن ليس بالضرورة أن تقنعهم بمنحها تقييماً أعلى.

لماذا يحدث ذلك؟ تقول إحدى النظريات إن الإخلاص لفئة اجتماعية يقود إلى المزيد من الثناء الاجتماعي، وفي هذه الحالة يتمثل الثناء الاجتماعي بتقييمات النجوم العالية على الإنترنت. بينما يمس الالتزام بالقيم الجوهرية القيم الشخصية للزبون ويقوده إلى دفع مبلغ أكبر لأجلها. وتقول النظرية الأخرى إن التقييمات على الإنترنت تكون بمثابة محاولة لإقناع الآخرين بمشاركة المعلومات من أجل تعزيز الأصالة ضمن فئة اجتماعية، في حين تُشكل الرغبة في دفع مبالغ أكبر ربحاً للمنتجين الذين يتمسكون بالقيم، رغم أنها تمثل تكاليف محتملة أعلى. لم نختبر هذه الآليات تحديداً في أبحاثنا، ولذا يجب أن تساعد الأبحاث المستقبلية في توضيح التفسيرات التي تلعب دوراً.

يجب على المدراء اعتبار هذه النماذج محاولة لجذب الزبائن، وبدلاً من افتراض أن ذكر الأصالة بأي شكل من الأشكال سيؤدي إلى سمعة أفضل أو ربح أكثر، أو كليهما، من الأفضل أن يفكر المدراء بتمعن في نوع الأصالة التي تمثلها مؤسساتهم. بالنسبة للمؤسسات التي تمثل الأصالة، لأنها تشكل نموذجاً عن فئة أو نوع معين، يمكنها التركيز على توليد القيمة من خلال اكتساب تقييمات نجوم أعلى من أجل زيادة حركة المبيعات، بدلاً من محاولة رفع سعر المنتج أو الخدمة. (على سبيل المثال، وجدت الأبحاث أن ارتفاع التقييم بمقدار نجمة واحدة في تقييمات موقع “يلب” (Yelp) يساوي زيادة بقيمة 5 – 9% في أرباح بعض المنتجات). أما المؤسسات التي تمثل الأصالة من خلال الالتزام بمعتقداتها الجوهرية، فستستفيد أكثر من رفع أسعار منتجاتها أو خدماتها بالنسبة لمجموعة منتقاة من الزبائن.

وبالطبع، أثبتت أبحاث أخرى، أجراها فريقنا، أن الزبائن يميلون لمعاقبة المؤسسات التي تُثني على أصالتها بنفسها. إذ يبدو ادعاء الأصالة شبيهاً بادعاء التواضع أو الحكمة، ويعتبر مجرد النطق به قصوراً في فهم معنى الأصالة أساساً. وبذلك يواجه المدراء نوعاً من المفارقة، لأن الزبائن يُطالبون بالأصالة، ولكن يجب على المدراء توخي الحذر في رسم صورة هذه الأصالة، لأنه من المحتمل أن تعود الجهود المبذولة في هذا الاتجاه بمفعول عكسي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .