اقتصاد الطائرات بلا طيار

35 دقيقة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio
لم يعد الأمر يقتصر على طائرات مروحية صغيرة تُوصِّل الطرود. آن الأوان عزيزي القارئ لأن تتعرف على القوة المزعزعة لاقتصاد المنصات الإلكترونية وتضع استراتيجية لاستغلالها.

مقالة 

الطائرات المسيرة بلا طيار تدخل الخدمة

لقد بدأت الاقتصاديات المُزعزِعَة للمركبات غير المأهولة بفرض سيطرتها. إليكم طريقة التفكير في اقتصاد الطائرات بلا طيار وكيف تحجزون لكم مكاناً فيه.

كريس أندرسون

في صباح كل يوم، عند موقع الأعمال الإنشائية في نهاية الشارع الذي يقع فيه مكتبي، يبدأ النهار بطنين مألوف، إنه الصوت الرتيب لمسح الطائرات بلا طيار؛ إذ تحلق طائرة بلا طيار صغيرة سوداء رباعية الأجنحة فوق الموقع مُتتبعةً خطوطاً مثالية وكأنها تتحرك على سكك حديدية. ولقد أمسى الطنين فوق الرؤوس مألوفاً جداً الآن حتى أن العمال لم يعودوا ينظرون للأعلى بينما تنجز الطائرة بلا طيار عملها. فهذا جزء من العمل لا أكثر؛ جزءٌ مُعتاد شأنه شأن الرافعة التي تشاطر الطائرة بلا طيار الهواء أعلى موقع الأعمال الإنشائية. وفي خضم الطابع الاعتيادي المحض لهذا المشهد – حيث تحول الروبوت الطائر إلى مجرد واحدة من المعدات الإنشائية – تكمن الثورة الحقيقية.

لقد وصلت عملية “رصد الواقع” – ويُراد بها رقمنة العالم المادي بواسطة مسحه من الداخل والخارج من الأرض ومن الجو – أخيراً مرحلة النضج واستحالت تقنيةً تُحدِث ثورةً في عالم الأعمال. ويمكنك أن تراها بشكل أقل في برنامج خرائط جوجل، حيث تُجْمَع البيانات بواسطة الأقمار الصناعية والطائرات والسيارات، وتُعْرَض بشكلين؛ ثنائي وثلاثي الأبعاد. والآن، نجد أن هذا النوع من التخطيط، المُصمم في بداية الأمر للبشر، يُنفذ بدقة أعلى بكثير تحضيراً للسيارات ذاتية القيادة التي تحتاج إلى خرائط ثلاثية الأبعاد بالغة التفصيل للمدن كي تنتقل بفعالية وكفاءة. وترتبط أساليب إعداد مثل هذه النماذج لعالم الواقع بتقنية “رصد الحركة” التي تعتمد عليها الأفلام السينمائية وألعاب الفيديو في عصرنا الحالي. وعادةً ما يتطلب ذلك جلب عملية الإنتاج إلى الماسحات الإلكترونية؛ أي وضع الأشخاص في غرفة ضخمة مُجهزة لعملية المسح، ثم إعداد المشهد المراد مسحه. إلا أن الطائرات بلا طيار تعكس الآية، حيث تسمح لنا بجلب الماسحات إلى المشهد. فهي مجرد كاميرات تقليدية (وبعض البرمجيات الذكية) تدور بدقة حول الأجسام كي تخلق نماذج رقمية واقعية كالصور الفوتوغرافية.

عند النظر إلى الأمر، تجد أنه من المذهل أننا نستخدم الطائرات بلا طيار في مواقع الأعمال الإنشائية وفي الأفلام السينمائية. فمنذ عشر سنوات، كانت تلك التقنية حبيسة المختبرات، ومنذ خمس سنوات، كانت باهظة التكلفة، واليوم، يمكنك أن تشتري طائرة بلا طيار من متجر “وول مارت” بوسعها إنجاز أعمال للشركات، مُستعيناً ببرمجيات في السحابة الإلكترونية. والآن، أمست عملية وضع كاميرات في السماء زهيدة التكلفة وسهلة جداً حتى أنها أصبحت مفيدة تجارياً. وبعيداً عن الإنشاءات، تُستخدم بيانات الطائرات بلا طيار في الزراعة (رسم خرائط المحاصيل)، والطاقة (مراقبة توربينات الرياح والتوربينات الشمسية)، والتأمين (مسح أسطح المنازل)، والبنية التحتية (الفحص)، والاتصالات، وعدد لا حصر له من الصناعات الأخرى التي تمس العالم المادي. إننا نعلم القاعدة التي مفادها “بوسعك إدارة ما يمكنك قياسه فقط”، ولكن عادةً ما يكون قياس عالم الواقع عملاً شاقاً. والطائرات بلا طيار تجعله أيسر بكثير.

لطالما جمعت القطاعات الاقتصادية البيانات من السماء، عادةً عبر الأقمار الصناعية أو الطائرات. غير أن الطائرات بلا طيار تُعدّ “أجهزة استشعار في السماء” أفضل من الأقمار الصناعية ومن الطائرات. فهي تجمع بيانات ذات دقة أعلى وبوتيرة أسرع من الأقمار الصناعية (التي تعترض السُحُب مجال رؤيتها في أكثر من ثلثي كوكب الأرض في أي وقت)، وهي أقل تكلفة وأسهل وأكثر أماناً في استخدامها من الطائرات التقليدية. وتستطيع الطائرات بلا طيار أن تتيح الوصول بدقة “في أي وقت وفي أي مكان” لمشاهد علوية تُنَافس المسح بأشعة الليزر – وهي ما تزال في بداياتها. وفي مشروع هذا القرن الذي يهدف لتوسعة نطاق شبكة الإنترنت إلى العالم المادي، تعتبر الطائرات بلا طيار المسار الصحيح للبُعد الثالث – وهو الاتجاه إلى الأعلى. وخلاصة القول إنها “إنترنت الأشياء الطائرة”.

قد تنظر إلى الطائرات بلا طيار وكأنها ألعاب أو كاميرات طائرة لمجموعة كاميرات “غو برو”، ويمثل تصورك هذا نصيب الأسد من أعمال الطائرات بلا طيار للوقت الحالي. ولكن، شأنها شأن الهواتف الذكية وغيرها من أمثلة “تحويل المشروعات إلى سلعة” قبلها، جاري حالياً تجهيز الطائرات بلا طيار ببرمجيات تلائم الأعمال التجارية، وأصبحت منصات جادة لجمع البيانات، وأجهزة مفتوحة وقابلة للترقي كالهواتف الذكية، بإمكانات لا محدودة للتطبيقات. وكما في أي اقتصاد للتطبيقات، ستنشأ تطبيقات غير متوقعة وعبقرية ربما لم تخطر ببالنا إلى الآن، وستتحسن التطبيقات المتوقعة والقوية بمرور الوقت.

أو قد تنظر للطائرات بلا طيار باعتبارها مركبات لتسليم البضائع، حيث أن هذا التطبيق – وأعني تسليم البضائع للمستهلكين – هو أكثر ما تتشبث به وسائل الإعلام متى بحثت عن رؤى مذهلة أو مرعبة للمستقبل تجذب المشاهدين. وحقيقة الأمر، أن تسليم البضائع واحد من التطبيقات الأقل إثارة والأكثر تعقيداً للطائرات بلا طيار (أي شيء ينطوي على التحليق بشكل مستقل في بيئات مُزدحمة هو مسار شديد الانحدار بالنسبة  للتقنية والقوانين). وينصب تركيز القسم الأكبر من الصناعة على الطرف الآخر من هذا المجال: ألا وهو البيانات لا تسليم البضائع، وأعني الاستخدام التجاري فوق الأراضي المملوكة ملكية خاصة، حيث تنخفض المخاوف المعتادة المتعلقة بالخصوصية والإزعاج والروبوتات المرعبة التي تحوم فوق الرؤوس.

المؤلف كريس أندرسون

لا يختلف المشوار المهني لكريس أندرسون اختلافاً كبيراً عن الطائرات بلا طيار. فكلاهما يتحرك هنا وهناك بسهولة ويسر، وينجز الكثير طوال مساره الخاص. دَرَسَ أندرسون علم الفيزياء الحاسوبي، وكان عضواً في فرقة موسيقية تُدعى “آر إي إم” (وهي خلاف فرقة “ذا ريم”)، وعمل في مختبر لوس ألاموس الوطني، وفي نهاية المطاف نشر عمله في مجلتيْن علميتين صدرتا في أغسطس/آب: ألا وهما “نيتشر” و”ساينس ماغازين”. وبينما عمل رئيساً للتحرير أثناء فترة صعود نجم مجلة “وايرد”، ألَّفَ العديد من الكتب المؤثرة الأكثر مبيعاً: وأبرزها “الذيل الطويل” و”مجاني” وأخيراً “الصُنَّاع: الثورة الصناعية الجديدة”. وفي تلك الأثناء، أسس العديد من الشركات (التي يقول “إن النسيان طواها” الآن)، وحصد عدداً كبيراً من الجوائز تقديراً لكونه مفكراً مؤثراً يضيق المقام عن ذكرها هنا.

وكان أول تعامل بين أندرسون والطائرات بلا طيار بعد أن حاول إثارة اهتمام أطفاله بالروبوتات (إلا أنهم وجدوها بطيئة وباعثة على الضجر)، والطائرات المُوَجَّهَة عن بُعد (التي اصطدمت بالأشجار باستمرار). حدَّثَ نفسه قائلاً: “ماذا لو استطاع الروبوت الطيران؟ سيكون الأمر أكثر إثارةً ومتعة، ولن يكون طياراً أسوأ مني”. وعليه، قال لأحد المراسلين الصحافيين: “بحثت حرفياً على موقع جوجل عن “الروبوت الطائر”، فحصلت على نتيجة “طائرة بلا طيار”، وبحثت عن الأخيرة فتوصلت إلى “طيار آلي””.

وبسرعة البرق، بنى هو وابنه طياراً آلياً بدائياً بواسطة مكونات الإنسان الآلي “ليجو مايندستورمز”. ومنذ ذلك الحين حقق نجاحاً مدوياً. فقد أسس العديد من المجتمعات المعنية بعلم الروبوت، بما في ذلك “دي أي واي درونز” (الطائرات بلا طيار المصنعة باليد) و”دي آي واي روبوكارز” (سيارات الروبوت المصنعة باليد). ويشغل أندرسون أيضاً منصب الرئيس التنفيذي لشركة “ثري دي آر” المتخصصة في الطائرات بلا طيار. وبَنَت الشركة طائرة بلا طيار فأطاحت برائدة تلك الطائرات في الأسواق، شركة “دي جيه آي”، غير أنها وجدت صعوبة بالغة في المنافسة في سوق تتراجع فيها الأسعار بنسبة 70% سنوياً. وعليه، حَوَّلَ أندرسون بوصلته إلى المنصة؛ وهي البرمجيات التي ستسمح للطائرات بلا طيار بالاضطلاع بالمزيد من الأعمال، والبحث عن حلول أكثر عبقرية للتحديات المؤسسية. وتعمل شركة ثري دي آر بكثافة في مجال الإنشاءات، حيث تصنع نظماً لمسح المواقع الكبيرة بكفاءة وباستمرار، وضخ تلك البيانات في أنظمة لتحليلها.

ويؤمن أندرسون بأننا ما زلنا نعيش اللحظات الأولى لتحول هائل في مجال الطائرات بلا طيار وغيرها من السبل لتوسعة نطاق أجهزة الاستشعار في العالم. ويضيف بأن الطفرة الحقيقية ستحدث عندما نكف عن التفكير في الجزء المادي من الأجهزة على أنها المنتج، ونشرع في التفكير في البيانات التي تستطيع الطائرات بلا طيار جمعها على أنها المنتج الحقيقي. يقول أندرسون: “إننا بصدد قياس الكوكب بدقة غير مسبوقة زماناً ومكاناً. وستكون الخطوة التالية التوصل إلى كيفية استخدام كل هذه البيانات لإدارته”.

تعد اقتصاديات الطائرات بلا طيار اقتصاديات مُزعزعة بطبيعتها. فبوسع تلك الطائرات حالياً أن تنجز في ساعات ما يستغرقه الناس أياماً. وتستطيع توفير بيانات بصرية شديدة التفصيل لقاء جزء من تكلفة تحصيل ذات البيانات بوسائل أخرى. وأمست تلك الطائرات جوهرية في ضمان السلامة في مكان العمل؛ حيث أغنت عن اضطلاع البشر بعمليات خطرة كفحص أبراج الهواتف الخلوية. وهي تكفل إطلالة جديدة على الأعمال: فمنظورها العلوي المنخفض يجلب رؤى وقدرات جديدة للحقول والمصانع على حد سواء.

تستطيع الطائرة بلا طيار، شأنها شأن أي روبوت، أن تكون مستقلة التشغيل، مما يعني أنها ستكسر الرابط بين الطائرة والطيار. وتتطلب اللوائح حالياً أن يكون للطائرات بلا طيار “مُشَغِّل” على الأرض (حتى لو اقتضى عمله مجرد الضغط على زر على هاتف ذكي ومراقبة الطائرة بلا طيار بينما تنفذ مهمتها). ولكن، مع ازدياد ذكاء الطائرات بلا طيار، بدأ المشرعون في دراسة التحليق إلى ما وراء “خط الرؤية البصرية”؛ وهو التحليق الذي ستعوض فيه أجهزة الاستشعار المثبتة على الطائرات بالإضافة إلى رؤيتها الآلية عن غياب أعين البشر على الأرض لمسافات بعيدة. وفور أن يُجاز هذا الاستخدام المستقل بالكامل، من الممكن أن تتحول مُعادلة “طيار واحد لكل طائرة” إلى “مسؤول تشغيل واحد لمركبات متعددة” أو حتى “مركبات متعددة بلا مسؤول تشغيل”. وحينئذ ستنطلق الإمكانات الاقتصادية الحقيقية للاستقلالية: عندما تقترب التكلفة الهامشية لمسح العالم من الصفر (لأن الروبوتات، لا البشر، هي التي تقوم بالأعمال)، سنستغلها بقدر أكبر بكثير. ولنطلق على هذه الظاهرة “إضفاء الطابع الشعبي على مراقبة الأرض”: بديل منخفض التكلفة وعالي الدقة للأقمار الصناعية. وبذلك، يصبح الوصول إلى السماء سهلاً في أي وقت ومن أي مكان.

إن اقتصاد الطائرات بلا طيار أمرٌ حقيقي، وأنت بحاجة إلى استراتيجية لاستغلاله. إليك طريقة للتفكير فيما يحدث الآن، وما سيحدث بالمستقبل. بالعودة إلى موقع الأعمال الإنشائية؛ وهي بيئة عمل بحاجة ماسَّة إلى الحلول التي قد تقدمها الطائرات بلا طيار.

رصد الواقع بتكلفة وجبة غداء

تعد الإنشاءات ثاني أضخم صناعة في العالم (بعد الزراعة)، حيث تبلغ قيمتها 8 تريليون دولار سنوياً. ولكنها عديمة الكفاءة بشكل استثنائي. فأي مشروع إنشائي تجاري عادي يتجاوز ميزانيته عادة بنسبة 80%، ويتأخر تسليمه 20 شهراً عن الموعد المحدد، بحسب شركة “ماكنزي”.

على الشاشة، وفي ملف برنامج التصميم الحاسوبي “كاد” الخاص بالمهندس المعماري، يبدو كل شيء مثالياً. ولكن في الموقع، وفي وسط الطين والتراب، تختلف الأمور. والفارق بين التصميم النظري والواقع هو الذي يؤدي إلى ضياع 3 تريليون دولار من أصل ثمانية، في خضم سلسلة متعاقبة من طلبات التعديل والأعمال المعادة والإخفاقات في الالتزام بالجدول الزمني.

ويهدف استخدام الطائرات بلا طيار إلى سد تلك الفجوة؛ فالطائرة التي تطن خارج نافذتي، وتحلق فوق الموقع، تلتقط صوراً بواسطة كاميرا عالية الأداء مُثبتة فوق إطار للحفاظ على الدقة. وتلتقط الطائرة صوراً عادية (إلا أنها ذات دقة عالية جداً) تُرسَل إلى السحابة الإلكترونية، وباستخدام تقنيات التصوير المساحيّ لاستخلاص معطيات هندسية من البيانات البصرية، تتحول تلك الصور إلى نماذج ثنائية وثلاثية الأبعاد واقعية التصور. (تنفذ شركة جوجل ذلك الأمر في برنامج خرائط جوجل، ولكن بدقة إظهار أدنى وببيانات قديمة قد تعود إلى عام أو عامين ماضييْن. ولكي ترى ذلك، انتقل إلى منظور جوجل إيرث، واضغط على زر “ثلاثي الأبعاد”). في مقطورة المكتب في موقع الأعمال الإنشائية، تظهر بيانات الطائرة بلا طيار قرب منتصف الفترة الصباحية على هيئة مشهد رأسي للموقع يمكن تكبيره لرؤية تفاصيل بحجم ربع دولار أميركي أو تدويره بأي زاوية وكأنه لعبة فيديو أو مشهد بالواقع الافتراضي. ويتم تركيب ملفات “كاد” فوق الصور الممسوحة وتُستخدم لتوجيه عملية البناء – وذلك عن طريق تركيب مشهد “حسب التصميم” على مشهد “حسب التنفيذ”. ويبدو الأمر أشبه بنظرة من خلال نظارة واقع مُعزز لما ينبغي أن يكون مقابل ما تم تنفيذه على أرض الواقع، ويمكن أن يُترجم الفارق بين الاثنين إلى وفر يومي في التكلفة يقدر بآلاف الدولارات في كل موقع؛ أي مليارات الدولارات لصناعة الأعمال الإنشائية كلها. وعليه، يراقب المشرف على الموقع التقدم الذي يتم إحرازه يومياً.

لا مناص من الأخطاء والتعديلات والمفاجآت كلما تم تنفيذ التصاميم المُثلى على أرض الواقع.

ولكن، من الممكن الحد منها بالكشف عن أوجه التعارض في مرحلة مبكرة بحيث يمكن إصلاحها أو التحايل عليها أو على الأقل تحديث نموذج كاد بحيث يعكس التعديلات للعمل المستقبلي. وهناك العديد من السبل لقياس موقع الإنشاءات، وهي تتراوح ما بين استخدام شريط القياس ولوح الكتابة، إلى أشعة الليزر والنظام العالمي لتحديد المواقع عالي الدقة (GPS)، وصولاً إلى أشعة إكس. لكن جميعها  باهظة التكلفة وتستغرق وقتاً طويلاً، وبالتالي فهي لا تُستخدم كثيراً، أو على الأقل لا تُستخدم في الموقع بأكمله. أما في وجود الطائرات بلا طيار، فيمكن تخطيط الموقع كاملاً يومياً بدرجة عالية من التفصيل وبتكلفة يومية تبلغ 25 دولار فقط.

الارتقاء من الأرض لشغل المجال الجوي الوسيط

إن تطور اقتصاد الطائرات بلا طيار يسير بوتيرة سريعة؛ فمنذ عشر سنوات، كانت المركبات الجوية غير المأهولة تقنية عسكرية تبلغ تكلفتها ملايين الدولارات وتتستر بستار السرية والغموض. ولكن، ظهرت بعد ذلك الهواتف الذكية، وجلبت في جعبتها مجموعة من تقنيات المكونات؛ بدايةً من أجهزة الاستشعار والمعالجات السريعة، وصولاً إلى الكاميرات، والاتصال اللاسلكي واسع النطاق، والنظام العالمي لتحديد المواقع. ولقد عززت كل هذه الرقائق قدرات الحاسوب الفائق الموجود في جيبك، كما أن اقتصاديات الإنتاج الحجمي للهواتف الذكية جعلتها أيضاً زهيدة التكلفة ومتاحة لاستخدامات أخرى. وكانت الخطوة الأولى إحداث ثورة في الصناعات المتاخمة، بما في ذلك صناعة الروبوت. وأنا أطلق على انتشار المكونات هذا اسم “المردود السلمي لحروب الهواتف الذكية”.

انطلقت شركات، بما في ذلك شركتي، من هذا المنطلق. فقد أتاحت المكونات القوية زهيدة التكلفة وأسلوب تفكير المُصنّع للمتحمسين ورواد الأعمال، بإعادة تخيل الطائرات بلا طيار؛ لا على أنها تهبط من أعلى في السماء بل على أنها تقلع من الأرض. وبدلاً من أن ننظر إليها على أنها “طائرات بلا طيار”، نظرنا إليها باعتبارها “هواتف ذكية ذات مراوح”. وحيث أنها تطورت بوتيرة صناعة الهواتف الذكية نفسها، لا صناعة الطائرات، تحولت الطائرات بلا طيار من أجهزة خاصة بالقرصنة إلى أدوات في أيدي أصحاب الهوايات، ومنها إلى ألعاب تقل تكلفتها عن 100 دولار في المتاجر المحلية الكبرى خلال أقل من أربع سنوات؛ وقد يكون هذا أسرع انتقال لتكنولوجيا تستخدم في وكالة المخابرات المركزية إلى تكنولوجيا تباع في متجر “كوستكو” في التاريخ. منذ خمس سنوات، كانت العقبة التجارية الأساسية أمام “الطائرة بلا طيار” هي أن لها دلالات عسكرية. والآن، ينظر الناس للطائرة نظرتهم إلى الألعاب. هل تَحَوَّل معنى أي كلمة من مفهوم “سلاح” إلى “لعبة” أسرع من الطائرة بلا طيار؟

تبدو الطائرات بلا طيار أشبه بالطيور التي استوحت فكرة الطيران منها: مستقلة وصغيرة وبأعداد لا تُحصى، ومصممة للجو وقادرة على التحليق فيه بلا جهد ولا كلل.

ولا ينتهي الأمر عند تلك المرحلة. فقد تمثلت الموجة الأولى في التكنولوجيا، والثانية في الألعاب، والآن حلَّت الموجة الثالثة والأهم على الإطلاق. فالطائرات بلا طيار تتحول حالياً إلى أدوات. قد تكون السوق المتاحة من المستخدمين الراغبين في كاميرات طائرة للتصوير الذاتي محدودة، إلا أن سوق البيانات المتعلقة بالعالم المادي كبيرة بحجم العالم نفسه. ولقد بدأت الطائرات بلا طيار في ملء “الفجوة المفقودة” بين الأقمار الصناعية ورقمنة الكوكب على مستوى الشارع بدقة عالية وبشكل يكاد يكون آنياً نظير جزء ضئيل من تكلفة البدائل الأخرى.

وسيتحرك مسار هذه الموجة الثالثة استخدام الطائرات بلا طيار كأدوات بشكل أسرع  من مساريْ الموجتيْن السابقتيْن. أولاً، ستشغل الطائرات بلا طيار السماء بأعداد متزايدة بالتزامن مع إجازة اللوائح والتكنولوجيا لاستخدامات أكثر أماناً لها. وتتباين التقديرات بوناً شاسعاً؛ فبعض البيانات تتنبأ بأنه بحلول العام المقبل سيحرّك أكثر من 100 ألف مسؤول تشغيل 200 ألف طائرة بلا طيار ستملأ السماء لتضطلع بعمل أو بآخر.

وثانياً، ستنتعش سوق تطبيقات الطائرات بلا طيار انتعاشاً كبيراً بينما يتوصل المزيد من الناس إلى تطبيقات عبقرية لها. وستظل الطائرات بلا طيار في المقام الأول مركبات لجمع البيانات، غير أن نطاق التطبيقات المُصممة لها مازال في طور الاكتشاف. فعلى سبيل المثال، استُخدمت الطائرات بلا طيار لأغراض البحث والإنقاذ وفي مراقبة الحياة البرية، ويمكنها توفير الاتصال اللاسلكي إلى شبكة الإنترنت (وهو المجال الذي تستثمر فيه شركة فيسبوك)، وتوصيل الأدوية إلى الدول النامية. ولا يقتصر دورها في الزراعة على تخطيط المحاصيل الزراعية فحسب، بل ورشُّها أيضاً بالمبيدات الحشرية، أو إسقاط  بذور جديدة وحشرات نافعة.

وبعد ذلك، ستكتسب الطائرات بلا طيار المزيد من مزايا التكلفة عندما لا تستغني وحسب عن الطيار في قمرة القيادة، وإنما عن الطيار المُسيِّر لها بالكامل. ستحدث الطفرة الحقيقية مع الاستقلالية التامة.

صورة ملتقطة بطائرات بلا طيار وضعت على صورة خطية ثلاثية الأبعاد بغية صنع نموذج مناسيب لبناية حضرية بينما كانت قيد الإنشاء.

 

صورة مركبة كاملة لبناية حضرية صُنعت بينما كانت البناية قيد الإنشاء. يستخدم المهندسون المعماريون وطاقم عمل الإنشاءات الطائرات بلا طيار لتقييم ما إذا كان العمل على أرض الواقع يطابق المتطلبات المخطط لها.

مستقلة وصغيرة وبأعداد لا حصر لها

إن التقنية التي تسمح للطائرات بلا طيار بالطيران بنفسها موجودة أصلاً، وتشهد تحسناً سريعاً، حيث انتقلت من إرشادات النظام العالمي لتحديد المواقع إلى الملاحة البصرية الحقيقية، على النحو الذي قد يُحَلِّق به الإنسان في الجو. وإذا استبعدنا البشر من المعادلة، فستبدو الطائرة أشبه بالطيور التي استوحت الطائرات فكرتها منها: مستقلة وصغيرة وبأعداد لا تُحصى، ومصممة للجو وقادرة على التحليق فيه بلا جهد أو كلل. ما زلنا إلى الآن ضيوفاً على الأجواء، نقوم بزيارتها بتكلفة عالية. وبكسر الرابط بين الإنسان والآلة، سيكون بوسعنا احتلال الفضاء. إن البُعد الثالث هو الحد الأخير المتبقي لاستيطانه (أجل، في أعالي السماء وتحت البحار، لكننا سنترك الأخيرة لأقارب الطائرات بلا طيار من مركبات بحرية). سنستوطن الأجواء لا محالة، ولكن كما كان الحال مع الفضاء وأعماق المحيطات، سنستخدم روبوتات لا بشر.

لِمَاذا الآن؟ هناك ثلاثة اتجاهات استجدت وجعلت ذلك ممكناً. أولها أن ميزة السعر والأداء التي تتسم بها تقنية الهواتف الذكية والتي تحدثنا عنها في السابق جعلت الطائرات بلا طيار زهيدة التكلفة وعالية الجودة. على سبيل المثال، كانت البوصلة الدوَّارَة وغيرها من أجهزة الاستشعار المُثبتة داخل رقاقة صغيرة تكلفتها 3 دولارات في هاتفك أجهزة ميكانيكية تصل تكلفتها منذ عقد مضى إلى 100 ألف دولار، وكانت تُثبت في حاويات تتراوح أحجامها ما بين عُلب الغداء والثلاجات الصغيرة.

وثانيها أن القدرة على صنع طائرات بلا طيار جيدة ورخيصة جعلتها في متناول المستهلك العادي (المستعد لإنفاق حتى 1,000 دولار) والذي لديه داعٍ حقيقي لاستخدامها (تصوير الفيديو والصور الجوية). ونتيجة لذلك، اضطرت الشركات إلى جعلها سهلة الاستخدام كل ما عليك هو أن تمرر أصبعك على الجهاز فتحلق الطائرة لتهيئ عملية تكيف المستخدم. واقتضت الحاجة أن تكون الطائرات بلا طيار أكثر تطوراً إذ أصبح المستخدمون أقل تعقيداً.

وثالثها أنه فور أن أطلق الانتعاش غير المتوقع للطائرات الاستهلاكية بلا طيار التي تتراوح ما بين لعب صغيرة ونماذج متطورة “للمستهلك المتقدم” أكثر من مليون طائرة بلا طيار في سماء أميركا في أقل من أربع سنوات بموجب إعفاء “للاستخدام الترفيهي” من القواعد الصارمة لإدارة الطيران الفيدرالية المتعلقة بالأجسام الطائرة، كان على المشرعين أن يستجيبوا لذلك التغيير. ولتوجيه السوق نحو استخدام أكثر أماناً دون حظر تلك الطائرات، عجَّلَت الإدارة من إصدار القوانين التي تجيز استخدام الطائرات بلا طيار تجارياً دون الحاجة إلى تراخيص للطيارين أو إعفاءات خاصة. وأضحت القوانين الجديدة سارية في أغسطس/آب 2016، مما شكل إيذاناً بانطلاق عصر الطائرات بلا طيار التجارية.

صعود نجم علم الروبوتات السحابيّ

حتى هذه اللحظة، انصب تركيزنا غالباً على الطائرات بلا طيار ذاتها، وتحديداً على الجانب المادي منها وتكلفته وقدراته وما يمكننا توصيله بها لإنجاز العمل. ولكن، عند وضع استراتيجية للطائرات بلا طيار، من الأهمية بمكان أن نفكر في التطبيقات أكثر من تفكيرنا في الطائرات نفسها. فالجزء المادي من الطائرة ما هو إلا وعاء خاوٍ في المقام الأول علينا تعبئته بالأعمال المزمع إنجازها؛ كالتقاط الصور ومقاطع الفيديو، وعمليات المسح، وتحريك الأجسام، وتمكين الاتصالات.

بالإضافة إلى جمع البيانات، فالطائرات بلا طيار هي مركبات لجمع البيانات في المقام الأول. وقدرتها على جمع البيانات من منظور فريد وهامّ (من أعلى، ولكن ليس من ارتفاع شاهق) بسرعة وبتكلفة محدودة يجعلها أدوات جمع مثالية. وأي استراتيجية للطائرات بلا طيار يجب أن تتجاوز الطائرة نفسها وصولاً إلى البيانات. وهذا يعني الانتقال بعملية الابتكار لتصل إلى السحابة الإلكترونية.

يُختصر تاريخ وادي السليكون الحديث غالباً على النحو التالي:

  • اختراع الحاسوب الشخصي.
  • توصيل الحواسيب الشخصية بشبكات محلية.
  • توصيل الشبكات المحلية بشبكة الإنترنت العالمية.
  • إعادة كل ما سبق بشكل لاسلكي.
  • توزيع الحوسبة والبيانات في شتى جنبات هذه الشبكة، من التطبيقات الموجودة في جيبك حتى مجموعات الحوسبة الضخمة في السحابة الإلكترونية.
  • توسعة نطاق ذلك إلى ما يتجاوز البشر وصولاً إلى الأشياء، بما في ذلك الأجسام المتحركة، وربط الجزء الأكبر من العالم في شبكة واحدة مترابطة قدر الإمكان.

إن “علم الروبوتات السحابي” ما هو إلا مزيج من النشاطيْن الأخيريْن: توصيل الروبوتات بالسحابة بحيث يزداد الطرفان ذكاءً. ويشمل ذلك جميع الروبوتات، لا الطائرات بلا طيار وحدها، بل السيارات ذاتية القيادة، وروبوتات التصنيع والتخزين أيضاً، وربما يوماً ما الروبوتات الموجودة في بيتك. لكننا سنركز في الوقت الحالي على الطائرات بلا طيار.

إن التغيير الأكبر الذي طرأ على الطائرات بلا طيار (وعلم الروبوتات، بل في ميدان الإلكترونيات عموماً) على مدار العقد الماضي هو قابلية الاتصال. فعلى عكس الأجيال السابقة من الروبوتات التي اقتضى الأمر نُظُم اتصالات خاصة بها، ورثت الروبوتات التي خرجت من رحم صناعة الهواتف الذكية بنيتها “المُتصلة منذ نشأتها”.

ومن الصعب أن نتذكر في يومنا الحالي كيف كان يجري العمل في السابق: جمع البيانات ثم تنزيلها فتحليلها. لقد انتهى هذا العهد. فالبيانات تتدفق من المصدر إلى الجهاز لتخضع للتحليل تلقائياً وبشكل غير مرئي. إنها تفعل ما ينبغي أن تفعله التكنولوجيا دوماً: إنجاز المهمة وحسب.

ولهذا التحول آثار مهمة. فعندما تُصمم الأجهزة من البداية بحيث تكون مُتصلة فيما بينها، تحدث ثلاثة تغيرات:

  1. تميل الأجهزة إلى التّحسن بمرور الوقت، لا العكس. على النقيض مما كان يحدث في النموذج المستقل القديم الذي تبدأ فيه المنتجات مسيرتها نحو التقادُم لحظة صنعها، تحصل الأجهزة المُتصلة على غالبية ميزاتها من برمجياتها، لا من الجهاز نفسه، وهذه البرمجيات يمكن تحديثها، شأنها شأن برمجيات هاتفك الذكي بالضبط. انظر إلى سيارة “تيسلا” التي تحصل على ميزات جديدة تلقائياً بشكل أسبوعي تقريباً. والمصطلح الفني لمثل هذه الأجهزة هو “متحولة خارجياً”، وتميل قيمتها إلى الارتفاع بمرور الوقت، على العكس من الأجهزة “المتدهورة حتماً” التي تميل قيمتها إلى التدني. وبالطبع، فهناك حدّ لعمر الجهاز، ففي نهاية المطاف حتى الأجهزة المُتصلة تصبح عتيقة. غير أن بيت القصيد أنه بدلاً من أن تتبع الأجهزة المتصلة منحدر التآكل الطويل التقليدي من مرحلة الشراء فصاعداً، تتحسن تلك الأجهزة من حيث نفعها لأطول فترة ممكنة. وفي حالة الطائرات بلا طيار، تتجلى قدرات جديدة، بدايةً من الأداء المُحسَّن حتى الخصائص المستقلة الجديدة، بين ليلة وضحاها عبر التحديثات “الهوائية”.
  2. إنها تتمتع بـ “ذكاء خارجي”. إنها جزء من إنترنت الأشياء ولا أعني ذاك الجزء الساذج، كمصابيح الإضاءة المتصلة بالإنترنت، وإنما أعني الجزء الذكي (الذي يتفادى، انطلاقاً من ذكائه، المسمى المنتشر “إنترنت الأشياء”). على سبيل المثال، يتمتع جهاز “أمازون إيكو” بقدر كافٍ من الذكاء بما يسمح له بتسخير الذكاء المهول للسحابة الإلكترونية. فهو ليس جهاز استشعار لشبكة الإنترنت فقط، وإنما طرف تستطيع شبكة الإنترنت بواسطته أن تتجسد في العالم المادي أيضاً. بالنسبة للطائرة بلا طيار، يعني ذلك أنه ليس من الضروري أن تكون مُبرمجة لمسح موقع ما باستخدام مسار معياري، وإنما تبدأ بالتقاط عدد من الصور للموقع، ثم تقوم بتحميلها إلى السحابة الإلكترونية بحيث تستطيع الخوارزميات هناك تحليلها على الفور وإعداد مسار مسح مُخصص بحيث يناسب هذا الموقع تحديداً في ذاك اليوم وفي ظل ظروف الإضاءة والظل هناك. فكر في الأمر على أن البيانات هي التي تحدد المهمة، لا العكس.
  3. تجعل شبكة الإنترنت أذكى أيضاً. لا تستقي الأجهزة المتصلة معلوماتها من الشبكة فقط، وإنما تضخ البيانات فيها أيضاً. ولا يُعزى الفضل في نهضة الذكاء الاصطناعي الحالية بالقدر الأكبر إلى الحوسبة المُحسَّنَة والخوارزميات وإنما ببساطة إلى القدرة على الوصول إلى بيانات أكثر بشكل كبير. وجزء كبير من تلك البيانات، حاضراً ومستقبلاً، ينبع من قياس العالم بما في ذلك الأشخاص وبيئاتهم والأجهزة المتصلة هي الطريقة التي تنتشر بها أجهزة الاستشعار. وفي حالة الطائرات بلا طيار، يعني هذا أن الأمر لا يقتصر على تنزيل خرائط ثلاثية الأبعاد وحديثة لعالمها فحسب بحيث تساعدها على التحليق، بل إمكانية تحميل البيانات من أجل تحسين تلك الخرائط.

لا يكفي أن تكون الطائرات بلا طيار رائعة

تتجلى أهمية ذلك في المؤسسات، ففي المؤسسات ما من أحد يستخدم الطائرات بلا طيار لأنها رائعة، وإنما تُستخدم لأنها تنجز العمل بشكل أفضل من بديلها. فالأمر المهم دائماً هو العمل، وكل خطوة تقف حجر عثرة بين الرغبة في إنجاز العمل وإنجازه بالفعل هي مقاومة تبطئ تبني تلك التقنية. إن الطائرة بلا طيار التي تعد مثالية للمؤسسات هي عبارة عن صندوق مزود بزر أحمر، عندما تضغط الزر، تحصل على بياناتك، وأي شيء أكثر تعقيداً هو مكمن صعوبة ومشقة يتعين التخلص منه. (وبعد ذلك، سنتخلص من الزر أيضاً).

ما يعنيه ذلك هو التكامل السلس بين الطائرات بلا طيار وبرمجيات المؤسسات، بحيث تُجمع كافة البيانات تلقائياً وتُرسل إلى السحابة الإلكترونية وتُحلل وتُعرَض بطريقة مفيدة، في أفضل الأحوال بشكل شبه مباشر.

كيف سيبدو ذلك؟ رغم أن ما سأقوله سيكون بمثابة مفاجأة لك، فأنا آمل أن يكون مستقبل الطائرات بلا طيار مملاً. بصفتي رئيساً تنفيذياً لواحدة من شركات الطائرات بلا طيار، من الواضح أنني مستفيد من صعود نجم هذه الطائرات، لكنني لا أعتقد أن ذلك سيحدث إذا انصب تركيزنا على الإثارة التي تضفيها الطائرات بلا طيار على عالمنا. فعلامة التقنية الناجحة لا تكمن في الإحساس بالإثارة الذي يخالج الناس بسببها، وإنما في تحولها إلى أداة جوهرية ومقبولة وتندمج في نسيج الحداثة. لقد كان ينظر إلى الكهرباء في فترة من الفترات على أنها ضرباً من الخيال، لكنها الآن أمر مُسَلّم به. وتتجه شبكة الإنترنت حالياً إلى الوجهة ذاتها. وغايتي النهائية أن يُنظر إلى الطائرات بلا طيار باعتبارها أداةً صناعية غير مثيرة؛ كالآليات الزراعية أو المولدات الكهربائية الموجودة في مواقع الأعمال الإنشائية، وأن تكون مفيدة بقدر ما هي غير مميزة.

لقد استوحيت الإلهام في هذا الأمر من جدي فريد هاوزر الذي اخترع نظام الري بالرش الآلي في الثلاثينيات (تُزيِّن براءات اختراعه جدراننا إلى الآن). قد لا تعتبر نظام الري بالرش الآلي روبوتاً، لكنه كذلك، كل ما في الأمر أن نُظمنا الحالية متصلة بشبكة الإنترنت وتجمع البيانات وتعمل بشكل مستقل، والأفضل من كل شيء أنها تؤدي المطلوب. والآن، تخيل طائرات بلا طيار للمزرعة تنجز العمل نفسه: صناديق منتشرة في كل مكان في المزرعة تحوي طائرات مروحية في الداخل وخلايا شمسية بالخارج لإعادة شحن بطارياتها. وشأنها شأن نُظم الري، في مرحلة ما خلال اليوم، تبدأ العمل وتخرج من الصناديق وتنجز عملها، فترسم خرائط المحاصيل، أو تكشف عن الآفات، أو حتى تقوم بعملية التلقيح كالنحل. وعندما تفرغ من عملها، تعود تلقائياً إلى صناديقها، وتُغلق أغطية الصناديق، وتخلد إلى النوم حتى تعيد الكرة كلها في اليوم التالي. كل ما يحتاج المزارع إلى معرفته هو أن تقرير المحاصيل اليومي على هاتفه مُفَصَّل تفصيلاً دقيقاً، حيث يحوي تحليلاً متعدد الأطياف عن كل شيء، من الأمراض إلى الرطوبة، مُقاساً حتى مستوى الورقة الواحدة ومُحلَّلاً بواسطة برمجيات تعلّم الآلة لتحديد المشكلات وتقديم التوصيات لعمل اليوم.

مع انتشار الطائرات بلا طيار كانتشار مرشّات المياه: لقد قطعنا بالطائرات بلا طيار شوطاً كبيراً من كونها أسلحة وورودها في أفلام الخيال العلمي وعناوين الأخبار. ولكن أثرها الحقيقي يكمن في التطبيقات الاعتيادية للتقنيات المتقدمة. ما إن ننظر إلى الطائرات بلا طيار على أنها لم تعُد مبتكرة بالقدر الكافي الذي يجعلها جديرة بالتناول في مقالات هارفارد بزنس ريفيو، ستكون مهمتي قد تحققت.

البيانات

الطائرات المسيرة بلا طيار تنطلق

يشهد اقتصاد الطائرات المسيرة بلا طيار نمواً بسرعة البرق، بأي مقياس تقريباً. وتثبت مجموعة الرسوم البيانية هذه ما يجب أن نتوقعه على مدار الخمس سنوات القادمة. الخلاصة الهامة هي: أن عدد الطائرات المسيرة بلا طيار والطيارين والتطبيقات سيزداد بشكل مهول. إننا بصدد دخول العصر التجاري للطائرات بلا طيار.

الطائرات التجارية المسيرة بلا طيار جاهزة للإقلاع

تتباين التوقعات، غير أن ما يتراوح بين ربع مليون ومليون ونصف المليون طائرة عاملة مسيرة بلا طيار ستحوم في سماء أميركا في السنوات الأربعة المقبلة.

الأموال تتوَجَّه إلى البرمجيات

تبتعد الاستثمارات في الطائرات بلا طيار عن العتاد والمشغلين وتتجه تدريجياً إلى البرمجيات والخدمات. وستشجع الطائرات بلا طيار على انتشار هذا التوجه بقدر أكبر.

مطلوب طيارين

في كل سيناريو، سيزداد عدد الطيارين عن بُعْد والمُسجلة أسماؤهم كمشغلين تجاريين، غير أن النمو سيكون أبطأ نوعاً ما لو عدلت إدارة الطيران الفيدرالية لوائحها التي تسمح لطيار واحد بتشغيل العديد من الطائرات بلا طيار في آن واحد. وستحد اللوائح التي تسمح بالتحليق الذاتي من النمو بقدر أكبر، غير أنها ستزيد من الحاجة إلى مهندسي البرمجيات ومراقبي حركة المرور الجوي للطائرات المسيرة بلا طيار.

سجِّل اسمي

منذ أن بدأ التسجيل على شبكة الإنترنت لمشغلي الطائرات التجارية بلا طيار، تصاعد عدد طلبات التسجيل، حيث بلغ في المتوسط 180 طلباً يومياً، وكاد أن يبلغ إجمالاً الآن 50 ألف طلب.

الموجات الثلاثة لاقتصاد الطائرات بلا طيار

الاستقلالية تغيِّر قواعد اللعبة

تقدم الطائرات المُسيرة بطيَّار فوائد جمَّة فيما يختص بمسح المناطق محدودة المساحة، غير أنها لا تتوسع. وسوف تُحْدث الطائرات بلا طيار المُسيرة ذاتياً ثورة في جمع البيانات عن المناطق الشاسعة.

ما الأغراض التي تُسَخِّر الشركات الطائرات بلا طيار لها الآن؟

كان التصوير الفوتوغرافي هو التطبيق الرائع الأول للطائرات بلا طيار وتبعه المسح ورسم الخرائط. ومن بين التطبيقات غير المُدرجة على هذه القائمة، لكنها تستقطب عدداً متزايداً من المستخدمين بسرعة، الصحافة والتلفزيون والأفلام والبنية التحتية للاتصالات.

ما يريد مشغلو الطائرات بلا طيار إنجازه ويحظره القانون

أبرز خمسة طلبات إعفاء تجاري تلقتها إدارة الطيران الفيدرالية:

مَكْمَن الوفر

الطائرة بلا طيار التي تناسب المهمة

تؤدي طائرات مختلفة بلا طيار مهام متباينة. فاحرص على استئجار الطائرة بلا طيار التي تناسب المهمة.

التطور التقني

بينما تتطور الوظائف المرتبطة بالطائرات بلا طيار، تتبدل تكنولوجيا تلك الطائرات أيضاً. نعرض لكم إلى أي حد اقتربت عدة طفرات من الواقع.

مهام الطائرات بلا طيار

بينما تتطلع المزيد والمزيد من الصناعات إلى تكنولوجيا الطائرات المسيرة بلا طيار، تزداد قائمة المهام التي تستطيع تلك الطائرات أو استطاعت القيام بها. ولكن، ما هي المهام الواقعية؟

فيديو

الأبراج الطائرة وتطبيقات أخرى للطائرات بلا طيار

سكوت بيريناتو

بالنسبة لخبير الطائرات المسيّرة آرت بريجلر، فإن الطائرات بلا طيار ليست أمراً مبتكراً ولا ثورياً، فقد بدأ العمل على المركبات الطائرة غير المأهولة في القوات الجوية الأميركية منذ ما يربو على 30 عاماً. يقول بريجلر أن الجانب الثوري يتمثل في اقتصاديات الطائرات بلا طيار. ويضيف بقوله: “انخفضت التكاليف إلى حد كبير”، مقللاً من حجم تحولها من كونها معدات عسكرية باهظة التكلفة إلى لعبة ميسورة التكلفة. “الآن وقد انتشرت الطائرات بلا طيار كهِوَاية، هذا من أقصى أنواع الإبداع الذي ستراه”.

يمثل بريجلر، الذي يعمل رئيساً لبرنامج الطائرات بلا طيار التابع لشركة الاتصالات “أيه تي آند تي” (AT&T)، جزءًا من مجتمع مبتكري المركبات الطائرة غير المأهولة. وقد شاركنا بريجلر ثلاثة تطبيقات طورتها الشركة للطائرات بلا طيار، وصرح ببعض التلميحات حيال التطور الذي يعتقد أن الطائرات بلا طيار ستساهم فيه في صناعة الاتصالات.

فحص أبراج الهواتف الخلوية

توظف كثير من شركات الاتصالات حالياً الطائرات بلا طيار لفحص أبراج الهواتف الخلوية. وبوسع الكاميرات الطائرة فائقة التطور تقديم معلومات كثيرة عن حالة الأسلاك وأجهزة الإرسال قبل أن يتعين على فني الفحص الصعود لارتفاع مئات الأقدام.

يقول بريجلر: “كنا نضطر في بعض الأحيان إلى الصعود والكشف عن المشكلة، ثم النزول لجلب الأدوات المناسبة، ثم الصعود مجدداً. أما الآن، فإننا نستخدم طائرة بلا طيار لتحديد المشكلة، والتأكد من أن الوضع آمن قبل أن نصعد وبحوزتنا المعدات الملائمة”. سيقلص ذلك من مدة مرات الصعود وعددها. ويعتقد بريجلر أن بوسع الطائرات بلا طيار تقليص عدد مرات الصعود لفحص الأبراج بنسبة تصل إلى 30%.

يُعرِّض تسلق أبراج الهواتف الخلوية الفنيين إلى مواقف خطرة، فهي عالية، وتقع عادةً في أماكن نائية، أو تنطوي على التعامل مع مساحات خطرة تحتوي على أجسام متحركة. ولا يحد استخدام الطائرات بلا طيار من الخطر المُحدق بالفنيين فحسب، بل يقلص بحسب قول الخبراء أقساط التأمين أيضاً.

اختبار إشارة الشبكة

يكمن أساس عمل شركات الهواتف الخلوية في أداء الشبكات الخاصة بها، وعليه فهي تستثمر بشكل كبير في اختبار إشاراتها، سيما في المواقف التي قد يؤثر الطلب العالي على قوتها.

لندرس مثال المدرجات الكبيرة. قد يتواجد في هذه المدرجات 80 ألف شخصاً يُحَمِّلون صورهم الشخصية، ويراسلون أصدقائهم هل تخيلت هذه الصورة؟ – أو يشاهدون أهم أحداث ألعاب أخرى. في هذه الحالة، يكون الطلب على الشبكة عالٍ جداً. ولضمان عدم ضعف الإشارة، تقوم شركات الاتصالات بتنفيذ اختبارات لأداء الوصلتيْن الصاعدة والهابطة بشكل منتظم في أماكن التجمعات الكبرى. غير أن هذه العملية تستنفذ الكثير من الوقت، حيث ترسل الشركات عدداً كبيراً من الأشخاص يحملون على ظهورهم حقائب ثقيلة، ويجلسون على مقعد ويختبرون الشبكة، ويتركون مقعدهم ثم يتحركون إلى المقعد التالي ويجلسون ويجرون اختباراتهم. وهكذا دواليك على كل مقعد.

حلت الطائرات بلا طيار محل الإجراء الروتيني للمشي والجلوس والاختبار، حيث بوسع الطائرات التحرك ببطء على طول المدرج لجمع بيانات الإشارة، وإرسالها إلى عمليات محاكاة للمدرج وهو مزدحم عن آخره. يستطيع شخصان وطائرة بلا طيار الآن في غضون أربع ساعات إنجاز ما جرى العرف على أن يقوم به عدة أشخاص على مدار أربعة أيام.

يقول بريجلر إن هذه أقرب لخدمة بحسب الطلب والحاجة منها إلى إجراء متكرر، كفحص أبراج الهواتف الخلوية، غير أن منافعها هائلة. وأي شركة تُدير فدادين أو هكتارات أو غير ذلك من المساحات الشاسعة يمكنها توفير الوقت وتكاليف العمالة على الفور باستخدام الطائرات بلا طيار لتغطية تلك المناطق بشكل كامل، سواء لأغراض الفحص أو المسح أو التخطيط أو المعاينة أو إحصاء الأشجار أو الزوارق.

خدمة الأبراج الخلوية المنبثقة

من بين أكثر التطبيقات الواعدة التي يختبرها بريجلر هي استخدام الطائرات بلا طيار كأبراج هواتف خلوية مؤقتة، في المناطق التي تحتاج إلى خدمة مؤقتة أو مُعزَّزَة كالمناطق المنكوبة بالكوارث، ومناطق التجمعات الحاشدة تستطيع الطائرات بلا طيار التحليق وهي تشكل شبكة مع بعضها البعض لتعزيز الإشارة. ويمكن لأبراج الهواتف الخلوية هذه حتى تغيير موقعها بنفسها، على سبيل المثال لمساعدة رجال الإطفاء على البقاء على اتصال بينما يتحركون لإطفاء النار.

وتُطلق شركة أيه تي آند تي عليها اسم “الأبراج الطائرة”. وفي السابق، استخدمت الشركة “أبراج على عجلات”، أي أبراج متحركة. إن إقامة برجٍ للهواتف الخلوية استثمار ضخم ومُعقد. وتعد كلاً من الأبراج الطائرة والمتحركة على عجلات أقل تكلفة بمراحل. وتستطيع الأبراج الطائرة الارتقاء حتى 400 قدم، ويضمن إطلاق الطائرات لمسافات أعلى تغطية أوسع نطاقاً، وارتفاعاً طفيفاً في التكلفة الهامشية.

لقد كان أول برج طائر للهواتف الخلوية صغيراً، وجاء على هيئة مروحية متعددة المراوح ذات جهاز لاسلكي واحد، ومُصممة لمساعدة مقدمي الإسعافات الأولية. وقدم هذا التطبيق خدمة سريعة لمجموعة صغيرة من الأشخاص. والآن، يعكف بريجلر على اختبار حوامات أكبر ذات أجنحة بطول 7.5 قدم و أجهزة لاسلكي متعددة. ستقدم تلك الحوامات خدمة أطول أمداً لجماعات أكبر عدداً. ومثال على ذلك الحفلات الموسيقية ومواقع العمل النائية كالمناجم.

يقول بريجلر أن استراتيجيته في كل حالة كانت الحرص على إبقاء الطائرات بلا طيار الخاصة بشركته متوافقة مع القوانين الراهنة والحاكمة لحجم الطائرات ومهمتها، بحيث لا يضطر إلى التقدم بطلبات إعفاء. وحتى الأبراج الطائرة ذات أجهزة اللاسلكي المتعددة بقيت مُقيَّدة بالحد الفيدرالي الأقصى للوزن وقدره 55 رطل. ويفضل بريجلر أن يطور التطبيقات التي تناسب البيئة النظامية الحالية بشكل سريع على أن يتورط في التخطيط لطائرات تتطلب مساومات للحصول على إعفاءات.

لكنه يضع المستقبل نصب عينيه، فهو يتخيل أن تصبح الطائرات بلا طيار مكوناً اعتيادياً من مكونات شبكة الجيل الخامس اللاسلكية، حيث يقوم سرب من أجهزة اللاسلكي ذاتية التشغيل التي بوسعها التحليق بالطيران إلى الأماكن التي تفيد التحليلات بأنها بحاجة إلى تغطية. وسوف تظهر النماذج إشارات تعزيز الشبكة في مناطق الأعمال خلال النهار، وتتفرق بينما يقصد الناس بيوتهم مساءً.

ويعتقد بريجلر أيضاً أن الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، خاصةً بالتعاون مع البصريات، سيمهدان الطريق إلى تطبيقات مبتكرة أخرى للطائرات بلا طيار. وستضطلع المركبات الطائرة غير المأهولة بمهمة تشخيص المشكلات، وإطلاع الفنيين على ما تستدعي الحاجة إصلاحه، أو ستصلح الأعطال بنفسها في نهاية المطاف. وسيتطلب هذا كله تعديلات للقوانين التي ستحدث لا محالة. وبقدر ما تتسم التطبيقات الحالية للطائرات بلا طيار بالتنوع والذكاء، يؤكد بريجلر على أن الابتكار قد بدأ للتو، إذ يقول: “تتمثل الخطوة الكبيرة التالية في السماح بـ”التحليق إلى ما وراء خط الرؤية البصرية”. عندما تسمح إدارة الطيران الفيدرالية بذلك، ستَحْدُث طفرة في مجالات استخدام الطائرات بلا طيار”.

سؤال وجواب: لوريتا ألكالاي

اسأل محامية مختصة بالطائرات بلا طيار

لورا أميكو

تعد الطائرات بلا طيار التي ستستخدم في المستقبل القريب تقنية مُزعزعة للأوضاع الراهنة، حيث ستسد الفجوة بين الأرض والجو بقدرتها على إنجاز أي مهمة تقريباً لجمع البيانات بأسرع من ذي قبل، وبتكلفة أقل من السابق. هل تبحث عن شخص مفقود؟ استخدم طائرة بلا طيار. هل تود قياس تقدم العمل في مشروعك الإنشائي؟ استخدم طائرة بلا طيار. هل تود إزالة الأعشاب الضارة من حقل الذرة الخاص بك؟ استخدم طائرة بلا طيار.

وبقدر ما تعتبر هذه التقنية مُزَعْزعة لمجال الأعمال، فلن يتأثر هذا المجال فقط بهذه الزعزعة، وإنما ستتأثر أيضاً الأسس القانونية لمسائل تتعلق بالخصوصية، والمجال الجوي، والتفوق القضائي.

ولفهم الكيفية التي تساهم الطائرات بلا طيار من خلالها في صياغة قانون الطيران والأراضي الحديث، حاورت هارفارد بزنس ريفيو لوريتا ألكالاي، المستشارة الإقليمية السابقة لإدارة الطيران الفيدرالية، ومُسَيِّرَة الطائرات بلا طيار التي تملك صفحة على تطبيق إنستغرام حافلة بصور تلك الطائرات المفتونة بها. وألكالاي أستاذة في قانون الطائرات بلا طيار في كلية “فون” لعلم الطيران والتكنولوجيا في مدينة نيويورك. ولقد شاركتنا نصائحها بخصوص إدراج المتطلبات القانونية في استراتيجية الطائرات بلا طيار الخاصة بك، إضافةً إلى نظرة على ما قد يخبئه لنا المستقبل.

هارفارد بزنس ريفيو: تعد الطائرات بلا طيار تقنية مُزعزعة للوضع الراهن بالنسبة للشركات لأنها تغير النحو الذي يزاول به الناس أعمالهم، وتوسِّع مجال جمع البيانات بسبل يمكن أن تعود بالفائدة على كل قطاع تقريباً. ولكن، كيف تساهم الطائرات بلا طيار في صياغة القانون؟

ألكالاي: تجري الكثير من الأحداث فيما يختص بتحديد أي جهة تَحْكُم قوانينها استخدام الطائرات بلا طيار. ومن الصعب علينا مواكبتها، لأن القوانين تتطور وتتباين بحسب المناطق المختلفة. وقد سنّت الكثير من المدن والولايات قوانين محلية، وكثير منها يدرس إمكانية تطبيقها. وتسعى العديد من الولايات إلى تنظيم المجال الجوي، لكن في بعض الحالات قد تتعرض هذه التشريعات لفيتو  القانون الفيدرالي والذي يمكن أن يعطلها، وهذا يبقى احتمالاً بسيطاً، لكنه وارد.

ولكننا لا نستطيع الجزم في الوقت الحالي. ولن نجزم حتى يُطعن في بعض تلك القوانين، ويُتخذ قرار بشأن صحتها في المحكمة الفيدرالية. ولكن، لكي تتطور صناعة الطائرات بلا طيار بحيث تستغل كامل إمكاناتها، سيتعين على الفيدراليين التدخل، إما بواسطة التقاضي وصولاً إلى المحكمة العليا وإما بسن القوانين. وليس بوسعك تطوير أي صناعة والأمور على وضعها الراهن.

على سبيل المثال، في المستقبل، عندما تُستخدم الطائرات بلا طيار بشكل روتيني لإنجاز أعمال على مسافات بعيدة، كعمليات فحص السكك الحديدية، والكهرباء، وخطوط الأنابيب، وجمع البيانات إثر الكوارث، والتطبيقات الزراعية، وحتى تسليم البضائع، سيتعين تسوية المسائل القانونية المتعلقة بالتحليق عبر حدود الولايات القضائية المختلفة وفي شتى أرجاء الدولة. وبعيداً عن مسألة الجهة التي تُحْكِم سيطرتها على المجال الجوي الصالح للملاحة، سيتعين التطرق لمسألة ما إذا كان لأصحاب الملكيّات أي حق في المجال الجوي الكائن أعلى ملكيّاتهم، خاصةً على ارتفاعات منخفضة جداً، كما تحت قمم الأشجار.

علامَ ينص القانون؟ وما الذي يُسمح لي بعمله؟ أو ربما ينبغي أن أسأل عما ينبغي عليّ فعله؟

عموماً، إذا كنت تنوي استخدام طائرات صغيرة بلا طيار وأعني تلك التي تزن أقل من 25 كيلو غراماً في حدود ملكيّاتك وفوقها فقط، أو أي ملكيّات تملك الحق في استخدامها، فالمشهد القانوني يكاد يكون محسوماً، وسيكفي التشاور مع مستشار قانوني لإحاطتك علماً بمعايير تلك الملكيّات المحددة ومعايير التشغيل، بما في ذلك ما إذا كان الأمر يتطلب موافقات على استخدام المجال الجوي، وما إذا كانت الحاجة تقتضي إعفاءات ليلية أو غيرها من الإعفاءات القانونية، وما إلى ذلك. ومن الأهمية بمكان أيضاً مراجعة متطلبات التأمين لضمان امتلاكك للغطاء التأميني الكافي.

ولا توجد متطلبات فيدرالية للأعمال التجارية التي تريد استخدام الطائرات بلا طيار. لكن يحتاج الطيارين الذين يرسلون طائراتهم لأغراض مهنية إلى نيل شهادة طيار عن بُعد من إدارة الطيران الفيدرالي، وهي شهادة يسهل الحصول عليها. لقد يسرت لوائح إدارة الطيران الفيدرالي التي أمست ساريةً أغسطس/آب 2016 اشتراطات التشغيل على مقربة من الناس والبنايات إلى حد كبير، وكذلك فيما يتعلق بالارتفاع الأقصى عند التحليق بجوار البنايات.

وعلى الرغم من ذلك، فإن الحصول على الموافقات لأي شيء خارج نص اللوائح يعد مضيعة للوقت. فعلى سبيل المثال، نجد أن الحصول على موافقات للتحليق في المجال الجوي الخاضع للمراقبة عملية مُطوَّلَة، في الوقت الحاضر على الأقل. كما أنّ الموافقات على التحليق مباشرةً أعلى رؤوس البشر الذين لا يشاركون في تشغيل الطائرة بلا طيار، أو وراء خط الرؤية البصري تتطلب عملية إعفاء قانوني مُطوّلة، وفرص نجاحها محدودة جداً. ولقد كانت الموافقات المطلوبة لتحليق طائرات بلا طيار تزن 25 كيلو غراماً أو أكثر مُعقدة جداً أيضاً، والحصول عليها أمر شاقّ ويستنفد الوقت.

إذا كنت تخطط لاستخدام طائرات بلا طيار خارج حدود ملكيّتك، فستجد المشهد القانوني عرضةً للتغيير، سيما بحسب قوانين الولاية والقوانين المحلية. في تلك المواقف، سيكون من المهم أن تحصل على استشارات قانونية خبيرة باستمرار، لتقييم العديد من الاستراتيجيات وإسداء النصح والإرشاد بشأنها، أو المساعدة في الحصول على أية موافقات قانونية ضرورية.

ماذا لو تضمنت استراتيجيتي تشغيل طائرة بلا طيار خارج حدود الولايات المتحدة؟

يتّسم المشهد القانوني على المستوى الدولي بالتعقيد، حيث تضع كل دولة القوانين والمتطلبات الخاصة بها. وتعمل المنظمة الدولية للطيران المدني، التابعة لمنظمة الأمم المتحدة والبالغ عدد الدول الأعضاء فيها 191 دولة ممن وقَّعَت على اتفاقية الطيران الدولية المعروفة باسم “اتفاقية شيكاغو”، على دمج الطائرات غير المأهولة ضمن منظومة الطيران المدني العالمي، غير أن ذلك سيستغرق عقود من الآن.

تلتزم بلدان منظمة الطيران المدني الدولي بموجب الاتفاقية بالتقيد بالمعايير التي تحكم جميع جوانب عمليات تشغيل الطائرات. وهي معايير فنية بالغالب، وُضِعَت واعْتُمَدَت بالإجماع. وفي ظل هذا العدد الكبير من البلدان، نجد أن عملية وضع المعايير والحصول على الإجماع بشأنها بطيئة ومُجهدة.

ما هي بعض المسائل القانونية التي تلوح في الأفق؟

ثمة مسألة مهمة تتمثل في انتشار القوانين المحلية التي تقيِّد مواقع إقلاع الطائرات بلا طيار وهبوطها. وسيعتمد مستقبل استخدام الطائرات بلا طيار على امتلاك مساحة كافية من الأراضي للإقلاع والهبوط، وخاصةً في المناطق ذات التراخيص الأرضية والجوية، كالمطارات، ومواقع إقلاع الطائرات المروحية. وتنحصر قوانين استخدام الأراضي هذه عموماً في يد السلطة المحلية، ونحن نرى كثيراً من حكومات الولايات والحكومات المحلية التي تسعى إلى تنظيم عمليات الطائرات بلا طيار بالحد من المناطق التي تستطيع الإقلاع منها والهبوط فيها.

وتعد الخصوصية مسألة أخرى ينبغي التعامل معها. رغم أني أعتقد أن قضايا الخصوصية سيان سواء تعلق الأمر باستخدام الطائرات بلا طيار أو أي تقنية أخرى، حيث يخشى بعض الناس من أن تُستغل الطائرات بلا طيار في جمع البيانات عبر تقنية أجهزة الاستشعار أو الكاميرات، ويلتمسون القوانين التي ستحكم البيانات المُخزَّنَة ومدة تخزينها. وكما هو الحال مع كثير من التقنيات الحديثة، يظل هناك خوف يجثم على الصدور من المجهول ورغبةً في الحد من الانتهاكات المحتملة.

وحالياً، لا توجد معايير اعتماد خاصة بتصنيع الطائرات بلا طيار، أو للطائرات بلا طيار نفسها. وأعتقد أن المعايير ستوضع وستصبح إلزامية، بحيث تضمن درجة من الأمن والأمان تؤدي إلى إجازة إدارة الطيران الفيدرالية للعمليات الروتينية فوق رؤوس البشر، وفيما وراء خط الرؤية البصرية، على سبيل المثال، وجود أكثر من نظام يعمل في الوقت ذاته، لتفادي حوادث التصادم في حال تعطل أحد الأنظمة، أو وجود منظومة لاستشعار الطائرات والأجسام الأخرى وتفاديها.

ما هي النصوص القانونية التي يحتاج استراتيجيو الطائرات بلا طيار إلى الالتفات إليها أكثر من غيرها؟

إذا رأيت أن الطائرات بلا طيار ستكون مفيدة لعملك، فاعلم أنه من المهم بطبيعة الحال أن تشغلها بطريقة آمنة وفي إطار قانوني. ولكن، من المهم أيضاً أن تراعي نظرة العامة تجاه الطائرات بلا طيار، وكيف يمكن أن يؤثر استخدامك لها على هذا الرأي. كن جاراً صالحاً قدر الإمكان متى تعلق الأمر بإرسال طائرتك بلا طيار في الأجواء، خاصةً في المناطق العامة أو فوق ملكيّات الآخرين.

مقالة

هل تنجز الطائرة المسيرة بلا طيار ذلك؟

يعلم القاصي والداني أن الطائرات المسيرة بلا طيار تُستخدم حالياً في التصوير الجوي، وتريد الشركات استخدامها في تسليم الطرود. غير أن اقتصادها هو اقتصاد قائم على المنصات التي تتقيد فيها التطبيقات فقط بخيال رواد الأعمال الذين يحلمون بإنشائها (حسنًا، وتتقيد بقدر يسير بالقوانين أيضاً). اكتشف أي استخدامات الطائرات بلا طيار حقيقية وأيها خيالية.

العاملون لدى هارفارد بزنس ريفيو

تطهير مواقع تسرب النفط

الطائرة بلا طيار يكاد يكون بوسعها إنجاز هذه المهمة. ولكن، ليس على الوجه الأكمل.

سِرب استعراضي من الطائرات بلا طيار من جامعة “بافالو “بها كاميرات مُثبتة للتعرف على النفط والماء والحدود الفاصلة بينهما إثر تسرب نفطي بحري. وتَعِد تلك الأسراب بتقديم مخططات عن بعد سريعة ومنخفضة التكلفة لسيناريوهات الكوارث.

تجمع القمامة

أجل، الطائرة بلا طيار تنجز هذه المهمة.

“ذا ويست شارك” (أو الفك المفترس الغربي) هو اسم طائرة مائية بلا طيار ذاتية التحكم تبتلع النفايات البحرية بينما تجمع بيانات عن الظروف المناخية وجودة المياه وحركة المرور البحرية وغير ذلك الكثير. وتعمل تلك الطائرات بشكل متضافر معاً، وتتواصل عبر قاعدة بيانات مركزية. وتُشكِّل معاً شبكة سريعة الاستجابة وذاتية التنظيم تحصد النفايات قبل أن تنجرف إلى عَرْض المحيطات.

تنقلك إلى مكان ما

يعتمد الأمر على وجهتك التي تقصدها

من المتوقع أن تظهر طائرة الركاب بلا طيار لأول مرة في دبي صيف هذا العام، غير أن الطائرات بلا طيار تنتقل بنا من مكان لآخر من أوجه أخرى. فالطائرات بلا طيار تلتقط صوراً عالية الجودة لعوالم افتراضية يمكننا استكشافها عن بُعد. واستناداً لبعض التعريفات، تُعتبر السيارات ذاتية القيادة “المركبات غير المأهولة” طائرات بلا طيار أيضاً. وإذا كنت تبحث عن تطبيق معياري بقدر أكبر، فلتنظر إلى براءة الاختراع التي طبَّقَتها “فورد” على الربط ما بين الطائرات بلا طيار والسيارات ذاتية القيادة لأغراض رسم خرائط المخاطر.

تزرع المحاصيل الغذائية

أجل، تُنجز الطائرات بلا طيار هذه المهمة … بطريقة ما.

تمنح الطائرات بلا طيار المزارعين القدرة على جمع بيانات غاية في التفصيل عن التربة وظروف المحاصيل. ولطالما استغل المزارعون نظم الأقمار الصناعية، والطائرات المأهولة لجمع بيانات عن المحاصيل، غير أن الطائرات بلا طيار أشاعت مفهوم “الزراعة الدقيقة” بإرسال نتائج غاية في الدقة للمزارعين بشكل فوري. وقريباً، سوف تبحث عن طائرات بلا طيار لرسم خريطة لحقل، وتوجيه جرَّار ذاتي القيادة بالأماكن المُراد تخصيبها وغرس البذور فيها.

تكافح العدوى

يكاد يكون بوسع الطائرات بلا طيار إنجاز هذه المهمة، ولكن ليس على الوجه الأكمل.

يتقصى الأطباء في “مايو كلينك” كيف تستطيع الطائرات بلا طيار أتمتة إيصال عينات الدم والأنسجة. فملايين العينات تُنقل داخل الولايات المتحدة كل يوم. وفي المستقبل، يمكن إشراك الطائرات بلا طيار في إيصال الأعضاء البشرية، وإشراكها حتى في التطبيب عن بُعد والتصدي للكوارث.

تصنع صلصة الأفوكادو

لا، ليس بوسع الطائرات بلا طيار أن تصنع هذه الصلصة، غير أنه ربما كان بوسعها إنقاذ شجرتها.

صلصة الأفوكادو أو ما يعرف بالجواكامولي من أشهر الصلصات. يُمثل الأفوكادو تجارةً تبلغ قيمتها نصف مليار دولار أميركي في الولايات المتحدة، وهذا النبات مُهدد بمرض ذبول شجرة الغار بسبب عفن تنقله خنفساء القلف المُتغلغلة. وللحيلولة دون تلف المحاصيل، تُرْسَل الطائرات بلا طيار لتحوم دانيةً فوق بساتين الفاكهة، حاملةً كاميرات حرارية تستطيع رصد النباتات المنكوبة قبل أن يكون هناك أي دليل قائم منظور على وجود المرض. ويستطيع المزارعون استئصال الأشجار المصابة بالعدوى لحماية الأشجار الأخرى القريبة منها.

تبني الجسور

أجل، تستطيع الطائرات بلا طيار إنجاز هذه المهمة.

إثباتاً لهذه النظرية، أقام العلماء برجيْن بسيطيْن يفصل بينهما 24 قَدَم، وأرسلوا سرباً من الطائرات بلا طيار لدراستهما. وبُرمِجَت الطائرات بلا طيار على قياس المسافة بين البرجيْن، ومن ثم العمل معاً، دون أي تدخل بشري، لبناء جسر مُعلَّق من الحِبَال. وبوسع الجسر الناتج تحمل وزن شخص عادي. سندعكم تخوضون هذه التجربة أولاً.

ترفّه عن عشاق موسيقى الجاز

أجل، الطائرات بلا طيار بوسعها ذلك.

في مهرجان كوتشيلا الموسيقي عام 2017 (وفي مباريات كرة القدم الأميركية عام 2017)، قدمت الطائرات بلا طيار عرضاً ضوئياً مُتناغماً مع الموسيقى. وتستطيع أسراب من الطائرات الصغيرة بلا طيار والحاملة للمصابيح ترتيب وإعادة ترتيب ذاتها على هيئة أنماط وصور وكلمات، تماماً كالألعاب النارية الحساسة. ورغم أن هذا إنجاز رائع، لكننا سنفتقد أصوات فرقعة الألعاب النارية.

العاملون لدى هارفارد بزنس ريفيو، إضافةً إلى إسهامات من سوما تشودهاري من جامعة بافالو وريتشارد هارديمان شركة “رانمارين” وكيلي هايهيرست من “مركز لانغلي البحثي” التابع لوكالة ناسا ود. كورنيليوس ثيلز من “مايو كلينك”.

مقالة

مبدأ أساسي: كيف تدمج المبادئ الأخلاقية في استراتيجية الطائرات المسيرة بلا طيار

ديان جيبينز

في المستقبل القريب، ستُكلَّف الطائرات بلا طيار بالولوج إلى العالم في أي وقت وأي مكان بالنيابة عن الشركات، والأفراد، والحكومات. ورغم أن القوانين الحاكمة لاستعمال تلك الطائرات تضع إجراءات وقائية معقولة ضد سوء الاستعمال، يُناط بالذين يُطلقون طائراتهم بلا طيار في الأجواء أيضاً مسؤولية تحقيق التوازن بين رغبتهم في الحصول على معلومات لا حدود لها من جانب، والمعايير الأخلاقية ومبادئ العمل السليمة من جانب آخر.

ويدور الحوار حالياً حول كيفية استخدام الطائرات بلا طيار، ومكان استخدامها وزمانه في مجالس إدارات الشركات والمطارات، وفي البيت الأبيض ومجلس الشيوخ الأميركي أيضاً. وبصفتي الرئيس التنفيذي لشركة “ترامبل أنماند” (Trumbull Unmanned)، وهي شركة عالمية متخصصة في استشارات استراتيجيات الطائرات بلا طيار وأحد مقدمي الخدمة، فقد قدمت المشورة في العديد من تلك الحوارات، حيث شاركت خبرتي من عملي مع العملاء في ميادين التخفيف من المخاطر، وإدارة البيانات، والاستراتيجيات. وحتمياً، فقد بنيت نصائحي على المسائل الأخلاقية. فما تستطيع الطائرة بلا طيار القيام به أقل أهمية مما ينبغي أو لا ينبغي أن تفعله. ولقد ذُهلت عندما تعرفت على التطبيقات الموفرة للوقت والمال والمُنقذة للأرواح المصممة للطائرات بلا طيار، غير أن أخلاقيات العالم الرقمي جانب كثيراً ما يغفل عنه الناس.

إذا كنت تحسب أن الأخلاقيات المتعلقة بالطائرات بلا طيار ترتبط في جوهرها بعدم التلصص على جيرانك، فعليك أن تعيد النظر في هذا الأمر، فالطائرات بلا طيار تؤدي مهاماً في ميادين الدفاع، والبحث العلمي، والصناعات التجارية. ويتم استخدامها في مواقف عالية المخاطر، وشديدة التوتر، ومرتفعة القيمة، كما أنها معرضة للضرر. إن استخدام الإرشادات الأخلاقية للمساعدة في صياغة استراتيجيتك يمكن أن يعزز عنصريْ السلامة والأمان، ويسرع عجلة الابتكار في آن واحد.

متى ينبغي عليك وضع الأخلاقيات في الاعتبار؟ الآن. مع زيادة حجم البيانات التي تعكف على جمعها. سيصبح من الأصعب تنفيذ السياسات الأخلاقيات المرتبطة باستخدام الطائرات بلا طيار، بما في ذلك أمن المعلومات، والمقاومة الرقمية، وإدارة البيانات.

إذا كُلفت بوضع استراتيجية شركتك لخمس سنوات في وثيقة برنامج وورد، فلن تتوقع أن شركة “مايكروسوفت” بإمكانها الاطلاع على عملك. لكن هذا ما يمكن أن يحدث بالضبط مع بعض نظم الطائرات بلا طيار.

بناء نظام آمن

تعنى كثير من الشركات بضمان الأمان المادي لعمليات الطائرات بلا طيار، حيث تحد من الخطر المحدق بالمتفرجين والبنية التحتية الحساسَّة. ولكن، ثمة عدد كبير من الشركات ممن يتجاهل اعتباراً أمنياً آخر: ألا وهو أمن الطائرات نفسها.

عندما أشرع في العمل مع العملاء، عادةً ما أُوَقِّع على اتفاقيات تتناول مدى أهمية بياناتهم الخاصة، وتوقعاتهم حول كيفية محافظتي على أمن هذه البيانات. وفور أن نوقع تلك الاتفاقيات، فإننا نراجع المهام التي يُسَخِّر لها عملاؤنا الطائرات بلا طيار. وألاحظ أن العملاء الجدد والمرتقبين، رغم حرصهم على الحفاظ على تأمين شبكاتهم مِنّي، يميلون إلى الإغفال عن كيفية الحفاظ على أمان بياناتهم من الطائرات بلا طيار والبرمجيات المتعلقة بها.

وغالباً ما يتفاجؤون عندما أثبت لهم أنه باستخدام نظم محددة للطائرات بلا طيار، فهم يفتحون حواسيبهم وشبكاتهم أمام طرف ثالث يملك حرية الوصول لجميع البيانات التي تم جمعها، ومن الممكن قانوناً أن يشاطرها ذاك الطرف مع الآخرين. فكر في الأمر: إذا كُلفت بوضع استراتيجية شركتك لخمس سنوات في وثيقة لبرنامج وورد، فلن تتوقع أن يصبح بإمكان شركة مايكروسوفت الاطلاع على عملك. لكن هذا ما يمكن أن يحدث بالضبط مع بعض نظم الطائرات بلا طيار.

تتيح بعض اتفاقيات المستخدم الوصول إلى الجهاز اللوحي أو الحاسوب الذي تستخدمه، بالإضافة  إلى النظام الذي يتصل به الجهاز اللوحي أو الحاسوب بأكمله. على سبيل المثال، إذا كنت تستخدم طائرة بلا طيار لالتقاط صور أو مقطع فيديو لمنشأة أو آلة جديدة شديدة الخصوصية، فقد تنص اتفاقية المستخدم الخاصة بك على أن الجهة المُصنعة للطائرات بلا طيار تتمتع بإمكانية الوصول إلى الصور أو مقطع الفيديو حيثما ووقتما التقطت، وربما أيضاً إلى النظام الذي تحفظ فيه هذه الصور.

وهذه المشكلة لا تطال الشركة فحسب، فالاستخدام غير المُراقَب والمجهول للطائرات بلا طيار من الممكن أن يُعرض الشبكات الأكبر لخطر الهجمات. ومثلما تتعرض السيارات أو شبكات الشركات إلى الاختراق الرقمي، يمكن أن تُحْكِم جهات غير شرعية سيطرتها على الطائرات بلا طيار لخدمة أغراضها الشخصية بالولوج إلى النقاط الضعيفة.

إليك ثلاثة إجراءات تحتاج إلى اتخاذها للارتقاء بأمن شبكتك.

1- راجع اتفاقيات المستخدم الخاصة بك. فبعضها يزيد من المخاطر أكثر من البعض الآخر. رغم أن الشركات تولي اهتماماً كبيراً باتفاقيات المستخدم والبيانات التي تحكم برمجيات المؤسسات، فإنها غالباً ما تغفل عن اتفاقيات المستخدم للطائرات بلا طيار والتقنيات المتعلقة بها أو لا تُراجعها مطلقاً.

2- ضع قيوداً محددة للنطاقات، ونفِّذ سياسات مشددة حيال ناقلات البيانات مثل فلاشة (يو إس بي) وبطاقات الذاكرة. تجمع نظم المركبات الجوية غير المأهولة كميات كبيرة من البيانات وتعالجها، وبعدها يمكن للجهات المُصنعة للطائرات بلا طيار الوصول إلى تلك البيانات ومشاركتها. إن تضييق النطاقات ووضع سياسات مُشددة للتقنيات المتنقلة والمحمولة سيضمنان لك قدراً أكبر من الأمان. ولكن، عليك أن تعي أنك لن تتمكن من استخدام بعض النُظُم بفعالية إذا لم تسمح بمشاطرة بياناتك.

3- راقب المقاييس الرقمية والمادية. سيعينك توثيق مقاييس الأمان والموثوقية الخاصة بك على التأكد بأن طائرتك بلا طيار تعمل بسلاسة وأنها بأمان. بمرور الوقت، ستكون قادراً على رصد نقاط الضعف وبيان الأنماط المتكررة، الأمر الذي سيساعدك على تجنب المشكلات المحتملة وتفادي الضرر الدائم.

الثقة في طائرتك المسيّرة

إذا لم تثق بطائرتك المسيرة آلياً، فاعلم أنك لست وحدك. أما إذا كنت تثق بها، فينبغي أن تفكر في السبب وراء ثقتك هذه.

تُعد الطائرات بلا طيار التي تؤدي أعمالاً  للشركات تقنية جديدة نسبياً، وشأنها شأن كثير من التقنيات الحديثة، فهي تستغرق وقتاً لإثبات قدرتها على إنجاز المهام التي تحتاج إليها، سواء كانت فحص تصاميم خاصة لمشعلات الغاز على ساحل الخليج، أو التحقق من حالات التسرب في أنابيب النفط، أو تخطيط الكفاءة الحرارية في حقول النفط، أو مراقبة هجرات الحيتان بأجهزة الاستشعار التي تعمل بالأشعة دون الحمراء. ما الذي يجعلك تثق بأن طائرتك ستنجز هذه المهام؟

هناك طريقتان للإجابة عن هذا السؤال. أولها، القول بأنك تثق بالطائرة بلا طيار لأنها تتمتع بسمعة طيبة كأداة نقل موثوقة وآمنة للبيانات. ويمكن لشركات الطيران أن تكتسب هذه السمعة عندما تثبت أن تقنيتها تؤدي مهامها بشكل موثوق، وأن نظم ملاحتها، وأجهزة استشعارها، ومنتجات بياناتها دقيقة، وأن عملية إدارة البيانات، واتفاقيات المستخدم، ونماذج التحليلات لديها تطابق معايير الصناعة.

ولكن، هناك شركات لا تثق بها، لا بسبب أي تصرف أقدمت عليه بضرورة الحال، ولكن لمجرد أنها حديثة عهد بالنسبة لك أو بالنسبة للسوق. وداخل صناعة الطائرات بلا طيار المقسمة بشكل كبير، هناك الآلاف من المصنعين، ومزودي الخدمات، وشركات التحليلات الجديدة والناشئة، وكثير منها بوسعها إمدادك بالمنتج الذي تحتاجه بالتحديد. ومن الأهمية بمكان أن تبني ثقتك مع تلك الشركات.

هل أنت جاهز للبدء؟ إليك الأسئلة التي ينبغي عليك الإجابة عنها.

هل تثق بطائرتك بلا طيار؟

هل ستؤدي الطائرة بلا طيار المهام المنوطة بها وفقاً للأوامر التي تتلقاها؟

ما مدى دقة نظم الملاحة، وأجهزة الاستشعار، ومنتجات البيانات ذات الصلة؟

كيف يمكن أن تضمن قيام التدابير المعدة للوقاية من الإخفاق من منع سوء استخدام الطائرة بلا طيار؟

هل بياناتك آمنة ومأمونة؟

هل تثق بعملية إدارة البيانات؟ هل تثق ببنية الاتصالات؟

هل يمكن للطائرة بلا طيار وما يرتبط بها من مسار عمل البيانات ضمان المقاومة الرقمية؟

هل تضمن اتفاقيات المستخدم التي تضعها حمايتك؟

هل تثق باتفاقيات المستخدم للبرمجيات الخاصة بك؟ مَن الذي يستطيع الولوج إلى بياناتك وشبكاتك؟

كيف تضمن احتفاظ البيانات الخاصة بخصوصيتها؟

أيمكنك الالتزام بالسياسات التجارية والسياسات الحكومية المتعلقة بإدارة البيانات؟

من السهولة بمكان – بعد فترة من الوقت – أن تثق بالأداء الحركي للطائرة بلا طيار، فقد أنجزت عدداً من المهام بأمان، وأجهزة استشعارها دقيقة، ونظام ملاحتها يوجهها بشكل سليم. ولكن، لكي تثق بالبيانات الخاصة بها، فذلك يتطلب شفافية من جانب الجهة المصنعة. وينبغي أن تسمح لك الجهات المُصنِّعَة بالدخول إلى سجلات بياناتها بحيث تستطيع التحقق من البيانات الجاري جمعها وكيفية استخدامها. كما يتعين عليك فحص السجلات بشكل منتظم، واستغلال دقتها في اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان بوسعك الوثوق بتلك الطائرة للقيام بمهام أكثر تعقيداً.

بدء الحوار

بينما نتأهب لعالم تندمج فيه الطائرات بلا طيار في حياتنا بقدر ما اندمجت فيه الكهرباء أو الاتصال بشبكة الإنترنت، من المهم أن نتذكر أن أخلاقيات استخدام الطائرات بلا طيار هي امتداد لسياسات أخلاقياتك الراهنة. وسوف يساعد وضع الحدود حول نظام طائراتك المسيرة آلياً على الحفاظ على سلامة كل من نفسك والجمهور وشركتك.

فيديو

روبوت سماويّ

فريق مجلة هارفارد بزنس ريفيو

إذا كان لديك مكنسة آلية (مكنسة روبوت)، فالفضل في ذلك يرجع إلى هيلين غرينر، المؤسسة المشاركة لشركة “آي روبوت” (iRobot). بدأت غرينير بعدها بالتفكير في إمكانية صنع مكنسة آلية طائرة. بعد أن غادرت غرينير شركة آي روبوت، أسست شركة “ساي فاي ووركس” (CyPhy Works) المتخصصة في الطائرات بلا طيار. ومن بين أوائل منتجاتها طائرة سلكية بلا طيار، وهي طائرة متصلة بمصدر طاقة أرضي وبوسعها نقل البيانات باستمرار عبر سلك. وتستطيع الطائرات السلكية بلا طيار أن تحوم بلا توقف. وباعتبارها مربوطة سلكياً، فذلك يجعلها أكثر أماناً من الطائرات بلا طيار التي تطير بِحريَّة وتبث البيانات لاسلكياً. تقيِّد الأسلاك نطاق الطائرة بلا طيار، غير أنها تفتح الباب على مصراعيه أمام مجموعة كبيرة من التطبيقات التي لا تناسب النوع اللاسلكي. تحدث سكوت بيريناتو، المحرر المسؤول لدى هارفارد بزنس ريفيو مع غرينير عن تلك التطبيقات، ونشأة الطائرات التجارية بلا طيار، وتصورها عن مستقبل هذه الصناعة، ووجهة نظرها في حاجة جميع المجالات إلى استراتيجية الطائرات بلا طيار. شاهد المقابلة هنا.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .