كيف يمكن صياغة استراتيجية الشركة باستخدام الخيال التصميمي؟

4 دقائق
صياغة الاستراتيجيات
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: بحكم العادة، إن معظم المسؤولين التنفيذيين لا يعتمدون على مخيلاتهم في أثناء صياغة الاستراتيجيات. ويناقش المؤلفان كيف أن هذا الأمر يعود بنتائج سلبية. ويقدمان خياراً بديلاً من ذلك: الخيال التصميمي. إنه أسلوب تصميم يعمل على دمج المسؤولين التنفيذيين والموظفين بعمق في احتمالات متنوعة للمستقبل، ويستخدم أدوات مثل الأفلام القصيرة ومقالات الصحف الخيالية والإعلانات التجارية التخيلية لتوليد خرائط ومسارات للتحول. ونظراً لأن الخيال التصميمي متجذّر في المستقبل ويساعد على اتخاذ الإجراءات في الحاضر، فهو ينتج إجراءات ملموسة يتم اتخاذها لتعديل رؤى الشركات واستراتيجياتها وأنشطتها لخلق مستقبل أفضل.

 

إن محاولة توقع ما سيكون عليه المستقبل محتومة بالفشل، إلا أن هذا ما يحاول فعله معظم المسؤولين التنفيذيين عندما يضعون الاستراتيجيات. فهم -أو نحن بالأحرى- نحاول التوقع لأننا تعلمنا وتدربنا على استخدام الاتجاهات الرائجة والإحصائيات للتنبؤ بما يمكن أن يحدث والاستعداد له وفقاً لذلك. ونتيجة لذلك، تعاني الشركات في التعامل مع التغييرات ضمن أوساطها المحيطة في الوقت الذي يتعين عليها فيه أن تعمل على تشكيلها بشكل استباقي. وهذه مشكلة المسؤولين التنفيذيين في جميع أنحاء العالم، الذين يضعون استراتيجيات متأصلة في الماضي وتهمل فرصاً مهمة لتصوّر أشكال محتملة للمستقبل وتصميمها.

في أثناء العمل مع حوالي 50 فريقاً من المسؤولين التنفيذيين من جميع أنحاء العالم على مدى السنوات السبع الماضية، كنا ندرس نهجاً بديلاً لصياغة الاستراتيجيات، وهو الخيال التصميمي. وهو أسلوب تصميم يعمل على دمج المسؤولين التنفيذيين والموظفين بعمق في احتمالات متنوعة للمستقبل، ويستخدم أدوات مثل الأفلام القصيرة ومقالات الصحف الخيالية والإعلانات التجارية التخيلية لتوليد خرائط ومسارات للتحول. ونظراً لأن الخيال التصميمي متجذّر في المستقبل ويساعد على اتخاذ الإجراءات في الحاضر، فهو ينتج إجراءات ملموسة يتم اتخاذها لتعديل رؤى الشركات واستراتيجياتها وأنشطتها لخلق مستقبل أفضل.

على خلاف العديد من أدوات الاستشراف الاستراتيجية، لا يحاول الخيال التصميمي تحديد ما يرجح حدوثه. كما أنه لا يقيد المحادثات حول الاستراتيجية بالمناصب التنفيذية العليا، بل إن مشاركة مجموعة واسعة من أصحاب المصالح، هي في الواقع عنصر أساسي من عناصر الخيال التصميمي. وبالتالي، فإن الفرق التي رأيناها تنشر الخيال التصميمي كانت قادرة على صياغة مستقبل مرغوب فيه وتشكيله لا تمكّن الأدوات الأخرى الناس من رؤيته.

كيف نستخدمه؟

تتضمن الخطوة الأولى لوضع الخيال التصميمي موضع التنفيذ صياغة سيناريوهات للمستقبل المحتمل. فعلى سبيل المثال، في مشروع مع شركة تأمين سيارات كبرى، قمنا بتحليل المعلومات من وسائل التنقل الشائعة في المناطق الحضرية، وأوضاع الطيران بالطيار الآلي، وفيلم لوك بيسون الشهير العنصر الخامس، ومقابلات مع المقتنين الأوائل للسيارات الكهربائية، لتطوير سيناريوهات محتملة للمستقبل. تساعد مصادر البيانات غير النمطية هذه في تسليط الضوء على الجوانب الأقل وضوحاً في عملية التخطيط الاستراتيجي التي من شأنها أن تظل من دون أن يلاحظها أحد. ففي هذا المثال، فهمنا بعد التحدث إلى طيار في شركة طيران كيف أن المخاطر تتغير في بيئة العمل ذاتية القيادة. حيث ستزول مخاطر حدوث صدمات المطبّات الجوية وفقدان السيطرة على الطيارة، ولكن ستظهر مخاطر جديدة مثل اختراق النظام وتعطل أجهزة الاستشعار الأساسية.

وعلى غرار أدوات الاستشراف الاستراتيجية، نقوم بتحليل الاتجاهات الحالية والإشارات الضعيفة، والأهم من ذلك أننا نستفيد أيضاً من أفضل أدوات التصميم من خلال البناء على المواقف المماثلة واستمداد الإلهام من الخيال العلمي وإجراء المقابلات مع المستخدمين المتطرفين وأصحاب المصالح الآخرين. عادة نقوم أيضاً بإجراء المقابلات مع الموظفين لفهم التطورات المحتملة التي لم يتم أخذها في عين الاعتبار من قبل الشركة. حيث نطرح أسئلة مثل “ما هو الفشل الأكبر الذي شاهدتموه في الشركة؟” و”ما الذي يمكن أن يدمّر الشركة؟”

من هذه البيانات نقوم بصياغة مزيج من السيناريوهات التي تصوّر إصدارات مختلفة من المستقبل. فعلى سبيل المثال، من خلال التحدث إلى موظفي إحدى العلامات التجارية الكبرى للعطور، حددنا الاعتقاد المُقيّد بأن مبيعات الشركة ستكون جيدة إلى الأبد بحلول نهاية الموسم لهذا العام، كما كانت دائماً منذ إنشاء العلامة التجارية قبل أكثر من قرن. وباستخدام هذه المعلومات، أنشأنا سيناريو “انتهاء موسم العطلات” الذي كانت فيه مواسم المبيعات منتشرة على مدار العام.

ثم أقمنا ورشاً شاملة ناقشنا فيها ثلاثة أو أربعة من هذه السيناريوهات مع الموظفين من مختلف الأقسام والمستويات في الشركة. حيث تساعد مشاركة مجموعة واسعة من الأفراد في توسيع عملية صياغة الاستراتيجية لتشمل أفراداً معينين من أصحاب المصالح، مثل موظفي الخطوط الأمامية، الذين يمكنهم المساهمة بوجهات نظر مختلفة وضرورية بالإضافة إلى تحديد الفرص التي يجب استغلالها. وبعد تقسيمهم إلى مجموعات صغيرة، نساعدهم على التفكير في الدور الذي يمكن أن تلعبه شركاتهم في هذه السيناريوهات المحتملة للمستقبل وكيفية خلق الظروف لتحقيق المستقبل المرغوب فيه. تنشأ الخيالات التصميمية من هذه المحادثات. حيث تصف مهمات ورؤى جديدة للشركات وتوضح كيفية تحقيقها. ففي المشروع الذي أجريناه مع شركة التأمين على السيارات، أحدث هذا الجزء من عملية الخيال التصميمي تغييراً في مهمة الشركة من تأمين السيارات ضد الأضرار إلى تمكين الرحلات الفردية بجميع وسائل التنقل. في حين أن الورش مع علامة العطور التجارية حول سيناريو “انتهاء موسم العطلات” ولّدت مهمة جديدة أكثر شمولاً عبر التركيز على أحداث مثل شهر تاريخ السود ويوم الفخر. وفي أثناء مناقشة كيفية تحقيق هذا السيناريو، اكتشفت الشركة أيضاً أن استراتيجية الاستهداف لديها ستكون أكثر دقة كنتيجة للتخطيط.

في النهاية، نستخدم الخيالات التصميمية لتصميم أدوات قابلة للمشاركة (مثل الأفلام القصيرة ومقالات المجلات الخيالية) التي يمكن اعتبارها نماذج أولية لمستقبل الشركة. ومن هذه الأدوات، يمكن إنشاء خريطة طريق من المعلومات الاستراتيجية. فعلى سبيل المثال، أدى مشروع الخيال التصميمي مع شركة إنشاءات كبيرة إلى تغيير استراتيجية الابتكار الخاصة بها بعد أن ابتكرت مستقبلاً كانت فيه الطباعة الثلاثية الأبعاد تجعل تشييد المباني خالياً من انبعاثات الكربون. وتضمنت خريطة طريق التحول مجالات للطباعة الثلاثية الأبعاد يجب التركيز عليها واستثمارات ضرورية لتشكيل هذا المستقبل المرغوب فيه.

ابتكار المستقبل

ساعد الخيال التصميمي العديد من الشركات المتعددة الجنسيات على صياغة الاستراتيجيات بشكل مختلف. وعلى الرغم من أن إنشاء مستقبل خيالي قد يبدو غريباً بعض الشيء، فنحن نعلم أنه أمر مُجدٍ. فعلى سبيل المثال، إن مشروع الخيال التصميمي الذي نُفّذ مؤخراً مع شركة نفط وغاز كبرى ساعد على تحديد كيفية تشكيل مستقبل يكون فيه الأشخاص الذين يعيشون في المناطق النائية أقل عزلة اجتماعية. حيث قررت الشركة إعادة توظيف محطات الوقود لتصبح أماكن محفزة للمجتمع من خلال تقديم خدمات مثل نقاط التجمع لمشاركة السيارات والمراكز الطبية ومنصات التوصيل ومطابخ الأشباح (تعرف أيضاً باسم المطابخ السحابية أو المطابخ المظلمة). وبالرغم من أن المسؤولين التنفيذيين للشركات كانوا قد شاركوا في العديد من عمليات الاستشراف وصياغة الاستراتيجيات في الماضي، وحده الخيال التصميمي مكّنهم من تصور هذه النسخة المحتملة للمستقبل.

ولكن الأمر ليس بهذه السهولة على الدوام؛ حيث إن استخدام الخيال التصميمي بنجاح يتطلب من المسؤولين التنفيذيين أن يكونوا مبتكرين ومنفتحين لتقبل كافة الاحتمالات. ومع ذلك، بقدر ما يساعد الخيال التصميمي في إعادة الخيال إلى عملية التخطيط الاستراتيجي، يمكن للمسؤولين التنفيذيين ممانعة ذلك. فبحكم العادة، معظم المسؤولين التنفيذيين لا يعتمدون على مخيلاتهم في أثناء صياغة الاستراتيجيات. ولتجاوز ذلك، نذكّرهم بأنهم هم المسؤولون، وأنهم قادرون على تشكيل مستقبل مرغوب فيه أكثر، وأن مسؤولية القيام بذلك تقع على عاتقهم. ففي النهاية، لا يمكنك التنبؤ بالمستقبل، بل يمكنك فقط ابتكاره.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .