كيف نجحت إحدى الشركات باستثمار تحليل الأعمال؟

4 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

خلال عصر التقدم السريع في علم البيانات والذكاء الاصطناعي، لا تزال شركات كثيرة تكافح من أجل دمج إمكانات تحليلات الأعمال المتقدمة في نماذج أعمالها. يتطلب التكامل الحقيقي في هذا المجال قرارات جريئة فيما يتعلق بإعادة تنظيم الأعمال لجعل تحليل الأعمال عنصراً استراتيجياً أساسياً. ونقدم في هذه المقالة حالة شركة “غروبو فينانسيرو بانورتي” (Grupo Financiero Banorte)، التي سنختصر اسمها بـ “جي إف نورتي” (GFNorte) وهي مجموعة مالية مكسيكية كبيرة، أحرزت نجاحاً كبيراً في التحول الذي يستند إلى تحليل الأعمال. وقد أبصرت هذه الحالة النور بعدما طرحها أحد كتّاب هذه المقالة، خوسيه موريللو، رئيس قسم تحليل الأعمال في “جي إف نورتي”، خلال صفّ التخرّج في برنامج ماجستير تحليل الإدارة في كلية “ستيفن جونيور سميث للأعمال” التابعة لجامعة “كوينز” الكندية، وهنالك تعرف جميعنا (الكتّاب) عليها (الحالة). (تجدر الإشارة إلى أن خوسيه يعمل في شركة “جي إف نورتي” منذ مدة طويلة، أما البقية منا فليس لديهم أي علاقة بهذه الشركة).

أنشأت “جي إف نورتي” مؤخراً وحدة أعمال مركزية للتحليل، وفوضتها لتحويل المعلومات إلى أرباح بمعدل عشرة أضعاف التكلفة، وذلك لتبني نهجاً يركّز على العملاء ضمن الشركة. وفاقت النتائج ما كان متوقعاً منها كثيراً: في السنة الأولى حققت وحدة الأعمال المركزية للتحليلات أرباحاً بلغت 46 ضعف تكلفتها، وفي السنة الثانية 106 أضعاف تكلفتها (أي ما يعادل 275 مليون دولار أميركي من صافي الدخل)، أما في السنة الثالثة، فيبدو أن الشركة في طريقها لتحقيق 200 ضعف تكلفتها. من جهة أخرى، أسهمت هذه النتائج جنباً إلى جنب مع المبادرات التحويلية المختلفة، في تحقيق الشركة قفزة نوعية على منافسيها في غضون ثلاث سنوات، لتحقق المركز الثاني في توليد الأرباح (بعد أن كانت الرابعة في الترتيب) في النظام المالي المكسيكي.

لماذا أبصر استثمار التحليلات لشركة “جي إف نورتي” النور، في حين فشل الكثير من الشركات الأخرى في فعل ذلك؟ نعتقد أن شركة “جي إف نورتي” نجحت في فعل ستة أمور محددة على الأقل، مكنتها من التحول إلى شركة ناجحة في تحليل أعمالها.

الأهداف والمساءلة

كانت وحدة الأعمال المركزية لتحليل الأعمال مركز الأرباح الأساسي، حيث تتمتع هذه الوحدة بأهداف طموحة وتقدم تقارير مباشرة إلى كبير موظفي العمليات، في حين غالباً ما يتم تنظيم الوحدات المماثلة في الشركات الأخرى باعتبارها مراكز تكلفة مع عدم وجود أهداف محددة. ويعزز هذا الإعداد من التركيز على المشاريع ذات العائد المرتفع والتحليل القابل للتطبيق وسرعة التنفيذ.

الدعم من الأعلى

أُسست وحدة الأعمال المركزية لتحليل الأعمال في شركة “جي إف نورتي” برعاية الإدارة العليا، التي مكنتها من البدء في العمل مع بعض قطاعات الأعمال ضمن المجموعة المالية، وقدمت لها دعماً قوياً من إدارات الدعم. وعلاوة على ذلك، أسهمت النتائج الرائعة غير العادية على المدى القصير في منح هذه الوحدة مصداقية كبيرة، ما أسبغ عليها الشرعية، وحث خطوط الأعمال الأخرى على استكشاف إمكانات التحليل لتحقيق الأرباح والتغلب على العقبات.

التماشي مع مخطط الحوافز

هناك سمتان رئيسيتان تميزان مخطط حوافز وحدة الأعمال المركزية للتحليل في شركة “جي إف نورتي”. أولاً، يعزز هذا المخطط الشراكة مع خطوط الأعمال. إذ تعود العائدات الناتجة عن المشاريع التحليلية للوحدة إلى الإدارات التي لا تسهم في تكاليفها. وبهذه الطريقة، إذا حققت مشاريع الوحدة أرباحاً مرتفعة مقارنة بالتكاليف، فتستطيع الإدارات التي تعمل معها تلبية الأهداف السنوية بطريقة بسيطة. ثانياً، تدفع المرتبات لفريق وحدة الأعمال المركزية للتحليل باستخدام تعويضات متغيرة، استناداً إلى المشاريع المنفذة بالكامل، وعلى أساس عائدها على الاستثمار.

التقييم الدقيق للنتائج

تقاس مساهمة تحليل الأعمال بشكل دائم، وفي بعض الحالات تتم مراجعتها من قبل قسم المحاسبة، حيث تحافظ الأرباح العائدة من مشاريع وحدة الأعمال المركزية للتحليل على الاستثمارات التحويلية للشركة في تكنولوجيا المعلومات والبيانات. وهناك نوعان من مشاريع تحليل الأعمال: الأول، توليد الدخل. والثاني، خفض التكاليف. ويقاس النوع الأول وفقاً لتأثيره على قيمة عمر العميل، والدخل الإضافي على المعالجة لمجموعات القياس ومدة التأثير. ويتم قياس القيمة الناتجة عن مبادرات تحليل تخفيض المخاطر -والتكلفة التشغيلية- من حيث تأثيرها على النتيجة النهائية. كما يعزز التقييم الدقيق لمشاريع التحليل من مصداقية الوحدة وشرعيتها، ما يؤدي إلى توسيع ميزانيتها التشغيلية ونطاق عملها إلى حد كبير.

التواصل مع أخذ الأهداف الاستراتيجية في الاعتبار

تطلّب تفويض وحدة الأعمال المركزية للتحليل ترجمة المعلومات إلى أرباح التماشي مع أصحاب المصلحة المتعددين. ومن أجل التنسيق الفعال وكسر الجمود، شددت الوحدة على التواصل بهدف تحقيق ما يلي: أولاً، بناء توافق في الآراء حول مبادراتها التحليلية. ثانياً، مشاركة النتائج مع الشركاء التجاريين من أجل تشجيع التعاون المتكرر. ثالثاً، إبقاء الإدارة العليا مطلعة على مجريات الأمور جيداً لزيادة الرعاية ونطاق العمل. رابعاً، جذب أفضل المواهب في هذه الصناعة. وفي كل مرة يُنفذ فيها مشروع تحليل الأعمال وتقاس نتائجه، يتم تقديم تقرير مفصل إلى أصحاب المصلحة ويوزّع على المدراء في سدّة القيادة. وتُقدم أهم المبادرات ذات الصلة إلى رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي، وفي العديد من الحالات يتم إبلاغ موظفي “جي إف نورتي” الذين يبلغ عددهم 27 ألف موظف. إلى جانب ذلك، يُعد تقرير سنوي يلخص كل مشاريع تحليل الأعمال المدرّة للأرباح، ويوزّع على أفراد الإدارة العليا. وأخيراً، تُعرض النتائج في المنتديات الصناعية ويتم الاعتراف بها في المسابقات الدولية. إنّ القدرة على التواصل بفعالية من خلال قوة التحليلات في إطلاق العنان للإنتاجية أسهمت في التوسع السريع لممارسة تحليل الأعمال في شركة “جي إف نورتي”، ونتيجة لذلك، مُنحت وحدة الأعمال المركزية للتحليل السيطرة على الجهود التسويقية لقاعدة البيانات وعروض المبيعات في قنوات التوزيع.

الأشخاص المناسبون

تمتع الموظفون المعيّنون بما يلي: أولاً، كم كبير من القوة. ثانياً، مهارات في التفاوض والديبلوماسية. ثالثاً، القدرة على التواصل مع خطوط الأعمال. رابعاً، الغرائز الريادية. لم يكن توظيف هذه المجموعة من المهارات العالية الطلب بالأمر السهل، إذ كان معظم الموظفين في الوحدة يعملون خارجياً في البداية، وكانت المعرفة في القطاع المصرفي ضئيلة لدى العديد منهم. ومع ذلك، عمل معظمهم سابقاً مع رئيس قسم تحليل الأعمال، وأثبتوا أنهم يتعلمون بسرعة. إذاً، تُعد مهمة بناء فريق قادر على تحويل الأعمال التقليدية إلى أعمال منظمة، معززة بالبيانات، مهمة صعبة للغاية. وأفضل نصيحة في هذا المجال هي أنك إذا أخطأت في التوظيف، فعدّل الخطأ بسرعة.

يجب على الشركات الأخرى، حتى لو كانت تعمل خارج نطاق الخدمات المالية، أن تعتمد هذه العناصر الاستراتيجية المستندة إلى تحليل الأعمال مثل شركة “جي إف نورتي”. أما من الناحية التنظيمية، فيشكل التعامل مع وحدة تحليل الأعمال باعتبارها مركزاً للربح، مع ما يتطلبه ذلك من معايير المراقبة الشديدة وحوافز الأداء، الجانب الأكثر ابتكاراً في الاستراتيجية. ويخلق هذا الأمر، جنباً إلى جنب مع الدعم التنفيذي على أعلى مستوى والتواصل الفعال، طريقاً سالكاً للتحويل المستند إلى تحليل الأعمال.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .