كيف تجعل من المتعة أولوية أثناء العمل؟

4 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

وسط الانبهار بالعصر الرقمي والآمال المعلقة عليه، من السهل نسيان أن الرغبات البشرية التقليدية تُعد الآن ضرورية لتحقيق أهداف العمل أكثر من أي وقت مضى.

على سبيل المثال، تستثمر الشركات هذه الأيام أموالاً ضخمة في التقنيات الحديثة التي تساعد على ربط الموظفين ببعضهم وبالزبائن وبأصحاب المصالح على نحو أوثق. والكثير من الشركات تقاسي لأن ثقافتها تعترض طريقها، حيث يوجد العديد من المستويات الإدارية والصوامع المنعزلة، وكذلك العديد من الزملاء الذين يفضلون البقاء متقوقعين في منطقة راحتهم ويتباهون بمؤشرات أدائهم الرئيسة ويقاومون الطرق الجديدة في التواصل والإنجاز.

تمثل هذه المسألة مشكلة حقيقية، ويمكن أن يكون الشعور بالفرح والبهجة أثناء تأدية العمل جزءاً من الحل. ولكن لماذا؟ لسببين: الناس بطبيعتهم يبحثون عما يشعرهم بالبهجة. كما أن البهجة تجمع الناس معاً بقوة أكثر من أي شيء آخر تقريباً.

وهو أمر يتضح جلياً في الألعاب الرياضية. فعندما يؤدي فريق ما أفضل ما عنده في المباراة، متجاوزاً التوقعات والتحديات، فكل لاعب وكل مشجع في الملعب يشعر بالنشوة العارمة التي بدورها تدفع بالفريق إلى تحقيق مزيد من الإنجازات. فتحقيق النجاح يولد الشعور بالبهجة. والعكس بالعكس، فالشعور بالسعادة والبهجة يدفعنا إلى تحقيق مزيد من النجاحات. فجميعنا ننشغل بما نشعر به في الحالة الراهنة.

فهل يمكن نقل ذلك الشعور بالبهجة الذي يغمرنا في البطولات الرياضية إلى ميدان العمل؟ بالتأكيد نعم يمكن ذلك.

ينبع الشعور بالبهجة في أي فريق من مزيج من الانسجام والتأثير والتقدير، وهذه المفاهيم يمكن لقادة الشركات بنائها في مؤسساتهم.

الانسجام. لكل لاعب في الفرق الفائزة دور محدد في إحراز الهدف. قد يكون أحد اللاعبين ممرر للكرة بشكل رائع. والآخر هداف محترف. وآخر دوره إثارة الحماس والإحساس العالي بالتنافس لتحقيق الانتصار. فمن الرائع حقاً أن تتوافق وتنسجم معاً المهارات والإمكانات المتنوعة للفريق.

التأثير. يؤدي الانسجام بين أعضاء الفريق إلى تأثير اللاعبين على بعضهم بشكل متبادل وهذا يؤدي بدوره إلى إثارة البهجة والحماس. حتى وإن كانت نتيجة المباراة مجرد أداء متميز أو لحظات فريدة، فإن الفرح العارم يلف الفريق. وتراه في وجوههم عندما يتحلقون ويقفزون فرحين كالأطفال. ويهمسون في آذان بعضهم قائلين: “هل تصدقون أننا حقاً فعلناها؟!”.

التقدير. المدربون العظام يوجهون مسجلي الأهداف عند التسجيل للإشارة إلى زملائهم الذين صنعوا الهدف. فتقدير مساهمة كل لاعب في الفوز وتشجيع بعضهم البعض يخلق دائرة مستمرة من النجاحات التي تعطي شعوراً بالبهجة والحماس الذي بدوره يدفع اللاعبين لتحقيق مزيد من النجاحات.

ومثل هذا النمط يزخر بالفرص المتاحة أمام قادة الشركات. فبتزويد الأفراد بالكثير من التجارب التي تجلب لهم الشعور بالبهجة في سياق أي عمل جماعي، يمكن لقادة الشركات استغلال القوة الفعلية الناتجة عن هذا الشعور بالبهجة في شركاتهم.

ولاختبار هذه الفرضية، أجرت شركة “أيه. تي. كيرني” (A.T. Kearney) دراسة استقصائية في ديسمبر/كانون الأول عام 2018 لاستكشاف تجارب الأشخاص في أماكن عملهم في الأميركيتين وأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ. والعينة شملت أكثر من 500 موظف من أعمار مختلفة يعملون في شركات تبلغ إيراداتها أكثر من ملياري دولار وتعمل في قطاعات متعددة.

سألنا أولاً المشاركين في الدراسة عن مقدار البهجة التي يشعرون بها في مكان العمل. ثم طلبنا منهم أن يقيّموا المدى الذي تعكس به بعض العبارات تجربتهم المهنية لنتمكن من قياس ما إذا كانت هذه المتغيرات ترتبط بالشعور بالبهجة أثناء العمل.

وكما هو مبين في المخطط أدناه، فإن الموظفين الذين ذكروا أنهم يشعرون بقدر أكبر من البهجة والمرح أتناء العمل وافقوا بشدة على كل عبارة وردت في الاستبيان بصورة أكثر تواتراً من الموظفين الذين ذكروا أنهم يشعرون ببهجة أقل أثناء العمل. وهذا يدل على أن المجموعة الكاملة من التجارب، التي تتمثل في الانسجام والتأثير المتبادل والتقدير، والتي أسفرت بشكل ملحوظ عن الشعور بالبهجة في الألعاب الرياضية، يمكن أن يكون لها التأثير ذاته في عالم الأعمال.

ومما استنتجاه من الدراسة الاستقصائية أيضاً أن الشعور بالبهجة ينبع من إيمان الشخص بأن عمله له معنى حقيقي. فالموظفون الذين يؤمنون أن “شركتهم تقدم مساهمة مجتمعية فعلية” ويشعرون أنهم “شخصياً ملتزمون بتحقيق رؤية الشركة واستراتيجيتها”، كانوا أكثر بهجة أثناء أداء مهامهم في العمل. وفي مجال عملي حيثما تقريباً كل المستشارين المعينين حديثاً من جيل الألفية، يُعد تحديد هدف أسمى من الأمور بالغة الأهمية لجذب المواهب المميزة والاحتفاظ بها.

أرى أن هذه الاستنتاجات التي توصلنا إليها منطقية تماماً. فالحياة تشبه السهم الذي يتطلب قوة دافعة ووجهة. والسعي وراء السعادة يحدد وجهة السهم، لكن الشعور بالبهجة يؤكد لنا يومياً أننا نفعل ما يجب علينا فعله بالضبط، من أجل الشركة وزملائنا الذين يبثون فينا روح الحماس ويدعمون جهودنا.

الدرس المستفاد مما تقدم: بناء ثقافة العمل التي تولد باستمرار تلك التجارب، يمكن أن يخلق في مكان العمل شعوراً قوياً بالتواصل على الصعيد الشخصي بين الأفراد وأهدافاً مشتركة وكذلك شعور حقيقي بالفخر ينتشر في جميع أنحاء المؤسسة.

أشارت الدراسة الاستقصائية أيضاً إلى أن هناك “فجوة في الشعور بالبهجة” في العمل. حيث ذكر حوالي 90% من المشاركين في الدراسة أنهم توقعوا شعورهم بقدر كبير من البهجة في العمل، ومع ذلك فإن 37% منهم فقط ذكروا أنهم حظوا بالفعل بتجارب باعثة على البهجة. ولم تكن تلك الفجوة مقتصرة على أي مجموعة معينة من الأجيال. فقد كانت نسبة الفجوة في الجيل إكس 57% وفي جيل الألفية 44%، وهذه الأجيال تمثل الغالبية العظمى من عينة الدراسة.

يفضّل قادة الشركات التفكير كثيراً بالنجاح، ونادراً ما يفكرون في جلب البهجة إلى العمل. ومن المحتمل أن القليل منهم فقط مدركون أن هناك فجوة في الشعور بالبهجة والمرح في مؤسساتهم، وأنه قد نتج عنها نقص في الترابط الشخصي بين الأفراد وتدني في طموح الفريق. وهو ما يجب أن يتغير بالتأكيد.

فيما يلي بعض الخطوات التي يمكن لقادة الشركات اتخاذها لرفع الشعور بالبهجة والمرح في العمل:

أعدّ جدولاً هادفاً للأعمال. اجعل جلب البهجة إلى العمل غاية واضحة للشركة. وعزّز هدفك بتحقيق الاندماج من خلال تقدير الجهود القيمة لضمان إشعار الموظفين أن صوتهم مسموع وأن جهودهم معترف بها ويتم تقديرها. وخصّص تمويلاً للمزايا المتعلقة بالصحة العقلية للموظفين.

مهّد الطريق. زوّد برامجك الثقافية والرقمية الجديدة بفرق يمكنها العمل فيما بين الوحدات وأيضاً فيما بين الصوامع المنعزلة، حيث العمل الجماعي المشترك يسفر عن أقصى قدر من التأثير وتحقيق النجاح المشترك وخلق أجواء باعثة على البهجة.

حدد المسار. شجّع الجهود الفردية والجماعية ذات الأثر الاجتماعي، وخصص لها وقتاً للاحتفال. وعبّر بصدق عن البهجة التي تشعر بها أنت نفسك عند أداء وظيفتك. فالشعور بالبهجة يؤدي إلى الشعور بمزيد من البهجة، وهكذا. وقد ركّزت في شركتي على الحاجة إلى “إبراز” ثقافة الشركة مع التركيز المتواصل على التنوع والاندماج والتعلم والقيادة الشخصية اليومية.

يمكن أن يكون للشعور بالبهجة تأثيراً كبيراً كالذي تحدثه التقنيات، ولكن فقط إذا سمحنا بذلك. وكلاهما مطلوبان للحفاظ على الترابط الذي يساعد الشركات الكبرى على التواصل السلس والتأقلم مع التحديات المفاجئة. فالتقنيات تزودنا بالبنية التحتية اللازمة للتواصل، لكن الأساس يجب أن يتمثل في بناء ثقافة تغرس كل ما يمكن أن يحقق الانسجام والتأثير المتبادل والتقدير. باختصار، البهجة هي كلمة السر!

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .