فائزة بجائزة نوبل تتحدث عن إعادة النظر في الفقر والأعمال

14 دقيقة
shutterstock.com/stockphoto-graf
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أجرت هارفارد بزنس ريفيو مقابلة صوتية (بودكاست) مع إستير دوفلو، وهي خبيرة اقتصادية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي)، حائزة على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية لعام 2019 عن نهجها التجريبي للتخفيف من وطأة الفقر العالمي. كما ألّفت مع أبيجيت بانيرجي من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الكتاب الجديد “اقتصادات جيدة لأوقات صعبة” (Good Economics for Hard Times).

كان عمل دوفلو في بدايات حياتها في مؤسسة غير حكومية في مدغشقر، وتطوعها في مطابخ الحساء الخيرية في بلدها الأم فرنسا، هو ما ألهمها لدراسة الاقتصاد والبحث في الأسباب الجذرية للفقر. وقد بيّنت دوفلو مع زملائها الحاصلين على جائزة نوبل أبيجيت بانيرجي ومايكل كريمر من جامعة هارفارد، أنّ الممارسات الفعالة تتناقض في أحوال كثيرة مع النظرة التقليدية والنماذج الاقتصادية الشائعة. وهي تقول إنّ الطريقة الوحيدة لمعرفة ما ينجح هي باختبار الحلول بدقة في الميدان، وهي تشجع الأعمال على القيام بالشيء ذاته.

وإليكم مقتطفات من هذه المقابلة الصوتية:

النص

كيرت نيكيش: مرحباً بكم في برنامج آيديا كاست المقدم من هارفارد بزنس ريفيو. أنا كيرت نيكيش.

تاريخ الأعمال ممتلئ بمنتجات انتهت وشركات أفلست نتيجة خطأ واحد رئيس يتمثل في فشلها في مراعاة السلوك البشري الحقيقي.

سواء كان ذلك افتراض أنّ الناس سيقومون باستئجار الأفلام دائماً من المتجر، أو أنك إذا بنيت شبكة ساتلية بعدة مليارات من الدولارات فسيشتري الناس هواتفك الثمينة، كانت الطريقة التي يُتوقع أن يتصرف من خلالها المستهلكون مختلفة إلى حد كبير عن الطريقة التي تصرفوا بها فعلاً.

ضيفتنا اليوم تقول إنّ الأمر ذاته ينطبق على السياسة الاقتصادية. في أحوال كثيرة تتنبأ النماذج الاقتصادية بطريقة استجابة الناس تجاه الحوافز أو المحددات. وفي الواقع تبدو الأمور مختلفة تماماً.

وعندما نتحدث عن تثقيف القوة العاملة في بلد ما أو تعزيز التطور الاقتصادي في إقليم فقير، فإنّ فهم ذلك بطريقة خاطئة قد يكون له تداعيات خطيرة.

إستير دوفلو هي واحدة من الفائزين بجائزة نوبل في العلوم الاقتصادية. وقد حصلت هي وأبيجيت بانيرجي من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ومايكل كريمر من جامعة هارفارد على اعتراف بنهجهم التجريبي للتخفيف من وطأة الفقر. ويظهر عملها أنّ الاختبارات الميدانية الدقيقة يمكن أن تصل إلى حلول فعالة تتناقض مع النظرة التقليدية والنماذج الاقتصادية الشائعة.

دوفلو هي خبيرة اقتصادية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. وهي مؤلفة مشاركة، مع زميلها بانيرجي الفائز بجائز نوبل، للكتاب الجديد “اقتصادات جيدة لأوقات صعبة” (Good Economics for Hard Times). شكراً لانضمامك إلينا يا إستير.

إستير دوفلو: شكراً لك، وأهلاً بك.

كيرت نيكيش: كيف بدأ اهتمامك باقتصادات الفقر؟

إستير دوفلو: كانت أمي طبيبة، وكانت تقضي بعض الوقت في البلدان النامية، وخصوصاً في بلدان كان فيها الأطفال ضحية للحرب، لمساعدة هؤلاء الأطفال بشكل ما. وكانت تسافر في مهمات تستغرق أسابيع في المرة الواحدة.

واكتسبنا وعياً بطريقة ما حول هؤلاء الأطفال الذين كانوا يعيشون حياة صعبة للغاية مقارنة بحياتنا. وكنت مستاءة دائماً من الاختلاف في نمط الحياة والحظ الذي امتلكته، والمسؤولية الكامنة لي.

كيرت نيكيش: متى رأيت الفقر لأول مرة بنفسك؟

إستير دوفلو: رأيت فقر الفرنسيين في مراحل مبكرة تماماً. بدأت بالتطوع في مطبخ الحساء الخيري، وأشياء من هذا القبيل، حيث شعرت أنّ العالم يناديني لإطعامه. أما بالنسبة للفقر العالمي، فكنت في الثامنة عشرة من عمري عندما زرت مدغشقر للمرة الأولى بهدف التعلم والمساعدة إذا استطعت في إطار مؤسسة محلية غير حكومية هناك. لذا بطريقة ما، كنت أبحث دائماً عن الدور الذي سأؤديه في العالم يوماً ما.

كيرت نيكيش: ما الذي قادك إلى علم الاقتصاد والعمل فعلياً على فهم السياسة وتأثيراتها، بدلاً من الاكتفاء بمساعدة أشخاص يمكنك رؤية حياتهم؟

إستير دوفلو: حتى في تجربة مطبخ الحساء الخيري التي مررت بها كمراهقة، أحسست أنّ ذلك غير مرض إلى حد ما، لأنني شعرت أنك تقوم بشيء صغير هنا. ونفعل القليل جداً للتفكير فيما وصل بهؤلاء الأشخاص إلى هذه المرحلة في المقام الأول. وعندها كنت أفكر فيما إذا كان هناك شيء آخر يمكن فعله.

وعند العمل مع مؤسسة محلية غير حكومية في مدغشقر، ومع قدرتي على رؤية أنهم كانوا يقومون بعمل جيد هناك، وأنّ الطريقة التي كانوا يفعلون ذلك بها لم تكن خيرية. كانوا يحاولون أن يفعلوا شيئاً، ويحاولون أن يرتبوا أنظمة اقتصادية للأشخاص الذين يعملون معهم ليحصل هؤلاء على حياة سعيدة بشروطهم الخاصة.

واعتقدت أنّ هذا مذهل، لأنني حتى تلك اللحظة كنت أفكر بشكل كبير بالمساعدات الدولية على وجه التحديد، فكلما كبرت توفر الطعام، ثم يكون لدى الناس ما يأكلونه. ثم أدركت أنّ المؤسسات المحلية، وفي تلك الحالة كانت مؤسسة غير حكومية كبيرة، ولكنها محلية بالكامل. تحاول المؤسسة المحلية وضع أنظمة لتنظيم حياة الناس وتحسينها بطريقة منظمة أكثر.

وبالنسبة لي، كان ذلك بمثابة تحول في المنظور، حيث أتساءل عن المشكلة الحقيقية التي نحاول حلها هنا. وعن الطريقة الأفضل للحل. لذا فمسألة الاقتصادات أتت في مرحلة متأخرة. كانت لديّ فرصة لقضاء سنة في روسيا قُبيل نهاية دراستي الجامعية، ورأيت خبراء اقتصاديين يشيرون على الحكومة. وخطر لي أنّ هؤلاء الأشخاص لديهم الكثير ليتحدثوا عنه. وأنّ بإمكانهم التأثير على السياسة بالفعل. واعتقدت أنّ هذا على الأرجح ما سيناسبني أكثر من أي شيء آخر.

كيرت نيكيش: كيف تعتقدين أنّ تجاربك منذ الصغر أثّرت على الطريقة التي أردت اتباعها في بحثك وربما بشكل مختلف عن الطرق التقليدية للقيام بالأبحاث الاقتصادية في هذه الفترة؟

إستير دوفلو: ما جعل ذلك واضحاً بالنسبة لي في هذه المرحلة هو أنّ عليك الذهاب إلى الميدان، لأنك إن أردت دراسة مشاكل الفقر العالمي، في الهند أو كينيا أو غانا أو مدغشقر، فلن تجد بديلاً عن الذهاب إليها لأنّ حدسنا من أجواء مكاتبنا المريحة وحياتنا هنا حول طريقة عيش الأشخاص في الميدان في الغالب لا قيمة لها.

ونتيجة لذلك، بمجرد أن أصبحت خبيرة اقتصادية، ذهبت مباشرة إلى الميدان، وقضيت تحديداً الكثير من الوقت في الهند، ثم كانت لدي الفرصة لأدرك مدى خطأ الكثير من الأفكار التي كانت لديّ حول حالة الفقراء وكيفية إصلاح أحوالهم.

كيرت نيكيش: ما تقولينه يبدو مألوفاً جداً، على الأرجح، بالنسبة للأشخاص في جمهور الأعمال، لأنّ هذا يعيد إلى الذاكرة أبحاث الزبائن والتفكير التصميمي ومحاولة الفهم الجادّة للزبون قبل تطوير منتجات له. وهذا ما كنت تفعلينه بشكل أساسي كخبيرة اقتصادية، برؤية طريقة عيش الناس وسلوكياتهم في العالم الحقيقي، ثم محاولة جعل هذه النماذج الاقتصادية تنسجم بطريقة يكون لها تأثير من الناحية العملية. هل يبدو ذلك صحيحاً؟

إستير دوفلو: نعم، يبدو ذلك صحيحاً بالتأكيد. والفارق الوحيد هو أنك عندما تكون في مجال الأعمال، وتحديداً في أعمال تتعامل بشكل مباشر مع الزبائن، افترض أنّ منتجك لا فائدة تُرجى منه، عندها سيكون الأمر واضحاً بسرعة معقولة، حيث لن يلقى المنتج رواجاً.

بمجرد إنهاء جميع أبحاث الزبائن الخاصة بك ومحاولة التوصل إلى منتجك، مثل تفاحة تفرد نفسها أو ما شابه، فإذا لم يرغب أحد بها، فستظل ملقاة على الرف، وسيكون عليك المضي قدماً والبحث عن فكرة جديدة.

إذاً، فالفارق بالنسبة للسياسة في بعض البرامج الخاصة بمكافحة الفقر هو أنّ اختبار السوق لا يكون حاضراً في العادة، لأنّ الناس يذهبون إلى المدرسة مثلاً، وحتى إذا كانت مدرسة فظيعة، فما الذي سيفعلونه؟ ليس لديهم مكان آخر ليذهبوا إليه.

لذا عليك اختبار أفكارك وأي تأثير لهذه الأفكار بنفسك. عليك وضع اختبار تقييم للأثر حيث لا يوجد اختبار سوق أوتوماتيكي ستحصل عليه في بيئة العمل. لذا أعتقد أنّ ذلك فارق بالغ الأهمية بين بيئة العمل وإطار السياسة يتمثل في عدم وجود اختبار السوق بصفة عامة هناك.

وبمجرد فقدانك لزبونك في إطار السياسة، عندها تعلم أنّ المنتج فظيع تماماً، لذا على سبيل المثال، في بعض المناطق في الهند تخلى الناس ببساطة عن نظام المدارس العامة. ولكن ذلك متأخر قليلاً. لعله كان من الأفضل التدخل مبكراً ومحاولة تحسين المدارس العامة. لكنك لن تستطيع القيام بذلك من خلال الاعتماد فقط على أشخاص يتخلون عن مدارسك.

كيرت نيكيش: حاولت معظم محاور بحثك تطبيق تجربة دقيقة واختبارها على السوق بطريقة ما، لبعض هذه الأسئلة، ومن بينها كيفية التخفيف من وطأة الفقر. هل يمكنك الحديث عما خلصت إليه من فعل ذلك؟

إستير دوفلو: بدقة، يُعزى ذلك إلى أنك لا تمتلك هذه الأسواق الأوتوماتيكية هناك التي يترتب عليك استبدالها بتطور أثر فكرتك. ويكون التطور الهدف بالسؤال عمّا يحدث، وكم هذا الوضع أفضل حالاً بالنسبة لهذا الشخص مع فكرتي ومن دونها؟

لنفترض أنك تريد تحسين جودة المدرسة، وتقول إنك ستوفر تعليماً علاجياً للأطفال الذين يصلون إلى الصف الثالث ولا يستطيعون القراءة. عندها تكون الفكرة حسبما نعتقد أنّ ذلك قد يعبر عن فكرة جيدة. ومن المحتمل أن تنجح. لكن عليك أن تعلم فيما إذا كانت ستنجح، ويترتب عليك إعداد اختبار بنفس دقة اختبارك لدواء جديد.

تأخذ 100 أو 200 مدرسة وتقسمها إلى مجموعتين. وتقدّم برنامجك في نصف المدارس. ولا تقدّمه في النصف الآخر، أو ربما في نصف المدارس في برنامجك، تقدِّم برنامجاً لطلاب الصف الرابع، وفي النصف الآخر تقدِّم برنامجاً لطلاب الصف الثالث. ثم تقارن الأطفال الذين استفادوا من البرنامج بغيرهم.

وهذه هي الفكرة التي تتمحور حولها تجربة منضبطة لجماعة كبيرة. وبدأنا بتطبيق ذلك قبل 20 سنة تقريباً. بدأ مايكل كريمر وأبيجيت بانيرجي، اللذان حصلا على جائزة نوبل معي، العمل قبلي، وكان الأمر يتم بشكل سري وعلى نطاق صغير، حيث شارك فيه عدد قليل من الأشخاص، لكن أحد الأشياء التي عملنا عليها يتمثل في إنشاء بنية تحتية وحركة حول ذلك، حتى أنه الآن يشارك المئات من الباحثين إلى جانب شركائهم والحكومة ومؤسسات غير ربحية.

وقد أنتجت كل هذه الجهود معاً عدداً كبيراً جداً من هذه المشاريع. وفي كل مشروع منها ثمة إجابة واحدة على سؤال محدد، مثل هل سيُجدي توفير تعليم علاجي؟ لكن معاً، فقد أعطانا كل ذلك فهماً أوضح لطبيعة العقبات الرئيسة التي واجهتها البرامج في النجاح في حياتهم، وما هي أدوات التأثير التي نمتلكها لإزالة هذه العقبات والسماح لهم بالتقدم إلى أفضل حياة ممكنة؟

كيرت نيكيش: هل بالإمكان أن تعطينا مثالاً على تطبيق هذا النوع من التفكير أو التجريب الذي من شأنه أن يكون له نتائج جيدة إلى حد كبير؟

إستير دوفلو: يمكننا استخدام ذلك كمثال، فإذا نظرت إلى الملاريا، منذ بدايات الألفية الثانية، كان معروفاً أنّ الناموسيات المُعالجة بالمبيدات الحشرية تمثل حلاً جيداً جداً للوقاية من حالات الإصابة بالملاريا. هي أقل جودة من اللقاحات، ومن الرائع أنّ هناك أشخاصاً يعملون على تطوير اللقاحات. ولكن في الوقت الحالي، لا يتوفر لدينا لقاحات حتى الآن.

ولمكافحة الملاريا، تعتبر الناموسيات حلاً جيداً. لكن جرت الكثير من النقاشات حول أفضل الطرق لتوفير الناموسيات. هل يتعين توفيرها على نطاق كبير أو واسع مجاناً، أم تطرح للبيع؟ وكان هناك جدل أيضاً، وكان يتجادل الناس حول ذلك. ثم أجريت سلسلة من التجارب التي أظهرت أنّ التبرع بها هو الطريقة الأفضل للمضي قدماً، لأنك تصل إلى الكثير من الناس، وبمجرد أن يحصل الناس على الناموسيات، فسيستخدمونها بشكل جيد.

وكان هذا هو محور الشك آنفاً. كيف سيستخدمونها بشكل جيد؟ وتبين أنه حتى إذا حصل الناس على ناموسية مجاناً، فسيستخدمونها بشكل جيد جداً. وبفضل هذا البحث، الذي تكرر بطرق مختلفة، كان ثمة نوع من التوافق الذي تشكّل حول فكرة توزيع الناموسيات على نطاق واسع، وهو ما حدث في الدول الأفريقية بشكل كبير، وأدى ذلك إلى انخفاض عدد الوفيات جرّاء الملاريا. أعتقد أنّ هذه قصة جيدة، لأنها توضِّح أهمية التركيز في البرنامج، وهي أن نتجه إلى محاولة خفض عدد الوفيات جرّاء الملاريا بينما يعمل العلماء على تطوير اللقاحات. دعنا لا ننتظر حتى ذلك اليوم. علينا أن نتصرف في هذه الأثناء. ودعنا نكتشف الطريقة الأفضل لفعل ذلك ونكون عمليين بهذا الشأن، ولا يعمينا حدسنا أو طريقة تفكيرنا. وبمجرد أن نحصل على الإجابة فلنتوجه لفعل ذلك.

كيرت نيكيش: ينظر الكثير من الناس، كما تعلمين، إلى الفقر على أنه مشكلة مستعصية. لكن العالم قد تحسّن بقدر كبير بالنسبة للفئات الأشد فقراً في العالم على مدار العقود القليلة الماضية. وكما تعلمين، يخرج الملايين تلو الملايين من الناس من دائرة الفقر. لماذا برأيك يحدث ذلك؟

إستير دوفلو: كان ثمة تقدم هائل في حياة الفقراء على مدار العقود الثلاثة الماضية. وبعض هذه التقدم يحدث نتيجة النمو الاقتصادي في الصين والهند، وهي أشياء لا يستطيع الأفراد وواضعو السياسات التحكم بها على نحو جيد. ومن الصعب التقليد كأن نقول لنكن مثل الصين. لكن من الرائع أنّ ذلك حدث، وهو ليس شيئاً يمكننا نسخه مباشرة، لأننا لا نعرف ماذا ننسخ بالضبط.

لكن أحد الأمور الأخرى التي حدثت هو التحسين الهائل في جودة حياة الفقراء، حتى في الدول التي لم يزد فيها الناتج المحلي الإجمالي كثيراً كما حدث في الصين والهند. فمثلاً، كان هناك انخفاض في نحو نصف عدد وفيات الرضع، ووفيات الأمهات. وكان هناك شيء مثل تجنب لوفاة 450 مليون شخص جرّاء الملاريا. وجميع الأطفال الآن في المدرسة، على الأقل في المستوى الابتدائي، في جميع أنحاء العالم.

لذا لديك مجموعة من التحسينات في جودة حياة الفقراء علاوة على تحسين دخل الفقراء. وحتى في الدول التي لا يزيد فيها دخل الفقراء. وأعتقد أنّ هذا أتي من تركيز أكبر للسياسة على هذه القضايا، وتحديداً الاستعداد للانتقال من اليأس أو الفقر إلى مشكلة مستعصية إلى أبعد حد. وما من شيء يمكننا فعله. إلى نوع من التفاؤل بإمكانية القيام بذلك وأنّ نقول إننا نستطيع التركيز فقط على المشكلة، ويمكننا إحراز تقدم حقيقي. ويمكننا فعل ذلك من خلال معرفة ما يُجدي ثم تطبيقه.

كيرت نيكيش: ماذا يستطيع قادة الأعمال أن يفعلوا للتخفيف من بعض هذا الفقر؟ إذا أتى شخص ما إليك وسألك عن الأشياء التي يستطيع فعلها عندما يكون في شركة أو دولة ما، فماذا تقولين له؟

إستير دوفلو: يعتمد الأمر على الصفة التي يأتيني بها. قد يكون الشيء الأول الذي يستطيع قادة الأعمال فعله بصفتهم قادة أعمال هو إدارة عملهم بمستوى ما حسب ماهية عملهم. إحدى الطرق التي يصبح فيها الأشخاص أقل فقراً هي الحصول على وظائف.

وإحدى الصعوبات الموجودة بالتأكيد في الكثير من الدول الأفريقية تكمن في إيجاد الأشخاص لوظائف جيدة تتلاءم مع ما يريدونه في الحياة ومع مهاراتهم. ثمة الآن الكثير من الأشخاص الذين تعلموا بالفعل للحصول على وظائف. ورجال الأعمال والشركات هم من سيوفروا هذه الوظائف.

ثم يشعر قادة الأعمال باليأس لعدم تمكنهم من إيجاد الأشخاص الذين يريدون توظيفهم. ونحن نحاول العمل مع مزارع وشركات للتفكير حول ماهيتها، وما يجعل إدارة عمل ما صعبة في أحد هذه البلدان. وما نوع العقبة الموجودة في طريق إيجاد الأشخاص المناسبين والاحتفاظ بهم وإعطائهم أجوراً جيدة وما شابه؟ وما الذي يقف في طريق العمل ليعمل بهذه الطريقة؟ لذا هذا عمل يحسِّن عملهم، ما ينتج وظائف يعمل بها الناس.

والأمر الآخر، هو أنّ رجال الأعمال يأتون أحياناً كثيرة في إطار المسؤولية الاجتماعية للشركات. وأود القول أنّ هناك الكثير من الأعمال والشركات التي تمتلك على الأرجح الكثير من المال لتنفقه على المسؤولية الاجتماعية للشركات في بلد مثل الهند لأنهم ملزمون بحكم القانون. وهذا الكثير من المال. يمكنه بصدق أن ينفق أمواله على شيء أفضل قليلاً، حيث أنّ ذلك المال لا يُستخدم غالباً بطريقة مدروسة كما قد تعتقد. لديك قائد أعمال سيكون حذراً للغاية في أي قرار يخص العمل، ثم عندما يتعلق الأمر بالمسؤولية الاجتماعية للشركات يبدأ بإنفاق أي شيء على أي فكرة تخطر على البال. وتطبيق هذا النوع من الدقة والذكاء الذي ينطبق في عملك على الاستثمار في المسؤولية الاجتماعية للشركات سيكون رائعاً.

كيرت نيكيش: في كتابك الجديد “اقتصادات جيدة لأوقات صعبة” (Good Economics for Hard Times)، الذي كتبته مع زميلك الفائز بجائزة نوبل أبيجيت بانيرجي، تتحدثان عن الدروس المستفادة من بحثكما في تطوير البلدان، كما تعلمين، وأنّ التجريب الدقيق والسياسة الاقتصادية العقلانية يمكن أن يكون لها مكاسب مدهشة. وتقولان إنه يتعين تطبيق هذه الأشياء بشكل أكبر في البلدان المتطورة أيضاً. هل يمكنك التحدث عن ذلك؟

إستير دوفلو: في العالم متقدم النمو، أعتقد أنّ قدراً كبيراً من عملية وضع السياسات لدينا سيطر عليه فهم بسيط للاقتصادات لم يتناسب بالضرورة مع الحقائق. وبطريقة ما فإنّ جميع أفكاري حول ماهية الفقر وأنّ الفقراء يعيشون حياتهم تبيّن أنها خاطئة بمجرد أن وطأت قدماي مدغشقر، ثم بعد ذلك الهند وكينيا، وبالمثل فإنّ الكثير من الأفكار حول أنّ واضعي السياسات يعملون في هذه البلد كانت خاطئة حسبما أعتقد.

والكثير من الأفكار التي كانت لدى الجمهور أحياناً كانت خاطئة أيضاً. وفي الحقيقة، أحياناً تكون الأفكار الموجودة لدى خبراء الاقتصاد، والتي يستندون إليها في نماذجهم وتوصياتهم حول السياسات، غير صحيحة بمعنى أنها لم تنتج عن حقيقة. وما نحاول أن نفعله في هذا الكتاب، “اقتصادات جيدة لأوقات صعبة”، هو القيام بالقليل من الممارسة نفسها التي نفذناها في التطوير، من خلال قول ما تخبرنا به الحقائق، وكيف نفهمها، والطريقة التي يتعين علينا من خلال أن نعيد التفكير حول افتراضاتنا المسبقة إزاء طريقة تصرف الأشخاص، وبالتالي كيف يتعين علينا أن نضع السياسة.

كيرت نيكيش: أحد الأشياء التي يمكن الحديث عنها في كتابك هو أنّ السلوك البشري يتناقض مع الكثير من النظرية الاقتصادية المعيارية، كأنّ يبقى الناس في المكان نفسه دون وظائف، في مقابل الرحيل عن ذلك المكان. وكيف تتجاوز هذه الأشياء السلوكية الهواجس المالية، على ما يبدو. كيف يمكن أن يكون ذلك مفيداً للمدراء وواضعي السياسات كي يفكروا بشأنه؟

إستير دوفلو: هذه الفكرة التي تتمثل في أنّ الناس يعلقون في مكان ما أكثر مما نعتقد أنه ضروري، نظراً لأن سياساتنا الاقتصادية، وإلى حد ما، قرارات الأعمال تستند إلى فكرة أنّ الناس يستجيبون للحوافز.

لذا ثمة حركة جغرافية، وحركة على مستوى القطاعات. فإذا كنت تعمل في قطاع الفحم، وهو مجال يخسر الوظائف، لكن قطاع التصديع (تقنية حديثة تسمح باستخراج احتياطات من البترول والغاز كان من المستحيل الوصول إليها سابقاً، بوسائل ميكانيكية تستعمل سائل مضغوط يُحدث كسور في الطبقات الصخرية – أي شق الصخور بالمياه) تحدث فيه زيادة في الوظائف، فستنتقل إلى مجال التصديع. وإذا كانت هذه الوظائف المتوفرة لدينا في منطقة أبالاشيا للنفط الصخري، لم تعد موجودة، فستنتقل إلى نيويورك.

وبالطبع، من خلال تأمل النفس أو النظر من حولنا، كان يتعين أن نعرف أنه من غير الصحيح أنّ من المكلف جداً بالنسبة للناس تغيير الوظائف، والتخلص من الهوية والفخر الذي كانوا يتمتعون به في وظيفة ما، والتخلص من العلاقات الاجتماعية التي شكّلوها في المجتمع، واختيار مكان آخر والبدء فيه، ونعلم أنّ معظم الناس ليسوا كذلك، وفي الحقيقة فإننا لن نكون كذلك.

لكن هذه هي الطريقة التي فكرنا فيها بالسياسة منذ وقت طويل. بدأنا التفكير، كما تعلم، أننا إذا فتحنا باب التجارة مع البلدان النامية، فستنخفض أجور العمال ذوي المهارة المتدنية، لكن بنسبة قليلة بالمتوسط. ويمكننا تعويضهم بطرق أخرى. دون إدراك أنّ المشكلة ليست أنّ الأجر المتوسط سينخفض قليلاً. بل تكمن المشكلة في أنه بالنسبة لأشخاص معينين، سيكون ذلك كارثياً، ليس لأنّ وظائفهم ستختفي فحسب، ولكن لأنّ وظائف جميع جيرانهم ستختفي، وسيدخل المجتمع الذي يعيشون فيه في حالة من الفوضى، إلخ.

وأنّ هذه المعاناة الفردية سيُنظر إليها كذلك، ولن يشعر الناس بخير لأنهم بالمتوسط كانوا ليكونوا بخير. سيكون هذا صحيحاً فقط في عالم يسهل على الناس الحركة فيه. وأعتقد أننا بحاجة إلى إعادة تكلفة التحول، وليس التكاليف المالية فحسب، بل أيضاً التكاليف النفسية والاجتماعية للتحول، في الوقت نفسه الذي نفكر فيه بأي سياسة. وكيف ننظر إلى أنفسنا، فكمجتمع نحن ندعم الأشخاص الذين يدفعون هذه التكاليف بأجسامهم وبحياتهم.

كيرت نيكيش: يُنتقد الخبراء الاقتصاديون في أغلب الأحيان على بُعدهم كل البعد عن مشاعر الناس ونظرتهم إلى كل شيء من خلال نموذج صارم للاقتصاد الشامل. ويبدو أنها نفس الطريقة التي تمتلكينها في الاستماع حقاً إلى الناس في الميدان في أماكن مثل مدغشقر والهند، واحترام كرامتهم بالفعل، وأنت تقولين إننا بحاجة إلى تطبيق هذا النوع من النهج على البلدان المتطورة، حيث تنمو معدلات عدم المساواة، ويوجد رابحون وخاسرون، تماماً كما يحدث في أماكن أخرى.

إستير دوفلو: نعم، وحيث يُعتبر الخاسرون في ألعاب الخبراء الاقتصاديين في أغلب الأحيان خاسرين على نحو صريح، بمعنى الكلمة لدى المدارس الإعدادية الأميركية. وهذا كما تعلم يزيد الطين بلة بطرق تساهم في تأجيج مشاعر الغضب والاستقطاب والصعوبة في إجراء المحادثات.

كيرت نيكيش: عليّ أن أسألك يا إستير سؤالاً حول المسار المهني، سؤالاً شخصياً نوعاً ما. أعتقد أنك في عمر السابعة والأربعين أصغر شخص يفوز بجائزة نوبل في العلوم الاقتصادية. وأنت ثاني امرأة تحصلين على هذه الجائزة. هل ترين نفسك قدوة؟

إستير دوفلو: أعتقد أنني كذلك الآن تقريباً بحكم المراحل التي مررت بها، نظراً لكوني شابة نسبياً، ولذلك فأنا على الأقل مثال على أنّ هذا ممكن. ودرست في واقع الأمر وصول النساء إلى مراكز سياسية للمرة الأولى على المستوى المحلي في الهند، لأنّ هناك تحفظاً إزاء وجود النساء في المراكز السياسية على المستوى الأدنى في الحكومة، على مستوى نظام “بانشاياتي” السياسي في الهند، وكنت..

كيرت نيكيش: عندما تقولين “تحفظاً”، تقصدين..

إستير دوفلو: استبعاد.

كيرت نيكيش: حصة، أم، حسناً.

إستير دوفلو: لذا عادة يجب أن تختار كل قرية ثالثة امرأة كرئيسة لها. ثم يكون التناوب. إذاً، فقد درست أثر ذلك، وهذا جعلني أغيّر طريقة تفكيري حول دور حصة المرأة. لأنني رأيت أولاً أنّ أولئك النساء، وغالباً من الشابات، يتخذن قرارات مختلفة عن قرارات الرجال، ويستثمرن على نحو خاص في أمور مفيدة تهتم النساء بشأنها. كما وجدت أنه بعد دورة واحدة من التحفظ، يصبح الناس أكثر استعداداً على مراعاة أن تلك المرأة قد تكون مؤهلة للقيادة. وبعد دورتين من التحفظ، يصوتون لهن بالفعل بأعداد كبيرة.

وبمجرد عودة الكرسي إلى المنافسة العامة العادية، يزيد احتمال ترشح النساء وانتخابهن. لذا في أماكن لم يسبق فيها أن انتخبت امرأة، لديك تحفظ لفترة من الوقت، ثم تستطيع النساء الترشح والفوز في الانتخابات. وأخيراً، فإنّ حقيقة وجود نساء في مركز سلطة يغيِّر فكرة الآباء والأمهات حول ما قد يفعله أطفالهم. ويجعلهم يكونون أكثر طموحاً لبناتهم. ويجعلهم يريدون أن يكون لبناتهم مسار مهني وأن يبقين في المدرسة. وفي الحقيقة، فإنهن يبقين في المدرسة لفترة أطول.

لقد رأيت في عملي الخاص الأثر الذي يتركه وجود نساء في مراكز لا تتوقعها. وبهذه الطريقة، فإنّ حقيقة أن امرأة فائزة بجائزة نوبل منخرطة في هذا النوع من العمل الذي أقوم به هي فكرة اجتماعية أكثر من أي جائزة نوبل سابقة، وأعتقد أنّ لها تبعات، وآمل حقاً أن يكون لها هذه التبعات، لأنني أرى أنه لا يوجد عدد كافٍ من النساء في مهنة الاقتصاد، والاقتصاد هو أحد العلوم الاجتماعية. نحن بحاجة إلى تشكيلة من الخبرات ووجهات النظر. وآمل أن أستطيع المساهمة في تحقيق ذلك.

كيرت نيكيش: شكراً جزيلاً لقدومك إلى “آيديا كاست” من هارفارد بزنس ريفيو للحديث حول بحثك. وهنيئاً على فوزك.

إستير دوفلو: شكراً جزيلاً لك.

كيرت نيكيش: كانت هذه هي إستير دوفلو، وهي الفائزة الأخيرة بجائزة نوبل في العلوم الاقتصادية، مع “أبيجيت بانيرجي” من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا و”مايكل كريمر” من جامعة هارفارد. وقد ألّفت مع بانيرجي الكتاب الجديد “اقتصادات جيدة لأوقات صعبة” (Good Economics for Hard Times).

هذه الحلقة من إنتاج ماري دوي. وحصلنا على المساعدة الفنية من روب إيكهاردت. ومدير الإنتاج الصوتي لدينا هو آدم باكولتز.

شكراً لاستماعكم إلى برنامج “آيديا كاست” المقدم من هارفارد بزنس ريفيو. أنا كيرت نيكيش.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .