كيف تختار الشركاء المناسبين لشركتك في عصر الأعمال الرقمية؟

6 دقائق
أنواع الشركاء
أندريه أونوفرينكو/غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: نظراً لأن التكنولوجيا الرقمية تُحدث ثورة في كيفية أدائنا الأعمال، يتزايد تنافس الشركات من خلال بيئات العمل التي تشترك فيها مع مجموعة متنوعة من الشركات والمؤسسات الأخرى. وما يحدد تلك العلاقات مع أولئك الشركاء في الواقع هي البيانات وموارد التشغيل التي يقدمونها. وتعرض هذه المقالة إطار عمل مكوّن من 4 أجزاء لمساعدة الشركات على تحديد أنواع الشركاء الذين تحتاج إليهم وإبراز التحديات التي يفرضها العالم الرقمي على العلاقات المعنية.

 

استفاد عدد متزايد من الشركات من البيانات والتكنولوجيا الرقمية لدخول أسواق جديدة على مدى العقد الماضي.  وتشمل الأمثلة دخول شركة “جوجل” قطاع الصيرفة، وانتقال شركة “تيسلا” إلى سوق التأمين على السيارات، وانتقال شركة “آبل” إلى سوق اللياقة البدنية، ودخول شركة “فودافون” سوق الخدمات المالية.

وعلى عكس الشركات المتنوعة الأنشطة في الماضي، لا ينبغي للشركات الرقمية المتنوعة الأنشطة الحالية أن تؤدي كل شيء بمفردها. إذ أتاح السياق الرقمي، وبالتحديد التواصل الرقمي، للشركات فرصة الانخراط مع العديد من الشركاء المتنوعين أكثر من قبل، وتطوير بيئات عمل رقمية مُنظمة لمساعدتهم على دخول الأسواق الجديدة والتنافس فيها. لكن ذلك أدى إلى طرح سؤالين اثنين: كيف يمكن للشركة تحديد أنواع الشركاء الذين تحتاج إليهم؟ وما نوع العلاقات التي يجب أن تقيمها معهم؟

تحديد الشركاء

أجرينا 40 مقابلة شبه منظمة مع كبار المسؤولين التنفيذيين (مستوى الرؤساء التنفيذيين والرؤساء التنفيذيين للخبرة) في 20 شركة واجهت تلك الأسئلة في الفترة التي امتدت من عام 2020 وحتى عام 2022. ولاحظنا وجود عاملين رئيسيين يؤديان دوراً كبيراً في تحديد نوع الشريك الذي قد تحتاج شركة رقمية متنوعة الأنشطة إليه لدخول سوق جديدة أو زعزعة سوق موجودة:

البيانات السياقية

تستخلص البيانات السياقية سلوكيات الأشخاص أو الأصول في السياقات ذات الصلة بالسوق المستهدفة، ما يتطلب رؤى الشركاء الجدد الثاقبة حول ما يجب تقديمه للزبائن وما تعوزه الجهات الفاعلة الراسخة بالفعل. ستختلف أهمية البيانات التي يمكن أن يقدمها الشريك بالطبع.  على سبيل المثال، قد تكون البيانات التي يقدمها بعض مطوري التطبيقات لشركة “آبل” ذات قيمة هامشية لها بسبب نطاقها المحدود. على النقيض من ذلك، تُعد البيانات المقدمة من عملاء منصة الصيانة “بريدكس” (Predix) التي طورتها شركة “جنرال إلكتريك” ضرورية للغاية لما تحاول منصة “بريدكس” تحقيقه؛ ولن يكون لدى منصة “بريدكس” فرصة كبيرة لتحسّن أصولها أو تبيّن قيمة الصيانة الاستباقية دون تلك البيانات.

الموارد والقدرات التشغيلية

يجب أن تكون الشركة المتنوعة الأنشطة قادرة على زيادة ربحية عملياتها لدخول السوق الجديدة، لكن من غير المرجح أن تمتلك جميع الموارد التي تحتاج إليها لتحقيق ذلك. وكما هو الحال في عالم ما قبل العصر الرقمي، قد يمثّل وجود شركاء مناسبين حلاً مثالياً. يمكن للشريك في بعض الحالات تطوير المنتجات التي تنوي الشركة الجديدة طرحها وإنتاجها لها، ما يوفر عليها تطوير عمليات وقدرات التصنيع. من جهة أخرى، قد تفتقر الشركة الجديدة إلى إمكانات التوزيع والتسويق للسوق المستهدفة.

ومجدداً، ستختلف فائدة الشركاء. فعلى الرغم من أن “مكتب الأرصاد الجوية” في المملكة المتحدة يزوّد الشركات الاستشارية بمجموعة كبيرة من البيانات من أجل تطوير خدمات جديدة لزبائنها، لا يتدخل في كيفية أداء تلك الشركات الاستشارية أعمالها. على النقيض من ذلك، يمكن لشركات السيارات التي تعقد شراكات مع شركة “وايمو” (Waymo)، شركة تطوير تكنولوجيا القيادة الذاتية المملوكة لشركة “ألفابت” (Alphabet)، أن تقدّم لها بيانات قيمة وأن تساعدها على تصنيع تلك السيارات وتوزيعها، ما يساعد شركة “وايمو” على دخول سوق السيارات بلا سائق وتوسيع نطاق عملياتها في هذه السوق بسرعة وبشكل مربح.

ويوفر هذان العاملان لنا خطة لتصنيف نوع الشركاء الذين قد تحتاج كل شركة جديدة إليهم، كما هو موضح في مصفوفة 2×2 أدناه.

يُصنّف الشركاء في الربع العلوي الأيسر ضمن فئة الشركات التابعة، إذ تُعتبر بياناتهم والدعم التشغيلي الذي يقدمونه هامشياً؛ ويُعتبر مطورو تطبيقات شركة “آبل” مثالاً على هذا النوع من الشركاء. وتقع الشركات التكميلية في الربع العلوي الأيمن، وهم الشركاء الذين يقدمون بيانات سياقية محدودة أو هامشية لكنهم يقدمون دعماً تشغيلياً كبيراً. على سبيل المثال، يسهم خبراء تكامل النظم ومطورو التطبيقات المتخصصون في بيئة عمل شركة “سيلز فورس” بنسبة تصل إلى 80% من القيمة التي يجري خلقها (في حين تُسهم شركة “سيلز فورس” نفسها بنسبة 20% فقط).

وتوجد الشركات المورّدة في الجزء السفلي الأيسر، وهم الشركاء الذين يقدمون بيانات سياقية قيمة والقليل من البيانات الأخرى. ويعد “مكتب الأرصاد الجوية” مثالاً جيداً لمثل تلك الشركات، إذ إنه يقدم بيانات الأرصاد الجوية للشركات الاستشارية التي تهدف إلى تطوير الخدمات لزبائنها. وأخيراً، يوجد شركاء يمكن تسميتهم بالشركاء الاستراتيجيين في الربع السفلي الأيمن، فهم يقدمون كلاً من البيانات السياقية والمهمة للشركات الجديدة إضافة إلى الخدمات والدعم الذي تحتاج الشركات المتنوعة الأنشطة إليه للعمل في السوق الجديدة.  ويمكن تصنيف شركات السيارات التي دخلت في شراكة مع شركة “وايمو” ضمن هذا النوع.

ستكون الشركات من خلال إطار العمل هذا قادرة على التفكير بشكل منهجي في الشركاء الذين تحتاج إليهم لدخول بيئات العمل الناشئة أو إنشاء أنظمة جديدة. ويمكن للشركة التي تحدد هوية الشركات التي تمتلك البيانات والموارد اللازمة لها، تحديد الشركاء المحتملين ونوع استراتيجية العلاقة التي يجب أن تتبناها في كل حالة. لنلق الآن نظرة على بعض التحديات التي ستنطوي على الشراكة.

تحديات الشراكة اليوم

على الرغم من أن علاقات شركاء سلسلة القيمة كانت مهمة للعديد من الشركات، أصبحت إدارة تلك الشراكات أكثر تعقيداً بسبب الثورة الرقمية. وكما توضح مصفوفة 2×2 أيضاً، يساعدنا إطار العمل هذا على تصنيف تلك التحديات حسب نوع الشريك.

الشركات التابعة

لطالما كانت الشركات التابعة عاجزة نسبياً، لكن ذلك الوضع آخذ في التحول، كما يتضح من تكوين تحالف عدالة التطبيقات مؤخراً من قبل شركة “سبوتيفاي” و”إيبك غيمز” (Epic Games) و”بليكس” (Blix) و”تايل” (Tile) و”ماتش غروب” (Match Group) و”بيسكامب” (Basecamp) لمطالبة شركة “آبل” برسوم أكثر عدلاً على مشتريات “آب ستور”. لكن بعد الصدى الكبير لتلك المطالبات في شهر سبتمبر/أيلول عام 2020، أجرت شركة “آبل” العديد من التغييرات على سياستها، مثل إلغاء الرسوم البالغة 30% على مشتريات معينة تُجرى عبر متجر “آبل”. وبالتالي، يجب على المدراء أن يضعوا في اعتبارهم الحاجة إلى تبني مبدأ التبادلية عند إدارة علاقات الشركات التابعة، وقد يكون ذلك صعباً بالنسبة للشركات الكبيرة التي تتعامل مع شركاء تابعين متعددين.

الشركات التكميلية

يتمثل التحدي الرئيسي هنا في إدارة سمعة الشركة أو صورة علامتها التجارية. أخبرنا أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في شركة “نسبريسو” (Nespresso) أن الشركة قاومت بشكل متكرر الدخول في بيئات العمل الرقمية خوفاً من ارتباط علامتها التجارية بعلامات تجارية تابعة لأطراف ثالثة “غير مرغوب فيها”. ويتمثّل المثال الشهير الآخر في شركة “علي بابا”. تعتمد شركة “تي مول” التابعة لشركة “علي بابا” على تجارها البالغ عددهم 50 ألف تاجر بشكل كبير. لكن اتُهمت شركة “علي بابا” مرات عديدة منذ عام 2010 بعدم منعها بيع المنتجات المزيفة من قبل التجار على منصتها، ما اضطر جاك ما، الرئيس التنفيذي لشركة “علي بابا”، إلى تغيير استراتيجية الشركة على مر السنين: من إنكار القضية إلى قبولها والموافقة على التعاون مع السلطات. فالشركات التي تتجاهل مخاطر الارتباط بالعلامة التجارية في السياقات الرقمية السريعة وذات الظهور البارز تفعل ذلك على مسؤوليتها الخاصة.

الشركات المورّدة

غالباً ما يتمثّل التحدي في تحقيق تكامل تكنولوجي أعمق مع الشركاء. قد يبدو الأمر بسيطاً، لكن ثمة عقبات محتملة عند كل مرحلة. على سبيل المثال، أنفقت شركة “جنرال إلكتريك” مليارات الدولارات لتطوير منصة “بريدكس”. لكنها تلقت شكاوى من شركاء بيئة العمل فور إطلاقها لأن واجهات برمجة التطبيقات والخدمات الصغيرة لم تتح لهم الوصول إلى بيانات موثوقة. وكان لا بد من إيقاف منصة “بريدكس” مؤقتاً لعدة أسابيع بسبب تلك المشكلات.

كما أدرك أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في شركة “أوراكل”، ثاني أكبر شركة برمجيات في العالم، التحديات قائلاً: “التكامل التكنولوجي هو أكثر بكثير من مجرد تطوير واجهات برمجة التطبيقات أو تحقيق التكامل بين واجهات برمجة التطبيقات. بل ينطوي على دمج واجهات برمجة التطبيقات مع بنية الشركة التكنولوجية، وهو ما يحدث فارقاً حقيقياً، لكنه أمر معقد ومكلف أيضاً”. ويبدو أن الشركات الرقمية تتمتع بميزة في هذا المجال. وكما أخبرنا قائد طرح إنترنت الأشياء في شركة “فودافون”: “يمكن للشركات أمثال “جوجل” و”أيه دبليو إس”[أمازون ويب سيرفيسز] أن تتكامل مع كل شيء تقريباً”.

الشركاء الاستراتيجيون

يتمثّل التحدي الأكبر هنا في إجراء التعاقد. ويتضح ذلك في محاولات شركات “أمازون” و”آبل” و”جوجل” دخول قطاع التنقل من خلال عقد شراكات استراتيجية مع شركات تصنيع السيارات القديمة. لكن قد يصعب التوصل إلى قرار فيما يتعلق ببنود ملكية البيانات والخصوصية والعلامة التجارية/الترويج للعلامة التجارية في عقود الشراكة تلك، ولم تتجاوز معظم الشراكات مرحلة البيان الصحفي بعد. وكما أخبرنا أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في شركة “سي بي آر إي” (CBRE) (أكبر مزود لخدمات العقارات التجارية في العالم): “كانت المحادثة بين الشركاء تدور حول الثقة وتقاسم العائدات في الماضي. لكن تنطوي محادثات اليوم على العديد من المراحل: العلامة التجارية والبيانات واستخدام البيانات والأمن السيبراني، وما إلى ذلك. فالتبعات القانونية واسعة للغاية وغير محددة”.

على سبيل المثال، تأمّل الشراكة التي فشلت بين شركتي “أيه دبليو إس” و”نتفليكس”. عندما دخلت شركة “نتفليكس” سوق البث التلفزيوني والأفلام، تعاونت مع شركة “أيه دبليو إس” بصفتها شريكاً استراتيجياً. وبمرور الوقت، طورت شركة “أيه دبليو إس” المعرفة اللازمة لقراءة بيانات استهلاك المحتوى وتحليلها، وأطلقت شركة “أمازون” عام 2016 خدمة البث الخاصة بها، “أمازون برايم”. تأمّل أيضاً تجربة شركة “فودافون”. ففي إطار جهودها لتطوير خدمة تعقب الحيوانات الأليفة، أمضت الشركة عامين في التفاوض بشأن عقد شراكة مع ثاني أكبر شركة لتصنيع أغذية الحيوانات الأليفة في العالم.  لكن الصفقة فشلت في النهاية: من سيمتلك البيانات؟ من يمكنه استخدام البيانات؟ من ستكون علامته التجارية موجهة للزبائن؟ من الذي سيصدر الفواتير ويستلم الدفعات الأولية؟ تفشل المفاوضات المعقدة حتماً دون وجود اتفاق سابق حول قضايا مثل تلك.

أتاح ظهور بيئات العمل الرقمية للعديد من الشركات الدخول في أسواق جديدة تماماً والمنافسة فيها، لكن ذلك خلق تحديات جديدة أيضاً. ونظراً لوفرة الشركاء المتاحين وتنوعهم، يمكن للشركات التعاون مع مجموعة من الشركات الأخرى، على الرغم من تفاوت إسهاماتها في العلاقة. وذلك يعني أنه يجب على الشركات المتنوعة الأنشطة فهم أنواع الشركاء الذين يبنون علاقات معهم أولاً ومن ثم تطوير استراتيجيات مخصصة لكل منهم. وما زاد الطين بلة هو أن السياق الرقمي جعل إدارة تلك الشراكات أكثر تعقيداً وتحدياً مقارنة بالشراكات التي طُورت قبل العصر الرقمي. وأوضحت التحديات الإضافية التي خلقها السياق الرقمي الحاجة إلى توسيع قدرات إدارة الشراكة وتعزيزها في جميع الشركات. وقد لا تكون المهارات التي نجحت في عالم ما قبل العصر الرقمي كافية في السياق الجديد.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .