5 - 2016

شغلت شيريل باتشيلدر خلال حياتها المهنية منصب المديرة التنفيذية في شركتين أخريين للطعام تعملان وفق نموذج الامتياز التجاري، هما "دومينوز" و"كيه إف سي"، وقد أحبّت هذا النموذج التجاري كثيراً. ولكن عندما تولّت منصبها في شركة "بوبايز" عام 2007 ، في وقت كانت تعاني فيه من غياب الاستراتيجية والتفكير البعيد المدى، وجدت بأنّ علاقة الشركة مع أصحاب الامتياز التجاري الخاص بها كانت تعاني من مصاعب كثيرة. وعندما عملت مع فريقها من أجل قلب الأمور في الشركة رأساً على عقب نحو الأفضل، كان يتعيّن عليهم العمل على استعادة ثقة المالكين وعلى زيادة حماستهم تجاه المستقبل. كما كان يتعيّن عليهم طرح الكثير من الأفكار الرامية إلى تطوير العلامة التجارية للشركة، وإطلاق حملة إعلانية وطنية لزيادة وعي المستهلكين. وأثناء المباحثات الرامية إلى تحديد الشكل الأنسب للقيادة ومن هي المجموعة التي يجب أن يركّزوا عليها بصورة أساسية، استقر الفريق على نموذج يقوم على مبدأ "سيّد القوم خادمهم" وهو نموذج يعتمد على وضع أهل الشركة فوق المصالح الذاتية. وقد اتفقوا على أنّ أصحاب الامتياز التجاري لشركة "بوبايز" يجب أن يكونوا هم الزبائن الأهم بالنسبة للإدارة، فبرأي شيريل باتشيلدر" ما من أحد معني بنجاح الشركة بقدر ما كانوا هم معنيّين به". وقد أجرت الشركة أول استطلاع في سلسلة من الاستطلاعات الرامية إلى قياس مدى رضى أصحاب الامتياز وبدأت بقياس أهم شيء بالنسبة للمالكين، ألا وهو الربحية المتحققة على مستوى المطعم الواحد. وقد أطلقت الشركة مجموعة من المنتجات الجديدة الرابحة واستحوذت على برمجيات متقدّمة لمساعدة أصحاب الامتياز التجاري على اختيار المواقع الأفضل للمطاعم الجديدة. فماذا كانت النتيجة؟ ثماني سنوات من النمو المضطرد.

ما يقدّره العملاء حق التقدير يمكن أن يكون شيئاً يصعب تحديده ومعقد نفسياً. لكن توجد فعلاً عناصر عامة تتألف منها القيمة، مما يسفر عن فرص للشركات لكي تحسّن أداءها في الأسواق الراهنة أو تقتحم أسواقاً جديدة. ويبيّن المؤلفون أن استخدام تلك العناصر بالمزيج المناسب سيؤتي ثماره على هيئة ولاء أقوى من جانب العملاء، واستعداد أكبر لدى العملاء لتجربة علامة تجارية بعينها، ونمو مستدام في الإيرادات. من واقع ثلاثة عقود من الخبرة في إجراء البحوث على المستهلكين ورصدهم لصالح عملائهم الشركات، خلص المؤلفون (وكلهم يعملون في شركة بين أند كومباني) إلى تحديد 30 عنصراً تمثل "عناصر القيمة". تمتد الجذور المفاهيميمة لنموذجهم إلى "هرم الحاجات" الذي وضعه أبراهام ماسلو، ويوسع هذا النموذج أفكار ماسلو الثاقبة بالتركيز على الناس كمستهلكين، فيصف سلوكهم المتمحور حول المنتجات والخدمات. ويرتب المؤلفون هذه العناصر في هرم وفقاً لأربعة أنواع من الحاجات، حيث تحتل الحاجات "الوظيفية" قاعدة الهرم، تعلوها الحاجات "العاطفية"، ثم الحاجات "المغيّرة للحياة" وأخيراً يأتي "التأثير الاجتماعي" على قمة الهرم. ويقدم المؤلفون لنا أمثلة من العالم الحقيقي تبرهن على كيفية استخدام الشركات لهذه العناصر لزيادة إيراداتها، وتهذيب تصميم منتجاتها لتلبية حاجات عملائها بشكل أفضل، وتحديد المواضع التي يتصورها العملاء كمواطن قوة ومواطن ضعف، وبيع منتجات مختلفة لعملائها الحاليين.

لم تكن الشركات في يوم من الأيام تعرف أكثر مما تعرفه الآن عن عملائها، لكن عمليات الابتكار التي تستخدمها هذه الشركات ما زالت تصيب أحياناً وتخطئ أحياناً أخرى. فلماذا؟ وفقاً لكريستينسين ومشاركيه في تأليف المقال، يركز مطورو المنتجات أكثر مما ينبغي على تكوين لمحات مختصرة عن مواصفات العملاء والبحث عن علاقات ارتباط في البيانات الخاصة بهم. لكن لكي تصنع الشركات منتجات يريد الناس شراءها بحق، يجب عليها بدلاً من ذلك أن تركّز على العمل الذي يحاول العميل أداءه. بعض الأعمال بسيط (تمضية الوقت)، وبعضها كبير (العثور على مسار مهني يحقق الإشباع). وعندما نشتري منتجاً، فإننا في واقع الأمر "نوظّف" هذا المنتج لمساعدتنا على أداء عمل بعينه. ولو أدى المنتج هذا العمل جيداً، وظفناه مرة أخرى. أما لو حقق أداء متدنياً، فإننا "نُقيله" من وظيفته، ونبحث عن شيء آخر لحل المشكلة. والأعمال التي يريد الناس أداءها متعددة الوجوه، ولا تقتصر أبداً على الوظيفة، بل لها أبعاد اجتماعية وعاطفية قوية. والظروف التي يحاول فيها العملاء أداء هذه الأعمال أعظم أهمية من أي مواصفات يتصف بها المشترون. ولتتأمَّل المطورين العقاريين الذين يبنون شققاً سكنية تستهدف المتقاعدين الذين يريدون بيوتاً أصغر حجماً. فقد ظلت المبيعات ضعيفة إلى أن أدرك المطورون أن عملهم ليس الإنشاء بل إحداث تحول في حياة الناس. وبدلاً من إضافة المزيد من المزايا إلى الشقق السكنية، استحدثوا خدمات تساعد المشترين على الانتقال إلى هذه الشقق وعلى اتخاذ القرار بشأن ما يحتفظون به وما يتخلصون منه من مقتنياتهم، فحققت المبيعات انطلاقة كبيرة. السبيل إلى الابتكار الناجح هو تحديد الأعمال التي تؤدَّى بشكل رديء في حياة العملاء ثم تصميم منتجات وتجارب وعمليات متمحورة حول هذه الأعمال.

الشركات الأعظم نجاحاً لا تنتج منتجات جيدة وتملك نظم توزيع قوية فحسب، بل تتمتع أيضاً بفهم عميق للعملاء. وهذا يتطلب بطبيعة الحال قدراً كبيراً من البيانات التسويقية، لكن المؤلفين يقولون إنه يحتاج أيضاً إلى "بناء مولّد لمعلومات السوق المعمَقة"، بمعنى مجموعة من الهياكل والأفراد والعمليات التي يمكنها ترجمة البيانات إلى استراتيجية قابلة للتنفيذ. فكيف تحقق الشركات عالية الأداء هذا النوع من التمحور حول العملاء. تشير البحوث المكثفة التي أجرتها الشركة التي يعمل بها المؤلف الرئيس إلى أن هناك سبع سمات تشغيلية حيوية من أجل تشكيل فريق أرقى لمعلومات السوق بالشركة، إذ يجب أن يكون هذا الفريق ماهراً في تجميع البيانات ومستقلاً عن التخصصات الأخرى ومدمجاً في تخطيط الأعمال كجزء متمم له، وتعاونياً، ومستعداً لتجريب تكنولوجيات وبرامج جديدة، وموجَّهاً نحو المستقبل، ونشطاً في اتخاذ القرارات الاستراتيجية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأشخاص الذين هم جزء من مولّد معلومات السوق يشتركون في ثلاث سمات أساسية وهي: استخدام كلا شقي المخ (فهم يفكرون تفكيراً إبداعياً وتحليلياً في آن واحد)، والتركيز على نمو الأعمال، والفعالية في إيصال رسائلهم إلى الآخرين برواية القصص الشيقة بدلاً من ترديد البيانات الجافة. يناقش المؤلفون كل سمة بدورها، مستخدمين عملاق السلع الاستهلاكية يونيليفر كدراسة حالة. فقد ساعد فريق معلومات السوق المعمقة عن العملاء والأسواق في يونيليفر - الذي يُعتبر تجسيداً لمحرك الأفكار الثاقبة القوي - الشركة على تحقيق نمو لافت للأنظار في الإيرادات والمبيعات.

اللقب الرسمي الذي يحمله كارلوس غصن هو رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لتحالف "رينو نيسان"، لكن هناك لقبين آخرين أكثر إثارة اشتهر بهما غصن، وهما "مزيل الكلف" و"حلال المشاكل"، وقد استحق غصن هذين اللقبين بفعل نجاحه في إنقاذ شركة رينو أولاً ثم شركة نيسان في تسعينيات القرن الماضي. والآن يرجو غصن أن يتمكن من تحقيق تحوّل آخر، هذه المرة في شركة ميتسوبيشي، التي تواجه صعوبات كثيرة والتي استحوذت نيسان مؤخراً على حصة مسيطرة من أسهمها. وُلد غصن في البرازيل لأب من أصل لبناني، ويحمل الجنسية الفرنسية، وهو يعالج ببراعة منقطعة النظير التحديات التي تشكلها إدارة شركتين في قارتين مختلفتين. ويصف غصن في هذا الحوار كيف يؤدي دوره هذا، حيث يجتمع بفريقيه في طوكيو وباريس لمدة أسبوع كل شهر، ويقضي بقية وقته في أروقة العمليات، متحدثاً إلى الموردين تارة وإلى المشترين تارة أخرى، وباحثاً عن فرصة جديدة. يقول غصن إنه في السنوات المقبلة "سترون المزيد من السيارات الكهربائية، والمزيد من القيادة السياقة، والمزيد من الاتصال بالشبكة". وهو يشعر بحماس شديد تجاه استخدام التكنولوجيا "لجعل السيارة جزءاً لا يتجزأ من الحيز الشخصي"، وتطوير مركبة قادرة على سياقة نفسها بنفسها تماماً بحلول عام 2020. ولا يشعر غصن بأي قلق تجاه المنافسة في سوق السيارات الكهربائية من الشركات أمثال آبل أو جوجل، قائلاً في هذا الشأن: "لدينا تقليد عريق يتمثل في الحصول على التكنولوجيا من الخارج وإضافتها إلى منتجاتنا". يؤمن غصن بأن الدور الذي يضطلع به الرئيس التنفيذي هو أن يكون "حامياً لسلامة الشركة واستدامتها". ويرى أن على رأس المهام المنوطة به اختيار الأشخاص المناسبين وتوجيه استراتيجية الشركة. وهو يقول في هذا الصدد: "أريد أن أضمن أن يظل تحالف نيسان ورينو محافظاً على قوته، وذلك بالأداء الجيد والإدارة الرشيدة".

تفترض المؤسسات وجود قدر من الاتساق في القرارات التي يتخذها الموظفون، ولكن يبدو أنه يصعب الاعتماد على البشر لتحقيق ذلك. تختلف الأحكام بشكل كبير بين شخص وآخر، حتى لو كانا يؤديان نفس الوظيفة ويتبعان نفس العمليات. وثمة عوامل خارجية، كالمزاج مثلاً أو حالة الطقس، قد تغيّر قرارات الشخص من حالة إلى أخرى. هذا الاختلاف الطارئ على القرارات يدعى التشويش، وهي ظاهرة مكلفة للشركات بشكل لافت، ولاسيما أن الشركات عادة ما تغفل عن هذه الظاهرة. في هذه المقالة يوضح لنا دانيال كانيمان، الحاصل على جائزة نوبل وأستاذ علم النفس في جامعة برينستون، وأندرو إم روزنفيلد، ولينيا غاندي، وتوم بلاسر من مجموعة (ثا غريتست غود) كيف يمكن للمؤسسات تنفيذ عملية القضاء على التشويش أو ضبطه، وهي العملية التي يقوم فيها مجموعة من قسم مهني ما بتقييم مجموعة مشتركة من القضايا. ومن خلال تحديد درجة التباين بين تقييمات الموظفين يمكن قياس مستوى التشويش الحاصل. وفي حال تبيّن أن المشكلة متفاقمة، فبوسع الشركات اتباع عدد من الإجراءات لعلاج ذلك. ولعل الحل الأكثر جذرية هو استبدال الخوارزميات بالحكم البشري، فالخوارزميات، بخلاف الإنسان، تعطي دوماً النتيجة ذاتها إن تعاملت مع مدخلات متماثلة، كما أن الأبحاث تظهر أن التنبؤات والقرارات التي تصل إليها أكثر دقة حتى من تلك التي يصل إليها الخبراء. قد يبدو وضع الخوارزميات والعمل عليها أمراً بالغ التعقيد، إلا أن الكتاب في المقالة يصفون طريقة لوضع خوارزميات بسيطة باستخدام بيانات تعود لعدد محدود وحسب من القضايا في بعض القواعد الحسابية البسيطة. لكن إن كان الاعتماد على مثل هذه المعادلات غير مجدٍ من ناحية سياسية أو إجرائية فيمكن للشركات اتباع بعض الممارسات والإجراءات التي تساعد الموظفين على اتخاذ القرارات بمنهجية أكثر اتساقاً.