يدرك مدراء الشركات (أعضاء مجالس الإدارة) والمدراء التنفيذيون على حد سواء أن وتيرة التغيير في الوقت الحالي تتسارع بشكل مستمر، كما أنهم يدركون أن الشركات بحاجة إلى الابتكار لتبقى في المقدمة. ولكن، هل تقوم مجالس الإدارة بدورها لدعم الابتكار؟ أجرينا مسحاً لأكثر من 5,000 عضو مجلس إدارة من جميع أنحاء العالم لمعرفة ذلك.
وقد وجدنا بشكل عام، أن الابتكار لا يُصنف كأحد أهم التحديات الاستراتيجية بالنسبة لغالبية مجالس إدارة الشركات. وعلى الرغم من أن المدراء في بعض الصناعات أكثر إدراكاً لتهديد الزعزعة والتغيير، إلا إنّ الضعف الكبير في الانخراط في عمليات الابتكار على مستوى مجلس الإدارة يمكن أن يشكل خطراً خفياً وعبئاً على الشركة.
تحديد الأولويات
وجدنا أن الاهتمام المتعلق بالابتكار لدى معظم المدراء يأتي في مرتبة لاحقة بعد قضايا أخرى. حيث ينظر أقل من ثلث (30%) المشاركين في الاستطلاع الذي أجريناه إلى الابتكار على أنه أحد التحديات الثلاثة الكبرى التي تواجهها شركاتهم في تحقيق أهدافها الاستراتيجية، في حين يرى 21% فقط أن الاتجاهات الجديدة التي تظهر في مجال التكنولوجيا تمثل تحدياً استراتيجياً كبيراً. ويحلّ الابتكار في المرتبة الخامسة، بعد المخاوف والشواغل الأكثر تقليدية؛ مثل جذب المواهب الكبرى والاحتفاظ بها، والبيئة التنظيمية للشركة.
من الواضح أن قدرة مجالس الإدارة على تشجيع الابتكار وتعزيزه تقلّ عن الأنشطة الأخرى. عندما سألنا أعضاء مجالس الإدارة عن فعالية عمليات وإجراءات دعم الابتكار من جانب مجالس إداراتهم، قيّم 42% منهم عملياتهم وإجراءاتهم على أنها أعلى من المتوسط أو ممتازة. في المقابل، يرى 70% من المشاركين في الاستطلاع أن مجالس الإدارة تضطلع بعمليات وإجراءات فعالة في مواكبة الأحداث في الشركة، و69% للامتثال، و66% للتخطيط المالي، و55% لإدارة المخاطر - وعلى الرغم من أنه ينبغي علينا ملاحظة أنّ إدارة المخاطر تمثل أمراً هاماً ينبغي أخذه في الاعتبار عند السعي إلى تحقيق الابتكار. إلا انّ أعضاء مجلس الإدارة منحوا تقييماً أفضل لمجالسهم لإدارة المخاطر من الابتكار، وهو ما يعتبر أمراً كاشفاً وشديد الأثر.
عندما قمنا بتحليل الإجابات عن الاستطلاع بحسب الصناعات والمجالات، وجدنا أن المدراء في قطاعات الرعاية الصحية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات ينظرون إلى الابتكار كتحد استراتيجي كبير لشركاتهم. كما أن عمليات وإجراءات هذه الشركات فيما يتعلق بالابتكار كانت الأعلى تقييماً. وذلك ليس مفاجئاً على الإطلاق بالنظر إلى درجة الابتكار في هذه القطاعات، ولكن يجب على المدراء الذين يعملون في القطاعات المتغيرة بشكل مستمر مثل هذه القطاعات أخذ ذلك الأمر بالاعتبار. في حين يعتبر 13% فقط من المدراء في قطاعي الطاقة والمرافق الابتكار تحدياً استراتيجياً كبيراً. بيد أن النمو السريع لشركات الطاقة المتجددة، وتلك التطورات التي تتيح استخدام الطائرات بدون طيار لمراقبة إنتاج النفط والغاز تشير إلى أنه لا صناعة تستعصي على قوى الابتكار.
كما وجدنا أن التركيز على الابتكار يرافق عادة النظرة المستقبلية بعيدة المدى. ولذلك، فإن الشركات التي تعنى بخلق وتعزيز القيمة على المدى الطويل، يمرجح أن يكون لديها مجالس إدارة تعطي أولوية للابتكار، بالمقارنة مع الشركات التي تركز في المقام الأول على تحقيق النتائج قصيرة المدى. إن بناء الأساس للابتكار يتطلب عقلية تطلعية تستشرف المستقبل على مستوى الشركة ومجلس إدارتها.
كما ترتبط فعالية عمليات مجلس الإدارة لدعم الابتكار وإجراءاتها بأداء المجلس بشكل عام. بعبارة أخرى، تميل مجالس الإدارة التي تتبنى عمليات وإجراءات ابتكار قوية إلى أن تحتل مركز الصدارة في أدائها على جميع الجبهات.
استقطاب المدراء ومهاراتهم
في ضوء الأداء المتواضع في مجالس الإدارة فيما يتعلق بالابتكار، هل تعمل مجالس الإدارة بشكل فعال لاتخاذ خطوات لمعالجة نقاط ضعفها ومواطن قصورها؟ يعد استقطاب المدراء من ذوي الخبرة التكنولوجية وتعيينهم إحدى السبل التي يمكن لمجالس الإدارة استخدامها لتعزيز قدراتها الإبداعية. عندما سألنا بعض المدراء عن ثلاثة مجالات من الخبرة أُعطيت الأولوية عند توظيفهم لآخر عضو مجلس إدارة، أشار 13% فقط إلى الخبرة التقنية. وفي المقابل، تبحث مجالس الإدارة في العادة عن الخبرة في مجال شركاتها (51%)، والاستراتيجية (34%)، والماليات (30%).
لقد وجدنا ـ مرة أخرى ـ اختلافات بين الصناعات والمجالات المختلفة. تسعى أكثر من خُمس (22%) مجالس الإدارات التي تعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للحصول على الخبرة الفنية عند شغل المقاعد الشاغرة في مجالس إدارتها، وهي أكثر من أي مجال آخر. كما لاحظنا أيضاً أن مجالس إدارة الشركات الأكبر تبحث عن مدراء جدد ممن يمتلكون خبرة تكنولوجية. وعندما قمنا بالمزيد من الاستقصاء والبحث، وجدنا أن مجالس الإدارة التي يشغلها عدد أكبر من الأعضاء، والمجالس التي تمتاز بفاعلية أكبر، تزيد احتمالية منحها الأولوية للخبرة التقنية، ما يعني بأن المجالس قد يتحتم عليها تلبية حد أدنى من الحجم والأداء قبل أن تبدأ في التفرع والبحث عن مهارات مثل التكنولوجيا. على حد تعبير أحد المدراء، هناك "اختلال في التوازن بين الحاجة إلى التركيز على الحوكمة والامتثال، في حين تؤخذ في الاعتبار أهمية الابتكار وتأثيراته المغيّرة ولكن التركيز عليها أقل قدراً".
وعندما سألنا المدراء عما وجدوه الأكثر تحدياً في دورهم، ذكر ثلثهم (33%) أنهم يجدون صعوبة في مسايرة التقنيات الجديدة. وكانت هذه النسبة متساوية بين الرجال (34%) والنساء (31%)، لكنها كانت أكبر بكثير بالنسبة للمدراء الأكبر سناً (39%) مقارنة بالأصغر سناً (27%). يمثل تعزيز التنوع في التركيبة البشرية في مجالس الإدارة إحدى السبل التي يمكن لمجالس الإدارة أن تطرقها وتتبناها لضمان تمثيل مجموعة كبيرة ومتنوعة من وجهات النظر ومجالات الخبرة في مجالس الإدارة.
كيف يمكن لمجالس الإدارة تعزيز الابتكار؟
لمعالجة الفجوات المعرفية وتسريع المبادرات الجديدة داخل الشركة، يقترح المدراء تنظيم زيارات وجولات ميدانية، والمشاركة في الجلسات وورشات العمل الخاصة بالابتكار داخل الشركة، و"القيام بواجباتهم والاستعداد الجيد" فيما يتصل بالاتجاهات الجديدة في مجال عمل الشركة.
كما ينبغي على المدراء النظر إلى كيفية إمضاء الوقت في اجتماعات مجلس الإدارة، وإعادة تحديد وقت المناقشة حسب الحاجة. وكما أشار أحد المدراء، "إننا نقضي الكثير من الوقت في مناقشة الاستراتيجية التشغيلية - النمو، وعمليات الاستحواذ، وما إلى ذلك - [و] لا نمضي ما يلزم من الوقت في مناقشة المخاطر، والأشخاص، والابتكار". حيث يمكن أن تساعد المراجعات الدورية لجداول أعمال اجتماعات مجالس الإدارة في حماية الوقت وإعادة تخصيصه للمناقشات المتعلقة بالابتكار.
كما ينبغي أيضاً أن تتسم مناقشات مجالس الإدارة بالشفافية عند الحديث عن مواطن ضعف المجلس واحتياجاته أثناء وضع وصياغة المعايير اللازمة لتعيين المدراء الجدد. وقد يتجه البعض إلى زيادة عدد الأعضاء لضمان توفر المهارات التي يحتاجون إليها كفريق، وأن يمثلو مجموعة واسعة ومتنوعة من وجهات النظر .
ويقترح بعض أعضاء مجالس الإدارة الانخراط في الإدارة لفهم المشهد التنافسي بشكل أفضل، حيث ينبغي أن يطرحوا أسئلة مثل: "ما هي المجالات التي سيؤثر الابتكار التكنولوجي على أعمالنا فيها؟"، و"كيف تقوم بدمج أحدث التوجهات فيما يخص العملاء بالتكنولوجيا في استراتيجية الابتكار لديك؟" و"كيف يمكن لهذه الشركة تخصيص موارد كافية للابتكار في منتجاتها في ضوء متطلبات الدين ورأس المال؟".
وأخيراً، يجب على مجالس الإدارة دائماً التأكد من أن الرئيس التنفيذي للشركة مناسب للدور الذي يضطلع به. فالرئيس التنفيذي الذي يركز على النتائج قصيرة الأجل على حساب خلق قيمة بعيدة المدى قد لا يأخذ القرارات المناسبة ويستثمر بالطريقة الصحيحة من أجل تعزيز الابتكار الجوهري المطلوب داخل الشركة.