لطالما شهدنا جميعاً أمثلة كثيرة عن أزمات كانت استجابات الناس والمؤسسات حيالها رائعة ومثيرة للدهشة – كما كانت الحال في أعقاب زلزال هايتي، وحرائق كولورادو، وفيضانات الباكستان. ففي غضون ثوانٍ معدودة يشعر أشخاص غرباء أنهم قريبون من بعضهم البعض، ويهبّ الناس من جميع أنحاء العالم لتقديم يد العون المادي والمساعدات المالية، ويتم تجاوز الإجراءات البيروقراطية المعهودة لتقديم خدمات الإغاثة بشكل خلاق وبسرعة. ولكن ماذا يحدث بعد انقضاء المرحلة الحادة من الأزمة، وتلاشي جرعة الأدرينالين الأولية، وعودة الناس للاهتمام بحياتهم اليومية؟
الحقيقة هي أن الناس (والمؤسسات أيضاً) وعلى الرغم من نواياهم الطيبة، لا يستطيعون الحفاظ على السوية نفسها من الطاقة والجهد والاندفاع التي يظهرونها تحت تأثير ظروف الأزمة. وحتى عندما تستمر التحديات الصعبة لفترة طويلة تتحول إلى ظروف روتينية، تدفع الأشخاص المنخرطين فيها إما إلى الإرهاق وإما إلى التشاؤم وإما إلى اللامبالاة؛ في حين أن الأشخاص الذين لا يواجهون تلك الظروف بشكل مباشر في أعمالهم اليومية ينسونها تدريجياً وتغيب عن نطاق اهتمامهم.
وتمثل الأوضاع الراهنة في هايتي مثالاً واقعياً ومعبراً عن هذه الظاهرة. لقد شهدت الساعات الأولى بعد الزلزال تعبئة كبيرة وجهداً عالمياً لجمع التبرعات وقدوماً لمئات المتطوعين إلى ميناء بورتوريكو. ولكن على الرغم من تلك الاندفاعة الأولية والجهود الكبيرة التي بُذلت، فإنه وبعد ثمانية أشهر من الزلزال، تمت إزالة 2% فقط من الأنقاض البالغ حجمها حوالي 25 مليون متر مكعب، ما حال دون إعادة البناء وإعادة توطين السكان المتضررين. كم منا لا يزالون يفكرون في كيفية مساعدة هايتي؟
ووفقاً لتقارير صحفية، فإن عدم تحقيق التقدم في هايتي لا يعود فقط إلى قلة حجم التبرعات المالية، بل إلى عودة ظهور الإجراءات والعوائق البيروقراطية التي تم تحييدها مرحلياً خلال الأيام الأولى للأزمة. فليس هنالك خطة شاملة لإزالة الأنقاض؛ وهنالك فوضى في سجلات الملكية؛ ولم يتم وضع استراتيجيات فعالة لغربلة الأنقاض وإزالة تلوثها وترحيلها؛ كما أن التنسيق سيئ بين المنظمات غير الحكومية؛ وليس هنالك موظف واحد في الحكومة مسؤول عن البرنامج برمته. وبعبارة أخرى، مع أن الأوضاع في هايتي لا تزال صعبة جداً، جرى استبعاد ديناميات الأزمة الخاصة واستعيض عنها بالإجراءات العادية.
لسوء الحظ نلحظ هذا السلوك في المؤسسات مراراً وتكراراً، في البداية يهب الموظفون للاستجابة للكوارث كالفيضانات والعواصف الثلجية، أو لحل مشاكل الزبائن المستعجلة، أو لمواجهة التحديات المالية وتحركات المنافسين المفاجئة. وحينئذ تزداد مستويات التعاون والكفاءة والإبداع، ويسود الشعور بالالتزام بحالة الطوارئ في مكان العمل، وينخرط الجميع بحل المسألة أو تحقيق الهدف المنشود. ولكن مع انقضاء الأزمة الفعلية، تعود الأمور إلى طبيعتها السابقة، وتغدو الأزمة جزءاً من تاريخ الشركة، لا خطوة باتجاه تحسين الأداء المستدام.
ولكن ليس من الضروري أن تسير الأمور على هذا النحو، لا في هايتي ولا في مؤسستك. يمكنك التقاط روح الأزمة والطاقة التي ولدتها واستخدامهما ليس في تحقيق الأهداف المباشرة فحسب، بل في بناء أنماط أخرى جديدة من الإنجازات مع مرور الوقت. فإذا كان فريق عملك قد شهد مؤخراً تصاعداً في أدائه استجابة لأزمة ما، أو تقيداً بمواعيد محددة خاصة، أو مواجهة لتحد مميز، فكر في القيام بالخطوتين التاليتين:
- نظّم جلسة تعليمية خاصة بعد انتهاء الأزمة، وادع جميع الفاعلين الأساسيين في أثناء الأزمة من فريقك ومن الأقسام الأخرى في مؤسستك، ومن الجهات الخارجية أيضاً. قيّم ما تعلمته: ما الذي تم القيام به بشكل مختلف؟ ما أنماط العمل والابتكارات الجديدة التي أطلقتها الأزمة؟ والأهم من ذلك، ما أنماط العمل الجديدة –الفردية والجماعية– التي يجب الحفاظ عليها والاستمرار بها؟
- حدّد مبادرة مهمة وحيوية تريد تسريع وتيرة العمل فيها. انتقِ هدفاً بعيد المنال يشير إلى التقدم السريع في غضون 100 يوم –أو أقل– ثم طبق نمطاً واحداً أو اثنين من أنماط العمل الجديدة لتحقيق ذلك الهدف. ولتكن المئة يوم التالية بمثابة تجربة مباشرة وواقعية لإدخال أنماط العمل والابتكارات الجديدة إلى ذاكرة فريق عملك، إلى جانب توليد خبرات ومعارف جديدة من تحدي المئة يوم.
تولّد الأزمات وبشكل تلقائي أنماط عمل جديدة – ولكن هذه الأنماط والابتكارات الجديدة لا يمكنها الاستمرار والاستدامة دون بذل جهود إضافية مقصودة وواعية، وربما هذا ما قد حصل في زلزال هايتي. وللاستفادة من الأزمة بوصفها فرصة، يتعين على المدراء استخلاص العبر من خبرتهم أثناء الأزمة ومن ثم متابعة عملية التعلم عن طريق خوض سلسلة من التحديات قصيرة الأجل.
فما خبرتك في بناء القدرات الجديدة انطلاقاً من التعرض لإحدى الأزمات؟