لكي تغيّر طريقة تفكيرك غيّر الطريقة التي ترى بها الأمور

3 دقائق

“فكّر بطريقة مختلفة”، هذا ما قاله إعلان شركة آبل الشهير عام 1997. إنّها نصيحة ممتازة في الواقع لجميع المبدعين والمبتكرين ورواد الأعمال.

ولكن، إلى جانب التفكير بطريقة مختلفة من أجل التوصل إلى أفكار أو منتجات ثورية جديدة، هناك أيضاً الرؤية بطريقة مختلفة. ينظر المبدعون والمبتكرون ورواد الأعمال العظماء إلى العالم بطرق مختلفة عما نفعل نحن، ولهذا يرون الفرص التي لا يراها أشخاص آخرون.

من لا يعرف قصة لاصق الفيلكرو الشهيرة؟ قرّر المهندس السويسري جورج دي ميسترال أن يدقّق في بذور النباتات التي علقت في ملابسه بعد المشي في الغابة، فأخرج المجهر ورأى أنّ الطبيعة قد صممت سنانير على البذور التي علقت على خيوط ثيابه الدقيقة، ومن ثم ابتكر لاصق الأهداب والخطاطيف أو ما يعرف باسم لاصق الفيلكرو الذي أصبح بديلاً للسحاب. (واليوم أصبح هناك حقل كامل يُدعى المحاكاة الحيوية أو تقليد الطبيعة لمحاكاة الطبيعة من أجل حلّ مشاكل الإنسان).

ثمة قصة أقل شهرة ولكنها تستحق القدر نفسه من الشهرة وهي قصة شركة سوفت سوب (Softsoap). قرر رائد الأعمال الأميركي روبرت تايلور أن ينظر عن كثب إلى قطع الصابون بعد إزالة المغلف عنها واستخدامها في الحمامات. رأى باستخدام مكبر مجموعة كريهة من الرواسب في صحن الصابون الموجود في بيئة غير نظيفة، فقرر أن يضع الصابون السائل في مضخة ذات شكل جميل، ما أدى بشركة سوفت سوب إلى تغيير قطاع الصابون بأكمله.

هذان رائدا أعمال لامعان نظرا إلى الأمور بطريقة مختلفة، واتّخذا الخطوة الرئيسية للنظر إلى المألوف بطريقة غير مألوفة، سواء باستخدام المجهر أو عدسة التكبير، حرفياً أو مجازياً. قال عالم الرياضيات الفرنسي الكبير بليز باسكال إنّ “العقول الصغيرة تهتم بالأمور غير العادية، والعقول العظيمة تهتمّ بالأمور العادية”، ويبدو أنه كان يفكّر في شيء من هذا القبيل: أنظر مباشرة إلى ما هو أمامك، ولكن انظر بطريقة تختلف عن طرق معظم الناس.

هناك كلمة تصف هذا النشاط وهي: جعل الأمور غير مألوفة. في أوائل القرن العشرين أشار الناقد الأدبي الروسي فيكتور شكلوفسكي إلى طريقة ليو تولستوي في تحقيق تأثير كبير في كتاباته عبر تقنيات مثل وصف الأشياء من منظور مشوّه ورفض استخدام الأسماء الاعتيادية للأشياء، وجعل ما هو مألوف يبدو غريباً بشكل عام. وفي وقت لاحق، أحدث المخرج الفرنسي الكبير جان لوك غودار ثورة في عالم السينما باستخدامه تقنية تقطيع اللقطات (jump cuts) في فيلم “بريثلس” (Breathless)، يُعتبر هذا الابتكار بديهياً اليوم ولكنه كان يبدو محيراً للكثير من الناس في ذلك الوقت، إذ بُذلت حتى ذلك الحين جهود كبيرة لجعل الفيلم يتدفق بسلاسة مستمرة (“استمرارية”) على الشاشة، فالتدفق المستمر في نهاية المطاف هو كيفية اختبارنا للرؤية بفضل طريقة عمل أدمغتنا، وهذا هو المألوف. ولكن غودار قرر تفكيك هذا التدفق لإجبارنا على الابتعاد عن افتراضاتنا المعتادة ورؤية شخصياته على أنها متقلبة ومنفصلة حرفياً. والآن، نشعر بمشاعر العزلة التي تعيشها شخصياته، وكذلك جهودها – الفاشلة والمأساوية في النهاية – للاتصال ببعضها البعض. وبهذا يكون غودار قد رفع تقنية جعل الأمور غير مألوفة من الصفحة إلى الشاشة.

هذه الأمثلة عن هؤلاء الفنانين العظماء توفر للجميع – ومن بينهم رواد الأعمال – بعض النصائح حول كيفية التوقف عن رؤية العالم بطريقة مألوفة والبدء برؤيته بطرق غير مألوفة ومثمرة. عندما ننظر إلى العالم، لا ينبغي لنا أن نختبره فقط بل علينا أن نختبره بمنظور مختلف عمداً. لا يجب أن نسمي الأشياء الموجودة حولنا بأسمائها بل يجب أن نطلق أسماء جديدة عليها، لا يجب أن ننظر إلى الأمور ككل بل يجب أن نقسمها إلى أجزاء. يمكن لهذه التقنيات أن تساعدنا على رؤية طريقنا إلى ما هو جديد وثوري، سواء في الفنون أو في الأعمال التجارية.

قال شيرلوك هولمز لواتسون ذات مرّة: “أنت ترى ولكنّك لا تراقب. الفرق واضح”. بدورها، تقدم عالمة النفس والكاتبة ماريا كونيكوفا المزيد من النصائح حول كيفية النظر أبعد مما هو مألوف ومراقبته بدلاً من ذلك، مراقبته حقاً، في كتابها “العقل المدبر: كيف تفكر مثل شيرلوك هولمز” (Mastermind: How to Think Like Sherlock Holmes). تقول كونيكوفا: “لكي تراقب، يجب أن تتعلّم كيف تفصل بين الموقف والتفسير، وتفصل بين نفسك وما تراه”. وكطريقة لتحسين قدرتنا على العمل بهذه الطريقة تقترح كونيكوفا أن نصف موقفاً يثير الاهتمام بصوت عال أو أن نكتبه إلى زميل أو رفيق. وكما لاحظت في كتابها، كان هولمز يستخدم واتسون بهذه الطريقة للحديث عن ملاحظاته أثناء التحقيق في قضية ما، وغالباً ما كانت النقاط الرئيسية في القضية تتّضح له من خلال هذا التمرين. وهذا ما يمكن اعتباره أسلوباً آخر يمكن أن يجربه الفنانون ورواد الأعمال الطموحون وكذلك المحققون.

أدمغتنا مصممة بطريقة لإيقافنا عن التركيز الشديد، ويتجلّى ذلك في الوهم البصري الذي يُسمىّ “تلاشي تروكسلر” (Troxler fading) (سمي على اسم الطبيب السويسري الذي اكتشف هذا التأثير في القرن التاسع عشر). فبحسب اختبار تروكسلر، إذا عرضنا صورة ثابتة في مجال رؤيتنا المحيطية ستتوقف عن رؤيتها بعد حين. وربما تشير هذه الظاهرة – التي تُعرف بالتعود كمصطلح علمي عصبي – إلى الطريقة الفعالة التي يعمل بها الدماغ، فالخلايا العصبية تتوقف عن إعطاء الأوامر عندما يصبح لديها معلومات كافية عن الحافز الثابت، ولكن هذا لا يعني أنّ التعود هو صديقنا دائماً.

يمكن أن نفكر في هذا الجهد من أجل أن نفكر بطريقة مختلفة وأن نرى بطريقة مختلفة أيضاً، وذلك كوسيلة لمواجهة ميلنا الفطري نحو التعوّد والغرق في الطريقة المألوفة لرؤية الأمور وتجربتها. ويمكن أن نستخدم إحدى الطرق التي يستخدمها كبار الفنانين ورواد الأعمال والمبدعين من جميع الأطياف للتوصل إلى أفكار تمكنهم من تغيير العالم، وهي رؤية الأمور بطريقة مختلفة عن معظمنا. تعلّمنا أساليبهم أنّ رؤية الأمور بطريقة مختلفة تمكّننا في نهاية المطاف من رؤية ما لم يره أي شخص آخر بعد؛ وهذه هي الطريقة التي يُبنى بها المستقبل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .