يتطلب النجاح في تقنية إنترنت الأشياء ما يتعدى السعي وراء ميزاتها الرائعة

6 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تبدأ شركات كثيرة رحلتها في تقنية إنترنت الأشياء مع توقعات عظيمة، لينتهي بها المطاف مع نتائج أعمال مخيبة للآمال. قدرت شركة “غارتنر مؤخراً أنه على مدى عام 2018: “80% من مجالات تطبيق إنترنت الأشياء ستبدد فرص التحول“، وستفشل في تسييل بيانات إنترنت الأشياء. كما وجدت استبانة جديدة أجرتها شركة “سيسكو أن ثلث مشاريع إنترنت الأشياء المكتملة لم تعتبر نجاحاً. ومن خلال خبرتي مع عشرات المؤسسات التي تطبق حلولاً حول تقنية إنترنت الأشياء، رأيت أن المؤسسات التي حققت هدف العائد على الاستثمار المتوقع غيرت أساليبها التقليدية في العمل باتباع واحدة أو أكثر من الطرق التالية:

طورت نظاماً شريكاً

الترابط هو جوهر إنترنت الأشياء، وهو لا ينحصر باتصال الأجهزة بعضها ببعض، بل هو الاتصال بين الزبائن والشركاء والموردين.

وبناء على ذلك، تقود تقنية إنترنت الأشياء تحولاً في هيكلية الشركات، فتتعاون الشركات بعضها مع بعض بدلاً من قيام كل منها بكل شيء وحدها. وهذا يعني أنه يجب على الشركات التخلي عن النماذج التقليدية القائمة على الأنظمة الشخصية والإجراءات الصارمة والاعتماد على بعض الشركاء القدماء، والانتقال إلى نماذج ذات بنية أكثر مرونة وانفتاحاً يمكن للشركاء من خلالها حل مشكلات العمل معاً. لم يعد هذا النهج التعاوني أمراً اختيارياً، إذ لم يعد بإمكان أي شركة توزع منتجاتها أو خدماتها بنفسها تحقيق قيمة إنترنت الأشياء وحدها، وحتماً ليس بالسرعة التي يطلبها السوق الرقمي اليوم.

إن الشركات التي تنشر إنترنت الأشياء بنجاح في القطاعات الصناعية، مثل التصنيع والنفط والغاز والتعدين والنقل، تسعى للعثور على عدة شركاء مرنين يعملون وفق برتوكولات الإنترنت ذات البنى المفتوحة كي يتمكنوا من المشاركة في إنشاء الحلول. ويتيح هذا النهج للمؤسسات تجميع أفضل التقنيات من أجل صنع حلول فعالة من حيث التكاليف تساهم في تقدم أهدافها.

خذ شركة “غولدكورب” (Goldcorp) على سبيل المثال، وهي شركة تعدين عالمية تشاركت مؤخراً مع شركة “أكسنتشر” (Accenture) للمساعدة على إنشاء نظام من شركات إنترنت الأشياء الكبيرة والصغيرة من أجل التعاون على تطوير منجم متصل بالإنترنت في سيرو نيغرو في نيكاراغوا. وباستخدام تحليلات البيانات التي قدمتها مايكروسوفت آزور والبنية التحتية التي تعاونت شركتي “إندستريال ساينتيفيك” (Industrial Scientific) و”سيسكو” على تطويرها، أصبح لدى المتعهدين الآن لوحة لمراقبة الموظفين والتجهيزات وجودة الهواء في المنجم عن بعد وفي الزمن الواقعي.

وفي مثال آخر، تعمل حلول سلامة الموظفين التي تنشرها شركة “ماراثون بيتروليوم” (Marathon Petroleum) مع شريكها لتكامل النظم على متابعة مواقع العمال ونشر تحذيرات السلامة آلياً عن طريق دمج البيانات المأخوذة من شبكة الإنترنت اللاسلكية (Wi-Fi) وأجهزة اكتشاف الغاز القابلة للارتداء وأجهزة استشعار الحركة والشبكات اللاسلكية وأنظمة تحديد المواقع الواقعية، ويتم الحصول على كل منها من مورد مختلف عن الآخر.

وما أن تفهم الشركة أنها مجرد عقدة ضمن شبكة مترابطة، يجب أن تغير استراتيجيتها في العمل داخلياً وخارجياً. وكما أثبتت كل من غولدكورب وأكسينتشر وماراثون بيتروليوم وشريكها لتكامل النظم، يمكن أن ينجح التغيير إذا بني على الترابط.

تقوم بتحديث استراتيجياتها لإدارة المواهب

نعم، تتطلب إنترنت الأشياء مهارات تقنية تتراوح بين علوم البيانات وتصميم الأنظمة والأمن السيبراني. ولكن هناك حاجة على قدر مساو من الأهمية إلى خبراء في التقنية يملكون مهارات العمل والمهارات الشخصية معاً كي يتعاونوا مع الفرق داخل الشركة وخارجها.

ما هو السبب في ذلك؟ تشمل حلول إنترنت الأشياء تقنية المعلومات والتقنية التشغيلية والوظائف الأساسية للشركة. ويجب أن تعمل هذه المجموعات معاً. وبالتالي فإن رواد مستخدمي تقنية إنترنت الأشياء أصبحوا يجمعون هذه الوظائف معاً أكثر فأكثر على المستوى التنظيمي لينشئوا أدواراً وترتيبات تسلسلية جديدة. في العام الماضي، أنشأت شركة البتروليوم النرويجية “بي بي إيكرز” (BP-Akers) منصباً تنفيذياً جديداً، وهو نائب الرئيس الأول والرئيس التنفيذي للتطوير، من أجل قيادة عمليات التوفيق بين الوظائف الرقمية ووظائف إنترنت الأشياء لديها. بالإضافة إلى قيام عدة شركات تصنيع أنشأت مؤخراً منصباً جديداً في الخطوط الأمامية، وهو مهندس تصنيع تقنية المعلومات، وهو يتبع لإدارتي التقنية التشغيلية وتقنية المعلومات وفق تسلسل إداري.

كما قررت شركة تصنيع اللحوم متعددة الجنسيات، “كامبوفريو فود غروب” (Campofrio Food Group)، تحويل تقنياتها وثقافتها وعملياتها التجارية في مصنعها الرئيس الذي يبلغ 17 عاماً من العمر في بورغوس في إسبانيا. عندما احترق مصنع بورغوس تماماً منذ عامين، أعادت الشركة بناءه كمصنع متصل بإنترنت الأشياء. فمزجت بين تقنية المعلومات والتقنية التشغيلية وطورت المصنع من خلال تبني تقنيات إنترنت الأشياء التي تجعل عمليات الإنتاج آلية مع توفير بيانات الزمن الواقعي حول المواد والمعدات، والأهم، العمال. شجعت الشركة الموظفين على تغيير عقلية العمل في وظيفة واحدة مدى الحياة وابتكار أنفسهم من جديد، ما ساعدهم على اكتساب مهارات جديدة والتعاون على جميع المستويات، بما فيها المشاركة في اتخاذ القرارات.

قال لي خافيير ألفاريز، الرئيس التنفيذي لتقنية المعلومات مؤخراً: “تحولنا من نظام تسلسل إداري تقليدي يملك كل فرد فيه وظيفة منعزلة، إلى ثقافة تفاعلية أكثر تحث جميع من فيها على التقدم والمساعدة في تشكيل وجهة الشركة. وطلبنا من موظفينا الاستفادة من التدريب وتجديد مواهبهم وتوسيعها مقابل تسلم وظائف جديدة في منشأة جديدة قائمة على آخر ما توصل إليه العلم. ونرغب بنشر العناصر الجوهرية لنموذج التقنية والمواهب هذا في جميع منشآتنا المنتشرة في أوروبا خلال خمسة أعوام”.

هناك عدة استراتيجيات يمكن اتباعها من أجل تطوير مهارات تقنية إنترنت الأشياء. أولاً، قدم لموظفيك تدريباً على المهارات الأساسية في إنترنت الأشياء، ليس التقنية والعمليات فحسب وإنما مهارات التعاون أيضاً. ثانياً، اغرس ثقافة الابتكار في جميع المستويات والوظائف والمناطق. تقوم شركات كثيرة، مثل سيسكو، بتحد دوري لموظفيها من أجل تشكيل فرق للعمل معاً على إنجاز أكثر الحلول التي يشعرون بالشغف حيالها. فتعززهم وتحفزهم وتشجعهم على التفكير والعمل وكأنهم رواد أعمال متكافلين في شركة ناشئة.

سيتطلب جذب الجيل التالي من مواهب إنترنت الأشياء أكثر من المال، فهناك أهمية مكافئة لتغذية ثقافة تنوع وانفتاح مبنية على عمل الفريق تثمن كل صوت فيها. وهذا سيجذب الموظفين اليافعين وسيتوافق مع مميزات شبكة إنترنت الأشياء في الوقت نفسه.

لن يكون وضع أكشاك في الجامعات من أجل إقامة فعاليات ومعارض عمل كافياً، فلتجرب رعاية مشاريع مشتركة مع الجامعات يمكن للطلاب من خلالها تجربة شركتك مباشرة. أو، كما فعلت شركتي “آي بي إم” وسيسكو، أقم شراكة مع الهيئات التعليمية من أجل التعاون في تطوير المناهج وتقديم دروس عن إنترنت الأشياء عبر الإنترنت. ثم قم بما هو أكثر. مثلاً، تقيم شركات مصنعة كثيرة مثل “بوينغ” و”نورثروب غرومان” (Northrup Grumman) وغيرها برامج تدريب صيفية لطلاب الثانوية العامة لإقناعهم بالعودة أثناء مراحل دراستهم الجامعية وبعدها. كما يساعد اتحاد المصنعين الجديد الذي يموله أعضاؤه من الشركات في جسر فجوة المهارات من خلال الشراكات التعليمية مع المدارس وتقديم منح دراسية ومنحاً أخرى للطلاب في الكليات التقنية. كما أعلنت شركتين في ميلووكي، وهما “روكويل أوتوميشن” (Rockwell Automation) و”مان باور غروب” (ManpowerGroup)، إقامة شراكة من أجل تدريب ألف من المحاربين القدماء على التصنيع المتطور. وتشارك شركة “أمازون برنامجها للاختيار المهني مع الشركات الأخرى، حيث يقوم هذا البرنامج بتدريب العمال المبتدئين، في المخازن غالباً، على العمل في وظائف ذات أجور أعلى.

كانت شركة “سيمنز الصناعية الألمانية العملاقة بحاجة إلى خبراء في الميكانيكا الإلكترونية (الميكاترونكس)، وهي مزيج من الهندسة الميكانيكية والهندسة الإلكترونية، في مصنعها في نورث كارولاينا في الولايات المتحدة. وبدلاً من اللجوء إلى مسار التوظيف التقليدي، أسست سيمنز برنامج تدريب يستمر أربعة أعوام بمشاركة كلية محلية، يقدم تدريباً أثناء العمل وشهادة في الميكاترونكس. نجح هذا البرنامج على نحو استثنائي، وزود شركة سيمنز بالمواهب التي كانت بحاجة إليها وحثها على توسيعه ليشمل كليات ومواقع أخرى.

إنهم يركزون على تحدي العمل، لا التقنية

إن تقنية إنترنت الأشياء رائعة، ولكن السعي وراء الميزات التي تجعلها رائعة قد يؤدي إلى تقويض العائد على الاستثمار. طبقت إحدى المدن في الولايات المتحدة نظام رشح وتدفق داخلي على درجة عالية من التطور في فتحات تصريف المجاري فيها، وهو حل رائع يعمل كما يجب. ولكن المدينة لم تحقق الفوائد المرجوة، لماذا؟ لأن النظام الجديد تحت الأرض لم يكن متكاملاً مع الإجراءات المطبقة فوق الأرض. فاستمرت ماسحات الشوارع بالعمل كعادتها واستمرت بسد فتحات التصريف بأوراق الأشجار والأتربة. وهذا ليس رائعاً. ولكن إذا ركز شركاء إنترنت الأشياء على تحدي العمل، فسيحققون مستويات جديدة من العائد على الاستثمار.

منذ بضعة أعوام، واجهت شركة الدراجات النارية الأميركية الشهيرة “هارلي ديفيدسون” مشكلة كبيرة، وهي أن المنافسة العالمية تتزايد، والسوق المحلي يشيخ. وجب على الشركة الاستجابة لرغبات الزبائن المتغيرة بسرعة أكبر مع زيادة كفاءتها التشغيلية في نفس الوقت.

ولذلك، جمعت الشركة في أحد معاملها موظفين من قسمي تقنية المعلومات والعمليات وأنشأت فريقاً موحداً ووحدت عدة أنظمة وجعلت منها شبكة شركة واحدة، ووحدت مجموعات البيانات المتفرقة وأنشأت معملاً قائماً على إنترنت الأشياء بالكامل. وهذا ما سمح للشركة بتقليص جدول إنتاج الطلبات الجديدة الثابت الذي كان يستغرق 21 يوماً إلى جدول يستغرق 6 ساعات فقط، وتقليص التكاليف التشغيلية بنحو 200 مليون دولار وتحسين كفاءة الإنتاج وتخفيض الوقت الضائع. بالإضافة إلى أنها بنت دورات زمنية لتصنيع الطلبات القائمة أسرع بنحو 25 مرة، ما سمح للشركة تلبية رغبات الزبائن بسرعة وكفاءة أكبر.

وفي النهاية، ما تعد به إنترنت الأشياء على اعتبارها أساساً للتحول الرقمي هو منح الشركات طاقة أكبر من أجل تقديم خدمة أفضل للزبائن والمساهمين. ولكن من أجل تحقيق أقصى إمكانات إنترنت الأشياء يجب على الشركات التعامل معها على أنها رحلة ذات عدة أوجه، وإجراء تغييرات على نماذج العمل والاستراتيجيات، وإلا ستجازف بإنهاء الرحلة قبل أن تبدأ.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .