يعد المال عنصراً شديد الأهمية في السياسات الأميركية، إلا أن جميع من شارك في حملة انتخابية كبرى يعلم أن مجموعة من المتطوعين الأقوياء والملتزمين قد تكون حاسمة للنجاح بكل معنى الكلمة. وغالباً ما تُذكَر المنظمات السياسية المحلية التي تأسر روح الناس – وأسهمها التي تكتسب بالمثابرة – بأنها سبب تحقيق مرشح معين خرقاً في الانتخابات.
ومن خلال خبرتنا في ممارسة أنواع عديدة من جهود التغيير واسعة النطاق ودراستها، من الحركات الاجتماعية إلى السباقات الانتخابية، توصلنا إلى الاعتقاد بأن سوء إدارة المتطوعين هو أحد المصادر الأكثر شيوعاً للفشل. وتُظهر الأبحاث أن سبعة متطوعين من عشرة لا يعودون أبداً إلى المؤسسة، أو الحملة، التي تطوعوا فيها، ما يُضعف بشدة الطاقة والاستمرارية اللتين يتطلبهما بذل مجهود كبير. في المقابل، تستطيع الحملة الفريدة من نوعها، التي تخطِّط بعناية لتجربة المتطوع، إنشاء تحرك تعاوني مستدام وتوليد إبداع هائل. في بعض الحالات، ينتج عن ذلك بناء قاعدة من المتطوعين الأكفاء لدرجة إمكانية إعادة استخدامهم بشكل دائم.
ما الأمر الذي تُدركه الحملات الناجحة المماثلة ويغيب عن بقية الحملات؟ وما العادات التي تميزها؟ فيما يلي 6 دروس ينبغي أن تفيد كل مَن هو مهتم بالتطويع، باعتبارها وثيقة الصلة باجتماعات مجالس إدارة الشركات ومسارات الحملات على حد سواء.
حقق أحلامهم. إن اعتقادك بالحاجة إلى إقناع الناس والتزلف إليهم، أو استدراجهم، للانضمام إلى قضيتك أمر خاطئ، فالأشخاص الذين يتطوعون لا يفعلون ذلك لأنك أنهكتهم برسائلك. وحين يعبِّر لك أحدهم عن اهتمامه بالتطوع، فعليك أن تجتهد لمعرفة أحلامه، من أجل مساعدته على تحقيقها. فالحملة القادرة على إرضاء القِيَم العميقة للناس والأمور التي تشغفهم، قادرة على توليد التزام أقوى من بقية الحملات. إلا أن القيام بذلك يتطلب الإصغاء بانتباه إلى المتطوعين. ومن التكتيكات المستخدَمة في تنظيم المجتمع والطبقة العاملة لعشرات السنين، هي طريقة "واحد لواحد" التشاورية، وتقوم على إجراء محادثة شخصية مع المتطوع تُظهر قيمه ومعتقداته.
ابنِ علاقة زمالة. غالباً ما تطلب الحملات من المتطوعين القيام بأمور بمفردهم. يُنظر إلى العمل الفردي على أنه استخدام أسهل وأكثر كفاءة وأنسب للوقت والموارد التي تكون ضئيلة أحياناً. لكن الناس الذين يعملون في عزلة لا يختبرون التجارب الهادفة المغيِّرة للشخصية، والتي تؤدي إلى التزام طويل الأمد. وينبغي أن يعيش المتطوعون تلك التجارب مع أشخاص آخرين، ما يشعِر المتطوعين بالانتماء إلى شيء أكبر من أنفسهم.
وفي حين يصح القول إن العديد من الناس يناصرون قضية لأنها تتوافق مع معتقداتهم، يفعل آخرون ذلك لأن القضية ببساطة تجعلهم على تواصل مع الآخرين. وفي الدراسة التي أجراها عالم الاجتماع زياد مانسون للنشطاء المحتشدين خارج عيادات الإجهاض عبر الولايات المتحدة الأميركية، احتجاجاً على الإجهاض، وجد مانسون أن 47% منهم كانوا يؤيدون حقوق الإجهاض، أو لا يبالون بمشكلات الإجهاض في بداية انخراطهم بهذه القضية. وانضمامهم إلى التحرك لم يكن بدافع اهتمامهم بالمسألة، وإنما لعثورهم على زملاء فيها. ومن خلال علاقات الزمالة تلك، عاش المتطوعون تحولاً لم يقتصر على معتقداتهم الخاصة بالمسألة فقط، وإنما معتقداتهم المتعلقة بما يمكنهم فعله.
أوجِد طرقاً سهلة. إن الشغف بفكرة، أو الرغبة في الانضمام إلى جماعة أمر، والعمل بفاعلية أمر آخر. يحتاج الناس إلى طرق ملموسة، ليبدؤوا بتنمية ثقتهم بأنفسهم ومهاراتهم.
في إطار حملة "100,000 روح" (100,000 Lives)،التي تجهد للحد من إصابة المرضى في المستشفيات الأميركية بالعدوى والإصابات، والتي أدارها أحدنا (جو)، عرض الفريق في "معهد تحسين الرعاية الصحية" (The Institute for Healthcare Improvement)، ست خطوات عملية بسيطة يمكن أن تتخذها المنظمات والأطباء العياديون معاً للانطلاق في الحملة. ومن تلك الخطوات مجموعة من الإجراءات العملية التي يستطيع الأطباء والممرضات اتخاذها للحد من حالات الإصابة بالالتهاب الرئوي، وبأمراض العناية المركزة. وقد منحت نقاط الانطلاق السهلة تلك المشاركين في الحملة شعوراً فورياً بالإنجاز نتيجة لعملهم الجماعي.
مع ذلك، وفيما تتقدم الحملة، تذكّر أن الكفاءة والاستقلالية من أسس القدرة الذاتية. توفر الحملات الناجحة للمتطوعين هذين الأساسين، فيما يتقدمون بتجاربهم، مانحة المتطوعين المبتدئين التدريب والدعم اللذين يحتاجون إليهما للنجاح، ومتيحة للمتطوعين الأكثر نضوجاً هامشاً كبيراً للتحرك.
اتخِذ إيقاعاً معيناً. تُولي الحملات الجيدة اهتماماً مدروساً لكيفية تطورها، شأنها في ذلك شأن أغنية حماسية، أو رواية حسنة الإيقاع. فهي تشتد ثم تنفس عن الضغط، منشئة إيقاعات تساعدها في النمو والمحافظة على حماسة المتطوعين. وبالرغم من امتلاك تلك الحملات أهدافاً كبيرة تريد تحقيقها، فهي تُقحم "قمماً" و"سهولاً" في طريقها.
والقمم هي أفعال قصيرة المدى تقرِّب الحملة من هدفها الكبير. قد تكون القمة احتجاجاً حاشداً، أو مقاطعة مستهدَفة مثلاً. أما السهول، فهي الأوقات التي يستطيع فيها المتطوعون الاحتفال، والراحة، والتفكير في ما سيحصل تالياً. على سبيل المثال، بعد تأمين حملة الرئيس "أوباما" الانتخابية تسمية الحزب الديمقراطي سنة 2008، دعت جميع قادتها الميدانيين للعودة إلى شيكاغو، لحضور دورة مدتها شهر. وقد استغلوا هذا الشهر للاحتفال، والتعلم من الإخفاقات والنجاحات التي تحققت في الانتخابات الأولية، والراحة قبل وضع خطتهم الميدانية للانتخابات العامة.
جزِّئ البيانات. قد يبدو هدف كبير مثل انتخاب مرشح، أو حل مشكلة اجتماعية كبيرة، بعيد المنال أحياناً. لذا، يحتاج المتطوعون إلى علامات تقيس مدى تقدمهم الخاص ومدى فاعلية عملهم. وبتجزئة البيانات لكي يتمكن المتطوعون من رصد إسهامهم المحلي في تحقيق الهدف الأكبر، تعزز الحملات الناجحة انخراطهم.
فيما يتعلق بحملة "100,000 منزل" (100,000 Homes)، وهي مجهود وطني دَعَمَ المجتمعات في تأمين مساكن لـ 100 ألف متشرد دائم في الولايات المتحدة الأميركية، كان كل مجتمع مشارِك مسؤولاً عن تأمين مسكن لـ 2.5% من متشرديه الدائمين شهرياً، خدمة للمجهود الأكبر. وتفعل الحملات الانتخابية الشيء نفسه مع كل فريق ميداني، مانحة إياه أهدافاً واضحة عن عدد الأبواب التي ينبغي قرعها، أو الناخبين الذين ينبغي تحديدهم ضمن النطاق الجغرافي للفريق.
تأمّل قاعدة جون كيوزاك. حين استضاف برنامج "إنسايد ذي آكتورز ستوديو" (Inside the Actor`s Studio) الممثل الأميركي جون كيوزاك لسؤاله عن عمله منتجاً، قال كيوزاك إنه شعر بأن عمله الأساسي كان "إبقاء مواقع تصوير الأفلام مجردة من أي خوف"، وهي فلسفة قوية لأي مجموعة، وحاسمة للحملات الطويلة. فالناس يختبرون قدراً كافياً من الخوف والانتقاد في حياتهم اليومية، وينبغي أن تكون الحملة المكان الذي يقصدونه للتسلية، والفرح، وتوكيد الذات. وقد يؤدي خرق هذه القاعدة إلى إضعاف طاقة المجموعة، والإضرار بالإبداع.
في هذا الإطار، ثمة عثرة شائعة تتمثل في ما نسميه "سوء استخدام البيانات"، أي استخدام البيانات للتجسس على المتطوعين، أو إحراجهم (بالتصنيف العلني لأدائهم الفردي مثلاً)، بدلاً من استخدام البيانات لبناء ثقافة تعلُّم. والحملات الفاعلة تستخدم البيانات لتركِّز على الأمور المجدية، وتطرح أسئلة بناءة عما لا يُجدي، ثم تواصل عملها.
قد يبني الأخذ بهذه النصائح الست مجموعة تطوعية شديدة الفاعلية، تجد معنى لوجودها، وتمضي وقتاً ممتعاً، وتُنجز أموراً مهمة. وحين يحدث ذلك، قد تشكل المجموعة هوية ثابتة تدوم لشهور وسنين تالية، وهذه هي الطريقة التي يحدث بها التغيير واسع النطاق فعلياً.