يُعتبر البريد الإلكتروني البارد (Cold emailing) من أصعب أنواع عمليات التواصل نظراً لأنك تتصل بشخص ما دون معرفة مسبقة. ومن ثم، لا يمكنك تفصيل رسالتك بالطريقة التي تريدها. نتيجة لذلك، تفشل معظم رسائل البريد الإلكتروني الباردة.
لكن من ناحية أُخرى، يمكن لتلك الرسائل أن تحقق الغرض المرجو منها. لقد بنى الكثيرون حياتهم المهنية وأطلقوا شركات ناشئة باستخدامهم الصحيح والحكيم للرسائل الإلكترونية الباردة (للتوضيح، أنا لا أتحدث هنا عن رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالمبيعا، التي تُرسل إلى كثيرين. أنا أتحدث عن رسالة واحدة تُرسل إلى شخص واحد وتطلب منه خدمة).
لا يوجد الكثير من الأبحاث المتصلة بالبريد الإلكتروني البارد، على الرغم من أن شين سنو (Shane Snow) أجرى تجربة مثيرة للاهتمام لكتابه "سمارتكتس" (Smartcuts): إذ أرسل سنو ألف رسالة إلكترونية باردة إلى ألف رئيس تنفيذي، ولم يتلق أي رد تقريباً. وفي المرة الثانية، جرب مع شريحة أصغر من نفس المجموعة ولكن مع تطبيق بعض المبادئ التي تتسق مع تجربتي في مجال البريد الإلكتروني البارد ونصائح أشخاص مثل آدم غرانت (Adam Grant) أستاذ علم النفس في "وارتون" (Wharton)، ورجلي الأعمال تيم فيريس (Tim Ferriss) وهيذر مورغان (Heather Morgan). حيث حقق ذلك نجاحاً كبيراً.
ويجب أن يحقق البريد الإلكتروني البارد 5 أشياء هي:
1- تفصيل الرسالة بحسب المتلقي
عليك أن تقوم بأبحاثك عن المتلقي، لكن هناك طريقة صحيحة وأُخرى خاطئة لفعل ذلك. تلقيت حوالي 25 ألف رسالة إلكترونية باردة منذ عام 2004 (هذا صحيح، أنا أقوم بعدّها)، وأغلبها يشير إلى اسمي عند البحث عنه ضمن محرك البحث "جوجل" بإشارة عامة، ثم يتم طرح هذه الإشارة في طلب سخيف غير مدروس على غرار: "مرحباً، هل يمكنك قراءة روايتي المؤلفة من 300 صفحة، وإعطائي ملاحظاتك المكثفة ومساعدتي في إيجاد وكيل؟". ولا يمكن اعتبار هذا تفصيلاً بحسب المتلقي.
ويمكن القول إن تخصيص الرسالة هو إجراء بحث مكثف عن شخص ما، ومعرفة كيف يرى العالم وما يريده. بمعنى آخر، تكوين فكرة شاملة عن المتلقي. ويبرهن هذا للمتلقي أنك بذلت جهداً لا بأس به في معرفة المعلومات عنه.
وعليك في نفس الوقت توضيح سبب إرسالك رسالتك إلكترونية إليه دوناً عن غيره. حيث تُظهر الأبحاث أن الأشخاص لديهم دافع أكبر لمساعدة الآخرين عندما يشعرون بأنهم مؤهلون بشكل فريد للقيام بذلك. وعندما يعرف بدقة سبب إرسال طلبك إليه دوناً عن غيره، ستزيد فرصتك في إرسال رسالة تقنعه بمساعدتك.
من المهم أيضاً التأكد من عدم وجود وسيلة أُخرى لتحقيق طلبك. إذ تلقيت عشرات ومئات الطلبات التي تسألني المشورة حول كيفية كتابة كتاب، رغم أنني كتبت كتاباً كاملاً عن هذا الموضوع. إذن، يمكنك تجنب ذلك من خلال تعرّفك من سترسل إليه الرسالة بشكل أكبر من خلال البحث والقراءة عنه.
2- برهن عن شرعيتك
عندما تلتقي شخصاً غريباً أو تحصل على بريد إلكتروني لشخص غريب، فإنك تريد معرفة من يكون هذا، ولماذا هذا الشخص قد يهمك. تذكر ذلك عندما تكون أنت هذا الغريب. ولقد أجريت بالفعل أبحاثاً حول الأشخاص الذين ترسِل إليهم بريداً إلكترونياً، لكنهم لا يعرفون أي شيء عنك. حيث اكتشفت أن عليك إبراز مصداقيته لتعزيز قدرتهم في الوثوق به. إذ يُعتبر إيجاد شخص مشترك بينك وبين المستقبل أقوى شكل من أجل الحصول على شرعية الرسالة وقبولها. وإذا كنت تملك أشخاصاً مشتركين مباشرين مع المستقبل، فينبغي ذكرهم. حيث يعني وجود صديق مشترك أنك لست غريب تمام.
أما إذا لم يكن لديك صديق مشترك، فحاول ذكر أي جهة أو مصداقية أو وضع اجتماعي يتصل بالمستقبِل وطلبك منه، فيكفي سطر أو سطران لهذا. حيث إنه كلما زادت أهميتك لدى المستقبل، زاد احتمال حصولك على رد.
وإذا لم يكن لديك أي منصب، فلا بأس. عندها يجب العثور على القواسم المشتركة. إذ تحاول البحث عن مجموعة مشتركة فيما بينك وبين المستقبل، وخاصة الأمور الشخصية. مثل مسقط الرأس أو هوايات غير عادية. كما يقول آدم غرانت: "تكون الأمور المشتركة ذات أهمية عندما تكون نادرة، إذ تزيد وثاقة صلتنا ببعض أكثر عند تشاركنا قواسم مشتركة غير مألوفة، حيث ستُشعرنا بأننا قريبون من بعضنا ومتميزون في نفس الوقت".
تتمثل القضية هنا في محاولة إيجاد وسيلة للانتقال من منطقة الشخص "الغريب" إلى منطقة تكون فيها جزءاً من مجموعة المتلقي.
3- خفف من ضجر جمهورك (أي أعطهم شيئاً يريدونه)
لماذا يجب على المستلم الاهتمام برسالتك الإلكترونية؟ لماذا على ذلك الشخص المشغول الرد عليها؟ وما فائدة ذلك له؟
تذكر أن الناس تقوم بالكثير لتجنب الألم مقارنة بالجهد اللازم للحصول على المتعة. فإذا كنت أجريت أبحاثك، فقد تجد نقطة الألم الرئيسة للمتلقي ويمكنك عندها تقديم الراحة له. لذلك فكر في هذا المثال: اشتكى صديق يعمل في شركة استثمارات مخاطر (VC) على "تويتر" من كيفية حصول سيارته على مخالفات باستمرار، علماً أن علامات الشوارع غير واضحة. حيث بدأ رائد أعمال محاولة إطلاق شركته الناشئة عبر إرساله رسالة إلى ذلك الشخص تتضمن رابطاً لخدمة تتولى المشاكل الناتجة عن مخالفات ركن السيارة. واستخدمت شركة الاستثمارات تلك الخدمة وكانت شاكرة جداً ولم تكتف بمقابلته والاجتماع للحديث معه عن فكرته، بل عرّفته على شركتين إضافيتين تملكان الاهتمام الكافي بالاستثمار في أفكاره، وقد انتهى بهما المطاف لاحقاً بالاستثمار في فكرته.
أما إذا كنت لا تستطيع حل مشكلة الشخص، فقدم له شيئاً. واعرض تعريفه مثلاً على شخص آخر يرغب في مقابلته، سيميزك هذا عن البقية على اعتبار أن قلة من يقدمون خدمة قبل أن يطلبوا أي شيء. وعليك الحذر هنا وجعل هديتك، أو خدمتك، في إطار مناسب وذلك يعتمد على الشخص الغريب الذي تقدم له المساعدة. على سبيل المثال، سيكون إرسال بطاقة معايدة (Gift Card) من "أمازون" أمراً محرجاً بشدة. فأنا أعرف هذا الشعور لأن أحدهم أرسل إحداها لي ذات مرة.
4- ابقِ رسالتك قصيرة وسهلة وقابلة للتنفيذ
تُعتبر فرصة مساعدة شخص ما ممتعة جداً لكثيرين. فعندما تطلب المساعدة، تُعطي فرصة للشعور بالرضا عند البعض، كما أن هذا يسهل الموضوع على من يريد تقديم المساعدة ولا يجرؤ على التعبير عن ذلك.
وهناك أمر آخر وهو أن الرسائل الإلكترونية القصيرة أكثر قابلية للقراءة من تلك الطويلة. كما تملك الرسائل التي تتطلب تصرفاً واضحاً معيناً معدل استجابة أعلى بكثير. إذ تُعتبر الرسائل الطويلة المعقدة والمتشابكة مملة.
ويمكن القول إن إحدى أفضل الطرق لإبقاء رسالتك قصيرة هي كتابتها كما لو كنت في حديث وجهاً لوجه. فتخيل أنك التقيت هذا الشخص في حفلة ما، عندها لن تمشي وتتركه، ولن تفتح حديثاً مطولاً معه. ببساطة، ستبدأ بالتعريف عن نفسك، وقول شيء لطيف، ثم التواصل معه عبر صديق مشترك أو موضوع مشترك لتقدم بعدها طلباً منطقياً.
كما أوصي بقراءة الرسالة الإلكترونية بصوت عال قبل إرسالها. فإذا بدت تلقائية، فسيتم تلقيها بشكل جيد. علماً أني أستخدم هذه الطريقة في تعديل رسائلي الإلكترونية قبل إرسالها.
ولجعل "طلبك" سهلاً وقابلاً للتنفيذ، حاول إراحة قارئ تلك الرسالة قدر الإمكان. حيث سيكون قولك مثلاً "دعني أعرف إن كان في إمكاننا اللقاء" أمراً فظيعاً لأنه يجبر الشخص على التفكير ملياً لاتخاذ قرار بخصوص اللقاء، ويضع على عاتقه مسؤولية تحديد التفاصيل. صحيح أن الطلب قصير، لكنه ليس سهلاً أو قابلاً للتنفيذ. قارن ذلك مع: "يمكنني الاجتماع بك يوم الاثنين أو الثلاثاء بين 8 و11 صباحاً في مقهى كومباس في الشارع 8. فإذا لم يكن ممكناً، أخبرني عن الوقت الأنسب وسأعمل على تفريغ نفسي". سيعطي هذا المتلقي إجراء واضحاً وسهلاً مع خيارات محددة.
5- قدم تقديرك وامتنانك وعبّر عن الشعور بالضعف
أود القول أنّ عليك أن تكون إلى درجة ما خاضعاً.
لا أقول بأن تخنع أمام من ترسل إليه الرسالة وكأنه الملك وأنت تابعه، لكن في نفس الوقت أنت تطلب خدمة من شخص لا يعرفك تماماً. فمن خلال إعرابك عن الامتنان وبعض الضعف، ستشعره بالرضا عن نفسه إذا رغب بمساعدتك. كما ستعطيه بعض السلطة والمكانة لأنك تحاول التقرب منه.
سيؤدي ذلك إلى حصولك على نتائج. حتى مجرد قولك "شكراً جزيلاً، أنا ممتن حقاً" سيضاعف من معدلات الاستجابة لك. كما أن إخبارك إياه بأنه لا بأس إذا كان مشغولاً جداً ومنحه مخرجاً للاعتذار سيزيد من احتمالية مساعدته لك.
يبدو كل ما سبق أمراً بديهياً، لكن قليلين من يقوم به حقاً. وأود القول بأنّ نصف من يرسلون لي رسائل إلكترونية لا يعبّرون عن امتنانهم ويكتبون فقط "شكراً" الروتينية، في حين النصف الآخر يتصرف بغرابة وحتى بشكل فظ أو جاف. فهناك غرباء يطلبون أموراً كثيرة ثم يقولون: "دعني أعرف متى يمكنني الحصول على هذا الأمر ومتى يكون جاهزاً من عندك". من الواضح أنهم لا يحبون الانتظار كثيراً، لكن هذه النبرة لها عواقب: إذ لم أعد أشعر بالحاجة إلى مساعدتهم.
أخيراً، لا تستخدم نموذجاً جاهزاً. فإذا قمت بالبحث عن عبارة "نموذج لرسالة إلكترونية باردة"، فستجد العشرات. حيث اطلعت بدوري عليها: وكان أغلبها جيداً جداً، لكنني لم أتمكن من العثور على نموذج جيد يعبّر عن شخصيتي في إرسال الرسالة. ويعتبر هذا منطقياً لأنه إن كانت رسالتك شخصية، فلن تجد ضالتك في نماذج جاهزة. إذ يفسر هذا سبب تركيز المقالة على المبادئ العامة دون وضع قوالب جاهزة، إلا أنني وجدت بعض الأمثلة الجيدة التي يمكنك رؤيتها هنا وهنا، يمكنك الاستفادة منها لمساعدتك على تطوير نفسك أكثر.