إليكم هذه القصة التي تتحدث عن موضوع مهام العلاقات العامة تحديداً. بدأت العمل لصالح شركة "آبل" في وكالة العلاقات العامة ضمن شركة "بورتر نوفيلي" (Porter Novelli)، في مدينة سيدني الأسترالية، في عام 1997. وكان ستيف جوبز حينها قد عاد لتوه إلى الشركة. وكان خط الإنتاج عبارة عن فوضى من أجهزة كومبيوتر بأسماء مربكة وطابعات وماسحات ضوئية ومساعد شخصي رقمي- وما يُعرف بالكومبيوتر المحمول- غريب وغير مدروس يُسمى نيوتن (Newton).
وبدا مستقبل "آبل" معتماً، لدرجة أن معظم وسائل الإعلام أسقطتها واعتبرتها مجرد ظل للنسخة السابقة منها. إذ كانت الأخبار في ذلك الوقت عبارة عن عناوين مكررة جداً مثل "فاسدة حتى النخاع" و"حركة تسريح واسعة متوقعة في آبل" و"101 طريقة للحفاظ على آبل".
اقرأ أيضاً: لماذا تراجعت أهمية مزايا تأثير شبكة العلاقات؟
لم أكن أعلم أنني على مدار الأعوام العشرة القادمة سأكون جزءاً من أكبر تحول مؤسسي في التاريخ العالمي. حيث انتقلت من سيدني إلى سنغافورة، وانضممت إلى الشركة وتوليت قيادة الاتصالات الإقليمية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وفي النهاية، نُقلت إلى المقر الرئيسي لـ "آبل" في كوبرتينو، كاليفورنيا، للانضمام إلى فريق العلاقات العامة في الشركة.
5 دروس مستفادة حول مهام العلاقات العامة
خلال هذه الفترة، استطاعت "آبل" إثبات خطأ الساخرين منها وأبهرت العالم بابتكاراتها الرائدة وبراعتها في التسويق واتباعها نهج السباحة عكس التيار. ولعبت العلاقات العامة دوراً مهماً في الوصول إلى هذا النجاح. لذلك، أقدم لكم 5 دروس من تلك الفترة التي كان لها تأثير كبير على اقترابي من احتراف مجال الاتصالات حتى يومنا هذا:
حافظ على البساطة
إذا أجريت اختبار تحديد مستوى سهولة اللغة على أي بيان صحفي لشركة "آبل"، فمن المرجح أن يُصنّف على أنه سهل الفهم من قبل طالب في الصف الرابع أو أقل، حيث تتم إزالة أي مصطلحات متخصصة أو صيغة مبتذلة أو مصطلحات تقنية مبهمة في أثناء مرحلة التحرير. لأنه إذا لم يستطع "مجرد إنسان عادي" فهم لغتنا، فهذا يعني أننا فشلنا، والفشل لم يكن خياراً بالنسبة إلينا. لقد قرأ ستيف جوبز كل بيان صحفي ووافق عليه شخصياً قبل نشره.
ثم أجرِ اختبار تحديد مستوى السهولة على رسائلك التي تريد إيصالها لتحدد مدى صعوبة فهم اللغة في شكلها المكتوب بمقياس من 1 إلى 100. إذ تتوافر هذه الاختبارات على مواقع مثل "وورد كاونت تولز" (Word Count Tools) و"ريدبليتي سكور" (Readability Score). حيث سيكون المحتوى الخاص بك مثالياً إذا حصل على نتيجة من 80 وحتى 89، وتطلّب مستوى التعليم الذي يتلقّاه، طالباً يبلغ 11 عاماً. فكلما كانت رسائلك أسهل للفهم، زاد انتشارها.
قدّر وقت الصحفيين
خصّصنا البيانات الصحفية والأحداث لأهم منتجات الشركة وإنجازاتها الكبيرة فقط. ولقيت الكثير من المنتجات والتحديثات البرمجية والتغييرات الشخصية تدخلاً بسيطاً من قسم العلاقات العامة. في بعض الأحيان، أُحبط عملاؤنا الداخليون بسبب هذه الاستراتيجية لأنهم كانوا يريدون المزيد من الضوضاء في السوق حول مشاريعهم المفضلة أو أناسهم. ولكن من خلال اعتمادنا لهذه الطريقة، أدرك الصحفيون أننا إذا تواصلنا معهم فهذا يعني أن لدينا شيئاً مهماً فعلاً. لذلك، قلّل من تواصلك مع الصحفيّين قدر الإمكان وتواصل معهم فقط عندما يكون لديك شيئاً مقنعاً تقدمه. ولا تتبع طريقة إرسال بياناتك الصحفية بكثرة إلى القوائم الجماعية لوسائل الإعلام، بل ابحث عما يغطيه الصحفي وصمّم رسالة ترويجية مناسبة.
اقرأ أيضاً: وسّع دائرة معارفك من خارج قطاع عملك
شارك بفعالية
قبل منح فرصة المقابلات لكبار المسؤولين التنفيذيين أو إرسال منتجاتنا للمراجعة، نتأكد من حصول كل صحفي أو جهة مؤثرة أو محلل على جلسة عملية تعريفية حول المنتج. فنخبرهم خلال هذه الجلسة عن سبب تصميم زر ما بهذه الطريقة أو سبب إزالة منفَذ في الجزء الخلفي، أو نشير إلى بعض الخصائص المخفية التي لا يلاحظونها أو يقدّرونها دون توجيه منا. ثم نتابع هذا الشخص بعد المقابلة لمعرفة ما إذا كان لديه أسئلة أخرى ونراجع بتهذيب خبرهم، والرد بشكل مناسب، وإذا كانوا يواجهون مشكلة في عمل شيء ما، فسيكون فريق التسويق والدعم التقني مستعداً على مدار 24 ساعة طوال أيام الأسبوع. أما إذا كان الخبر يتجه بعيداً عن رسالتنا الرئيسية، فسنكثّف الجهود لتصحيح مسارنا.
عندما تحصل على اهتمام الصحفي، عليك متابعته بجدية. على سبيل المثال، إذا أراد إجراء مراجعة لمنتجك، فاعرض عليه إحضار المنتج لشرح خصائصه سريعاً. وفي حال كان يقوم بإعداد خبر حول خدمة تقدمها شركتك، اعرض عليه عملاء مختارين بعناية وجهات مرجعية من اختيارك ضمن المجال. واسألهم إذا كانوا يحتاجون إلى صور لاستخدامها في الخبر، وأيضاً عن حاجتهم إلى المساعدة لفهم مجال تمّيزك ضمن المنافسة.
حافظ على تركيزك من أجل اتقان مهام العلاقات العامة
كانت مهمتنا هي الإخبار عن طاقة منتجاتنا المبتكرة على تزويد عملائنا بالقدرة على تحرير إبداعهم وإحداث تغيير في العالم. فقد تأتينا في أي يوم طلبات من كافة الأنواع تسأل عن متحدثين للمشاركة في نقاشات اتجاهات الصناعة والسياسة والموظفين وعدد لا يحصى من المواضيع الأخرى. وإذا كان الطلب غير متناسب مع مهمتنا الرئيسية، فإننا نرفض المشاركة فيه بأدب. لقد ساعدتنا هذه الطريقة على استغلال وقتنا بكفاءة أكبر.
إلى جانب ذلك، ابذل كل ما في وسعك لتصبح خبيراً في مجالك. وعرّف رسائلك الأساسية التي تريد إيصالها من خلال عملك وتمسك بها جيداً. ولا تقلل أهمية حساباتك على مواقع التواصل الاجتماعي بالرسائل الخارجة عن هدفك. ثم اعرض خدماتك على الصحفيين والمحللين لتغطية كل ما يتعلق بمجالك، حتى لو لم تحصل دائماً على فائدة مباشرة.
أعطِ الأولوية للجهات المؤثرة في وسائل الإعلام
لم نعمل مع عدد كبير من وسائل الإعلام، بل ركزنا على عدد صغير نسبياً من الصحفيين الذين يُعدّون قدوة للآخرين. إذ نقدم لهؤلاء الصحفيين أشياء خاصة مثل مقابلات حصرية بعد إطلاق منتج جديد مثلاً أو الأولوية في مراجعة المنتجات الجديدة. ومن خلال التعامل مع عدد صغير، كانت طريقة إجراء الجلسات العملية أسهل إدارة. وبعد أن تتم التغطية الأولى من تلك الجهات المؤثرة، نقوم بتوسيع وصولنا إلى الصحفيين الإقليميين والمنشورات التجارية.
من المهم أيضاً التركيز على بناء علاقات قوية مع أكثر الجهات الإعلامية تأثيراً، ويفضل أن تكون من 5 إلى 10 جهات إعلامية تتكفّل بتغطية مجالك بالكامل. ولكن أكرر مرة أخرى، دون إعطائهم الكثير ليتحدثوا عنه. فقط قدم لهم ملاحظاتك حول تعليقات زملائك وشركائك في المجال عن مقالاتهم. ثم علّق وابدأ نقاشات لأخبارهم التي ينشرونها على "تويتر" و"لينكد إن". وعندما يكون لديك شيء تريد الإعلان عنه قريباً، فكّر في تقديم خبر حصري لهم.
أما الأمر الأكثر أهمية، فهو احترام علامتك التجارية. وهذا هو أكبر درس تعلمته من عملي في "آبل". فالعلامة التجارية هي أثمن ما تملكه وعليك حمايته، لذلك عليك التفكير مرتين قبل التخلي عن منتجاتك في سحب يانصيب. عليك أيضاً التفكير بعناية بالعلامات التجارية التي ترتبط بها. لذلك، فكّر بشكل مختلف وحاول التميّز عمن حولك.
اقرأ أيضاً: لماذا عليك أن تبقي دائرة معارفك الداخلية صغيرة؟
ربما لا تتمتع جميع فرق العلاقات العامة برفاهية رفض طلبات العملاء واختيار الصحفي الذي ترغب بالعمل معه، ولكن حتى يومنا هذا ما زلت أقدر الدروس التي تعلمتها حول موضوع مهام العلاقات العامة في الشركات. ولا شك أن هذا الأسلوب، الذي تم تطبيقه باستمرار خلال سنوات عجاف ولكنها مليئة بالابتكارات لـ "آبل"، قد أسهم إلى حدّ كبير في التحول الدراماتيكي للشركة والنجاح المستمر حتى اليوم.
اقرأ أيضاً: ما يمكن للصمّ تعليمه للآخرين حول التواصل الافتراضي