مغادرة ماير لـ “ياهو” والدروس المستقاة من تجربتها

3 دقائق

على الرغم من أن سقوط شركة "ياهو" كان أمراً حتمياً، فقد أنتج الفضول تجاه المشاهير اهتماماً استثنائياً باستقالة ماريسا ماير (Marissa Mayer) عن منصبها وهو الرئيسة التنفيذية للشركة، وبالتحديد مظلتها الذهبية التي تبلغ 23 مليون دولار. حيث أنه قبل 5 أعوام، اُستقبل تعيينها في هذا المنصب بشيء من المفاجأة والأمل (وهو خليط غير مألوف)، مع وجود نقّاد توقعوا استقالتها. فكما قال ستيف جوبز ذات مرة: "دائماً يكون من الأسهل ربط النقاط ببعضها عندما تنظر من الخلف"، وبما أننا نستطيع فعل هذا الآن، هناك بعض الدروس المهمة في القيادة التي يمكننا استخراجها من الفترة التي شغلتها ماير في منصب الرئيسة التنفيذية لشركة "ياهو".

ما هو جيد للقائد، ليس من الضروري أن يكون جيداً للشركة

في كثير من الأحيان، عندما نقيم الأداء القيادي، نفشل في التفريق بين النجاح الشخصي للقائد ونجاح شركته. حيث تصلح قصة ماير أن تكون حالة دراسة لتوضيح هذه الفكرة. إذا كان الهدف هو تقييم أداء القادة، فعليك التركيز على تأثيرهم في شركاتهم، وبهذا سيقلّ عدد القادة (ليس فقط في مجال الشركات، بل في السياسة أيضاً)، الذين يظهرون منتصرين بعد أن أسقطوا فرقهم وشركاتهم. وفي حين أن سمعة ماير قد تشوهت بعد أول منصب لها بصفتها رئيسة تنفيذية، سيقول المدافعون عنها إنه لم يعد هناك ما يمكن فعله للنهوض بـ "ياهو"، ولكن هذه الحجة تتعارض مع تعويضها الذي حصلت عليه من الشركة. (علماً أن "ياهو" من المستحيل أن تكون معاناتها الوحيدة هي مكافأة رئيسها التنفيذي).

الخداع النفسي أكثر شيوعاً بين القادة من الوعي الذاتي.

إذا قرأ أحد ما خطاب وداع ماير، فيمكنه فهم التناقض بين تقييمها لنفسها بصفتها رئيسة تنفيذية لشركة "ياهو" وتقييم بقية العالم لها. فمن الصعب دائماً معرفة ما إذا كانت هذه التصريحات التي تتضمن ترويجاً ذاتياً هي انعكاس للأوهام الذاتية أو محاولة للسيطرة على انطباعات الناس (وخداعهم). وفي الحالتين، لا يشتهر القادة عموماً بنقدهم الذاتي أو إنسانيتهم، ويبدو أن ماير لا تختلف عن غيرها في هذا الأمر.

تتطلب قيادة مرحلة التحول في الشركة أكثر من مجرد جذب الانتباه.

بتوظيف "ياهو" لأحد المتميزين في مجال التقنية والأعمال، تكون بذلك ركّزت على رفع مكانته. وفي الواقع، من أجل أن تحصل "ياهو" على أحد أفضل الأشخاص في "جوجل"، وتحديداً إحدى القائدات الأكثر تميزاً في وادي السيليكون، تمكنت "ياهو" من ترقية علامتها التجارية وجذب انتباه الجمهور لمواجهة منافسيها الأصغر سناً والأكثر نجاحاً. لكن آثار هذه الطريقة كانت قصيرة المدى تقريباً كحال سعر أسهم الشركة. إذ إنه بعد حصول موجة اندفاع أولية، والتي كانت نتيجة ثانوية لصورة ماير البرّاقة، بدأ المستثمرون والمعلقون في التشكيك. ويُعتبر الدرس واضحاً: إن ربط شركة ما برئيس تنفيذي جديد يحسّن سمعتها مؤقتاً، ولكن جوهر القيادة يبدأ داخلياً قبل الخارج بدلاً من العكس. لذلك تُعتبر تصورات الجمهور مهمة ولكنها ليست بنفس أهمية قدرة القائد على إدارة الشركة بفعالية.

الخبرة لا تزال مهمة.

في عصر مهووس بأحدث الكفاءات وإشارات المواهب وأدوات تحديد المواهب، يصبح من السهل نسيان الأساسيات، وهي أن خبرة القادة تعد عاملاً محورياً في تحديد فعاليتهم، وأنهم يكونون في قمة تأثيرهم عندما تمر الشركة بأوقات صعبة، وهو السبب وراء صعوبة فهم اختيار "ياهو" لمرشح عديم الخبرة لمنصب الرئيس التنفيذي. بالطبع، هناك عوامل أخرى تحدد إمكانية القائد إلى جانب الخبرة، بالإضافة إلى أنه يجب عدم الخلط بين الأداء الماضي والإمكانية. ولكن هذا لا يعني أنه علينا تفضيل القادة عديمي الخبرة وخصوصاً في الأوقات الصعبة. على الرغم من أن مسيرة ماير المهنية تُشير إلى أنها موهوبة فكرياً ومُقادة بشكل استثنائي، فقد تكون هذه الكفاءات المرغوبة مفيدة للنهوض بالمسيرة المهنية لأحدهم أكثر من قيادة الشركة بفعالية.

لسنا معتادين على قائدات إناث يتركن كل شيء بعد فشلهن أو نجاحهن.

ليس عليك أن تكون من مؤيدي الحركة النسوية لكي تدرك أن هناك احتمالاً معقولاً بأن استقالة ماير ستجذب عدداً أقل من الناس إذا لم تكن امرأة. وأنا هنا مذنب كأي شخص آخر ينتقدها، وصحيح أن ماير تدفع ثمن أنها مشهورة، ولكنه سيكون من الصعب إيجاد مستوى مماثل من الرفض الجماهيري (والإدانة) لأي رئيس تنفيذي ذكر يمرّ بالحالة نفسها أو أسوأ منها. وفي الواقع، تشير الدراسة التي تبحث في ظاهرة "المنحدر الزجاجي" إلى أنه من المرجح أن يوظّف مجلس الإدارة في شركة ما رئيسة تنفيذية أنثى عندما تكون الشركة في حالة صراع، وهذا لا يترك أي فرصة لماير أو أي امرأة تنفيذية للنجاح. إذ نأمل أن يقاوم الناس الإغراء الذي يدفعهم إلى تكوين استنتاجات حول القائدات النساء بناء على هذه الحالة وحدها، لأسباب ليس أقلها أن ماير بالكاد تمثل عامة القائدات النساء أو الرئيسات التنفيذيات.

يصعُب التوصّل إلى استنتاجات قوية عندما يكون العدد (ن) يساوي 1.

في مجال الشركات، ليس لدينا ترف الاختيار بين المؤشرات الموضوعية حول الأداء القيادي، فقواعد اللعبة غير واضحة. حيث يبالغ في تحديد النجاحات الشخصية والتنظيمية ويعمل القادة في عالم معقد ومجرد ورمزي يصعب فيه متابعة تصرفاتهم وقراراتهم. وهذا ليس عذراً للبوح بصعوبة تحديد أداء المدراء التنفيذيين. على سبيل المثال، أظهرت دراسات أُجريت على نطاق واسع أن المدراء التنفيذيين يشكلون نسبة مرتفعة تبلغ 22% من التباين في الأداء التنظيمي (أكثر من أي متغير آخر باستثناء المجال الذي تعمل به الشركة). وعلى أي حال، يصعب التوصل إلى استنتاجات عندما يكون العدد (ن) يساوي 1، وهذه هي الحالة التي نتحدث عنها، حيث لدينا مدير تنفيذي واحد ووظيفة وواحدة وشركة واحدة.

وسيثبت لنا الزمن فيما إذا كان بمقدور ماير استعادة مكانتها كقائدة في مجال التقنية، على افتراض أنها أُعطيت الفرصة لتفعل ذلك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي