يعدّ التسويق في العصر الإلكتروني والرقمي الآن أصعب ممّا كان عليه في أيام وسائل الإعلام الجماهيرية في حقبة ما قبل الانترنت. ففي ذلك الوقت، كانت الموازنات المالية الضخمة والرسائل القوية كافية لجعل المستهلكين يتذكرونك. أما اليوم، فقد بات الجمهور مشتّتاً ويحتاج إلى مقاربة أكثر استهدافاً. وحتى عندما تنجح في توعية الناس بعلامتك التجارية، فإن منافسيك يستطيعون إعادة استهداف نفس المستهلكين من خلال تقديم عروض منافسة لهم. فماذا عن التسويق بالمحتوى على شبكة الإنترنت؟
اقرأ أيضاً: للحصول على أفضل عروض ترويجية في مجال تجارة التجزئة… اطرح هذه الأسئلة
هذا هو السبب الذي دفع العديد من العلامات التجارية للانتقال إلى التسويق بالمحتوى. فعوضاً عن دفع المال مقابل وضع إعلاناتهم لتضيع بين مجموعة كبيرة من الإعلانات الأخرى، فإن التسويق بالمحتوى يتيح للعلامات التجارية التواصل مباشرة مع المستهلكين. ولكن للأسف، غالباً ما تكون النتيجة هي عبارة عن نسخ أطول من الإعلانات القديمة ذاتها. وبالتالي فإن المسوّقين بحاجة إلى تغيير أسلوبهم. وفيما يلي ثلاثة أسئلة ستساعدك في وضع استراتيجية قابلة للنجاح:
ما هي حاجتك للتسويق بالمحتوى؟
لماذا نحتاج إلى التسويق بالمحتوى في شركتنا؟ في مراجعة أجراها "معهد المواد الإعلانية التسويقية" لهذا الموضوع، يقول المعهد بأن المسوّقين يحتاجون إلى هذا النوع من التسويق لأن "فعالية التسويق التقليدي باتت تتراجع لحظة بعد لحظة". ربّما يكون هذا الكلام صحيحاً. لكنّه لا يفسّر لنا لماذا يعتبر التسويق بالمحتوى هي الحل. كان التسويق التقليدي، الذي اعتمد اعتماداً كبيراً على وسائل الإعلام الإذاعية والتلفزيونية، ناجحاً لأنّه سمح للمسوّقين بالوصول إلى الكثير من الناس، خلال فترة قصيرة من الزمن، وبتكلفة منخفضة للغاية. أمّا التسويق بالمحتوى فلا يقوم بأيٍ مما سبق. لذلك من الصعب أن نرى كيف يمكن لأي كان أن يستبدل استراتيجيته التسويقية عبر التلفزيون والإذاعة باستراتيجية أخرى قائمة على التسويق بالمحتوى.
لكن على صعيد آخر، تسمح التكنولوجيا الرقمية للمسوّقين اليوم بالتواصل مباشرة مع الزبائن، والشركاء، وعامة الناس بطريقة لم تكن ممكنة من قبل. صحيح أن المواد تصل إلى عدد أقل من الناس، وتستغرق وقتاً أطول بالمقارنة مع الاستراتيجية التسويقية عبر التلفزيون والإذاعة، لكنّها تمنح أيضاً إمكانات مثيرة وجديدة لتحقيق قدر أكبر من التفاعل مع الجمهور المستهدف.
من الواضح بأن إعلاناً تلفزيونياً غير فعّال مدّته 30 ثانية لا يجب أن يُستبدل بأفلام فيديو غير فعّالة مدّتها 10 دقائق. لذلك، لا تتعامل مع التسويق بالمحتوى بوصفه نسخة أطول من الحملة الإعلانية. بل يجب أن تفكّر جدّياً فيما تريد تحقيقه. فإذا كان السبب الوحيد الذي يدفعك إلى التسويق بالمحتوى هو لجعله يحلّ مكان عمليات التسويقية القديمة، فإن فشلك في هذه الحالة سيكون شبه مؤكّد.
ما القيمة التي تقدّمها؟
تكمن الميزة الرئيسية للتسويق بالمحتوى، إذا ما طُبِّقت بأسلوب فعّال، في أنّ الناس ينظرون إليها على أنّها "مصدر للقيمة" وليست ضوضاء مشتتة. فهي تضع الموارد والخبرات المتاحة لدى الشركة في خدمة الزبائن والشركاء بطريقة تجذب انتباههم وتبني على العلاقة المستمرة معهم.
اقرأ أيضاً: شراكة القوة: مدير التسويق ومدير المعلوماتية
فعلى سبيل المثال، تستفيد شركة نايكي من علاقتها مع كبار النجوم الرياضيين، وتقوم بتصوير أفلام فيديو جذابة تنشرها على ملايين الناس الذين يحبّون مشاهدتها ويتشاركونها مع أصدقائهم. كما تقدّم أميركان إكسبرس لزبائنها نصائح تجارية مبنية على رأي الخبراء عبر خدمة "المنتدى المفتوح". أمّا "معهد الدراسات المتقدّمة" (The Institute For Advanced Study) فيدعو بعضاً من كبار الباحثين في العالم لعرض تجاربهم الشخصية مع أعمالهم التي تشكّل فتحاً في مجال نشاطهم.
لذلك فإن المبدأ الأول لأي استراتيجية فعّالة للمواد الإعلانية التسويقية يجب أن يكون: امتلاك تصوّر واضح تماماً للقيمة التي تقدّمها للزبائن. هل هناك علاقات يمكنك الاستفادة منها كما هو حال شركة نايكي؟ أم أنك تقدّم النصائح، كما تفعل أميركان إكسبرس؟ أم أن بوسعك إعطاء الناس الفرصة للتواصل مع خبراء عالميين، كما يفعل "معهد الدراسات المتقدّمة"؟
لاحظ مدى الاختلاف الجذري بين هذه المقاربة والاستراتيجية الإعلانية التقليدية. فالمسوّقون كان قد تلقّوا تدريباتهم التي تنصّ على "التركيز على الزبون". لكن المنتجين والناشرين الناجحين أصبحوا "يركّزون على المهمّة المطلوبة" وهنا يكمن كل الفرق!
ما نوع التجربة التي ترغب بمنحها لجمهورك؟
تعتمد حملات التسويق التقليدية على البرامج الإذاعية والتلفزيونية التي تحظى بشعبية كبيرة من أجل بناء الجمهور. أمّا المسوقون بالمحتوى، من جهة أخرى، فهم بحاجة إلى لفت انتباه جمهورهم بقدراتهم الذاتية. فإذا ما أراد المسوّقون صنع مواد يريدون من الناس قراءتها ومشاهدتها، فإنّهم يجب أن ينتقلوا من التركيز على "صياغة الرسائل" إلى التركيز على "خلق التجارب التي يرغبون للجمهور بأن يشعر بها."
اقرأ أيضاً: لمحة تذكيرية حول العائد على الاستثمار التسويقي
لقد بات معظم المسوّقين يدركون أهمية التجربة التي يشعر به المستخدم عند استعماله للمنتجات أو المواقع الإلكترونية، لكنهم يتجاهلونها عندما يتعلّق الأمر بنشر المواد الإعلانية وإنتاجها، حيث يعود هؤلاء المسوّقون غالباً إلى أساليب التسويق التقليدية مثل الاستهداف المباشر وبعث الرسائل. قد يكون هذا الأسلوب ناجحاً في حالة الإعلانات التي يستغرق عرضها 30 ثانية أو في حالة إعلان يشغل نصف صفحة في مجلّة، لكنّه أقل نجاعة في خلق تجربة جذّابة لدى المتلقي.
أمّا الناشرون الناجحون فإنّهم يولون اهتماماً وثيقاً للتفاصيل الفنية مثل الشكل والأسلوب والصياغة. فمن نافل القول بأنّ المقالة المنشورة في صحيفة يومية يجب أن تكتب بأسلوب مختلف عن المقالة المعدّة للنشر في مجلة، تماماً كما هو حال الاختلاف بين حلقة تلفزيونية تجريبية وفيلم طويل. فتوفير تجربة ثابتة هو أمر هام، كما أن الجهات الناجحة في التسويق بالمحتوى تبذل جهداً كبيراً في وضع معايير دقيقة للعمل وتوثيقها.
لكل وسيلة إعلامية أسلوبها في العمل. فالمجلات تمتلك هيكلية وقواعد واضحة لنشر المواد وترتيبها. والمحطات الإذاعية تعمل على الساعة. والبرامج التلفزيونية لديها تقسيمات دقيقة، ومسارات واضحة للشخصيات، وهكذا دواليك. ولا يقتصر دور هذه القواعد على تحديد توقعات الجمهور، ومساعدته أيضاً على استيعاب المضمون والتمتّع به، وإنمّا تشكّل أيضاً العوائق والمحدّدات الأساسية التي يمكن للإبداع أن يزدهر ضمنها.
اقرأ أيضاً: لماذا لم تستطع تحليلات التسويق الوفاء بوعدها؟
وبالتالي، عوضاً عن النظر إلى التسويق بالمحتوى بوصفه حيلة أخرى من الحيل التسويقية، فكّر جدّياً في التجربة التي ترغب بمنحها إلى جمهورك، تماماً كما لو أنّك تحاول أن توجّه دعوة إلى الزبائن ليصبحوا جزءاً من عملياتك. فالتجربة التي ستخلقها لدى جمهورك هي ما سيعلق في ذاكرته، وهي التي ستقرّر ما إذا كان جمهورك سيرغب في العودة إليك مجدّداً أم لا.