هل يمكنك عقد مقارنة بين وظيفتين جديدتين؟ عُرضت عليك فرصة عمل جديدة ومثيرة للاهتمام ولكن في بلد آخر، وأنت تشعر بتعاسة في عملك الحالي وتحتاج إلى التغيير. كيف يمكنك في هذا الموقف اتخاذ قرار القبول أو الرفض العمل الجديد؟
يواجه الكثير من المهنيين -الذين دربتهم- صراعاً حول كيفية اتخاذ قرارات كبيرة توازن بين النمو الوظيفي من جهة وبين الرضا عن جوانب الحياة الأخرى. وفي حين أنه من السهل رؤية التأثير الذي يحدثُه خيار ما على المعايير الموضوعية مثل المسؤوليات والمناصب والهيبة والراتب وفرص التطور، فمن الصعب تقييم الاعتبارات الأقل وضوحاً، مثل التلاؤم الثقافي وجودة التفاعل مع الزملاء والقدرة على ممارسة النفوذ وتأثير العمل على العائلة والحياة الاجتماعية، والتي تؤثر كثيراً على شعور الشخص بالرضا الداخلي تجاه عمله.
وطورت أداة تسمح للعملاء بتحديد وتصور الإيجابيات والسلبيات للخيارات المختلفة، مع مراعاة تأثير كل منها على مشاعر القلب والعقل على حد سواء.
وتوضح القصة التالية كيفية وضع مقارنة بين وظيفتين واستخدام هذه الأداة مع طبيب يدعى حازم. وكان هذا الطبيب يشعر بأنه عالق في الاختيار بين الاستمرار في عمله الحالي ضمن مركز طبي أكاديمي مرموق وقد استمتع بالعمل فيه فعلاً، أو قبول منصب قيادي مميز في مستشفى محلي مجاور. حيث كان حازم يقيّم بعض المعايير القياسية العقلية، مثل الراتب والموارد والقدرة القيادية التنقلات اليومية وجداول العمل، ولأن هذا الأمر يعد تغييراً كبيراً في حياته أدرك أن عليه تقييم معايير أخرى نرتكز على المشاعر لتساعده في اتخاذ القرار الصحيح، مثل الدرجة التي يستمتع بها مع زملائه الجدد، والمرونة التي تتاح له بإدارة عبء العمل الخاص به، والقدرة على تخصيص الأولوية للعائلة، وصورته الذاتية، والاختيار بين أنه مجرد طبيب يحظى بتقدير كبير، مقابل النظر إليه على أنه قائد يتمتع بنفوذ أوسع من مسؤوليات العناية بالمرضى.
كما وضعنا مقياساً من واحد إلى خمسة ليدل على العوامل المؤثرة وربطها بحالة الطبيب حازم الذي كتب مجموع النقاط تحت عنواني المستشفى الحالي والمستشفى الجديد التي تحدّد مستوى كل منهما فيما يتعلق بكل عامل من العوامل، ثم ضربنا التقييم النهائي بالأهمية، وأضفنا المجموع لكل عامل من العوامل المؤثرة للتوصّل إلى نتيجة إجمالية لكل خيار وظيفيّ.
إذ حققت وظيفة المستشفى المحلي نقاطاً أعلى، لكن عرض النقاط بهذه الطريقة جعلنا نرى سلبيات الوظيفة الجديدة التي كانت مؤقتة في الأغلب. وعلى الرغم من تأكيد مجموع النقاط لحدس حازم الذي يرى أن حياته اليومية على المدى القصير أفضل في عمله الحالي، لكن احتمالية النمو الوظيفي تزيد على المدى الطويل كثيراً من قبوله الوظيفة الجديدة في المستشفى المحلي.
فنجد العوامل التي خفّضت من جودة المعيشة المرتبطة بوظيفة المستشفى المحلي، ترتبط أساساً بعبء العمل والوقت المخصص له ومرونة جدول الأعمال، وهي اعتبارات لها تأثير سلبي على حياته العائلية. كما أدرك أنه من غير المحتمل أن تتحقق ترقية بهذا الحجم في مؤسسته الوطنية. وبامتلاكه أداة سمحت له بتصور تأثير كل عامل من العوامل كان قادراً على استنتاج أنه سيكون أفضل حالاً في المستشفى المحلي بعد انقضاء العام الأول وبعد انتهائه من توظيف أطباء جدد، يمكنهم المشاركة في تحمل عبء العمل. ولا شك أنه كان من الصعب إدراك هذه النتيجة بمجرد التفكير الشامل في الأمور دون إطار منظّم.
أما سارة، فقد اعتادت العمل في مجال الإدارة واحتاجت إلى تغيير بعيد عن منصبها الحالي. حيث بحثت عن وظائف تنفيذية في مؤسسات أخرى، بالإضافة إلى فرص عمل في جمع التبرعات، ولكنها لم تتمكن من الحصول على داعمين لأي من هذه الخيارات. عندها اقترحتُ عليها أن تقوم بإكمال شبكة قرارت مشابهة لمقارنة الخيارات التي تدرسها. وكانت النتيجة مفاجئة لكلينا. وبالنظر إلى هذه الشبكة، رأت بوضوح أن نتيجة كل الخيارات كانت منخفضة جداً، حينها شعرت سارة بالإحباط والقلق لعدم وجود وظيفية ترضيها تماماً. وعندما سألتها عن نوع الوظيفة التي ترضي معظم العوامل الأكثر أهمية لها، مثل الاستفادة من مواهبها الطبيعية، وتوفير الفرص لمساعدة الناس الفورية، والحركة المستمرة، كشفت عن رغبتها الحقيقية التي دفنتها لأعوام تحت كومة من التعليمات التي تقيّدها وهي أن تكون ممرضة. ولكن في المرات القليلة التي أفصحت فيها إلى شخص ما برغبتها في أن تكون ممرضة، أخبروها أنها ستحقق نجاحاً أكبر بالعمل في وظيفة تنفيذية. ولكن بعد أن أكملت هذا الاختبار، لم يعد بالمقدرة إنكار شغفها الحقيقي بالوظيفة. إذ تدفعها رغباتها العاطفية بشدة نحو التمريض، على الرغم من أن تفكيرها العقلاني كان يخبرها بأن العودة إلى الدراسة ستكون مكلفة جداً، وسيصعب التخلي عن عامل الهيبة المتوفر في مهنتها الحالية ضمن مجال الإدارة.
ولكن عندما بدأت التفكير في مجال التمريض، كنا قادرين على تحديد مخاوفها الواحد تلو الآخر. إذ وجدنا طريقة للجمع بين رغباتها وقدراتها العقلية للحصول على كل شيء في نهاية الأمر. وكان ذلك عن طريق الكثير من المناصب القيادية المتوفرة في مجال التمريض، التي يمكن أن تفتح العديد من الفرص أمام سارة. وكما أنها تسعى لتحقيق ذلك الهدف طويل المدى، تستمتع أيضاً بعملها التطوعي في مركز الطوارئ المجاور، حيث تؤكد كل يوم أن العمل في المستشفى هو المكان المناسب لها. ولا توجد أي وظيفة إدارية مرموقة أو أي راتب ضخم يمنحانها الرضا أكثر من ابتسامات المرضى الممتنّين لجهودها بتوفير الراحة لهم في أكثر وقت يحتاجون إليها.
وعليه نجد أنه يمكنك امتلاك الجوانب غير الملموسة لوظيفة ما، مثل الاستقلالية والزمالة والهيبة والهدف، ولكن هناك عوامل ملموسة تؤثر أكثر في رفاهيتنا مثل الراتب والمزايا والعطلة، وتؤثر في قيمة العوامل غير الملموسة. وهنا عليك ترجمة العوامل الملموسة إلى أرقام مادية لتكتشف ما لها من تأثير في الحياة ومعرفة كيفية وضع مقارنة بين وظيفتين بالفعل.
اقرأ أيضاً: